ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 4 تشرين الأول 2021، على عمل الحكومة اللبنانية وعلى الملفات المعيشية الضاغطة. واقليميا على التقارب الاردني السوري.
الاخبار
عسكر لبنان تحت الحصار
الغرب استهدف المقاومة فحاصر عسكر لبنان!
ابراهيم الأمين
تحذيرات جدية من انهيار يهدد الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية بسبب الأزمة المالية والحصار الأميركي، دفع إلى استضافة السفارة الأميركية، أخيراً، لقاء ضم ملحقين أجانب وممثلين عن هذه الأجهزة للبحث في سبل دعم هذه المؤسسات بعدما تجاوز عدد من تركوا الخدمة طوعاً في كل الأجهزة الأمنية الـ 5000 بين ضابط ورتيب وعسكري، معظمهم في الجيش، ما يثير مخاوف غربية من أن الحصار الذي قُصد منه خنق المقاومة يرتد سلباً في شكل أساسي على المؤسسات الرسمية وعلى حلفاء الغرب
أبدت سفارات وملحقون عسكريّون أجانب اهتماماً بـ«التسرّب» من الخدمة في القوى الأمنية والعسكرية، وسعى هؤلاء إلى الاستفسار عن حجم هذا التسرّب، بعد الحديث عن تجاوز عدد من تركوا الخدمة طوعاً في كل الأجهزة الأمنية الـ 5000 بين ضابط ورتيب وعسكري، بينهم نحو 350 من قوى الأمن الداخلي، فيما القسم الأكبر منهم من الجيش. وقد تبيّن أن بعض الضباط الذين كانوا يشاركون في دورات خارج لبنان أرسلوا طلبات استقالة من السلك العسكري من الخارج.
الاستفسارات الغربية والعربية ركّزت على مسائل لا تتعلق فقط بالأزمة المالية التي تواجهها القوى العسكرية والأمنية، بل على نوعية التسرّب، إذ أن البعض سأل عن الرُّتب والمواقع والاختصاصات والطوائف والميول السياسية. وقد ظهر أن معظم المتسرّبين مسيحيون، يليهم شيعة ودروز، مقابل أقلية سُنية، وأن معظم الضباط الذين تركوا الخدمة يعملون في اختصاصات الطبابة والهندسة ويمكنهم العثور بسرعة على وظائف بديلة. فيما يسيطر إحباط على بعض العسكريين بسبب ما يسمونه «الاستنسابية» في توزيع مساعدات غير مرئية، خصوصاً في الجيش، إذ يتمتع أفراد من القوات الخاصة بمزايا إضافية، بقرار قائد الجيش العماد جوزيف عون حرصاً على عدم الإضرار بقدرة الجيش على التحرّك.
الجديد، هو تلقّي عواصم عربية وغربية «تحذيرات» من انهيار حقيقي في القوى الأمنية والعسكرية ما لم يتم تنفيذ برنامج مساعدات طارئ يشمل دعم الرواتب. وبعد سلسلة مشاورات، عُقد قبل نحو عشرة أيام اجتماع في السفارة الأميركية في عوكر، حضره ممثلون عن دول عدة وممثلون عن القوى الأمنية والعسكرية والأجهزة التابعة لها، وجرى خلاله استعراض الحاجات الملحّة لهذه القوى. وبعدما قدّم ممثل كلّ جهاز أمني وعسكري تقريراً عن الحاجات المباشرة لجهازه، لجهة العتاد وقطع الغيار والتجهيزات اللازمة خصوصاً في مجالَي مكافحة الإرهاب والمخدّرات، تطرّق البحث إلى ملف المساعدات المالية المباشرة. وقد وعد الأميركيون بإجراء اتصالات مع حكومتهم ومع دول أخرى، لتوفير مبالغ مالية كبيرة تساعد في تحسين رواتب العسكريين الى ما يوازي إعطاء راتب ثانٍ، وفق برنامج يتضمن التمييز بين المتأهّل والأعزب، وبين نوعية من يخدم في المكاتب أو يعمل على الأرض أو يشارك في مهامّ قتالية أو أعمال أمنية خاصة.
وقال ضباط كبار أمام المسؤولين الغربيين إن الدول العربية لن تزيد المساعدات، وإن ممثلين عن دول خليجية أكدوا في اجتماعات مغلقة رغبتهم بتقديم العون، لكنّهم يخشون إغضاب السعودية التي لا تزال تصرّ على رفض تقديم أي دعم مالي للبنان. وقال هؤلاء إن الموقف السعودي لا يتعلّق حصراً بالموقف من الرئيس سعد الحريري، بل يشمل كل الدولة اللبنانية مع قرار وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان «إبعاد لبنان عن طاولة البحث».
وقد شدّد مشاركون في الاجتماع على ضرورة الاستدامة في المساعدات، نظراً إلى العجز في مالية الدولة وصعوبة الوصول قريباً إلى حلول تُتيح تحسين أوضاع العسكريين. ويجري الحديث عن مساعدة أولية تساوي قيمتها نصف أساس الراتب تُدفع بالليرة، على أن تشمل كلّ الضباط والعسكريين. فيما جرى تعديل نظام الخدمة وفقاً لما عُمل به خلال أزمة كورونا، مع استثناءات إضافية. حيث بات بإمكان العسكري أن يخدم أسبوعاً ويغيب أسبوعاً أو عشرة أيام بحسب موقع خدمته، على أن تغضّ الشرطة العسكرية النظر عن أيّ عمل إضافي يمارسه العسكري، خصوصاً من يملكون مهارات مهنية، على أن يُترك للعسكري تقدير ما إذا كانت الأعمال الإضافية تشكل خطراً على المؤسسات العسكرية والأمنية أو تتعارض مع الواجب الوظيفي.
وقد عبّرت قيادتا الجيش وقوى الأمن الداخلي عن رغبتهما بالحصول على مساعدات مالية مباشرة للعسكريين من مختلف الفئات. وهو أمر دونه مشكلات كبيرة، أبرزها أن الحكومة ليست في وارد اتخاذ قرار برفع رواتب العسكريين دون غيرهم من موظّفي القطاع العام، كما أن المساعدات الخارجية لا تزال في غالبيتها على شكل هبات تتضمّن مساعدات لوجستية للقوى العسكرية وكميات كبيرة من المواد الغذائية والطبية توفر على الجيش الإنفاق من موازنته. علماً أن الأهم بالنسبة إلى بعض القطع العسكرية هو توفير قطع الغيار والمواد الخاصة بالصيانة، وهو أمر تعمل الولايات المتحدة على توفيره من خلال جيوش دول تعمل ضمن حلف شمال الأطلسي، أو تستفيد من دعم الجيش الأميركي، ما يجعل هذه الجيوش تقدم ما يمكنها الاستغناء عنه من معدّات للجيش اللبناني.
لقاء أمني – دبلوماسي في عوكر لدرس مشروع دعم مالي مباشر لرواتب العسكريين
وأكد أكثر من مصدر، بينها من المؤسسة العسكرية، حصول قيادة الجيش على دعم بالدولار الأميركي النقدي، وأن دعماً مماثلاً وصل إلى أجهزة أمنية أخرى من بينها الاستخبارات والأمن العام وأمن الدولة وقوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات، وُضع في خانة مبادلته بفواتير شراء معدّات، إذ تشتري هذه الأجهزة معدّات تُفوتر بالدولار وتُقدم إلى الأميركيين الذين يحتاجون إلى هذه الآلية لتبرير صرف الأموال أمام الكونغرس الأميركي. علماً أن الموازنات السرية الخاصة بالاستخبارات العسكرية الأميركية لا تزال تعمل في أكثر من مكان من العالم بما في ذلك لبنان.
ولم يتّضح بعد ما إذا كانت قيادات عسكرية وأمنية قد حصلت على دعم مباشر بالدولار الأميركي، وهو أمر يردّده عسكريون يؤكدون أن ضباطاً ورتباء «محظيين» حصلوا على دعم خاص، وقد بُرر ذلك بأنه تمّ من المصاريف السرية لقاء خدمات وأعمال لا يمكن الإفصاح عنها.
الأميركيون والبريطانيون سألوا عن احتمال تعرّض المؤسسات العسكرية والأمنية إلى انتكاسة جرّاء الانهيار المالي، علماً أن هؤلاء سمعوا من ضباط بارزين في الجيش وقوى الأمن الداخلي بأن الوضع المالي لمقاتلي حزب الله وضباطه أفضل بمرات عدة من الوضع المالي لعديد القوى العسكرية والأمنية، وأنه في حال اعتبر الغرب أن حصاره يهدف إلى ضرب حزب الله فقد أدّى إلى العكس. وهو ما عاد وأقرّ به الأميركيون الذين يحاولون صياغة سياسات جديدة، خصوصاً بعد بدء وصول المازوت الإيراني إلى لبنان، وخشيتهم من توسّع العملية لتشمل البنزين وربما الفيول لمحطات الطاقة والمواد الغذائية والدواء، وهذا من شأنه الإضرار بحلفائهم الذي يشكون أمام الغربيين والسعوديين والإماراتيين من نقص التمويل. علماً أن معظم الغربيين يعرفون بعد التدقيق أن السرقات وهدر الأموال من جانب حلفائهم من الأسباب الرئيسية وراء توقّف بعض العواصم عن الدعم. وقد وصل الأمر بأحد الأمنيين الأميركيين إلى القول إن دعم جمعيات مدنية أقل كلفة وأكثر فعّالية من دعم جهات حزبية بعينها.
ويروي ضابط كبير عن لقاء جمعه بأحد الأجانب تناول تأثير الأزمة على نفوذ القوى الأمنية والعسكرية وهيبتها، إزاء حزب الله على وجه الخصوص. وأضاف أنه سأل ضيفه عمّا إذا كان التضييق نجح في ضرب الحزب وإضعافه، ولفته إلى أن مقاتلي الحزب يخضعون لدورات تدريب وتأهيل مستمرة، وهي دورات تحتاج إلى موازنات على صعيد التغذية والطبابة وخدمة المشاركين في التدريبات أو المناورات وعلى صعيد توفير الذخائر والآليات. في مقابل تراجع القدرة التأهيلية لدى القوى الأمنية والعسكرية الرسمية إلى حدّها الأدنى، إضافة إلى أن مقاتل حزب الله يحصل على راتب يكفيه وعائلته ويسمح له بمساعدة آخرين، كما يحصل على وسائل دعم مختلفة في ما يتعلق بالغذاء والتعليم والطبابة والنقل، فيما تتراجع هذه الخدمات لدى مختلف القوى الأمنية والعسكرية.
وعليه، فإن الجميع يترقّب نتائج الزيارة التي ينوي قائد الجيش العماد جوزيف عون القيام بها إلى الولايات المتحدة قريباً، وما إذا كانت ستوفر له دعماً استثنائياً، علماً أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا كانت أقرّت بأن بلادها غذّت الحساب الخاص لقيادة الجيش في مصرف لبنان بعشرات الملايين من الدولارات الطازجة، لكنها قالت إن آلية الإنفاق مرتبطة بالفواتير المقابلة ولو المؤجّلة، مشيرة إلى هوامش واسعة جداً أمام قائد الجيش لتقرير وجهة إنفاق هذه الأموال.
من جهة أخرى، حذّر مسؤول بارز في قوى الأمن الداخلي من أن تعطّل التمويل المباشر لوحداته العاملة في مكافحة المخدّرات أو الإرهاب، سينعكس سلباً على عمل الجهاز، مشيراً إلى أن «موازنة أصغر مهرّب لتمرير صفقاته توازي مئة ضعف موازنة القوة الأمنية التي تعمل على مطاردته»، وأن الخطر هو من انتشار الرشوة في صفوف القوى الأمنية والعسكرية، وهو ما لوحظ في بعض عمليات مكافحة تهريب المخدّرات وتسهيل خروج مطلوبين للعدالة من لبنان.
وبحسب ضباط كبار في قوى الأمن الداخلي، فإن المشكلة قابلة للتفاقم أكثر بسبب تعطّل قسم كبير من آليات المخافر والمفارز التي تتحرّك عادة في المناطق كافة. وهناك صعوبة كبيرة في توفير أموال الصيانة أو شراء قطع الغيار. ويقول هؤلاء إن الاجتماعات التي عقدها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مع سفراء عرب وأجانب انتهت إلى حصول قوى الأمن على مساعدات غذائية وطبية وهبات مالية محدودة ذهبت إلى صندوق التعاضد الخاص بقوى الأمن، فيما لم تُترجم الوعود الكثيرة إلى أفعال جدية، رغم أن القوى السياسية الحليفة للولايات المتحدة ولدول الخليج لفتت انتباه هذه الدول إلى أن ما يجري يجعل القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية في حالة شلل.
دعم سلة الغذاء
بعد تفاقم الأزمة، أدخلت قيادة الأمن العام تعديلات على برامج الدعم الإضافي والتقديمات التي كان يحظى بها ضباط المديرية وعناصرها، مثل حسم نسبة من بونات البنزين الشهرية التي يحصل عليها الضابط في الخدمة أو في التقاعد، وتقليص حجم المساعدة الاجتماعية التي كان يحصل عليها العسكريون من صندوق خاص يتغذى من عائدات العلاقات العامة وبعض الهبات. وتأثرت الأقسام المعنيّة بالمعلومات والتحقيق في المديرية نتيجة تقلص قيمة المصاريف السرية التي كانت المديرية تحصل عليها أسوة ببقية الأجهزة، وخصوصاً أن المخبرين لم يعد يناسبهم العمل مقابل مبالغ كانت تساوي سابقاً بين 200 و300 دولار شهرياً وأصبحت الآن تساوي أقل من 40 دولاراً. فيما توجد مشكلة كبيرة في القرطاسية والورق والمحابر في عدد كبير من المراكز الأمنية، ما يؤثّر على سير العمل.
وأوقف الأمن العام إصدارات بلاغات التحري والفرار بحق الذين تركوا الخدمة من دون سابق إنذار أو خلافاً للقانون، وامتنع عن ملاحقتهم كما كان يحصل في الأحوال العادية، علماً بأن عدد الذين تركوا الخدمة قليل جداً قياساً ببقية الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ومنذ أكثر من سنة، توزع المديرية كل ثلاثة إلى أربعة أشهر دعماً مالياً للعسكريين يعادل 50 في المئة من أساس الراتب للمتأهل، و25 في المئة للأعزب. ولكن، منذ ثلاثة أشهر، تقرر صرف مساعدات شهرية تتراوح نسبها بين 10 و15 في المئة من أساس الراتب على العسكريين من مختلف الرتب.
وفي سياق مساعدة العناصر والضباط، بادرت قوى الأمن الداخلي والأمن العام والجيش إلى تقديم بونات حصص غذائية بأسعار مدعومة. وتعرض المؤسسة الأمنية سلّة غذائية للحاجات الأساسية بسعر يوازي ثلث سعرها في السوق. كما يستخدم قادة وحدات ومسؤولو مراكز إقليمية علاقاتهم لتوفير بونات غذائية ومساعدات عينية تُمنح مجاناً أو بأسعار زهيدة.
الأهالي و«الأهالي» يدعمون العسكريين
في بعض المناطق، حيث توجد مواقع ونقاط ثابتة للجيش، تبادر لجان أهلية وبلديات الى تزويد العسكريين ببعض الحاجيات الضرورية كالطعام والشراب. واللافت، بحسب أحد العاملين في قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، أن «الأهالي»، ويقصد عادة بهذا التعبير الوحدات المدنية في المقاومة الإسلامية، يوفرون لبعض النقاط الإنارة والمواد الغذائية والمياه وبعض المحروقات، ويجري ذلك بطرق غير مباشرة من خلال العلاقات الخاصة بين ضباط ومسؤولين في المقاومة في تلك المناطق.
كما أشار مسؤول فلسطيني الى أن بعض قيادات عسكرية فلسطينية في المخيمات الفلسطينية تعرض مساعدات أحياناً على عناصر القوى العسكرية المنتشرين عند أبواب المخيمات، مشيراً الى أن المقاتلين الفلسطينيين يتلقّون رواتبهم بالدولارات التي تصرفها السلطة الفلسطينية أو الفصائل الأخرى، ما جعل أوضاعهم أكثر راحة من أوضاع العسكريين اللبنانيين.
يشار أيضاً الى أن بعض الضباط الذين يملكون علاقات مع أصحاب تعاونيات كبيرة أو مراكز تموين يعمدون الى طلب مساعدات لعسكريين في مراكز الخدمة أو لعسكريين لم يعد راتبهم الشهري يكفي لأسبوع واحد.
وفي وزارة الداخلية، افتتح مطبخ يومي في المقر العام لتقديم وجبات طعام يومياً لعشرات العسكريين، إضافة الى صالون حلاقة مجاني للعناصر في الخدمة.
وفي سرية حرس رئاسة مجلس النواب، استفاد العسكريون من دعم خاص وفّرته حركة «أمل» لمحازبيها وعائلات تخصّها تمثّل في دفعة مالية قيمتها 400 ألف ليرة، إضافة الى حصص غذائية.
لا تأخذ مسدسك… لا تبعه!
في خطوة لافتة، ومخالفة لقوانين وأعراف عمل العسكريين، اتخذت وحدة القوى السيارة في قوى الأمن الداخلي قراراً بسحب المسدسات من العناصر أثناء مغادرتهم مركز الخدمة العسكرية خشية قيامهم ببيعها أو الادعاء بأنها تعرضت للسرقة أو الفقدان باعتبار أن ثمن المسدس الواحد يزيد على ثلاثين مليون ليرة، أي ما يعادل راتب العسكري لسنتين تقريباً. وقد اتّخذ القرار قائد فوج السيار المركزي المقدم روجيه عازار وقائد فوج التدخل السريع المقدم وسام فاخوري. وأثار القرار استياء العناصر لكونه تشكيكاً في أمانتهم، فضلاً عن أنّ عنصر الأمن يفترض أن يكون مسدسه بحوزته في كلّ الأوقات، فكيف في ظل هذه الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة؟ ورأى هؤلاء أنّ القيادة فضّلت قيمة السلاح على سلامة العنصر.
اختراعات «المركزي»: الخسائر تتحوّل إلى أصول!
هناك بند في موازنة مصرف لبنان اسمه بند «الأصول الأخرى»، وهو يتضمّن قسماً كبيراً من خسائره، أو ما يُسمّى «الفجوة» التي بلغت قيمتها 67 مليار دولار في نهاية تموز 2021، بعدما كانت خطة التعافي المالي قد حدّدتها بنحو 43.8 مليار دولار في نيسان 2020. لهذا الحساب قصّة تبدأ بمطالعة صادرة في عام 2002 عن الدائرة القانونية في مصرف لبنان لتُفتي بجواز اختراع هذا البند
حصلت «الأخبار» على وثيقة تؤكّد أن مصرف لبنان يعمل على إخفاء خسائره، على الأقل منذ عام 2002. فقد اخترع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن دون رأي المجلس المركزي أو عرض الموضوع على مفوّض الحكومة، حساباً في موازنته أسماه «الأصول الأخرى» وسجّل فيه غالبية ما يتكبّده من خسائر، ثم قسّمه لاحقاً ليصبح حسابين (الأصول الأخرى والأصول الناتجة من عمليات تبادل الأدوات المالية). الوثيقة تشير إلى أن سلامة أراد ورقةً يتسلّح بها لقونَنة إجراء غير شرعي خارج الأصول المحاسبية. وهكذا حصل، إذ نال من مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان بيار كنعان، فتوى تؤكّد أنّ «الأصول الأخرى» هي خسائر أنكر تحقّقها طوال الفترات الماضية.
في 7 تموز 2003، صدر عن مديرية الشؤون القانونية كتابٌ يحمل الرقم 2524/11 مستهلٌّ بعبارة «جواباً على سؤالكم (رياض سلامة) الشفهي، حول إمكانية استهلاك الخسائر التي أصابت مصرف لبنان نتيجة إصداره سندات بالدولار الأميركي لاستبدال جزء من محفظته من سندات الخزينة بالليرة والعملات الأجنبية فضلاً عن إصداره شهادات إيداع مصرفية لفترات واستحقاقات متتالية». ويخلص الكتاب، إلى الإجازة للحاكم بتسجيل الخسائر في حساب خاص. هذه الإجازة بنى عليها سلامة، ليفتح حساباً اسمه «الأصول الأخرى». هذا التمادي في المخالفة بدأ بتوجيه السؤال شفهياً وليس خطياً، فضلاً عن عدم «عرض الموضوع على المجلس المركزي لمصرف لبنان، أو إعلام مفوّض الحكومة به»، يقول أحد الأعضاء السابقين في المجلس المركزي. أما في المضمون، «فلا يجوز طلب رأي قانوني بما يخصّ أمر محاسبي، ولا سيما بوجود معايير عالمية للمحاسبة. إذا كان لا بُدّ من استيضاح، فالجهة الصالحة هي وحدة المحاسبة وشركتا التدقيق العالميتان اللتان يتعامل معهما مصرف لبنان. مُجرّد السؤال، يعني أنّ طريقة سلامة غير مألوفة حسابياً وتُثير علامات استفهام».
يُدير الدائرة القانونية في «المركزي»، بيار كنعان وقد أُحيل إلى التقاعد منذ سنوات، ولكنّه يستمر في رئاسة الدائرة القانونية بصيغة التعاقد. كنعان مُقرّب من الحاكم ويُطلَق عليه في مصرف لبنان لقب «الفاخوري»، لامتهانه إدارة أذن الجرّة كما يطلب سلامة. المطالعة حول «الأصول الأخرى» إحدى مآثره. فهو يستند في مطالعته، إلى المادة 70 من قانون النقد والتسليف، وتحديداً واجب مصرف لبنان الحفاظ على سلامة النقد، شارحاً كيف لجأ هذا الأخير إلى إصدار سندات بالدولار الأميركي لاستبدال جزء ممّا يحمله من سندات بالليرة والعملات الأجنبية، «إنجاحاً لمؤتمر باريس 2». ويعترف كنعان بأنّ هذه العمليات ستُكبّد مصرف لبنان خسائر، عبر قوله: «ولمّا كان الإطفاء الفوري لهذه الخسائر سيُعيق إنجاح هذه التدابير، وبالتالي سيؤثّر سلباً على النتائج المُبتغى التوصّل إليها خدمةً للمصلحة العامة. ولمّا كانت المبادئ المحاسبية التجارية غير واجبة التطبيق قانوناً بالنسبة إلى مصرف لبنان، كونه شخصاً من أشخاص القطاع العام (…) لا أرى قانوناً ما يمنع المصرف المركزي من اتّباع الأسلوب المحاسبي الذي يؤمّن هذه الغاية من دون أن يمسّ ذلك بمبدأ الشفافية وصحة القيود المحاسبية. وأرى، بالتالي، بأن لا شيء يمنع من قيد الخسائر المتراكمة الممكن أن تُصيب الأموال الخاصة لمصرف لبنان في حساب خاص يجري إطفاؤه من أرباحٍ مستقبلية».
يعتبر أحد المسؤولين الماليين السابقين أنّ اجتهاد بيار كنعان «يُجيز لسلامة تحت عنوان سلامة النقد، القيام بكلّ شيء. ماذا عن مهامّه الأخرى؟ وماذا عن خسائره التي نتجت عن ممارساته التدميرية للاقتصاد؟». ولكنّ المطالعة في الوقت نفسه «تنسف أكاذيب سلامة عن أنّ ترحيل الخسائر هو إجراء محاسبي مُعتمد، وتُدعّم ما ورد في ورقة شركة «لازار» عن أنّ الخسائر بدأت تتراكم منذ ما قبل عام 2002. أما الأهم، فإنّها تكشف بداية إخفاء الفجوة في حسابات مصرف لبنان». الاعتراف بأنّ بند «الأصول الأخرى» هو خسائر مُحقّقة «يعني أنّ مطلوباته أكبر من موجوداته، ويُفترض بحسب المعايير العالمية أن يُسجّل ذلك بشكل واضح في الموازنة».
لم يقتصر الأمر على ذلك، ففي تشرين الثاني 2015، وبالتزامن مع بدء «الهندسات المالية»، اخترع سلامة بنداً جديداً سمّاه «الأصول من عمليات تبادل الأدوات المالية»، نقل إليه قرابة 12 مليار دولار من الخسائر في بند «الأصول الأخرى». في خطة التعافي المالي لحكومة حسّان دياب وشركة «لازار» للاستشارات، ورد أنّ خسائر مصرف لبنان تبلغ أكثر من 40 مليار دولار. أما بحسب آخر موازناته المنشورة لنهاية أيلول 2021، فإنّ مجموع الخسائر (بندَا «الأصول الأخرى» و«الأصول من عمليات تبادل الأدوات المالية») بلغ قرابة الـ67 مليار دولار، وفق سعر صرف 1507.5 ليرات لكلّ دولار.
خسائر مصرف لبنان تأتي نتيجة «سنواتٍ من العمليات المالية الخاسرة التي أدارها، وقد تسارع هذا التراكم في إطار الهندسات المالية التي بدأت في عام 2016 (بدأت بطريقة «غير رسمية» سنة 2015 مع إجراء عمليتين لمصلحة مصرفَي عوده وميد، قبل أن تشمل الهندسات 35 مصرفاً بين عامَي 2016 و2017)»، كما ورد في خطة التعافي المالي. في العادة، تلجأ البنوك المركزية العالمية لتأخير احتساب الخسائر، ربطاً بأرباحٍ ستُحقّقها في المستقبل، لكن في الحالة اللبنانية، تقول الخطة إنه «عَكَف على استخدام هذه الممارسة المحاسبية على مدى فترة زمنية أطول بكثير، وبات إجمالي الخسائر غير المُحققة يُمثّل جزءاً لا يُستهان به من إجمالي أصول مصرف لبنان المُبلّغ عنها، وهو مبلغ ضخم لا يُمكن مقارنته بأي حالة أخرى في العالم».
ما قام به «المركزي» هو ليس فقط حالة فريدة بين البنوك المركزية العالمية، بل حتى إنّ مصرف لبنان بإدارة سلامة، لا يعترف أساساً بوجود خسائر، ولا يُدرجها في خانة الالتزامات. فهو أصدر بياناً العام الماضي ليُبرّر بأنّه «لا خسائر لدى البنك المركزي»، وما يُحكى عنه هو العوائد الناتجة من الفرق بين كلفة طباعة العملة وقيمتها الاسمية، أي ما يُسمّى بـ«عوائد سكّ العملة – Seigniorage». وحدّد في بيانٍ آخر أنّ «التكاليف المُرحّلة هي بسبب تدخّل البنك المركزي لدعم مالية الحكومة تحت ضغط زيادات أجور موظفي القطاع العام والتداعيات الاقتصادية لتدفّق اللاجئين السوريين منذ سنة 2011».
لا يتضمّن بند «الأصول الأخرى» سوى خسائر مصرف لبنان المُحقّقة بسبب عملياته، ولكنّ سلامة يُحاول التضليل عبر إشاعة أنّه يتضمن ديوناً على الدولة، كشراء المحروقات لمصلحة كهرباء لبنان. يُخبر الوزير السابق منصور بطيش أنّ «مصرف لبنان كان يُحوّل الدولارات لشراء المحروقات، وتدفع له المالية المبلغ بالليرة اللبنانية. بعدها صار سلامة يُعطي الدولة الليرات مقابل استحواذه على سندات دين بالعملة الأجنبية (ليس مقابلها تدفّقات حقيقية)، بل عمد إلى تسييل قسم منها في السوق. ما يعني عملياً، أنّ الدولة سدّدت ديونها بالدولار». إلا أنّ سلامة عمد عن قصد إلى «تسجيل نحو 18 مليار دولار ثمن شراء محروقات لمصلحة مؤسسة الكهرباء». يستند بطيش إلى دراسة للاقتصادي توفيق كسبار أظهر فيها أنّ وزارة المالية زوّدت مصرف لبنان «بين عامَي 2009 و2019 مبالغ تصل إلى 17.5 مليار دولار. الحكومة من خلال وزارة المالية هي التي موّلت مصرف لبنان بالدولار وليس العكس». الكذبة الأولى هي إذاً أنّ خسائر مصرف لبنان ناتجة عن استدانة الدولة، ويُضيف بطيش: «الكذبة الثانية أنّ جزءاً من الخسائر ناتج من الدفاع عن العملة الوطنية. سلامة دافع عن سياسة تحفيز الاستيراد الاستهلاكي وليس المواد المفيدة للاستثمار، وزاد العجز في ميزان المدفوعات (صافي الأموال التي تخرج وتدخل إلى البلد)، وليس لحماية العملة. أما تثبيت سعر الصرف فأتى لاعتبارات خاصة بالمنظومة القائمة ومصالحها».
إعادة تفعيل الاقتصاد وإطلاق القطاعات الإنتاجية، لا تتحقّق من دون عوامل عدّة أبرزها الاعتراف بالخسائر ومعالجتها. بند «الأصول الأخرى» يُشكّل جزءاً من سياسة سلامة النقدية التدميرية للمجتمع، ومواجهة هذه الممارسات الشاذّة لا تنجح من دون أن تأتي ضمن خطة إصلاح متكاملة، يكون أحد أهم بنودها إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف.
جواب خطي على سؤال شفهي
سنة 2006، أرسلت مديرية الشؤون القانونية في مصرف لبنان جواباً يحمل الرقم 5205/11 بناءً على «السؤال الشفهي» للحاكم رياض سلامة، إذا كان بإمكانه استخدام الفرق بين كلفة طباعة العملة وقيمتها لإطفاء خسائر.
ورد في المطالعة:
«لا ترى المديرية مانعاً قانونياً يحول دون إمكانية قيام مصرف لبنان باتخاذ التدابير والإجراءات المُبيّنة أدناه والمعتمد قسم كبير منها من قبل مصارف مركزية مختلفة:
– فتح فصل ضمن الموجودات تحت تسمية «أوراق نقدية جديدة مُصدرة» توازي قيمته الفارق بين كلفة طباعة الأوراق والقيمة الاسمية لها
– فتح فصل احتياطي تحت تسمية «احتياطي أوراق نقدية مُصدرة» تكون قيمته موازية للفارق بين كلفة طباعة الأوراق النقدية والقيمة الاسمية لها
– تسجيل القيمة المتراكمة للفارق ما بين الأوراق النقدية المُصدرة وكلفة طباعة هذه الأوراق في الفصلين المذكورين أعلاه
– تخفيض فصل الاحتياطي المذكور مقابل أية أعباء مالية قد يتحمّلها مصرف لبنان
ما يرد في المطالعة القانونية هو خديعة محاسبية أراد سلامة تطبيقها، عبر تسجيل الفارق بين طبع الليرة وقيمتها الاسمية في خانة الموجودات وحساب «الأصول الأخرى» واعتبارها ربحاً له، وبالتالي إطفاء خسائر بهذه المبالغ. في الجولات السابقة مع صندوق النقد الدولي، رفض ممثلوه اعتماد هذه الطريقة، وكانت إحدى النقاط الخلافية بين «الصندوق» ورياض سلامة.
التقارب السوريّ – الأردنيّ يبلغ القمّة: ما قبل عودة دمشق إلى الجامعة العربية؟
عُقدت اجتماعات أردنية – سورية مكثّفة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحت عناوين اقتصادية – أمنية – سياسية، انتقلت بمستويات العلاقات بين عمّان ودمشق من الأُطر البرلمانية والشعبية على مدار سنوات الحرب، إلى المباحثات الوزارية بعد تمنّع أردني طويل، أعقبها أخيراً فيضٌ من اللقاءات، وصولاً إلى اتصال مباشر أجراه الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، مع الملك عبدالله الثاني، هو، في واقع الأمر، خطوةٌ أخيرة في سياق ما جرى الاتفاق عليه، ومقدّمة للقاء قريب قد يسفر عن ترتيبات لعودة دمشق إلى الجامعة العربية
منذ زيارة الملك الأردني عبدالله الثاني، لواشنطن، في تموز الماضي، وزيارته لموسكو من بعدها، اكتملت ملامح الخطوات الأردنية المُلحّة لترتيب العلاقة مع الجارة «اللدودة» دمشق، وفقاً للتطورات على أرض الواقع، واختلاف اللاعبين والمموّلين للحرب، وحسْم ميزان القوى في الجنوب السوري لمصلحة محور المقاومة. وعلى رغم اعتبارها، في إحدى مراحل الحرب، السفير السوري، بهجت سليمان، ضيفاً غير مرغوب فيه، تمكّنت عمّان من المحافظة على خيط العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مبقيةً على قناة اتصال، آثرت أن تكون روسية بدلاً من القناة المباشرة مع سوريا، لمناقشة التطوّرات الأمنية التي كانت ولا تزال تشكِّل أولوية أردنية على الجبهة الشمالية الواسعة.
جاء التقارب الأردني – السوري مدعوماً بالضرورة بقرار ضمني إقليمي وغربي، وإن كان المدخل اقتصادياً لتقديم بديل عن الدعم الإيراني في مسألة الطاقة للبنان، ذلك أن التفاهمات الأردنية – الأميركية – الروسية على استمرار هدوء الجبهة السورية الجنوبية، كانت المحرّك الفعلي، في ظلّ الأولويات المختلفة لإدارة جو بايدن، وتفضيلها تقليص الحضور العسكري الأميركي في المنطقة وإعادة توزيع قواتها بعيداً من مناطق التوتر وقريباً من أماكن التدخّل. وبناءً على ما تقدَّم، جاء اتفاق التعاون الدفاعي الذي وقّعته واشنطن مع عمّان بداية العام الحالي، وأفصحت عنه الأخيرة في آذار الماضي. وضمن إعادة الانتشار الأميركي، تبقى قاعدة التنف نقطة لا يسهو عنها الجانب الأردني، إذ يعتبرها من النقاط الحسّاسة في منطقة الجنوب السوري الممتدّ، ما يستوجب مراقبة أردنية حثيثة للحدود التي أمّنتها واشنطن بالمعدات والتدريب اللازم لحرس الحدود الأردني، الذي يعلن بشكل مستمرّ عن إحباط عمليات تهريب مخدّرات يتمّ الترويج لها في الإعلامَين العربي والغربي على أنها عمليات هدفها تمويل القوات الإيرانية ومقاتلي «حزب الله» في المنطقة، مع التزام عمّان بالإعلان عن عمليات ضبط المخدّرات دون اتهام جهة محدّدة بها.
سيكون التركيز الأردني – السوري العلني على ملفات الكهرباء والغاز والنقل والماء وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين
وفق تطوّرات الأحداث خلال الأسبوع الماضي، أعلن الديوان الملكي الأردني إصابة ولي العهد الأمير حسين، بفيروس «كورونا». وتبعاً لذلك، دخل الملك والملكة في حجر صحي احترازي. ونظراً إلى تولّي عبدالله مع مدير مكتبه، وزير الخارجية أيمن الصفدي، زمام السياسة الخارجية الأردنية، كان لا بدّ من إعطاء هامش أكبر لحركة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، والذي يشغل منصب وزير الدفاع أيضاً، للتحرّك ضمن الخطوات الأردنية التي يمكن وصفها بالوساطة مع دمشق. وعليه، استقبل الخصاونة وفداً وزارياً سورياً ضمّ وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، وزير الموارد المائية تمام رعد، وزير الزراعة والإصلاح الزراعي محمد قطنا ووزير الكهرباء غسان الزامل. وجاء اللقاء بعد قرار وزارة الداخلية الأردنية إعادة فتح معبر جابر – نصيب أمام المسافرين والبضائع، إضافة إلى إعلان الخطوط الملكية الأردنية عودة رحلاتها من وإلى دمشق، وهو أمر لم تعترض عليه واشنطن. بعد ذلك، توجّه الخصاونة على رأس وفد وزاري أردني بشكل مباشر إلى بيروت، حيث التقى الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وعقد اجتماعاً مع نظيره نجيب ميقاتي، قبل أن يتوجّه إلى القاهرة لاستكمال المباحثات الخاصّة بتزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأردن وسوريا، إضافة إلى استكمال الربط الكهربائي، وهو مشروع تعوّل عليه عمّان بشكل كبير للخروج من الحالة الاقتصادية المتراجعة في البلاد منذ ما قبل تداعيات الأزمة الوبائية.
لذا، فإن الاتصال بين الرئيس السوري بشار الأسد والملك عبدالله، ما هو إلا خطوة أخرى في سياق ما جرى الاتفاق عليه، ويبدو أنه مقدّمة للقاء قريب سيسفر عن ترتيبات لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، بعد فشل المحاولات الأردنية – المصرية لإتمام الأمر في القمة العربية الماضية التي انعقدت في بغداد.
خلال الفترة المقبلة، سيكون التركيز الأردني – السوري العلني على ملفات الكهرباء والغاز والنقل والماء بشكل أساسي، وبشكل جدّي على موضوع إعادة الإعمار وعودة اللاجئين. أما الملفّ الأمني الذي يتعلّق بتعقيدات الوضع في الجنوب السوري في ظلّ تواجد القوات الإيرانية ومقاتلي «حزب الله» إلى جانب الجيش السوري، في موازاة منظومة الدفاع الجوي الروسية، فستجري النقاشات حوله في الغرف المغلقة، وستعلَّق كامل المرحلة المقبلة على التفاهمات في الموضوع الأمني حصراً، خاصّة أن استمالة دمشق لناحية عمّان ستكون لها انعكاسات، ولا سيما أن الأخيرة تمثّل المصالح الأميركية وبعض المصالح الخليجية في المنطقة. ولا يخرج الأمر عن تفاهمات مع تل أبيب القلقة من طهران، والساعية إلى توجيه ضربات لمقاتليها وبنيتها التحتية في الجنوب السوري، وهذه جبهة لا تريدها عمّان ولا واشنطن ولا حتّى دمشق.
اللواء
تجدُّد السِّباق بين العتمة والكهرباء.. والتلاعب بالدولار يُلهب الأسعار!
ملف لبنان بين ولي العهد ولودريان .. ومهمة دوكان تتركز على الإصلاحات قبل المفاوضات مع الصندوق
السباق بين عتمة مؤسسة الكهرباء وتقاعس القوى الأمنية عن حماية محطات المؤسسة في بيروت والمحافظات الأخرى، وقصور الرؤية لدى القيمين عليها، ونور الكهرباء، المفترض ان يكون أولوية حكومية، وفقا للبيان الوزاري وتصريحات المسؤولين على أشده، وسط نظرة سوداوية اضفتها على المشهد مؤسسة كهرباء لبنان عندما فاجأت المواطنين بما اسمته: انهيار الشبكة الكهربائية صباح أمس (الأحد) نتيجة تدني القدرات الانتاجية إلى حدودها الدنيا.
وبصرف النظر عن الوقائع التقنية التي اوردتها المؤسسة، فإن خيارها بتشغيل المجموعات الانتاجية، ورفع القدرة الانتاجية إلى حوالى 600 ميغاواط وصولاً إلى نفاذه بالكامل، دونه مخاطر، ما لم توضع شحنة الفيول العراقي (GradeB) في الخدمة في خزانات الذوق والجية، ومسارعة التزود بمادة الغاز اويل لكل من معملي الزهراني ودير عمار، من ضمن قرض الـ100 مليون دولار لمصلحة الكهرباء، وهو القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الأربعاء الماضي.
لا تعني التفسيرات التقنية والكهربائية، ومسألة الشحنات والمواصفات والمطابقات المواطن، الذي ترغب الحكومة بكسب ثقته، وهو بين خياري العتمة أو العجز عن مجاراة الارتفاع في سعر كيلوواط المولدات العاملة على المازوت، الذي يشتد الطلب عليه، وترتفع اسعاره مما يؤدي للجوء إلى الارتفاع في كلفة الاستفادة من كهرباء المولدات التي يعترض أصحابها على القرارات الوزارية في ما خص التسعير.. والاشتباك الأهلي بين المواطن وأصحاب المولدات، الذين وصفهم أحد المتكلمين في اعتصام حي البستان في صيدا بـ«مافيا المولدات الذي يمعنون بمراكمة الأرباح بالرغم من الضائقة الصعبة التي يعيشها النّاس.. وتساءل التجمع الاحتجاجي في حلبا كيف «يمكن ان يكون مقبولا ان تكون كلفة الاشتراك باهظة بحدود راتب موظف». وسط تساؤل مشروع عن «دور وزارة الاقتصاد وأجهزة الرقابة لضبط الارتفاع الجنوني للاسعار».
بالتزامن غادر وزير الطاقة والمياه وليد فياض مساء أمس إلى القاهرة، على رأس وفد ضم رئيس مجلس الإدارة كمال حايك، ومدير عام المنشآت النفطية اورور فغالي، ومختصين من الطاقة في مؤسسة الكهرباء، ومن مديرية النفط.
ويبدأ الوزير اللبناني اليوم اجتماعات مع كل من وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر محمّد شاكر.
وتتركز مواضيع البحث في هذه الاجتماعات حول حصول لبنان على الغاز المصري في أسرع فرصة ممكنة.
ويمضي الوزير فياض يومين في مصر، على ان يغادر مساء غد إلى عمان لعقد سلسلة لقاءات ومباحثات مع وزيرة الطاقة والثروة المعدنية في الأردن هالا زواتي ووزير النفط والثروة المعدنية في سوريا بسّام طعمة، كما ستشمل اللقاءات مباحثات بين مسؤولين عن قطاع الطاقة والنفط في الدول الثلاث لبنان وسوريا والأردن، بهدف حصول لبنان على كهرباء من الأردن عبر سوريا، على ان يعود مساء الأربعاء إلى بيروت.
سياسياً، علمت «اللواء» أن أي موعد لجلسة مجلس الوزراء المقبل لم يحدد بعد وقد تتوضح الصورة في مطلع الأسبوع المقبل على أن المجلس منفتح على طرح اي موضوع وجدول الأعمال ينبثق من القضايا التي ستتابعها الحكومة وتنطلق من الواقع اللبناني بيومياته المتعددة.
ولفتت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» إلى أن سلسلة ملفات تدرس في اللجان الوزارية قبل مناقشتها في مجلس الوزراء لبحثها بشكل متشعب. وأفادت أن هناك توجها بأتاحة المجال امام عرض ملاحظات الوزراء على ملفات وزاراتهم كما حصل مع وزير التربية والتعليم العالي عباس حلبي في الجلسة السابقة للحكومة.
إلى ذلك تردد أن زيارة الموفد الفرنسي بيار دوكان تأتي في إطار استطلاع الأوضاع والاطلاع عن كثب على مسار الأمور بإيعاز من الرئيس ماكرون ومتابعة النقاط التي تم بحثها في لقاء الرئيس الفرنسي مع رئيس مجلس الوزراء خلال زيارة الأخير إلى باريس. ومعلوم أن لقاءات دوكان في كل زيارة يقوم بها إلى بيروت كانت مختصة بموضوع المساعدات ولذلك لم يكن يعقد الكثير من اللقاءات.
وكشفت مصادر وزارية ان مهمة المبعوث الفرنسي السفير بيير دوكان، التي تبدأ في بيروت اليوم، تتناول الاطلاع على النقاط الاصلاحية، الواردة في خطة الانقاذ، التي ستتفاوض على اساسها الحكومة مع صندوق النقد الدولي. كما تتناول لقاءات غير معلنة مع الوزراء، الذين تشمل وزاراتهم الاجراءات الاصلاحية، ولاسيما، المالية، وزارة النفط والطاقة، وزارة الاشغال والنقل، الاتصالات، والادارات والمؤسسات العامة، التي تعنى بتنفيذ المشاريع المهمة، وبعضها بات، يستنزف الخزينة دون طائل،واعداد لائحة، بالإجراءات الاصلاحية، تمهيدا لمناقشتها، مع الدول والهيئات والصناديق المالية الدولية، المساهمة بمؤتمر سيدر للموافقة عليها، قبل صرف هذه المساهمات.
واشارت المصادر الى انه برغم عدم اكتمال خطة الحكومة الانقاذية، والتي كانت اعدتها الحكومة السابقة، وتحتاج الى بعض الوقت لانجازها، الا ان الخطوط العريضة فيها اصبحت معروفة، بعدما، تمت اعادة النظر، وتعديل نقاط ومفاصل اساسية فيها.
ويتوقع بلورتها قريبا، برؤية موحدة، لكل وزارات ومؤسسات الدولة بما فيها المصرف المركزي، وبعد اقرارها، ستبدأ فورا المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بخصوصها للتوصل الى اتفاق، للمباشرة بمساعدة لبنان للخروج من الازمة الراهنة.
ولم يستبعد مصدر وزاري ان يحضر ارتفاع الأسعار مجدداً في السوبر ماركات والمولات، بعدما سجل الدولار عودة سريعة للارتفاع، وبوتيرة متسارعة، ومفاجئة، مما رفع سعر كيلوواط الكهرباء، وأسعار الفروج، واللحوم، فضلا عن الخضار والفاكهة.
حركة دبلوماسية ناشطة
واليوم، لبنان يشهد حركة دبلوماسية مع وصول منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان لعقد اجتماعات مع الوزراء المعنيين بالملفات التي تشرف عليها باريس مباشرة ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والاطلاع على العناوين العريضة للخطة قيد الاعداد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، فيما يزور بيروت ايضا وزير خارجية قبرص الثلثاء وبعده وزير الشؤون الخارجية الالماني، قبل ان يحط فيها وزير خارجية ايران حسين امير عبداللهيان بين 6 و7 الجاري.
وفي السياق، صدرت بعض المواقف الخارجية المؤكدة استمرار دعم لبنان وحث السلطة السياسية على اجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها فأشار وزير خارجية فرنسا جان ايف لو دريان الى أن «تشكيل الحكومة في لبنان خطوة مهمة للنهوض بالبلد»، وأكد أن على الحكومة اللبنانية تنظيم انتخابات مستقلة وشفافة.
من جهته، أشار المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الى ان «ليس لدينا أجندة خفية في لبنان ونعمل على دعم الشعب اللبناني»، مؤكدًا «اننا ندعم لبنان والشعب اللبناني بشكل كبير وقدمنا الكثير من الأموال».
وحسب المعلومات فإن الملف اللبناني حضر في اللقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان والوزير الفرنسي، في ضوء الاتصال الذي اجراه الرئيس ايمانويل ماكرون بالامير محمّد قبل أيام.
وبالنسبة لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وحسب المعلومات، فإن خلافاً نشأ بين الفريق الرئاسي في بعبدا وقيادة الجيش حول استبدال الفريق العسكري المفاوض، برئاسة العميد بسّام ياسين، بآخر تقني دبلوماسي- إداري.
ونسبت قناة «الجديد» إلى ما اسمته معلومات إلى ان قائد الجيش العماد جوزيف عون، هدّد بالانسحاب من المفاوضات إذا تمّ استبدال الوفد العسكري.
وفي السياق، قال أمس رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين: «نحن نقول أن الأميركان يؤثرون في لبنان أمنيا وسياسيا وماليا واقتصاديا، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها، ولكن نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئا آخر، فنحن لم نخض هذه المعركة، لأننا نعرف ما قدرة تحمل هذا البلد، فأميركا عدو لا تقل عداوة عن إسرائيل، وأحيانا أكثر عداوة منها، ولكن نحن نرى ونسمع ونقدر الموقف إن كان بإمكان اللبنانيين التحمل أم لا، وكذلك نحن حريصون على البلد في استقراره وهدوئه، والجميع يرى ماذا نفعل من أجل بقاء هذا الوطن».
اجتماع حلبي اليوم مع روابط الأساتذة
تربوياً، يجتمع وزير التربية والتعليم العالي عباس حلبي اليوم مع روابط الأساتذة في القطاع العام، في إطار البحث عن العودة إلى التعليم الاثنين المقبل.
وسيبلغ حلبي ممثلي الأساتذة والمدرسين بما يمكن تقديمه لجهة إعطاء كل أستاذ 50 دولاراً شهريا، فضلا عن عدد من بونات البنزين.
وحسب بعض المصادر، فإن الاتجاه الغالب لدى الروابط عدم الحماس لهذه الطروحات.
وبالنسبة للجامعة اللبنانية، يمضي الأساتذة بالملاك والتفرغ في الإضراب، لجهة بدء العام الجامعي، وانضم إليهم الأساتذة المتعاقدين بالساعة، مطالبين بإقرار التفرغ.
قضائياً، وفي موقف خارجي داعم للمحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار، هو الاول اميركياً، دعا عدد من النواب في مجلس الشيوخ الأميركي الحكومة اللبنانية إلى الحفاظ على سلامة القضاة، الذين يتولون التحقيق في الانفجار المروع الذي هز مرفأ بيروت في الرابع من آب العام الماضي (2020)، مخلفا أكثر من 210 قتلى. وأبدى بيان صادر عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قلقه من «دور حزب الله في الدفع بقرار تعليق هذا التحقيق الحساس». كما شدد على نزاهة المحقق العدلي الناظر في ملف التفجير، القاضي طارق بيطار، معتبرا أنه قاضٍ محترم، خدم بلاده لأكثر من عقد. واعتبر الموقعون على البيان أن على الحكومة اللبنانية الحرص على سلامة القضاة والمحققين، كي يكملوا واجباتهم وينهوا التحقيق.
625974 إصابة
صحياً، اعلنت وزارة الصحة في تقريرها اليومي تسجيل 529 إصابة جديدة بفايروس بكورونا رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة إلى 625974، كما تمّ تسجيل 7 حالات وفاة.
البناء
اتصال الأسد وعبدالله ينهي سنوات الحرب والحصار ويسبق دعوة سورية لاجتماع عمّان الإقليمي
إيران تحذر أذربيجان من العبث الأمني «الإسرائيلي»… وواشنطن تشيد بالقاضي بيطار
«القومي» يعقد مؤتمره: لوحدة الحزب المقاومة هويتنا ومهمتنا الشام خيارنا لمجلس تعاون مشرقي
كتب المحرر السياسي
طوت سورية والأردن سنوات الحرب العجاف، عبر اتصال جمع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد بالملك الأردني عبدالله الثاني، في تتويج لمسار بدأ باستضافة عمان للقاء وزاري رباعي ضم الأردن ومصر وسورية ولبنان لتأمين استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سورية إلى لبنان انطلاقاً من كلام أميركي صريح بتعليق بعض عقوبات قانون قيصر على سورية، في محاولة لتطويق نتائج سفن كسر الحصار التي استجلبها حزب الله بالتنسيق مع سورية وإيران، لتتدحرج بعد ذلك الخطوات التي جمعت سورية والأردن، وفيما كان الجيش السوري ينهي بؤر الجماعات المسلحة في الجنوب انطلاقاً من تحرير درعا، جاءت دعوة عمان لوزير الدفاع السوري بصورة رسمية وعلنية أول خطوة سياسية واضحة نحو تموضع أردني جديد، يعكس إرادة دولية وإقليمية بالتراجع عن خيار الحرب والتسليم بحقائق الانتصار السوري، ولحقت بذلك لقاءات ومواقف فالتقى وزيرا خارجية البلدين الدكتور فيصل المقداد وأيمن الصفدي في نيويورك، وتفتح الحدود البرية بين البلدين ويعود تشغيل خطوط الطيران بين دمشق وعمان، ويكون التتويج بالاتصال الذي جمع الرئيس السوري والملك الأردني، تمهيداً لدعوة أردنية تقول مصادر متابعة للملف إنّ عمّان ستوجهها لدمشق للمشاركة في الاجتماع الدولي الإقليمي الذي ستستضيفه هذا الشهر كاستمرار للقمة التي عقدت في بغداد تحت عنوان قمة دول جوار العراق وغابت عنها سورية.
في المشهد الإقليمي خطت إيران خطوة هجومية رادعة نحو أذربيجان تحذيراً من العبث الأمني «الإسرائيلي»، موجهة رسالة واضحة للأميركيين، مضمونها ما ورد في كلام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بأنّ إيران لن تسمح بتحويل مناخ التفاوض حول ملفها النووي إلى فرصة لتمرير خطوات تمس بأمنها الاستراتيجي، فأولويات إيران تبدأ بأمنها القومي، وقرار التفاوض في فيينا سيتم تحت سقف مفهوم الأمن القومي الإيراني، والغرب المستعجل على عودة المفاوضات بعلم أن إيران غير مستعجلة، وأن عليه وقف ألاعيب التذاكي ولغة التحدي، لأن هذا ما يؤذي المسار التفاوضي وقد يعرضه للخطر.
لبنانياً يبقى الترقب لما ستفعله الحكومة في الملفات الساخنة وفي مقدمتها ملف الكهرباء والبطاقة التمويلية، بينما ينتظر اللبنانيون ما سيلحق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بعد الجمود الذي أصاب التحقيق جراء المطالبات القانونية بوقف التسييس الذي وجهت أصابع الاتهام للمحقق العدلي القاضي طارق بيطار بتقديمه على المسار القضائي الصرف، وجاء البيان الصادر عن نواب في الكونغرس الأميركي للإشادة بالقاضي بيطار ونزاهته، وإعلان دعمه ليرسم علامات إضافية حول مخاطر التسييس الذي يتهم بيطار باعتماده بدلاً من المعايير القانونية، وسط تساؤلات عن كيفية تعامل الجسم القضائي الذي سينظر بالدعاوى المرفوعة بوجه القاضي بيطار لهذا البيان الأميركي كإشارة على مخاطر وقوع التحقيق في فخ اللعبة السياسية.
على خلفية المشهد الإقليمي والمحلي، حيث المواجهة مع مشروع الهيمنة الأميركية والعدوانية الصهيونية عنوان المهام التي ترسم وجهة المرحلة المقبلة، عقد الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤتمره، متمسكاً بالوحدة هدفاً مستمراً، وبالمقاومة نهجاً وهوية ومهمة راهنة، والعلاقة بالشام كخيار يتجدّد ويتأكد كلّ يوم، وبتجديد الدعوة لقيام مجلس للتعاون المشرقي كردّ على الحصار والتهديدات التي يمثلها الاحتلال والعدوان والإرهاب.
وعقد الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤتمره العام يومي الجمعة والسبت الماضيين في دار سعاده الثقافية والاجتماعية في ضهور الشوير تحت شعار «بناء وارتقاء… إرادة لا ترد» بمشاركة أعضاء عبر Google Meet من الأردن والكويت ومناطق عبر الحدود… الخليج وأفريقيا وأستراليا وفرنسا وألمانيا والنمسا والبرازيل وكندا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والصين.
وبالتزامن عقد اجتماع في مجمع صحارى في دمشق ناقش ورقة العمل ورفع مجموعة من المقترحات والتوصيات إلى هيئة مكتب المؤتمر العام.
وافتتح رئيس هيئة مكتب المؤتمر الأمين حنا الناشف، المؤتمر باسم سورية وسعاده وألقى كلمة أكد فيها «أن قدرنا هو الوحدة، ليكون لنا حزب قوي وقادر وفاعل، أما شقّ الحزب فهو غاية كلّ أعدائه بهدف تحقيق ضعفنا وعجزنا كي يؤخذ على حزب وحدة الأمة أنه حزب لا يستطيع توحيد نفسه». وأضاف: «سيبقى هدفنا وحدة الحزب وشعارنا وحدة الحزب، وسيكون هناك بند مدرج على جدول الأعمال لنبحث فيه الوسائل لإعادة اللحمة إلى الحزب ولإصدار توصية ملزمة بهذا الصدد».
كما شهد المؤتمر عشرات المداخلات استهلها رئيس الحزب الأمين وائل الحسنية بعرض موجز للجهود التي بذلتها القيادة الحزبية في سبيل الوصول إلى مؤتمر جامع، لافتاً إلى أنه جرى تأجيل موعد انعقاد المؤتمر 6 مرات، تجاوباً مع مساعي الحليف القومي الذي أبدى حرصاً وبذل جهداً من أجل وحدة الحزب، ووجب علينا في هذا المؤتمر أن نشكر سورية رئيساً وقيادة ومسؤولين على إيلائهم كلّ اهتمام ورعاية لحزبنا. وأكد رئيس الحزب أن هذا المؤتمر سيكرّس ثابت السعي إلى وحدة الحزب، وهذا الثابت سيكون الشغل الشاغل للقيادة الجديدة.
كما كانت مداخلة لرئيس المجلس الأعلى الأمين أسعد حردان، الذي قدّم إحاطة سياسية للوضع العام في أمتنا مبيّناً حجم التحديات الكبيرة، معتبراً أن للحزب السوري القومي الاجتماعي دوراً رئيساً في مواجهة هذه التحديات، وأنّ تفعيل هذا الدور واجب الوجوب، ومن هنا حرصنا الشديد على أن يكون حزبنا قوياً بوحدته وفاعلاً بجهود كلّ القوميين الاجتماعيين الذين آمنوا بحزبهم طريق خلاص للأمة. وقال: نحن معنيون بتحمّل مسؤولياتنا تجاه شعبنا، وصوناً لقضيتنا، وهذا يملي علينا تأكيد المؤكد تمسكاً بثوابتنا وخياراتنا، وثباتاً على نهج الصراع والمقاومة لدحر الاحتلال والإرهاب. وختم: أن ما تضمّنته أوراق عمل المؤتمر من مقترحات وأفكار، كلها جديرة بالبحث والمناقشة والإقرار، وميزة حزبنا أن العقل مشدود دائماً إلى فكرة التحديث والتطوير والبناء والارتقاء.
ومن التوصيات التي تبناها المؤتمرون:
تأكيد ثبات الحزب السوري القومي الاجتماعي على نهج الصراع وخيار المقاومة والاستمرار في خوض معركة المصير والوجود لتحرير كل أرضنا وصون حقنا القومي، ورفض ومواجهة كل أشكال ما يسمى التطبيع مع العدو الصهيوني، وتعميم ثقافة المقاومة ودعوة كل شعبنا وكل الشعوب العربية إلى الوقوف بوجه سياسات التطبيع والهرولة التي ترمي إلى تصفية المسألة الفلسطينية وإضعاف أمتنا عبر تقسيم المقسم، لمصلحة العدو الصهيوني والاستعمار العالمي.
التأكيد على التحالف الوثيق مع كل قوى ودول المقاومة وتزخيم المبادرة التي أطلقها الحزب السوري القومي الاجتماعي لقيام مجلس تعاون مشرقي لتحقيق التساند القومي على المستويات كافة، بما يحقق مصلحة أمتنا، ويُسقط مفاعيل الحصار الذي تتعرض له.
وسجّل المؤتمرون توصية باستمرار الوقوف إلى جانب الجمهورية العربية السورية التي شكلّت على الدوام حاضنة المقاومة في أمتنا، ولم تتخلّ يوماً عن فلسطين، لا بل دفعت أثماناً باهظة لأنها وقفت بحزم ضد مخطط تصفية المسألة الفلسطينية، ووقفت إلى جانب وحدة لبنان والعراق. وأكدت التوصية ثبات الحزب السوري القومي الاجتماعي على تحالفه مع الشام، وهو تحالف تعمّد بالدم في مواجهة الاحتلال الصهيوني على أرض لبنان، وفي مواجهة الإرهاب والتطرف على أرض الشام.
في غضون ذلك، لم يُسجل المشهد الداخلي أي تطور بارز وسط ترقب للخطوات التي ستقوم بها الحكومة على صعيد الملفات الملحة في ضوء الإنتاجية المحدودة التي خرجت بها الجلسة الأولى لمجلس الوزراء. وبحسب معلومات «البناء» فإن الملفات الحياتية لا سيما الكهرباء وارتفاع سعر صرف الدولار والمحروقات والمواد الغذائية ستكون محور اهتمام الحكومة في الجلسات المقبلة واللجان الوزارية التي شكلت في الجلسة الأولى إضافة إلى استكمال الإجراءات التي أعلن عنها وزير التربية لتسهيل بدء العام الدراسي، فضلاً عن استكمال الخطوات المطلوبة لاستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي».
ويشكل ملف الكهرباء أحد أهم الاختبارات أمام الحكومة، لا سيما مع إعلان مؤسسة كهرباء لبنان أمس عن انهيار الشبكة مجدداً نتيجة تدني القدرات الإنتاجية إلى حدودها الدنيا ما سيؤدي إلى توقف بعض المعامل عن العمل، بالتالي المزيد من التقنين بساعات التغذية التي وصلت في بعض المناطق إلى الصفر. فيما تساءلت مصادر نفطية عن مصير بواخر الفيول العراقي التي تصل تباعاً إلى لبنان وكيف يتم استخدامها والاستفادة منها في رفع ساعات التغذية؟ كما عن مصير سلفة الكهرباء التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته الأربعاء الماضي؟
وأثار ملف الكهرباء سجالاً حاداً واتهامات متبادلة بين نواب كتلتي التنمية والتحرير ولبنان القوي، إذ رد النائب سيزار أبي خليل، في تصريح على النائب ياسين جابر، الّذي أشار إلى أن الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة نهبوا أموال الوزارة، قائلًا: «مش كلّ الوزراء متل وزرائكم».
وأشار عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم، في تصريح إلى أنّه «أن تصل الكهرباء إلى صفر تغذية، فالأمر يحتاج إلى معالجة سريعة»، مشدّداً على أن «كفى ذلاً وإهانةً، وإلّا فلتعلن الوزارة استسلامها ليتدبّر الناس أمورهم، ولا تسألوا كيف سيحصل المواطن على حقّه، في ظلّ هذا الاستهتار والاستخفاف بحقّ العيش الكريم للبنانيّين».
وعلى صعيد الاستعدادات التي تجريها اللجنة الوزارية المولجة استئناف التفاوض مع صندوق النقد أشارت المعلومات إلى أن «الوفد الذي سيفاوض صندوق النقد الدولي، سيعقد اجتماعاً خلال أيام»، وأكدت أن «الوفد سينطلق من الخطة التي وضعتها الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب، مع تحديثها وإدخال التعديلات عليها، لذلك سيجتمع مع خبراء لازار لإعادة صياغتها. كما سيجتمع خبراء لازار مع جميع الأفرقاء المعنيين منهم المصارف، لتحديد أرقام الخسائر وأسبابها ولكنها لن توزع الخسائر». وشددت على أن «مسار التفاوض مع صندوق النقد سيكون إيجابياً، ويُتوقع أن يصل لبنان لصورة واضحة بنهاية العام الحالي».
ولا تزال عيون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تتبع وتترصد الجهود الفرنسية مع السعودية لاقناعها بدعم لبنان، إذ وصل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمس إلى السعودية حيث سيجري محادثات مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان في الرياض. ولفتت مصادر فرنسيّة إلى أن «الملف اللبناني سيكون مدرجاً على طاولة المباحثات الفرنسية- السعودية وأنّ باريس مستمرّة بمساعيها بدعم حكومة لبنان».
وفيما أشارت معلومات «البناء» إلى أن المال الخليجي هو أساس في عملية النهوض بالاقتصاد اللبناني وفي تأمين المال اللازم من صندوق النقد والدول المانحة، استبعدت مصادر سياسية لـ»البناء» أن يشهد الموقف السعودي أي تغير نوعي باتجاه دعم لبنان بعد سنوات على مقاطعة لبنان، لافتة إلى أن «الموقف السعودي مرتبط بالموقف الأميركي الذي لم يفك الحصار بشكل كامل عن لبنان، بل مستمر في الحصار باستثناء إعادة تفعيل خط الغاز والفيول العربي إلى لبنان»، مضيفة أن واشنطن لا تريد فك الحصار عن لبنان قبل اختبار رهانها على تغيير موازين القوى في المجلس النيابي في الانتخابات النيابية المقبلة، وحتى ذلك الحين ستستمر في سياسة العقوبات والحصار للضغط على بيئة حزب الله وحلفائه في التيار الوطني الحر وقوى أخرى، وذلك لإضعافها في الانتخابات المقبلة».
وبقيت تداعيات زيارة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إلى بيروت حاضرة في المشهد السياسي، لا سيما وأنها التجلي الأكثر وضوحاً للمتغيرات في المنطقة والتحول في الموقف الأميركي انطلاقاً من موازين القوى الجديدة التي فرضها محور المقاومة في الإقليم، نظراً للطابع السياسي للزيارة الأردنية والرسائل التي حملتها بحسب ما تقول مصادر مطلعة على الزيارة لـ»البناء»، والتي كشفت بأن الخصاونة نصح المسؤولين اللبنانيين وميقاتي الإسراع بالتواصل مع سورية كنافذة أساسية لإنعاش الاقتصاد اللبناني.
ورأى وزير الخارجية الأسبق الدكتور عدنان منصور تعليقاً على الزيارة لـ»البناء» أن زيارة الحصاونة أتت بضوء أخضر أميركي، كما زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق واللقاء الرباعي في الأردن لإعادة تفعيل الخط العربي إلى لبنان وفق التوجيهات الأميركية، بعد زيارة السفيرة الأميركية دروثي شيا إلى بعبدا بعد كلام السيد نصرالله حول النفط الإيراني الذي غير المعادلة وكسر «قانون قيصر»، وأجبر الأميركيين على تزويد لبنان بالكهرباء والغاز عبر سورية للقوطبة على توسع النفوذ الإيراني في لبنان.
ويشير منصور إلى أن «سورية هي المتنفس البري الوحيد للبنان وبالتالي الخيار الوحيد للانفراج الاقتصادي، لا سيما بعد عودة العلاقات التجارية بين الأردن وسورية، ما يفتح طريق تصدير المنتجات اللبنانية عبر سورية سواء إلى العراق أم إلى الخليج عبر الأردن، وهنا جاء قانون قيصر ليضرب شبكة التواصل التجارية والاستراتيجية بين هذه الدول ويعاقب كل دولة تتعامل مع سورية ومنها لبنان». ويذكّر منصور بالاتفاقيات الموقعة بين سورية ولبنان والتي تعطلها حكومات لبنان المتعاقبة والتي تحتم اجتماع الدولتين لمتابعة تنفيذها».
ولفتت أوساط مطلعة لـ»البناء» إلى أن «الوقت الراهن هو التوقيت المثالي لزيارة ميقاتي إلى سورية، وأي تأجيل سيُرى بالمنظار السوري أنه ينطلق من حسابات خارجية وليس من حسابات القناعة وحسن النية والجوار النابعة من تاريخ وعمق العلاقات الأخوية بين البلدين»، داعية الحكومة إلى حذو حذو الاردن وطرق أبواب دمشق عاجلاً قبل أن تفعل ذلك آجلاً. وعلمت «البناء» في هذا السياق أن رئيس الحكومة الأردنية نصح ميقاتي بالتواصل الرسمي والمباشر مع سورية كما تفعل الأردن، إلا أنه بحسب أوساط رسمية فإن التوجه الحكومي ولا سيما رئيس الحكومة هو التريث بانتظار الموقف الخليجي والأميركي والاكتفاء بإرسال وفود تقنية أو الوزير المختص إلى دمشق وعمان لمتابعة الإجراءات الجارية لإعادة تفعيل الخط العربي.
وقال رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان عبر «تويتر»: «الاتصال الهاتفي بين الرئيس السّوري بشّار الأسد والملك الأردني عبدالله الثاني يؤكّد المؤكد، ويعكس ما ستشهده الفترة المقبلة من انفتاح عربي ودولي على سورية»، وأضاف: «هذا أضعف الإيمان إذ لا استقرار في المنطقة من دون عودة العلاقات الطبيعية بين الدول العربية وسورية». وختم ارسلان: «يبقى الأمل أن نتعظ في لبنان».
في سياق ذلك يتكشف كل يوم حجم الاستثمار الخارجي لقضية تحقيقات تفجير مرفأ بيروت من خلال التدخل في عمل القضاء اللبناني، وفي سياق ذلك، دان النائب حسن فضل الله في تصريح، موقف نواب في الكونغرس الأميركي من القضية، «لما يشكله من اعتداء سافر على سيادة لبنان، وتدخل مكشوف في هذه التحقيقات، لفرض إملاءات على القرارات القضائية، وهو ما يتطلب موقفاً رسمياً واضحاً بالدفاع عن سيادة لبنان، ورفض هذه الإملاءات وعدم السماح بأي استجابة لها». وقال: «إن الموقف الأميركي المعلن من مسار التحقيقات ودور المحقق العدلي وموقعيته، يؤكد وجود تدخل أميركي مباشر في هذا الملف لتوظيفه في إطار تصفية حسابات أميركية في الداخل اللبناني بعد فشل الحروب والحصار لإخضاع لبنان».
وأضاف: «بينما يلوذ وعاظ السيادة بالصمت عند كل اعتداء أميركي عليها، بل ويتناغمون معه، فإن هذا التوظيف الأميركي يتلاقى مع محاولات قوى محلية استغلال حالة الاستسابية وازدواحية المعايير التي تعتري التحقيقات، واستثمار دماء الشهداء وآلام المتضررين، لتحقيق مكاسب سياسية وتقديم أوراق اعتماد لجهات خارجية».
وختم فضل الله: «كل ذلك يستدعي إعادة التحقيقات في انفجار المرفأ إلى مسارها الوطني الصحيح دستورياً وقانونياً، بعيداً من أي إملاءات خارجية أو توظيف داخلي أو تسييس، وليكن الهدف الوحيد كشف الحقائق وإحقاق العدالة لمحاسبة المتورطين الحقيقيين، واعتبار ذلك قضية وطنية تعني جميع اللبنانيين».
المصدر: صحف