هل تساءلت يوما ما أقصى عمق يمكن أن يصل إليه الإنسان في باطن الأرض؟ الإجابة النموذجية (من الناحية النظرية) هي 7900 ميل (12700 كيلومتر) للأسفل، لكن من الناحية العميلة يحتاج للالتفاف حول الأرض لمسافة 12450 ميلا (20 ألف كيلومتر) لبلوغ نفس النقطة.
مع ذلك، وبافتراض وجود طريق مباشر من باطن الأرض، يمكن للأشخاص التحليق من خلاله، يمكنهم قطع المسافة في 42 دقيقة باعتبار طبعا أنهم سيتجنبون كل ما تحتويه وشهدت عليه الأرض من العصور الغابرة، بحسب تقرير لموقع “هاو ستاف ووركس” العلمي.
إذا حدث هذا، سيجد الأمريكيون أنفسهم يعبرون إلى قاع المحيط الهندي، والتشيليين سيكون بمقدورهم تناول الطعام في الصين، فيما سيتمكن سكان نيوزلندا من التجول في شوارع إسبانيا.
هل الأمور بهذه البساطة؟
بالطبع لا، سيكون فمثل هذه الرحلة تستدعي العبور أولا من خلال مسافة تتراوح بين 22- 44 ميلا (35- 70 كيلومترا) من القشرة القارية والتي تتراوح فقط بين 3- 6 أميال إذا كانت البداية في قاع الميحط، ويتبع ذلك 1800 ميل (2900 كيلومتر) من طبقة الوشاح.
يلي ذلك، المرور من طبقة بحجم كوكب المريخ وتتكون من الحديد المصهور الساخن مثل سطح الشمس (10 آلاف درجة فهرنهايت، أو 5500 درجة مئوية)، وبعد ذلك، المرور بالنواة الداخلية الصلبة والتي تعادل حجم القمر، وبعض الدراسات تشير (بعد ذلك) إلى وجود جوهر سائل أعمق.
وبفرض أن كوكب الأرض مجرد كرة صخرية باردة ومن طبقة موحدة وخاملة، وبتجاهل مقاومة الهواء، هناك قوة جاذبية على السطح تبلغ 32 قدما (9.8 متر) في الثانية المربعة.
ويعني ذلك أنه في كل ثانية يسقط فيها الإنسان أو الأجسام عموما، فإن سرعته تزيد 32 قدما في الثانية الواحدة، لكن بالقرب من سطح الكوكب فقط، مع العلم أن الجاذبية ترتبط بالكتلة، والكتلة ترتبط بالمادة.
وهذا ينقلنا إلى الفهم التالي؛ فعند السطح تكون كل مادة الأرض تحت قدم الإنسان، لكن إذا تدلى إلى داخل الكوكب، فهذا يعني أن المزيد والمزيد من مادة الأرض تحيط به، وبالتالي سيكون هناك المزيد الجاذبية.
ومع تزايد حجم كتلة الأرض فوق رأس الإنسان الذي دخل إلى باطن الكوكب، تتشكل قوة أكبر معاكسة لحجم الكتلة المتناقص في الأسفل، وباختصار، يؤدي هذا إلى تباطؤ عملية التسارع التي بدأت في الأعلى كلما اقترب الجسم من قبل الأرض.
وعند مركز الكوكب، سيكون التسارع الناتج عن الجاذبية “صفر” لأن كتلة الأرض تحيط بالجسم والجاذبية تنعدم ويكون الإنسان بلا وزن.
خلال منتصف الرحلة إلى المركز، ستصل سرعة الجسم إلى 15 ألف ميل في الساعة (24 ألف كيلومتر في الساعة)، وبعد 21 دقيقة من القفز، تتجاوز السرعة 18 ألف ميل في الساعة (29 ألف كيلومتر في الساعة).
وبعد 21 دقيقة أخرى، مع إبطاء الجاذبية للتقدم، يصل الإنسان إلى أبعد نقطة ويتوقف لفترة وجيزة في المنتصف، وإذا لم يجد شيئا يمسكه أو يسحبه للجانب الآخر، فإنه سيندفع عائدا بنفس الطريقة التي وصلها بها. وقد يستمر هذا إلى الأبد مثل حركة البندول أو ما يعرف بـ”الحركة التوافقية”.
بعيدا عن الافتراضات والتخيلات، سنحتاج لحفر نفق عبر بطن الأرض لتجاوز الضغط الناجم عن 6.6 سكستليون طن من الصخور، والذي يصل إلى نحو 3 ملايين ضعف ضغط مستوى سطح البحر. (السكستليون هو عدد ويعني: واحد وأمامه 21 صفر أو مليار ضرب تريليون)
الأكثر من ذلك، أنه لحفر نفق بعمق 25 قدما (7.6 متر)، سنحتاج إلى إزالة 20 مليار قدم مكعب (578 مليون متر مكعب) من الصخور، وهذا قدر هائل للغاية.
وبعد ذلك، هناك الحرارة، حيث يسخن الجزء الداخلي للكوكب بشكل مذهل. في الحقيقة سخونة القشرة وحدها قادرة على هزيمة تقنيات حفر الأنفاق الحالية.
بلغت أعمق حفرة وصل لها الإنسان، بئر كولا العميق في روسيا، نحو 40230 قدما (12262 مترا)، وهي مجرد جزء صغيرة في قشرة الأرض، ولم تكتمل بسبب ارتفاع درجة الحرارة في الأسفل. استطاع العلماء الحفر في قاع المحيط وبالكاد اقتربوا من طبقة الوشاح.
تغيرات الكتلة القشرية الناتجة عن الجبال وخنادق البحاث علاوة على كثافة الطباقات الداخلية للكوكب والتي تزداد كلما هبطنا إلى أسفل، تعني أن تسارع الإنسان عند الهبوط في النفق المزعوم ستختلف أكثر عن الوصف الخيالي السابق.
ستكون الجاذبية قاتلة بالطبع، وذلك بسبب ما يعرف بتأثير “كوريوليس” والزخم الزاوي، ما يعني أن حركة الجسم الجانبية ستدفع الإنسان نحو الاصطدام بالحائط قبل أن يصل إلى نهاية المطاف.
حتى إذ تم الحفر من نقطة أخرى لا يكون فيها تأثير كوريوليس، فإن جاذبية الشمس والقمر – والتي تؤثر على الأقمار الصناعية في المدار الخارجي للكوكب – ستجذب الجسم الساقط في باطن الأرض للاصطدام بالجدران قبل الوصول إلى نهاية النفط.
في النهاية، الحقيقة هي أن الخط المستقيم بين أي نقطتين على الكوكب ستستغرق نفس الوقت للسقوط عبر نفق يمر في باطن الأرض، فرغم أن النفق أقصر، إلا أن الجاذبية ستعمل على إبطاء التسارع واستغراق وقت أطول.
المصدر: سبوتنيك