توقَّف المحلِّلون بذهول، أمام جريمة الإغتيال الجماعية، التي نفّذتها الطائرات السعودية على دار العزاء في صنعاء، وتمادي آل سعود بإجرامهم، وذهابهم الى حيث لم تجرؤ إسرائيل عبر تاريخها الأسود الى عملية اغتيالٍ وسط حشود، وما فعله آل سعود عبر ارتكابهم مجزرة دار العزاء – إذا كانت الدار تضمّ قادة وسياسيين بين المُعَزِّين- فإن اغتيال 140 شهيداً وسقوط نحو 500 جريح، ليس دليلاً على الإجرام المجنون فقط، بل على الغباء في عدم إدراك ردود الفعل القاسية، وما إعلان “بركان الغضب” اليمني سوى بداية لبراكين سوف تتوالد دون توقُّف حتى تُزلزل عرش التكفير والإرهاب.
والتسخيف لعقول الناس الذي مارسه السعوديون بعد ارتكاب طائراتهم للمجزرة، من نكران المسؤولية أولاً، ثم الإعتراف غير المُعلن ثانياً، والإعلان عن إجراء تحقيق بمشاركة أميركية ثالثاً، هو سخافة عقل عند آل سعود أنفسهم، خاصة بعد أن بثَّ مواطن يمني شريطاً مصوراً لقصف الطائرات للدار، وانتشر الشريط على مواقع “اليوتيوب”، مما يُغني عن كل التحقيقات السعودية الكاذبة، وعن الأقمار الصناعية الأميركية التي تكشِف ما يرغب المجرمون بكشفه، و”تعجز” عن تصوير ما هو ممنوع، خاصة أن الجُبن الأميركي نفض يديه من المسؤولية، وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، أن واشنطن بدأت بمراجعة برامج مساعداتها للرياض بعد الغارة الدامية على دار العزاء في صنعاء، رغم أنها ليست الجريمة الجماعية الأولى التي يرتكبها آل سعود بالأسلحة الأميركية في اليمن.
الحقد السعودي له مبرراته في الخلفية الوهَّابية لدى عائلة مذعورة من بلوغ النهايات، لِعَرشٍ قامَ ودامَ على الدمّ، لكن ما ارتُكب في صنعاء وخلال أيام عاشوراء، لن يمرّ كما مررت القيادة السعودية أوامرها الى شركة أرامكو بوقف إمداد مصر بالنفط، على خلفية دعم مصر لوحدة سوريا واحترام قرار الشعب السوري وبالتالي تصويتها لصالح القرار الروسي في الأمم المتحدة، بل أن ما ارتُكِب بحقّ اليمنيين مؤخراً، بدا وكأنه ردَّة فعلِ ذئبٍ مُصاب تائه في البادية، يعيش مسلسل هزائم من اليمن الى العراق الى سوريا ويُحاول أن ينهش قبل أن يزفر الرمق الأخير.
ووسط “براكين الغضب” التي سوف تتفجَّر بوجه “تيجان التكفير والإرهاب”، من اليمن الذي يدِكّ أبناؤه الجنوب السعودي بالحِمَم، الى العراق الذي بُتِرَت عنه يدُ السيَّاف السعودي بفضل وعي أهله، الى سوريا حلب وحماه وجنوب دمشق حيث يُحقِّق الجيش السوري الإنتصارات، ينعقِد في جنيف يوم السبت المقبل لقاءٌ لإحياء المفاوضات الأميركية – الروسية حول سوريا، بحضور الأدوات السعودية والتركية والقطرية، في وقتٍ تسعى فيه السعودية لخطب وِدّ تركيا كبديلٍ عن مصر، وتسعى تركيا الى توقيع اتفاقية إنشاء أنبوب غاز تحت البحر من إسرائيل الى الساحل الجنوبي التركي لإمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي، وتستعد أيضاً لتبادل السفراء مع الكيان الصهيوني خلال العشرة أيام المقبلة.
وبعيداً عن ألاعيب الغُرف السوداء، والمصالح السياسية والإقتصادية الكُبرى، فإن مواجهة الحديد بالأجساد والقلوب المؤمنة التي انتصر من خلالها لبنان، يبدو أنها قَدَر الشعب اليمني الذي لم يبقَ لديه ما يخسره، وما ورد في كلِمتيّ سماحة السيد حسن نصرالله والسيد عبد الملك الحوثي عن اليمن في ذكرى عاشوراء، يُغني عن اللقاءات الدولية وعن الأحلاف وتبادل المصالح، خاصة أن الحسم بات نهائياً للميدان وصراع الوجود، وأميركا التي تعيش على مستوى القرار مرحلة “البطة العرجاء” خلال ما تبقى من ولاية أوباما، ويتصارع فيها المرشَّحان على الرئاسة عبر التشهير الشخصي المُخزي، هي أعجز مع أدواتها الخليجية والتركية عن تغيير واقع الميدان.
الموقف الحاسم والقاطع لسماحة السيِّد حسن نصرالله من مجزرة دار العزاء في صنعاء، لا يرتبط فقط بمصداقية ترجمة القول بالفعل التي نعرفها عن قائد المقاومة، بل حَمَل نبرة “صليل السيوف” وقال سماحته:
“مسيرتنا اليوم في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومسيراتنا العاشورائية في المناطق، عنوانها الأساسي هو إعلان التضامن مع الشعب اليمني المجاهد والمظلوم، ومع قيادته وجيشه ولجانه الشعبية، واليوم، أريد أن أضيف على ما قلته بالأمس: يبدو للمراقب أن الحرب المفروضة سعودياً على الشعب اليمني، لم تعُد أو لا تبدو أنها تُخاض على قاعدة تحقيق أهداف سياسية، وإنما باتت معركة تعبّر عن مستوى الحقد والضغينة والانتقام الذي يمارسه النظام السعودي بحق اليمن، هذه الحرب، وهذا الشكل من القتل، حيث يُطحن البشر والحجر والأطفال والكبار والصغار والشيوخ ويستهدف كل شيء في اليمن، فلأن السعودية دائماً كانت تفكر باليمن أنه ولاية تابعة للمملكة، وشعبها يجب أن يكون خاضعاً ومستسلماً لإرادة المملكة، لا أن يخرج شعب اليمن ليعبّر عن إرادته بالإستقلال والسيادة والحرية والقرار المستقل، لليمن القوي العزيز العظيم، المعروف تاريخياً بالعلم والحضارة عندما كانت نجد غارقة في الصحراء، لهذا ينتقم آل سعود من الشعب اليمني…وأنا أقول لكم الآن، على الحدود السعودية، في المواقع وفي الجبال والتلال، يهرب الجنود السعوديون، ولقد مرَّغ المجاهدون المقاتلون اليمنيون أنوف آل سعود في وحل السعودية”.
من جهته قال السيد عبد الملك الحوثي: “إن اليمن يواجه طغياناً يزيدياً تقوده السعودية والولايات المتحدة، والشعب اليمني يحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وهو يعيش في واقعه امتداد مظلومية الحسين ومحنة كربلاء حيث يُقتل أبناؤه وأطفاله، ونحن ننطلق من منطلقات الإمام الحسين بعيدا عن المراوغات والمكاسب السياسية، ومعركتنا مبادئ وهوية وانتماء، والنظام السعودي يحمل راية النفاق في الأمة، ويحمل مِعوَليّ هدم لمبادئها عبر مسارين، الأول، الديني التكفيري تحت رعاية أميركا، والثاني محاولة إفساد النفسيات والتحلل من الأخلاق بغير العنوان الديني”.
الخلاصة، إن الصفعات المعنوية التي تتلقاها السعودية، سواء برفض الإرتهان المصري لنفطها وأموالها وهيمنتها السياسية، أو الوعي العراقي في رفض تدخُّلها، وصولاً الى الهزائم المتلاحقة لإرهابييها في سوريا، وأعلان إفلاسها المادي نتيجة تمويل حروب هدر الدماء، هذه الصفعات جميعها، ليست بحجم الثمن التي سوف تدفعه في اليمن قريباً ، وما على آل سعود سوى أن يتذكَّروا وصيَّة مؤسس مملكتهم عبد العزيز لأبنائه: “خيرُكم من اليمن وشرُّكم من اليمن”، ومن أحرق خيرات اليمن بحقده عليه أن ينتظر براكين الشر التي سوف تُزلزل العروش…