أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يرى سيادة حقيقية للدولة الأوكرانية إلا في شراكتها مع روسيا، في إشارة إلى الأواصر التي تربط بين الشعبين الروسي والأوكراني منذ غابر الأزمان.
وفي مستهل مقالته “حول الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين”، والتي نشرت على موقع الكرملين الإلكتروني، اليوم الاثنين، صرح بوتين بأنه يعتبر “الحاجز الذي قام في السنوات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا.. مأساة كبيرة مشتركة”.
وذكر بوتين أن ما حدث نتج، في المقام الأول، عن أخطاء ارتكبها الطرفان في مراحل مختلفة من التاريخ، لكنه جاء أيضا “نتيجة أنشطة تخريبية ممنهجة من قبل القوى التي كانت تسعى دائما إلى تقويض وحدتنا، وفقا لمبدأ: فرق تسد”.
وأشار بوتين إلى أن الروس والأوكرانيين والبيلاروس ورثة روسيا القديمة، كبرى الدول الأوروبية في حينها، حيث كانت القبائل السلافية وغيرها تربط بينها لغة واحدة وأواصر اقتصادية وثيقة وسلطة الأمراء من سلالة واحدة، أما بعد تبني روسيا الديانة المسيحية فانضمت إلى عناصر الوحدة المذكورة وحدة الدين الأرثوذكسي.
ولفت بوتين إلى أن الدولة الأوكرانية الحديثة تعد وريثة للحقبة السوفيتية والتي تشكلت خلالها الجمهورية السوفيتية الأوكرانية بحدودها الجديدة “على حساب روسيا التاريخية”.
مع ذلك فقد اعترفت موسكو، وفقا لبوتين، بوقائع جيوسياسية جديدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بل و”عملت كثيرا لنجاح أوكرانيا كدولة مستقلة”، وخاصة عبر بيع الغاز الطبيعي لها بأسعار منخفضة.
وفي تحليله لحقبة ما بعد تفكك الدولة السوفيتية بالنسبة للعلاقات الروسية الأوكرانية، لفت بوتين إلى أن النخب السياسية في أوكرانيا اختارت تأسيس فكرة استقلالها على إنكار وحدتها الماضية مع روسيا (“باستثناء مسألة الحدود”) وشرعت في إعادة كتابة التاريخ المشترك وتصوير ماضي أوكرانيا كجزء من الإمبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفيتي على أنه حقبة “الاحتلال الروسي” لها.
ووفقا لبوتين فقد كان الغرب يدفع النخب المحلية باستمرار إلى الابتعاد عن روسيا ويجر أوكرانيا أكثر فأكثر في “لعبة جيوسياسية خطرة هدفها تحويل أوكرانيا إلى حاجز بين أوروبا وروسيا وخندق متقدم في مواجهة روسيا”. وأدى ذلك، بحسب بوتين، إلى أن صيغة “أوكرانيا ليست روسيا” فقدت جدواها في نهاية المطاف وحلت محلها صيغة “أوكرانيا ضد روسيا”، وهي صيغة “لن تقبلها روسيا أبدا”.
وعلق بوتين على طرح الرئيس الأوكراني الحالي على البرلمان مؤخرا مشروع قانون يقصي الروس من قائمة “الشعوب الأصيلة” في البلاد، قائلا: “ليس من المبالغة القول إن النهج الهادف إلى إدماج الأقليات القسري وتشكيل دولة أوكرانية نقية عرقيا ومعادية لروسيا، يمكن تشبيه تبعاته بعواقب استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدنا”.
وتابع بوتين أن مشروع “أوكرانيا ضد روسيا” تم نبذه من قبل ملايين من مواطني أوكرانيا، حيث اتخذ سكان شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول قرارهم التاريخي، أما سكان منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا فاضطروا للدفاع عن منازلهم ولغتهم وحياتهم من عنف القوميين المتطرفين.
وأكد بوتين أن روسيا عملت ما في وسعها لإيقاف النزاع المسلح في دونباس الذي أودى بحياة أكثر من 13 ألف شخص وفقا لأرقام الأمم المتحدة، وأن موسكو لا تزال متمسكة باتفاقات مينسك الخاصة بتسوية النزاع في المنطقة – على خلاف ممثلي كييف الذين يعلنون رسميا تمسكهم بهذه الاتفاقات، لكنهم لا يبدون أي رغبة في مناقشة وضع منطقة دونباس القانوني أو ضمانات لسكانها، بل “يفضلون استغلال صورة ضحية احتلال خارجي والاتجار بالـ(الروسوفوبيا)”.
وقال بوتين إن تصرفات السلطات الأوكرانية تدل على أن كييف غير مهتمة بمصير منطقة دونباس إطلاقا، لأن سكان هذه المنطقة لن يقبلوا أبدا بالأنظمة التي تحاول كييف فرضها عليهم قسرا، وكذلك لأن اتفاقات مينسك التي تتيح لأوكرانيا فرصة للحفاظ على وحدة أراضيها عبر عقد اتفاقات مباشرة مع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك “الشعبيتين” بوساطة روسيا، “تناقض منطق مشروع أوكرانيا ضد روسيا، الذي يعتمد على إبقاء “صورة العدو الداخلي والخارجي”، وذلك “تحت إشراف الدول الغربية”.
وبحسب الرئيس الروسي فإن ما تشهده أوكرانيا حاليا لا يقتصر على الوقوع في تبعية تامة للغرب، بل يعني انزلاق البلاد “تحت إدارة خارجية مباشرة”، بما في ذلك إشراف مستشارين أجانب على أجهزة السلطة والاستخبارات والقوات المسلحة، واستخدام الأراضي الأوكرانية عسكريا من قبل دول الناتو، وانتشار البنية التحتية للحلف هناك.
وشدد بوتين في مقالته على أن “أوكرانيا السيادية” لا وجود لها في المشروع “المضاد لروسيا”، أما هؤلاء الذين يحاولون الدفاع عن الاستقلال الحقيقي للبلاد، فيتم مطاردتهم كـ “عملاء لروسيا”. وأشار إلى أن ملايين من الأوكرانيين يرفضون هذا المشروع، لكن السلطات في كييف سلبتهم حرية التعبير عن آرائهم عبر وسائل تخويف مختلفة.
وأكد بوتين انفتاح روسيا على الحوار مع أوكرانيا واستعدادها لمناقشة كل المواضيع الصعبة معها، لكنه أشار إلى أنه من الأهمية بالنسبة لموسكو أن تدرك أن شريكها “يدافع عن مصالحه ولا يخدم مصالح غيره، وليس أداة في يد طرف ما يريد استخدامه ضدنا”.
وعبر الرئيس الروسي عن اعتقاده الراسخ بأن “السيادة الحقيقية لأوكرانيا غير ممكنة إلا في شراكة مع روسيا”، مجددا أنه يعتبر شعبي البلدين “شعبا واحدا”. وختم بوتين مقالته بالقول: “لم تكن روسيا أبدا ولن تكون مضادة لأوكرانيا. أما وجه أوكرانيا فعلى مواطنيها أن يحددوا ملامحه”.
المصدر: روسيا اليوم