تحل الذكرى الـ15 للعدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006 في ظل حرب اقتصادية أميركية قاسية تُشَن على اللبنانيين في محاولة للتضييق عليهم بهدف خنق بيئة المقاومة وحلفائها من كل المكونات، على امل تحقيق ما عجزت واشنطن والكيان الصهيوني وبعض الادوات الاقليمية عن تحقيقه في الحروب العسكرية والامنية سواء في نسختها الاسرائيلية او بواسطة الجماعات الارهابية التكفيرية.
وهنا تطرح تساؤلات عديدة، كيف يمكن مواجهة هذه الحرب الاقتصادية؟ وكيف نكسر الارادة الاميركية في ظل هذا الكمّ من الفساد الضارب في مؤسسات الدولة اللبنانية وهذا الجشع الذي تمثله جهات تجارية واقتصادية مدعومة من بعض الجهات السياسية لاستغلال لقمة عيش المواطن وإغراقه في الازمات طويلة الأمد؟
الأكيد ان القدرة الأميركية على حصار لبنان كانت ستعطل بشكل كبير لو ان الفساد غير موجود فيه، فكلما ارتفعت نسبة الفساد ارتفعت نسبة النجاح الأميركي بحصار لبنان إقتصاديا وإغراقه في أزمات مفتوحة في اسعار او فقدان سلع أساسية وحياتية وادوية وغيرها، والعكس صحيح، فكلما استطعنا تخفيف وطأة الفساد والجشع لدى بعض السياسيين والاقتصاديين كلما انخفضت القدرة الاميركية ومن يقف خلفها على تشديد الحصار.
ولعل الإدارة الأميركية تحاول الحصول من لبنان على مكتسبات مختلفة تتعلق باستخراج النفط في البحر او برفض مشاركة بعض القوى الفاعلة وبالتحديد حزب الله في الحكومة المقبلة، وأصلا يوجد فيتو أميركي بمنع التعاون مع اي وزارة يكون فيها الوزير منتميا لحزب الله والمقاومة، فهذا الاستغلال الاميركي للظروف الاقتصادية والانسانية المستجدة في لبنان منذ خريف العام 2019 ما هو إلا صورة جلية عن الاداء الاميركي اللاإنساني والتدخلي والتخريبي الذي درجت عليه في معظم دول المنطقة، هذا إن لم تكن الادارة الاميركية ومؤسساتها المختلفة قد افتعلت كل هذه الأزمة في لبنان لتحقيق غاياتها ومخططاتها بمواجهة لبنان والمقاومة.
لكن المقاومة وقيادتها وبيئتها حاضرة ومدركة لكل المؤامرات التي تحاك ضدها وهي طالما امتلكت الوعي الكافي لفهم ان ما يجري هو محاولات لفك ارتباطها وبث الفتن بين أبناء البيت الواحد، وعلى الرغم من صعوبة المرحلة وقساوة المواجهة لان العدو يحاربنا بوجع الناس وحاجاتهم ومأكلهم ومشربهم، إلا ان من ضحّى بكل ما يملك في يوميات حرب تموز قادر على الصمود في معركة “عض الاصابع” التي يمارسها العدو اليوم، فمن قدم بيته ومعمله ومصدر رزقه وصولا الى تقديم النفوس والابناء رخيصة لتبقى الأرض حرة والسيادة مصانة والراية مرفوعة، لن يتراجع ويستسلم امام محاولات تجويعه وحرمانه من مادة او سلعة أساسية او رفع الأسعار بشكل باهظ.
فالمعركة هي معركة وعي وإدراك لما يجري ولا يجب ان تلهينا بعض المحاولات لحرف الحقائق وتحميلها لمن لا يحمل مسؤوليتها وعن وضوح الرؤية للسياسات المالية والاقتصادية على مدى عقود واستغلال الادارات الاميركية لثغرات وضعف الدولة في لبنان ولانسياق بعض الاطراف للاهواء الاميركية، فحفظ المقاومة وبيئتها يتوازى مع جهود مواجهة الحصار الاقتصادي والفساد المالي وكان هناك خطوات عديدة للمخلصين في هذا البلد في هذا الشأن وهو اصلاح وإن كان صعبا ولكنه يبقى واجبا وجهدا متواصلا، مع الحذر من اي لعب على فتنة داخلية ينتظرها الاسرائيلي والاميركي على “أحرّ من الجمر” لتضييع كل المكتسبات التي حققتها المقاومة بكل أطيافها.
فالشعب الواعي المقاوم هو من يقف وقفة واحدة بمواجهة الفاسدين كما بمواجهة اصحاب الحرب الاقتصادية كما وقف بوجه العدو الصهيوني، مع زيادة التكافل وتطوير العمل الانتاجي والزراعي والاستثماري ونبذ التجار المحتكرين والطامعين وغير ذلك من أساليب الصمود والمجابهة في زمن ومرحلة صعبة جدا.
المصدر: موقع المنار