الاسرة المتماسكة والمنتجة
العنوان الرئيسي لاسبوع الاسرة هذا العام هو الاسرة المتماسكة والمنتجة، ونقصد بالاسرة المتماسكة: الاسرة التي تحرص دوما على تماسك وتقارب وتلاحم أفرادها، في مقابل تفكك الأسرة الذي يحولها الى مجموعة من الأشخاص كل منهم يعيش في واد على الرغم من اقامتهم في بيت واحد، ونقصد بالاسرة المنتجة: الاسرة التي يعمل ويكد افرادها لتأمين المداخيل الازمة لحياة عزيزة وكريمة ويتشاركون في تحمل الاعباء والمصارفات التي تحتاجها.
الأسرة هي المؤسسة التربوية الأهم في المجتمع والتي لا تغني عنها أو تحل محلها أو تقوم بدورها ووظائفها أية مؤسسة أخرى مهما بلغت اهميتها.
ولا شك ان الاسرة المتماسكة والمنتجة هي اساس في تنمية المجتمع وتطوره لانها تربي الاسرة على تحمل المسؤولية وعلى الفاعلية في المجتمع، وهي صمام آمن للمجتمع لانها تحمي ابنائها من اي اخطاء او انحرافات.
وهناك العديد من النصائح التي أكدت عليها النصوص والاحاديث الشريفة والدراسات الاجتماعية وخبراء الصحة النفسية لتعزيز العلاقة وحالة التماسك المطلوبة بين افراد الاسرة، واهمها:
1-اعطاء مساحة من الوقت وخاصة من قبل الوالدين للتواصل مع الاولاد والتحدث اليهم والسهر معهم وممارسة بعض الالعاب معا وتناول الطعام على مائدة واحدة معا، ليشعر الولد بأهميته في قلب والديه ويأنس بهما ، فحتى الفترة التي يوصل فيها الاب او الام أولادهما إلى المدرسة يمكنهما أن يجعلاها مرحلة تواصل وتقارب بينهما وبين الاولاد بدلا من اعتبارها مجرد واجب يقومان بتأديته حيث ان الكثير من الاولاد يعتبرون رحلتهم إلى المدرسة كل صباح من أهم الفترات للحديث مع الأم او الاب في امور عديدة .
وقد ورد عن النبي (ص): (جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا) .
وعنه(ص): “من كان عنده صبيّ فليتصابَ له”.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “من كان له ولد صبا”.
2-الحرص من الوالدين على اختيار الكلمات الرقيقة المفعة بالود والحنان، فالصرامة في الحديث والانتقاد المستمر يوجد جوا من التوتروالارباك وعدم الوفاق، بينما الاحترام والتعامل بمحبة ورأفة مع الاولاد يعزز المشاعر الطيبة بين أفراد العائلة .
فقد روي عن رسول الله(ص) انه قال: خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلي.
فلا يصح ان يتجاوز الانسان الحدود في التعامل مع اسرته، فيتعامل مع أفراد عائلته بأسلوب مسيء، باسلوب الإهانة والاساءة والتعنيف، فهذا مخالف لتعاليم الاسلام والشرع الاسلامي وهو يدخل في دائرة المعصية لله تعالى.
فكما أوجب الله تعالى الإنفاق على الأسرة، أوجب حسن المعاشرة لها، ونهى عن أيّ إساءة لأيّ فردٍ من أفرادها، زوجًا أو زوجةً، أو أولادًا.
وقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: (فاستوصوا بالنساء خيرًا) .
وعنه (ص) أنه قال بعد دفن الصحابي الجليل سعد بن معاذ: (إنّ سعدًا قد أصابته ضمّة، … إنه كان في خلقه مع أهله سوء) .
وروي عنه (ص) أنه قال: (من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذيًا ظالمًا) .
وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) أنه قال: (وَ لَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ)
وعن الإمام الكاظم (ع) : (إنّ الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيءٍ كغضبه للنساء والصبيان) .
وإذا كان الانسان المؤمن حريصًا على كسب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، بأداء العبادات وإعطاء الصدقات، وسائر أعمال الخير، فعليه أن يعلم أنّ حسن تعامله مع أفراد أسرته، وتقديم الاحترام والإكرام لهم، هو من أعظم موجبات رضا الله سبحانه، ونيل رحمته وثوابه، وهو مقياس صلاح الإنسان وخيريته.
3- التعبير باستمرارعن مشاعر الحب بين الزوج والزوجة وبينهما وبين الاولاد والتقارب العاطفي بينهم
فعن رسول الله (ص): قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا .
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: “وجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني”.
4- تخصيص وقت لقضاء الاجازات أو زيارة الأهل والأصدقاء مع افراد الاسرة، كونه يساعد على التقارب وتوطيد العلاقات ويولد مشاعر مشتركة بين جميع أفراد الأسرة.
فعن النبي(ص): “أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنّهم لا يرون إلاّ أنّكم ترزقونهم”
5- تخصيص وقت لكل ولد من الاولاد، فكل واحد منهم في حاجة إلى وقت خاص به، خاصة في حالة وجود أكثر من ولد في البيت ، فهذا الوقت يجعل من كل واحد منهم يشعر بمكانته المتميزة وبالتالي لا يكون مضطرا لبذل الجهد من أجل الحصول على اهتمام الوالدين به.
فقد ورد عن النبي (ص): (جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا) .
6- تقديم المساعدة والمساندة عند الحاجة من صفات العائلات المتماسكة والمترابطة.
7- إرساء مبدأ المشاركة والتعاون بين ابناء الاسرة في ادارة الحياة وتحمل المسؤوليات والاعباء المختلفة، فعندما تسود روح الشراكة والتعاون داخل البيت ويتحمل الجميع مسؤوليته في ادارة الشؤون ويساهم الجميع ببعض الاعمال وتقسم الادوار ولا يتكلون على الاب وحده او على الام وحدها، فان الاعباء تصبح مقبولة والحياة تصبح اكثر هدوءا وسعادة.
وهذه الروح -روح المشاركة المنزلية- كانت موجودة بقوة في بيت علي وفاطمة وموجودة لدى رسول الله(ص) نفسه، ففي ذات يوم دخل رسول الله (ص) على عليّ (ع) فوجده هو وفاطمة عليها السلام يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ (ص): “أيّكما أعيى؟” فقال عليّ (ع”فاطمة يا رسول الله” فقال (ص) : ” قومي يا بنية”، فقامت وجلس النبي (ص) موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ.
8- تربية الاسرة والأبناء على الايمان والقيم والأخلاق الفاضلة والكريمة، وتوجيههم نحو القدوات الصالحة، ومساعدتهم على اختيارالأصحاب المناسبين وتحذيرهم من اختيار رفقاء السوء، فأولادكم أمانة في أيديكم وستسألون عنهم يوم القيامة.
وأول خطوة على طريق التربية: هي تعليم الابناء المعارف الدينية والعبادات والواجبات والحلال والحرام، والآدب التي حثنا الاسلام على الالتزام بها، والاهتمام بهذا الجانب وعدم الغفلة عنه، لأنه غالبا ما نهتم ويهتم الأهل بتعليم أولادهم أكادميا والعناية بطعامهم وملبسهم ومسكنهم ومدرستهم وما شاكل وهذه امور مطلوبة وضرورية، ولكن لا ينبغي الغفلة عن الاهتمام بالجانب الديني والاخلاقي والسلوكي للأولاد وبناء شخصيتهم الايمانية والرسالية، فالبعض لا يهتم مثلا باداء ابنائهم للعبادات والمستحبات والاعمال الصالحة التي حث الدين عليها، لا يهتم بتعليمهم الصلاة والصوم وقراءة القرآن والذهاب الى المسجد وحضورالمجالس الدينية وحمايتهم من الضياع مع الشباب الفاسد والطائش .
بينما يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
فهداية الاسرة والاولاد هي مسؤولية تقع على عاتق الاهل على الاباء والامهات بالدرجة الاولى، فانهم مسؤولون عن أولادهم وسيسألون يوم القيامة عن تربيتهم في هذا الجانب؛ فالنبي ص) في الحديث المشهور يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” .
وقال (ص) أيضاً : ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “.
وعلى الاهل ان يتحلوا بالصبر وطول البال في تعليم ابنائهم وتعويدهم على الطاعة؛ وان لا ييأسوا من عدم تفاعلهم احيانا او عدم استجابتهم لما يدعونهم اليه، بل عليهم الاستمرار في متابعتهم بشكل دائم.
وأهم اسلوب لتربية الاسرة على العبادات والواجبات هي أن يكون الوالدان قدوةً حسنةً للأبناء بتأدية العبادات والطاعات فاذا كان الاهل يصلون ويصومون ويلتزمون بالحلال والحرام فان الاولاد يعتادون على الصلاة والقيام بالواجبات، وهكذا اذا كان الاهل يتصفون بالخُلُق الحسن، والمعاملَةِ الطيّبة، فالأبناءُ يُقَلِّدون الوالدَيْن في هذا السلوك وفي جميع الصّفات والتّصرفات. فمثلا : الأطفال الذين تجري على ألسنتهم ألفاظ بذيئة تجاه الآخرين، اذا دققنا في منشأ ذلك سنجد انهم في الغالب قد اكتسبوا هذا الأسلوب مما يسمعونه داخل عوائلهم. فما يتكرر على مسامع الزوج أو الزوجة، أو الأولاد في المنزل، يصبح مقبولًا في نفوسهم، ويعتادون على استخدامه في المنزل أولًا، ثم يتجرأون على ممارسته خارج المنزل.
بكل هذه التوصيات يمكن أن نحقق اسرة متماسكة تأتي بثمار طيبة يتمتع بها أفراد الأسرة كافة، وخصوصا الأبناء الين يمثلون أمل المستقبل ونواة المجتمع الفاضل.