ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الخميس 08-04-2021 في بيروت على إنقلاب المشهد الداخليّ والبيئة الدوليّة والإقليميّة المحيطة به، من التفاؤل الى التشاؤم، فقد تزامنت مجموعة من التطورات التي دفعت بالمصادر المتابعة للشأن الحكومي إلى الاستنتاج أن هناك تغييراً جذرياً في المواقف يجعل التعقيدات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة تتغلب على مساعي التسهيل.
الأخبار
«وساطة» مصرية تتبنّى مطالب واشنطن والرياض
في العلن، هي مساع للتوفيق بين اللبنانيين علّهم يضعون خلافاتهم جانباً ويذهبون إلى تأليف الحكومة، لكن في الواقع، لم يكن التحرك المصري سوى تأكيد إضافي لتبنّي مصر، ومن خلفها فرنسا، وجهة النظر الأميركية والسعودية، التي يعبّر عنها داخلياً سعد الحريري، واتهام جبران باسيل بالتعطيل. ذلك دور لا يمكن أن يكون توفيقياً، ولا يمكن أن ينتج حكومة. إذا كان باسيل معرقلاً فعلاً، فبالمستوى نفسه على الأقل يعرقل الحريري. يكفي أنه يريد لنفسه ما لا يريده لغيره. أضف إلى أنه يحمل لواء المبادرة الفرنسية، ثم لا ينفك يفرغها من مضمونها الإصلاحي المتمثل في التدقيق الجنائي.
فشل الفرنسيون في إقناع السعوديين بتليين موقفهم من سعد الحريري، فدخل المصريون كبدل من ضائع. صارت «أم الدنيا» مع «الأم الحنون» جزءاً من المشكلة في لبنان. ببساطة، قررا التخلي عن دور الوسيط لصالح تبنّي وجهة النظر التي تعتبر أن «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» يُعرقلان تأليف الحكومة. هما نفسيهما لم يجدا في رهن سعد الحريري نفسه والبلد بانتظار لقاء، لن يأتي، مع ولي العهد السعودي ما يستدعي، على الأقل، تحميله جزءاً من مسؤولية المراوحة. هو في النهاية رئيس الحكومة المكلف بتأليف الحكومة، والمسؤولية الأولى تقع عليه، لكنه لا يفعل سوى انتظار المبادرات والتنازلات.
زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لا يمكن تفسيرها، بالشكل والمضمون، سوى أنها ضغط إضافي على «المعرقلين» لتأليف حكومة بالتي هي أحسن. ولذلك، تكامل الموقف المصري المعلن في لبنان مع الموقف الأميركي والسعودي، الذي ينطق به إيمانويل ماكرون ومرؤوسوه. وهذا الموقف كرّره وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث أشار إلى أن بلاده ستتخذ «تدابير محددة بحق الذين فضّلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد». واعتبر أن «الأيام المقبلة ستكون مصيرية، وفي حال لم يتخذ هؤلاء الأطراف قرارات ملائمة، فسوف نقوم من جهتنا بواجبنا».
وقال إن «الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعية، بل عن مسؤولين سياسيين معروفين، القوى السياسية تتعنّت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة، هذا التعنت يأتي من قبل أطراف سياسيين محددين يضعون مطالب تعجيزية خارج الزمن».
أما شكري فأسف في تصريحاته لاستمرار الانسداد السياسي، وأشار إلى أنه «ينقل رسالة تضامن من مصر، وتأكيد توفيرها لكل الدعم للخروج من هذه الأزمة لتأليف الحكومة، بما يفتح الباب للدعم الإقليمي والدولي، ويؤدي الى تحقيق المصلحة المشتركة لدول المنطقة، ولكن في المقام الأول للشعب اللبناني الشقيق». لكن الوزير المصري الذي أتى إلى لبنان «لاستمرار بذل كل الجهود في إطار التواصل مع المكونات السياسية اللبنانية كافة من أجل الخروج من الأزمة الراهنة»، لم يجد حرجاً في التغاضي عن لقاء فريقين سياسيين على علاقة مباشرة بتأليف الحكومة هما «حزب الله» (الحزب الأكثر تمثيلاً على المستوى الشعبي في لبنان) و«التيار الوطني الحر» (صاحب الكتلة النيابية الأكبر).
لكنه في سياق دعم الجهود التي تبذل «لتأليف حكومة من الاختصاصيين»، وجد، على سبيل المثال، أن من المفيد لقاء النائب السابق سامي الجميّل والاتصال بسمير جعجع، اللذين لا يُقدّمان ولا يؤخّران في المسألة الحكومية. شكري الذي التقى أيضاً النائب السابق وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي واستقبل النائب السابق سليمان فرنجية، زار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والرئيس المكلف، لكنه لم يتردد في كسر البروتوكول، فلم يلتق الرئيس حسان دياب ولا وزير الخارجية (كان حاضراً في اللقاء مع رئيس الجمهورية). لكنه مع ذلك، أكد بعد لقائه الحريري أن «مصر حريصة على أمن لبنان واستقراره، وذلك يقتضي إنهاء حالة الجمود الراهنة واضطلاع الجميع بمسؤولياتهم في تعزيز استقرار لبنان ووحدته، واضطلاع مؤسساته بمسؤولياتها الكاملة تجاه الشعب اللبناني الشقيق».
كل ذلك يشير إلى أن الزيارة المصرية، إن كان لها من مساهمة في مسألة تأليف الحكومة، فقد كانت مساهمة سلبية، تؤكد وقوف مصر مع فريق من اللبنانيين ضد آخر، وهي بذلك بدت حريصة على التماهي مع الفرنسيين والسعوديين، من دون ادعاء القدرة على الحلول مكانهم.
في لقائه مع الرئيس نبيه بري، ثمّن شكري «جهود دولته ومبادراته التي يطلقها للعمل من أجل الخروج من هذه الأزمة في إطار الحفاظ على الأرضية الراسخة السياسية والقانونية المتمثلة في تطبيق الدستور اللبناني واتفاق الطائف واستعداد مصر لتقديم كل ما في وسعها لمعاونة الأشقاء لتجاوز هذه الأزمة».
وفي هذا السياق، لا تزال مبادرة بري حيّة ترزق، رغم العقبات التي تواجهها. وبحسب معلومات «الأخبار»، ثمة مستوى متقدّم من التواصل الداخلي «الجدي» بين القوى السياسية، خصوصاً التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله والحريري. وبحسب مصادر سياسية رفيعة المستوى، المشكلة الأساسية التي تعتري مبادرة بري هي في تفسير الحريري لها، لجهة منحه نفسه حق تسمية وزراء مسيحيين خارج حصة رئيس الجمهورية. لكن هذه المشكلة حُلَّت، بحسب المصادر، «فحتى الحريري صار مسلّماً بأنه لن يسمّي أي وزير مسيحي».
باختصار، صار جلياً أن الأزمة أكبر من أن تُرمّم من خلال كيل فرنسا بمكيالين أو من خلال عين مصرية واحدة. فرنسا بمبادرتها أصبحت ثقلاً على تأليف الحكومة، بالرغم من أنها لا تزال من القلة المهتمة بالشأن اللبناني. والرئيس المكلف صار حريصاً على المبادرة أكثر من حرصه على التأليف، لكن فاته عمداً أن المبادرة تلك، على ما ذكّر رئيس الجمهورية أمس، تشير في بندها الأول إلى التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان.
وفي هذا السياق، تعتبر مصادر اشتراكية أنه لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال من العمل السياسي، فالبلد ينهار يوماً بعد يوم. وهذا يحتّم على الجميع، أصدقاء وخصوماً، فصل الخلافات الشخصية عن السياسة، والذهاب فوراً إلى تأليف الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأي أمر آخر، لا قيمة له. وسألت المصادر: ماذا يعني أن يُكبّل الرئيس المكلّف نفسه بشروط مسبقة، كأن يرفض لقاء باسيل؟ ومع تأكيد المصادر الخلاف السياسي الكبير مع باسيل، إلا أنها تسأل: كيف يعقل أن يطلب الرئيس المكلف الحصول على ثقة العونيين، من دون أن يلتقي رئيس كتلتهم؟ علماً بأنه هو نفسه التقى الرئيس السابق للحزب القومي أسعد حردان، بالرغم من الخلافات العميقة التي تجمع «المستقبل» بـ«القومي»، للحصول على تسمية كتلته المؤلفة من ثلاثة وزراء فقط.
إلى ذلك، شدّد عون، أمام شكري الذي نقل له رسالة تضامن من الرئيس عبد الفتاح السيسي، على «دقة المهمات التي ستلقى على عاتق الحكومة الجديدة، ولا سيما في مجال الإصلاحات الضرورية التي يلتقي اللبنانيون والمجتمع الدولي في المناداة بها والعمل على تحقيقها، وفي مقدمها التدقيق المالي الجنائي لمحاسبة الذين سرقوا أموال اللبنانيين والدولة على حدّ سواء».
البناء
عون يضع التدقيق الجنائيّ سقفاً للحكومة… ويدعو حكومة دياب لاجتماع استثنائيّ
إلغاء باريس لمسعى المصالحة وتهديد بالعقوبات… و«القومي»: نعم للأسد والسوق المشرقيّة
خلال أربع وعشرين ساعة مضت، انقلب المشهد الداخليّ والبيئة الدوليّة والإقليميّة المحيطة به، من التفاؤل الى التشاؤم، فقد تزامنت مجموعة من التطورات التي دفعت بالمصادر المتابعة للشأن الحكومي إلى الاستنتاج أن هناك تغييراً جذرياً في المواقف يجعل التعقيدات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة تتغلب على مساعي التسهيل، وكان أول التطورات هو ما تبلغته الجهات اللبنانية الرئاسية والسياسية من باريس عن صرف النظر عن المسعى الفرنسي لعقد لقاء مصالحة يضمّ الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وتبع ذلك كلام فرنسيّ على لسان وزير الخارجية جان إيف لودريان عن التلويح بفرض عقوبات على مَن وصفهم بالمعرقلين الذين يضعون مصالحهم الضيقة أمام مصلحة بلدهم.
وقالت المعلومات الفرنسيّة إن المقصود بالتلويح بالعقوبات هو فريق رئيس الجمهورية، أما ثالث التطوّرات فكان الرمزيّة التي حملتها زيارة وزير الخارجيّة المصريّة سامح شكري بمن قصدهم الوزير المصريّ بزيارات مقارهم ومَن استثناهم، فإذا كانت زيارة كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب من باب تحصيل الحاصل، وتقع خارج الحساب السياسيّ، إلا أن اختيار زيارة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري واستثناء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، من جهة، واختيار زيارة النائب السابق وليد جنبلاط والاتصال الهاتفي برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لتعذّر زيارته بسبب إصابته بكورونا، وزيارة بكركي للقاء البطريرك بشارة الراعي، مقابل استثناء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الله، وضع الزيارة في دائرة إحياء الانقسام السياسي اللبناني على ضفاف النزاع الإقليمي والدولي، وانسحاب العامل الخارجي من دور المساعي الوسطية الى العمل على تعزيز الاستقطاب حول المحاور، بينما قالت المصادر إنه كان بمستطاع الوزير المصري تظهير مساعي التوفيق بين الأطراف لو كان هذا المطلوب من خلال طاولة تعفيه من كل الزيارات تشبه الطاولة التي عقدها الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر وضمّت الجميع.
ليلاً، جاءت رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت عنوان التدقيق الجنائي، لتنعى عملياً مساعي تشكيل الحكومة، بوضع التدقيق الجنائي سقفاً للحكومة الجديدة، وتغمز من قناة القيادات السياسية التي تعاقبت على الحكومات السابقة، وعلى الذين يقدّمون الغطاء لمصرف لبنان، وفهم تتويج الرئيس عون لرسالته بدعوة حكومة تصريف الأعمال لاجتماع استثنائي تأكيداً قاطعاً بتراجع مساعي تشكيل الحكومة، وعلم على هذا الصعيد أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سيتريّث باتخاذ موقف من دعوة رئيس الجمهورية لدراستها ومعرفة مواقف الأطراف المختلفة منها.
المصادر المتابعة قالت إن المساعي الداخلية التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري باتت وحيدة، في ظل المناخات الخارجية الجديدة، وإنها وحدها اليوم يمكن أن تشكل المسعى الذي يمكن التعويل عليه لعدم ذهاب البلد الى الانسداد الكامل.
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية ترأس اجتماعات حزبية في دمشق تحضيراً للمؤتمر القومي للحزب، واستعداداً للاستحقاق الرئاسي المقبل في سورية، داعياً للمشاركة الكثيفة في الاستفتاء تحت عنوان نعم للرئيس بشار الأسد، مشيداً بمبادرة الرئيس ميشال عون بالدعوة للسوق المشرقيّة.
أكد رئيس الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ وائل الحسنية أنّ صون الحزب وتحصين وحدته وترسيخ نهجه الصراعيّ، مسؤوليّة تقع على عاتقنا جميعاً، ولن نتساهل إطلاقاً مع أيّ أمر يعرّض حزبنا للانكشاف والضعف، فنحن حزب قويّ وفاعل على الصعد كافة، وهو ماضٍ في مسيرته وعلى نهج الصراع، في ميادين المقاومة ضدّ الإرهاب والاحتلال والاستعمار.
موقف الحسنية جاء خلال اجتماع عقده لهيئات منفذيّات دمشق، ريف دمشق، حرمون، حوران، القنيطرة والقلمون، بحضور عدد من مسؤولي الوحدات، في قاعة مقر الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية.
وطلب الحسنية من المسؤولين العمل بوتيرة عالية لأجل إنجاز استحقاقاتنا الحزبية، وبالإرادة والعزم ذاتهما المساهمة الفاعلة في إنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية في الشام، والتشديد على تحويل هذا الاستحقاق إلى استفتاء شعبيّ عارم حول قيادة الرئيس بشار الأسد الذي يقود سورية في حربها المصيريّة ضدّ الإرهاب والاحتلال.
في غضون ذلك، أكد الرئيس عون أن التدقيق المالي الجنائي هو معركة أصعب من تحرير الأرض لأنها ضد الفاسد و»الحرامي» اللذين هما أخطر من المحتل والعميل، فـ»مَن يسرق أموال الناس يسرق وطناً».
وشدّد على أن التدقيق المالي الجنائي ليس مطلباً شخصياً لرئيس الجمهورية، بل هو قبل كل شيء مطلب اللبنانيين جميعاً، لافتاً الى أن سقوطه يعني ضرب المبادرة الفرنسية لأن من دونه لا مساعدات دولية ولا مؤتمر سيدر ولا دعم عربي وخليجي ولا صندوق دولي، فهو المدخل لمعرفة من تسبّب بوقوع جريمة الانهيار المالي.
وأكد رئيس الجمهورية في رسالة وجّهها الى اللبنانيين مساء امس، أن إسقاط التدقيق المالي الجنائي هو ضرب لقرار الحكومة، داعياً إيّاها لعقد جلسة استثنائية لاتخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس، وكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات تمهيداً للمحاسبة واسترداد الحقوق.
وأشار رئيس الجمهورية الى ان التدقيق المالي الجنائي واجه عراقيل عدة «كنا نفككها تباعاً» واستمرت العرقلة الى ان اعترف وزير المال من بضعة أيام أن المصرف المركزي يمتنع عن الإجابة على عدد كبير من أسئلة شركة الفاريز ومارسال. وقال: «لقد صار واضحاً أن هدف المماطلة هو دفع الشركة الى اليأس لتغادر لبنان وتوقف بالتالي التدقيق الجنائي ويفلت المجرمون من العقاب».
وتوجّه الى القيادات السياسية وغير السياسية، داعياً إياها الى تحمل مسؤوليتها امام الله والشعب والقانون فـ: «ما كان ليحصل ما حصل لو لم توفّروا انتم بالحد الأدنى الغطاء للمصرف المركزي والمصارف الخاصة ووزارة المال». وحمّل رئيس الجمهورية المصرف المركزي «المسؤولية الأساسية لأنك خالفت قانون النقد والتسليف، وكان لزاماً عليك ان تنظم العمل المصرفي وتأخذ التدابير لحماية أموال الناس في المصارف وتفرض معايير الملاءة والسيولة»، مشيراً في الوقت نفسه الى مسؤولية المصارف «الواضحة» في التصرّف بعدم مسؤولية بودائع وأموال الناس طمعاً بالربح السريع ومن دون «توزيع مخاطر» على ما تقتضيه أصول المهنة، مركّزاً ايضاً على مسؤولية جميع الحكومات والإدارات والوزارات والمجالس والهيئات عن كل قرش أُهدِر عبر السنوات، وجميعها يجب ان يشملها التدقيق الجنائي. وطالب عون الدول التي «تدّعي التضامن مع الشعب اللبناني» بالمساعدة على كشف عمليات تحويل أموالٍ أَخذت بعد 17 تشرين الأول 2019 طابع التهريب المالي.
وبحسب مصادر سياسيّة، فإن رئيس الجمهورية فتح المواجهة المباشرة مع حاكم مصرف لبنان والفريق السياسيّ الذي يدعمه وبالتالي أضيف الى التعقيدات التي تواجه تأليف الحكومة عنصر اشتباك جديد تمثل بإصرار عون على تنفيذ قرار التدقيق الجنائي وكشف حسابات مصرف لبنان كمدخل للإصلاح ولتطبيق المبادرة الفرنسية ولإنجاح الحكومة، ما يعني أن التدقيق بات مفتاح تأليف الحكومة، كما أوحى عون في كلامه أمس.
وسبق كلمة عون تصعيد قضائي من قبل النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، حيث ادعت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامه ومصرف SGBL بملف التحويلات المصرفية التي أدّت الى المضاربة على العملة الوطنية وتسببت بانهيارها. وأفيد أن النيابة العامة حاولت تبليغ سلامة للمثول أمام القاضية للتحقيق معه لكن تعذر ذلك لعدم وجود سلامة في منزله، كما أفيد أن صاحب مصرف SGBL أنطوان الصحناوي لم يحضر الى التحقيق أيضاً وكلف محاميه بالمثول عنه وعمد الى رفع دعوى على القاضية عون بحجة تسرّب التحقيق والقدح والذم.
وفي ظل هذا الواقع والأجواء التصعيديّة، لا يبدو أن ولادة الحكومة أصبحت وشيكة كما أشاعت الأجواء التفاؤلية مؤخراً، وأشارت أوساط مطلعة لـ”البناء” إلى أن “الحراك الجاري على خط تأليف الحكومة لم يُحرز أي تقدم باستثناء ارتضاء الأطراف السياسية كافة بتوسيع حجم الحكومة من 18 وزيراً إلى 24 لكن اكتمال الخلطة الحكوميّة تحتاج إلى فكفكة عقد عدة كالجهة التي ستسمي الوزراء ووفق أي معايير”. ولفتت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ”البناء” إلى أن “التعقيدات الدولية والإقليمية لا زالت قائمة ولم تتبدد ومانعة تأليف الحكومة، وبالتالي على الرئيس سعد الحريري أن يقرر ماذا يريد ولا يمكنه الاستمرار بأسلوبه وتسويفه في التأليف”.
وعن تمسك الرئيس عون والتيار بالثلث المعطل تعتبر المصادر أن “أولى مواصفات الحكومة هي الاختصاص وعدم الانتماء السياسي وبالتالي محدودية تأثير القوى السياسية على الوزراء، فكيف سيستطيع رئيس الجمهورية وغيره من التحكم بعمل الوزراء وأدائهم، ما يعني أن الرئيس عون لا يسعى لامتلاك الثلث وبالأساس لم يكن يسعى إليه كما أكد مراراً وتكراراً، لكنّ الحريري وفريقه السياسي يصرّون على اتهام عون بهذا الأمر لتبرير فشلهم في تأليف الحكومة ورمي الكرة في ملعب الرئاسة الأولى”.
وعما إذا كان التيار سيمنح الثقة للحكومة أم لا، توضح المصادر أن “ثقة تكتّل لبنان القويّ للحكومة ليست مفروضة ولا مستبعدة بل إنها مشروطة بمواصفات الحكومة ومعايير التأليف ومراعاتها للأصول الدستورية والميثاقية والتوازن السياسيّ إضافة إلى برنامجها الإصلاحي، وبالتالي في حال توافرت هذه الشروط بالتأكيد سيمنح التيار الثقة للحكومة وسيدعمها”.
وفي ما يشير مطلعون على الموقف الفرنسي، الى وجود وجهتي نظر في الادارة الفرنسية حيال الملف اللبناني، أشارت مصادر “البناء” إلى أن “محاولات عدة جرت لعقد لقاءات في باريس بين أطراف لبنانية لا سيما بين الحريري وباسيل لم تصل إلى خواتيهما، وبالتالي تم صرف النظر عنها حالياً إذ لم تلق ترحيباً وتشجيعاً فرنسياً فضلاً عن أن الحريري يرفض لأسباب عدة التواصل مع باسيل الذي لم يطلب موعداً في الأًصل”. ولفتت المصادر الى أن “المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة لكنها لم تترجم عملياً في تفاصيل التأليف حتى الساعة حيث إنه لم يعُد لدى الفرنسيين ما يقدّمونه وتركوا الأمر للأطراف اللبنانية للاتفاق على صيغة معينة وتأليف حكومة مطابقة للمبادرة الفرنسية ولمطالب المجتمع الدولي للحصول على الدعم الخارجي”.
وأمس غرّد باسيل قائلاً: “أبديت وما زلتُ أبدي كل التجاوب مع أي رغبة فرنسية بزيارة باريس، او بلقاء في أي مكان ومع ايٍّ كان، بلا عِقد أو حجج، ومن دون المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية أو التعرّض لدوره شكلاً ومضموناً. فالهم واحد أوحد هو تنفيذ الاصلاحات بدءاً بتأليف الحكومة”. وتابع: “لكن رغم كل ذلك، ورغم قرار التيّار عدم المشاركة في الحكومة مع تقديم كل تسهيل لتشكيلها وإزالة كل العقبات أمامها، ورغم تحديد أكثر من موعد وفرصة، جاء من يعطّل كل محاولة فيها أمل، سنبقى نتجاوب، ضمن الأصول، مع كلِّ مسعى خارجي أو داخلي، ولن نيأس إلى ان يبصر الحل النور”.
وفي موقف فرنسي تصعيدي، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على أن بلادة ستتخذ إجراءات بحق مَن عرقلوا حل الأزمة في لبنان والأيام المقبلة ستكون مصيرية. وشدّد لودريان على أن الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعيّة بل عن مسؤولين سياسيين معروفين. وتابع قائلاً: “القوى السياسية اللبنانية عمياء ولا تتحرك لإنقاذ البلاد على الرغم من تعهداتها، وهي تتعنت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة”.
وفي سياق ذلك، أفادت مصادر فرنسية لقناة المنار، الى أن “المبادرة الفرنسية لم تنته على الإطلاق بل هي بمرحلة الاستسلام أمام تعنت المسؤولين اللبنانيين”. ولفتت إلى أنه “تبقى في الساحة المحاولة الداخلية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري التي نالت دعم أكثر من جانب، ويبقى التعويل على مسعى بري عله يتمكن من إحداث خرق إيجابي في المرحلة المقبلة، والاتصالات لم تغب خلال الساعات الماضية وبري مصرّ على مساعيه”.
وفيما يعتصم الحريري بالصمت بعد عودته من الامارات، أكدت مصادر حركة أمل لـ”البناء” أن “طروحات الرئيس بري مجرد أفكار لم ترق الى مستوى مبادرة وهي أفكار ذات عناوين عامة تتضمن حكومة تكنوقراط أي اختصاصيين ولا ثلث معطل لأحد ووفق صيغة 24 وزيراً، لكنها لم تلق تجاوباً كاملاً حتى اللحظة في ظل رفع المتاريس السياسية المتقابلة”.
وإذ لفتت المصادر الى تنسيق تام بين ثنائي أمل وحزب الله في الملف الحكومي ومساعي الرئيس بري، أكدت بأن الثنائي لم يفقد الامل بتأليف الحكومة برئاسة الحريري، وبالتالي الثنائي لا يحبّذ خيار اعتذار الحريري لأنه لن يشكل مدخلاً للحل بل سيزيد الأمور تعقيداً. وعلمت “البناء” أن “إحدى العقد للتأليف هو من يسمّي الوزراء في حكومة الـ 24 وزيراً ومن سيسمّي وزارة الداخلية”. كما علمت أن “أحد الأطراف السياسية التي زارت الحريري بعد عودته الى بيروت نقل عنه عدم ممانعته أن يكون وزير الداخلية من الطائفة المسيحية لكن مصرّ على ان يسمّيه هو وهذا ما يرفضه عون مصراً بدوره عن أن يسمّيه”.
وكان وزير الخارجية المصرية سامح شكري الآتي من باريس، جال أمس على القوى السياسية باستثناء حزب الله وباسيل ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. ووضعت مصادر مطلعة زيارة شكري في اطار استطلاع الوضع في لبنان ومنح الحريري جرعة دعم كتعويض عن الموقف السعودي الأخير الذي عكس عدم تمسك بالحريري وبالتالي شكري لم يحمل مبادرة.
وزار شكري عين التينة والتقى الرئيس بري ثم التقى الحريري في بيت الوسط. ونقل رسالة من القيادة المصرية الى لبنان “بتضامن مصر وتوفيرها لكل الدعم للخروج من هذه الأزمة لتشكيل الحكومة بما يفتح الباب للدعم الإقليمي والدولي ويؤدي الى تحقيق المصلحة المشتركة لدول المنطقة، ولكن في المقام الأول للشعب اللبناني الشقيق. وبالتأكيد، فان الإطار السياسي يحكمه الدستور واتفاق الطائف وأهمية الالتزام الكامل بهذه الدعائم الرئيسية للاستقرار، ومصر لن تدخر جهداً في مواصلة دعمها للبنان خلال هذه المرحلة الدقيقة”.
المصدر: صحف