اجتاح فيروس كورونا العالم، وكان لا بد للسلطات من مواجهة الأزمة، فانطلقت لتطبيق إجراءات وقائية للحد من انتشاره. والتزمت الدول بتوصيات منظمة الصحة العالمية بفرض الإغلاق العام والشامل، ما جعل الصُروح التعليمية تلجأ إلى “التعلم عن بعد” كوسيلة بديلة لاستمرار عملية التعليم، والتغلب على مشكلة عدم القدرة على الحضور إلى الصفوف.
وفق بيانات الأمم المتحدة، تسببت جائحة كورونا في أكبر انقطاع للتعليم في التاريخ، حيث كان لها حتى الآن تأثير شبه شامل على طالبي العلم والمعلمين حول العالم، من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي إلى المدارس الثانوية، ومؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني، والجامعات، وتعلم الكبار، ومنشآت تنمية المهارات.
وبحلول منتصف نيسان/أبريل 2020، كان 94% من الطلاب على مستوى العالم قد تأثروا بالجائحة، وهو ما يمثل 1.58 بليون من الأطفال والشباب، من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، في 200 بلد.
انتهاج أسلوب “التعلم عن بعد” لم يكن سهلاً في معظم جوانبه، وواجهت كل أطرافه، أي المدرسة أو الجامعة أو المعهد، من جهة، والطالب والأهل من جهة أخرى، مشاكل وصعوبات للوصول إلى الأهداف المرجوة.
كورونا حرمت الطالب من التفاعل المفيد لبناء شخصيته
ولأن “المدرسة ليست مؤسسة تعليمية فحسب، وليست مجرد مكان يتعلم فيه الطالب، بل هي مؤسسة تربوية واجتماعية أيضاً، وتؤثر على الطالب من خلال سلسلة المواقف الحياتية والتفاعلات الاجتماعية التي يتعرض لها بدءًا من لحظة دخوله إليها، وامتثاله للقوانين الصفية، ومناقشاته وتفاعلاته مع زملائه ومعلميه سواء في الأنشطة الصفية واللاصفية”، تركت أزمة جائحة كورونا تأثيرها على الكفاءة الاجتماعية للطلاب، وفق ما قالته المعالجة النفسية حنان نصر للميادين نت.
وأشارت نصر إلى أن كل التفاعلات التي يعايشها الطالب تؤثر على بناء شخصيته، وتؤهله للتعامل مع مجتمعه في شتى مراحل حياته.
واعتبرت أن “مرحلة التعلم عن بعد تخلو من المهارات أو العلاقات الاجتماعية، خاصة وأن كثيراً من المدارس لا تعتمد أسلوباً يحاكي جميع المتطلبات التربوية أو التعليمية”، موضحة أن “الكثير من الأساتذة مثلاً يطلبون إغلاق الكاميرا والمايكروفون خلال الحصة، وبالتالي يمنع الأستاذ أي نوع من التواصل والتفاعل مع الطالب”.
وشرحت الأستاذة الجامعية المتخصصة بالتربية ملاك خالد للميادين نت أن “نمو الطفل هو نمو شمولي متكامل من يوم صفر حتى 6 سنوات، أي أن الطفل ينمو من الجانب الجسدي والعاطفي والاجتماعي واللغوي في الوقت نفسه، ولا يمكن فصل مسارات النمو هذه عن بعضها البعض، وبالتالي كلما نعطي للطفل فرص للتعلم في المهارات كافة، كلما نعطيه فرصة لينمو جسدياً وعاطفياً واجتماعياً ولغوياً وإدراكياً”.
في المقابل، “كلما نحد من فرص تطور الطفل في جانب واحد من هذه الجوانب، كلما تأخر نمو الطفل وتطوره فيه، وبالتالي تأثر الجوانب الأخرى كافة”.
وأكدت خالد أيضاً أن المدرسة ليست مكاناً للتعلم فقط، بل هي مكان لتعلم مجموعة من المهارات الاجتماعية التي لا يستبدلها مكان آخر، مثل الوقوف في الصف، والتراصف، وهذا ما يسمى باتباع الإرشادات، بالإضافة إلى المحادثات بين الأطفال والمشاجرات والمصالحات فيما بينهم.. كل ذلك مفقود في التعلم عن بعد”.
هل يمكن ترميم شخصية الطفل بعد انتهاء كورونا؟
رغم أن التعلم أونلاين يحد من عمليات التواصل الاجتماعي للكثير من الأولاد، بسبب الانقطاع عن المجتمع والتجارب الاجتماعية، إلا أنه يمكن إصلاح كل ذلك بعد انتهاء كورونا، لكن الأمر يعتمد على شخصية الطفل ومدى وعي الأهل بمساعدتهم الآن وعند العودة إلى المدرسة، وفق خالد.
وقالت إنه “يمكن تخطي ما سببه فيروس كورونا لدى الأطفال في المدارس بإعطائهم فرص للعب أكثر وتعويض ما سبق، وليس بالحشو وتكثيف المنهج التعليمي”، فيما لفتت إلى أن بعض الأطفال قد يجدون صعوبة في العودة إلى المجتمع، وقد يحتاجون معالجين نفسيين.
وفي وقت سابق، أشار الدكتور في التربية والمرشد النفسي أحمد عويني في حديث للميادين نت أن “الأطفال هم أكثر من تأثر بجائحة كورونا، وشريحة الأطفال الذين لديهم صعوبات تعليمية تأثروا أيضاً بشكل كبير، لأنهم بحاجة إلى عمل ومساعدة وعلاجات فردية ومهارات حسية لم تعد متوفرة في ظل الإغلاق”.
ومن الناحية الاجتماعية والعاطفية، أكد العويني أن هذا الجانب لدى الأطفال تأثر بشكل كبير بفعل الإغلاق ومكوث الأطفال لوقت كبير في المنزل، وأضاف أن “الطفل يجلس أمام شاشة، والشاشة لا يمكن أن تحل مكان الإنسان، والاحتكاك مع التلاميذ صار شبه معدوم، الطالب يتكلم أمام اسم أو صورة في أغلب الوقت”.
وبرأيه، فإنه سيكون ملحوظاً التأخر في المهارات الاجتماعية لدى بعض الأطفال والطلاب، والتطور العاطفي والاجتماعي وهو ما يشمل تطور الشخصية، والنمو العاطفي أي الإحساس بالغير وتكوين مفردات عاطفية والتفاعل مع الآخرين وفهم مشاعرهم، بالإضافة إلى التحكم بالتصرفات والقرارات، وبناء العلاقات مع الآخرين، والثقة بالنفس، والقيمة للذات.
وفي الوقت نفسه، ورغم هذه الآثار السلبية لجائحة كورونا والإغلاق، إلا أن “الطفل لديه قدرة على التكيف والتعود بشكل أسرع، والعيش في هذه الظروف سينساه الطفل تدريجياً عند عودته إلى المدرسة والاختلاط بالأساتذة والأصدقاء”، وفق عويني.
المصدر: الميادين