أستاذ مُحاضر في الجامعة اللبنانية، من أهل الثقافة والخبرة الإجتماعية يقول: “قبل وجود وسائل التواصل الإجتماعي كانت الناس مستورة في بيوتها”، فكيف بالحري متى غدا أهل السياسة طليعة المُدوِّنين والمُغرِّدين على مختلف هذه المواقع، يتبادلون المدونات والتغريدات إضافة الى التصريحات المسمومة خلف متاريس إنتماءاتهم، لِيُصار بعدها الى تأليب القواعد الشعبية وصبّ الزيت على الحروب الإفتراضية، مع ما يُرافقها من اتهام سياسي و”رمي حرام” واستخدام كل “أسلحة” السُباب والشتائم، لدرجة بلوغ الأمور بعد 17 تشرين الأول 2019 حدود ملامسة الحضيض في التخاطُب، و”نشر الغسيل” على سطوح كل لبنان والمُحيط الإقليمي والعالم.
ولعل التلفزيون بعد انكفاء الإذاعة لصالحه، بات الوسيلة الإعلامية الأخطر، يحلُّ في كل بيت على مدى أربع وعشرين ساعة، ويتابعه جميع أفراد العائلة دون استثناء، بخلاف الموقع الإخباري أو الصحيفة، وبات الشعب اللبناني أسير شاشة، لكنه واعٍ في الغالب، يحترمها متى كانت تحترم الموضوعية في نقل وتحليل الخبر، ويُحجِم عنها متى فقدت الضوابط الذاتية في أدبيات المهنة، ومرفوضٌ هذا الفلتان تحت ذريعة حرِّية الإعلام والتعبير عن الرأي، عندما نرى وطناً تنهار مداميكه، عبر تحشيد كل أدوات الطعن والتدمير وتنفيذ الأجندات الخارجية دون تقديم حلول عملية تُساهم في صون الوطن وتفعيل أنشطة بناء دولة.
بعد اجتماع لجنة الإعلام النيابية بوسائل الإعلام يوم الأربعاء الماضي، لمناقشة الأوضاع الإعلامية وتأثيرها على الرأي العام، ودور كل من وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، ودور النيابة العامة التنفيذية في معالجة هذه الأوضاع، وبصرف النظر عن آراء ممثليّ هذه الوسائل، فإن رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن، نقل رغبة الناس المُتعبة الى حدود الإرهاق من السجالات التي لا تخدُم لبنان وشعبه وقال: “حرية الإعلام مطلوبة، ولا نطلب من أية وسيلة إعلامية تغيير مواقفها وتوجهاتها، لكن هناك ظواهر سلبية يقوم بها البعض، كإثارة الفِتَن ورمي الإتهامات وتهديد الإستقرار، واستخدام القدح والذم والشتائم، والإفتراء الذي لا نقبله، وندعو للعودةالى ميثاق الشرف وتطبيقه، وتجديد روحية التعاون والتفاهم بين اللجنة النيابية ووسائل الإعلام”، وتبقى أدبيات الضبط الذاتي هي المعيار في تقييم كل وسيلة إعلامية.
ولأن سموم بعض وسائل الإعلام، والشاشات تحديداً، يجري بخًّها عبر برامج “التوك شو” وحتى عبر البرامج الترفيهية الفاقدة لأي مستوى لأنها تعتمد التجريح الوقِح، فإن هذه الوسائل البارعة بإجراء “الرايتنغ” مدعوَّة لإجرائه على أرض الواقع بين البالغين في السنّ والعقل والضمير الوطني، لتبني على الشيء مُقتضاه، والمسؤولية ليست حصراً باللجنة النيابة المُختصَّة، ولا بوزارة الإعلام ولا حتى بالأحزاب، بل بالمُتلقِّي اللبناني الذي يتفاعل مع الحدث والخبر عبر وسائل التواصل، وهناك على مواقع التواصل المختلفة، ندعو أصحاب المؤسسات الإعلامية وبعض الإعلاميين، لقراءة مواقف الناس منهم وآراءهم بمهنية العاملين في هذا القطاع، وبئس إعلامٍ خرج عن قاعدة محطات الناس، ليغدو محطَّات على الناس، ووظيفته شنّ الحملات الغير مسؤولة في إعداد الفِتَن وصناعة الحروب…
المصدر: موقع المنار