يرحل دونالد ترامب بعد أسبوع، حاملاً معه سيرةً ذاتية لم تُسجَّل لأي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، نتيجة صدور قرارين عن مجلس النواب بوجوب محاكمته خلال ولايته، ولا داعي لإنتظار بدء المحاكمة في مجلس الشيوخ بتهمة التحريض على التمرُّد، والتسبُّب بمقتل ضابط وأربعة مدنيين في حادثة اقتحام الكونغرس، لأنه سقط شعبياً باستخدام مأجورين لتدمير آخر معاقل الديمقراطية في بلاده، وسقط سياسياً بإجماع الحزب الديمقراطي وبعض الجمهوريين من حزبه، وحوَّل محيط الكونغرس الى منطقة خضراء يحتشد فيها 15 ألف جندي – شبيهة بتلك التي استحدثها الأميركيون في بغداد – مع أسوار من الأسلاك الشائكة، وزُرِعت الأجهزة العسكرية والإستخبارية في مطارات واشنطن الثلاثة، تمهيداً لتنصيب جو بايدن في 21 يناير/كانون الثاني الجاري، فيما فريق ترامب بدأ بحزم أمتعة الرئيس المُرتحِل مع عائلته من البيت الأبيض الى المسكن الجديد.
وفي الوقت الذي يكرر فيه جو بايدن عزمه فور وصوله الى البيت الأبيض، على إعادة ترميم ما هدمته سياسات ترامب في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، تزامنت مشهديتان في الشرق الأوسط – مرتع غرور وأوهام أميركا – الأولى للطائرات السعودية وهي تُشارك في مناورات مع القاذفات الأميركية في منطقة الخليج، والثانية، إطلالة قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، يؤكد فيها أن لا مساس في القدرات الصاروخية لبلاده، ومع استمرار التكهنات عن عمل عسكري جنوني قد يقوم به ترامب ضد قوَّة إقليمية كبيرة مثل إيران في آحر أيام حكمه، نجد أن البنتاغون مُنشغل بحماية العاصمة واشنطن خلال عملية انتقال السلطة، وأن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، تُحذِّر رئيس الأركان الأميركي من إقدام ترامب على أية خطوة عسكرية أو ضربة نووية.
هذه الخطوة الجنونية راودت ترامب مراراً، خاصة بعد هزيمته، لكن مُقاربة الوقائع على الأرض للمحور الرافض لهيمنة القُبَّعة الأميركية، هي التي فرملت غُرور أكثر رئيس أميركي مُثير للجدل، وكل البوارج والقاذفات التي خلَّفها في مياه وأجواء الشرق الأوسط، لم تعُد سوى أدوات إبتزاز لدول الخليج وترهيب فارغ لشعوبه، والمتاريس التي شاءها ترامب في الخليج الفارسي باتت في عقر داره، وعلى جبهات عاصمة بلاده، وأعمال الشغب والفلتان الأمني والتمزُّق الإتني والجغرافي الفيدرالي، مسائل باتت من عالم الواقع خلال وبعد ولاية ممثِّل تلفزيون الواقع، الذي أحدث على مدى أربع سنوات ضجيجاً مزعجاً، وجعجعة إعلامية وإطلالات عنترية على فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وأوروبا وصولاً الى الشرق الأوسط.
ينكفىء الكاوبوي عن ساحة المُنازلة الدولية، وأميركا التي أرادها “أولاً”، حوَّلها كما قال الخلَف جو بايدن الى وحيدة، مع إرثٍ داخلي مُثقل بالأزمات الصحية والإقتصادية والإجتماعية لولايات باتت تتذمَّر من فيدرالية مُتعالية على الحُكَّام المحليين، ومتجاهلة لمشاكل نسيج أعراق وألوان وجنسيات أكثر مجتمع تعدُّدي غير منسجم، ولعل أبرز ما حققه ترامب، أنه عرَّى تاريخ بلاده، وأعادنا بالذاكرة الى رُعاة الغرب الأميركي الذين أبادوا الهنود الحُمر واستعبدوا أصحاب البشرة السوداء، وما أنجزه أبراهام لنكولن من عدالة اجتماعية، أطاح به ترامب بأربع سنوات، والهالة الأميركية باتت باهتة، وقُبَّعة الهيمنة على العالم سقطت، وسقط فارس البيت الأبيض عن صهوة الغرور..
المصدر: موقع المنار