لم يخرُج بيان “القِمَّة الخليجية” الـ 41 في منطقة “العُلا” السعودية، عن قاموس القِمَم العربية في نسج الكلام العام، حول تطوير العلاقات الراسخة واحترام مبادىء حسن الجوار، والتماسك بين الدول الأعضاء، مع التنويه بجهود الكويت في رأب الصدع وجهود الولايات المتحدة بهذا الشأن، وتزامن البيان مع وصول الديموقراطية في الولايات المتحدة الى مأزق تاريخي، لدرجة اقتحام أنصار الرئيس المهزوم دونالد ترامب مبنى الكونغرس.
بدا البيان وكأنه يرسل التحية الأخيرة لترامب في أيامه الأخيرة على كرسي البيت الأبيض، الذي يتمسَّك به كما العائلات الخليجية الحاكمة تتمسَّك بعروشها، ورحيل ترامب هو الذي حتَّم دعوة قطر الى هذه القِمَّة وإجراء مصالحة، في محاولة شكلية على الأقل لإظهار الوحدة بمواجهة الإستحقاقات التي قد تحملها منهجية جو بايدن في مقاربة الأمور، وإعادة ترميم العلاقات الدولية التي اتَّسمَت بالشخصنة على الطريقة التجارية والإبتزاز الفاضح خلال ولاية ترامب.
ولعل أبرز ما يُقرأ في البيان هو العنوان، الذي يتضمن أسماء الحاضرين نيابة عن قادة بعض الدول، بحيث غاب رئيس الإمارات محمد بن زايد وناب عنه محمد بن راشد، وغاب عاهل البحرين حمد بن عيسى وناب عنه ولي العهد سلمان بن حمد، وغاب سلطان عُمان هيثم بن طارق وناب عنه نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود، وبدَت القِمَّة وكأنها حصراً لمُصالحة سعودية – قطرية لا تعني سوى الدولة الراعية لهذه المصالحة وهي الكويت.
الأمر المُلفت في هذا البيان، أن الدول المُشاركة في هذه القِمَّة “التزمت بتعزيز التعاون في مكافحة الكيانات والتيارات والتنظيمات الإرهابية التي تهدد أيّاً منها”، وهنا بيت القصيد في الخلافات الخليجية حول العلاقات الدولية، والتحالفات الثنائية التي نسجها نظام كلٍّ منها وليس على استعداد للتخلِّي عنها، وقد يكون التحالف القطري – التركي الذي ترفضه الإمارات، من نقاط الخلافات الكبيرة التي غيَّبت محمد بن زايد، على سبيل المثال لا الحصر.
الملف الإيراني أكبر من أن تُناقشه أية قمَّة خليجية في الوقت الحاضر، لأنه يتَّخذ صفة سيادية إيرانية وغير قابل للنقاش، ولعل تصريحات جو بايدن حوله من زاوية أكثر عقلانية من ترامب، والرغبة الأوروبية بتفعيله، إضافة الى التجربة الإيجابية لوكالة الطاقة الذرية مع مصداقية الإلتزام الإيراني، هي أمور تُقلِق أنظمة خليجية تدور في الفلك السعودي، ولا يبدو أن الفريق الخليجي الرافض للعداوة الإقليمية تناسبه الإملاءات الإعتباطية السعودية، سيما وأن النظام السعودي يعيش حالة أشبه بلعبة الشطرنج بالنسبة للعرش الملكي.
وهناك إشكالية غاية في الأهمية لم تُقاربها مناقشات القِمَّة، وهي مناورات “سيف العرب” التي شاركت فيها منذ شهر ونصف ست دول عربية هي: السعودية والإمارات والبحرين والسودان والأردن ومصر، فما هو موقف باقي الدول الخليجية الرافضة للتطبيع لغاية الآن من مناورات خمس دول في حالة تطبيع مع إسرائيل والدولة السادسة التي هي السعودية أجرت التطبيع من تحت الطاولة واستقبلت نتانياهو في مدينة “نيوم” بالتزامن مع المناورات التي كانت تجري في مصر؟
في المُحصِّلة، قِمَّة “العُلا” مهما تعالت نبرة بيانها الذي تمخَّضت به، ليست بأكثر من ترتيب أوراق شكلية لمواجهة مرحلة ما بعد ترامب، ولا يبدو أن جو بايدن من صالحه العمل بأسلوب الصفقات المكشوفة الذي اعتمده السلف، وسحب البساط الأميركي الذي مدَّده ترامب على قياس محمد بن سلمان، سيحتاجه بايدن لمصالح أميركا مع كل دول الخليج، وشعور محمد بن سلمان بسحب البساط من تحته، هو الذي عجَّل بمصالحة ولو شكلية مع قطر، خاصة أن ملف عدوانه على اليمن انتهى بهزيمة لا ينفع معها لا بساط ولا غطاء من أحد…