بدعوة من تجمّع المعلّمين في لبنان نُظمت ندوة تربوية حملت عنوان محور العملية التعليمية: مقاربات وتحديات، وتناولت جوانب عدة منها: موقع المتعلم في عملية التعليم والتعلّم، ومحور العملية التعليمية في ظل التعلّيم من بعد، إلى جانب مرتكزات التربية والتعليم عند الإمام الخامنئي.
حاضر فيها كلٌ من الأستاذ الجامعي الدكتور هاشم عواضة المختص في بناء المناهج التربوية، والدكتور هشام خوري الأستاذ في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، ومستشار المركز التربوي للبحوث والإنماء، والدكتور يوسف أبو خليل مدير الأبحاث النظرية في مركز الأبحاث والدراسات التربوية والأستاذ في الجامعة اللبنانية، وأدارت الندوة أستاذة التعليم الثانوي د.هبة حيدر، وقد شارك في الندوة حشد من الأساتذة والمعلمين وختمت بحوار تربوي دار بين المشاركين والمحاضرين.
الندوة التي أجريت على برنامج zoom وبثت مباشرة على الصفحات الخمس لتجمّع المعلّمين في لبنان على الفيس بوك ، استهلت بمقدمة للدكتورة هبة حيدر، تحدثت فيها عن جائحة كورونا وخلطها للأوراق التربوية، وعن نهوض المعلم متسلحًا بإيمانه وبدوره وبرساليّته، ليمشي في ركب التعليم من بعد، بدون أي استعداد مسبق، منوهة بالدور المهم الذي قام به “تجمع المعلمين في لبنان” من حيث السبق إلى تدريب المعلمين على تقنيات التعليم من بعد، ومن خلال إنشاء بنك للفيديوهات التعليمية لكافة المواد والمراحل الدراسية.
وتابعت د. حيدر معتبرة أنّ المتعلم قد انتقل من الغرفة الصفية الحافلة بالتفاعلات الاجتماعية الى صندوق معلومات وفضاء افتراضي، متمثلاً بالهاتف او الكمبيوتر.
وطرحت حيدر مجموعة من الأسئلة عن موقع المهارات الفكرية في زمن الاستلاب الفكري واحتلال العقول، وعن كيفية تغذية المتعلم بمفاهيم الحياة بعزّ التطبيع ورفضه مع العدو الصهيوني، وعن مهارات الوعي بالذات، والتفكير الايجابي والذكاء الوجدان، وسبيلها الى شخصية المتعلم، وعن كيفية جعل التربية سبيلاً لتزكية الروح والأخلاق وتطهيرهما.
ثم تحدث الدكتور هشام خوري عن محور العملية التعليمية في ظل التعليم من بعد مشيرا أننا في عصر المعرفة إذ باتت كمية هائلة من المعلومات متاحة للجميع عبر الأنترنت. هذا الأمر يضفي تغيّرًا على المثلث البيداغوجي فيضيف إليه عنصرًا رابعًا؛ وهو تكنولوجيا التربية، وقد انتقلت المحورية في هذا المثلث التربوي الى الشراكة بين المعلّم والمتعلّم، وبدأ العمل على مهارات القرن 21 التي تساعد الطالب على أن يكون متعلمًا مدى الحياة.
وأكمل خوري أنه في ظل جائحة كورونا تضاف نقطة أخرى الى هذه المحورية بين المعلّم والمتعلّم وهي دور أولياء الأمور متسائلاً عن مستوى جهوزية الأهل في مرحلة التعليم من بعد وكيف نساعد الأهل في هذه العملية؟ ومن منبر “تجمع المعلمين في لبنان” أطلق د. خوري دعوة لجميع الفاعليات التربوية للقيام بخطوات لمساعدة الأهل في عملية “محو الأمية الرقمية”.
أما على مستوى المعلّم، فقد اعتبر د. خوري أن الأستاذ يقوم بمجهود شخصي ضخم في التعليم من بعد، وقد حقّق نتيجة جيدة الى جيد جداً على هذا المستوى. إلا أنّ المتعلّم لا يمتلك بعد مهارة التعلّم الذاتي ليكون مواكباً للمعلّم بشكل كامل.
ثم تحدث الدكتور هاشم عواضة عن موقع المتعلّم في عملية التعليم والتعلم: الواقع والمرتجى، واعتبر أن التعليم يفترض التفاعل بين الأقطاب الثلاثة لعملية التعليم وهي: المعلّم والمتعلّم والمعارف. وحدّد أنّ المرتجى في هذه العملية في المرحلة الراهنة، هو رفع مستوى التكامل بين هذه الأقطاب، وإعداد المتعلّم على التعلّم الذاتي.
وبيّن د. عواضة أنّ المعلّم يمرّ في ثلاث مراحل خلال العملية التعليمية، يكون مركزاً للتفاعلات التربوية، ثم يصبح وسيطاً وموجّهًا، وبعد ذلك ينسحب من التفاعلات بعد إنجاز مهمته ليعطي الدور للمتعلّم. كما حدّد مراحل العملية التعليمية – التعلمية التي تبدأ من الهدف التعليمي الذي قد يكون قدرة أو مهارة أو موقفًا وجدانيًا يُراد تحقّقه لدى المتعلّم. ثم يتم تحديد المحتويات المعرفية التي تتوزع في المنهج فيقوم مهندسو المناهج بتحويل المعارف الخام الى معارف متعلّمة، وهنا المتعلم هو المعيار الأساس في اختيار المحتويات.
وأكد د. هاشم عواضة على دور طرائق التعليم والتعلّم التي هي وحدة متكاملة من الإجراءات والتقنيات المختارة من قبل المعلم، والتي تنظم الأدوار في العملية التعليمية التعلمية، على أن تختتم هذه العملية التربوية بالتقويم، وبقياس نتائج التعلم، والذي يكون فيه المتعلم هو المحور، وهنا دعا د. عواضة الى تحويل التقويم من ثقافة الإختبار الى ثقافة التعلّم بالتقويم.
واشار الى أنه في التعليم الحديث كانت المحورية للأهداف التعلّمية وليس للمعلومات والنصوص، كما في التعليم التقليدي، وقد دخل اليوم التعليم الإلكتروني من بُعد، فأحيا مرجعية المحتويات كمحور أساس، وأربك مسار المتعلّم ليعيده الى الوراء بدلًا من أن يكون قطب الرحى، وذلك بسبب ضعف الإمكانات المتاحة له على المستوى التكنولوجيا، وعلى مستوى إعداد المعلّمين.
بدوره د. يوسف ابو خليل تناول موضوع مرتكزات التربية والتعليم في فكر الإمام القائد حفظه الله، موضحًا أنّ السيد القائد الخامنئي أَولى أهمية كبيرة للتربية والتعليم، وحدّد أن مؤسسات التربية والتعليم هي من أهم المؤسسات كمًّا ونوعًا؛ لأنّ العملية التربوية ليست عبارة عن إنفاق مالي، وإنما هي استثمار، وقد شبّه الإمام هذه المؤسسات بالجهاز العصبيّ للمجتمع، فبنظره التربية والتعليم، ليست عملية نقل معارف، وإنما هي العامل الأساسي في بناء الحضارة، وفي هذه العملية لا يمكن استيراد الفكر من الخارج، بل يجب المحافظة على الفكر، والمنهج الفلسفيّ الخاص بحضارة كل مجتمع.
وأكمل د. ابو خليل أن عملية التربية والتعليم تعدّ مشروعًا حضاريًا يعبّر عن هوية ثقافية، ويتطلب استشراف المستقبل، والبرامج المطروحة في التربية والتعليم يجب أن تكون محلية الصنع من حيث المضامين. واضاف: تتضمن هذه العملية نظام حوكمة وتقويم، يجب أن يكون نابعًا من السيادة الداخلية والمحلية، ولذا تم رفض الفلسفة الاجتماعية الغربية من قبل الإمام الخامنئي، التي تقوم على البعد المادي فقط، إذ إنّنا يجب أن ننظر الى الإنسان ببعديه المادي والروحي.
وبيّن د. ابو خليل ماهية مفهوم “الحياة الطيبة” الذي أطلقه الإمام الخامنئي، الذي يرمز الى نمط الحياة التي تقوم على البعدين المادي والمعنوي في مقابل الحياة التي تركزت على البعد المادي فقط من خلال تقوية النزعة الفردية. ومن خلال هذه الطروحات استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران أن تضع وثيقة تربوية قائمة على أهداف تأسيس “الحياة الطيبة”.
أما في موضوع التعليم عن بعد، فاعتبر د. يوسف ابو خليل أنّ الإمام الخامنئي قد أشار الى ضرورة الإلتفات الى التحديات الناشئة من إدخال برامج ومفاهيم أخرى الى العملية التعليمية.
المصدر: بريد الموقع