قد يمتلك الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، حرية العودة الى الإتفاقات والمعاهدات والإلتزامات التي نقضها سلفه دونالد ترامب، في ما يرتبط بالمناخ والتجارة الدولية مع أوروبا والصين، وإعادة نسج العلاقات مع منظمة الصحة العالمية والأونروا وسواهما، لكن ما تركته سياسات المُتاجرة التي خلَّفها ترامب في الشرق الأوسط، لا تُعطي أميركا الكلمة الفصل في موضوع العودة الى الإتفاق النووي الإيراني، ولا هي قادرة على التنصّل من نتائج الحروب العبثية وغير المجدية كما وصَّفها بايدن نفسه، والتي ما زالت مُتِّقدة أو باردة لا فرق، مما أدَّى الى تحويل مقولة “أميركا أولاً” التي رفعها ترامب شعاراً، الى “أميركا وحيدة” كما يقول بايدن.
إيران التي تُقارب الأمور بواقعية، أكد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف يوم الأربعاء الماضي، في مقابلة مع صحيفة “إيران” الحكومية، عن استعداد طهران للعودة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، في حال عادت واشنطن الى التزاماتها التي نقضتها في انسحابها الأحادي منه قبل عامين، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن عودة واشنطن إلى الاتفاق لا تشكل “أولوية” بالنسبة لإيران.
ولقد سبق للوزير ظريف تصريحه، أن “إنسحاب أميركا من الإتفاق جاء نتيجية تحريض من بعض القوى الإقليمية”، وهنا يحضرنا الصمت، الذي يعيشه كل من محمد بن سلمان وبنيامين نتانياهو بعد فوز جو بايدن، لأن العلاقة معه كرئيس قادم الى البيت الأبيض تختلف عن العلاقة الخاصة التي كانت تربط الإثنين بدونالد ترامب، ولعل القاسم المشترك بين بن سلمان ونتانياهو، أن الأول كان يصرف المليارات لشراء الأسلحة الأميركية بذريعة الخوف من إيران، والثاني يعيش الخطر فعلياً، لأن إيران تقف بمواجهة التوسُّع العدواني الإسرائيلي.
ولعل ما ورد على لسان الوزير ظريف، أن عودة أميركا الى الإتفاق النووي ليست أولوية لدى إيران، إنعكاس لقوة الموقف القومي الإيراني، رغم الحصار الأميركي الجائر والحظر الظالم، لأن انسحاب ترامب من هذا الإتفاق أضرّ بفرنسا التي أبرمت إتفاقيات استراتيجية استثمارية إقتصادية مع إيران، والعقوبات الأميركية أصابت شركات فرنسية قبل أن تُصيب إيران، إضافة الى الموقف الألماني المُستاء من انسحاب أميركا من هذا الإتفاق .
والى جانب ارتعاد العرش السعودي العائلي من رحيل ترامب الذي كان يحميه لقاء “أتاوة” مادية خيالية، يرتعد بنيامين نتانياهو أيضاً من هذا الرحيل، ويُبدي خوفه من ضربة إيرانية ، ويحذر مسؤولين وخبراء نوويين من هجمات عليهم، وأميركا حالياً في مرحلة إنتقالية قيادياً ولا قدرة لديها على التورُّط، خاصة أن ترامب يرحل مكسور الجناحين ويحاول بمخالبه تهشيم المشهد أمام بايدن، سواء عبر العمليات الأمنية التي تعتمد الإغتيالات أو عبر العمل الإستخباراتي الهدُّام واستمرارها بالعدوان عبر “الكفوف البيضاء”، الى أن يقضي الأمر، ويرحل ترامب خالي الوفاض من مسرحية تطويع إيران ومعها محور المقاومة، لأن بايدن تكفيه هموم الداخل الأميركي لمحاولة ترميم ما دمَّره ترامب…
المصدر: موقع المنار