الكلمة التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في افتتاح الدورة 71 للجمعية العامة، وهاجم كل الأطراف التى تُساعد على إشعال الحرب في سوريا، أشار فيها الى وجود عددٍ من ممثلي الحكومات فى قاعة الجمعية العامة الذين شاركت دُولُهم بأعمال القتل فى هذا البلد، لكنه سمَّى فقط “النظام السوري” بالإسم، وطالب بإحالة الرئيس بشار الأسد الى محكمة الجنايات الدولية، ربما لأن تسمية ثمانين دولة أرسلت إرهابيين الى سوريا مسألة تستغرق وقتاً من كلمته، أو أنه أضعف من أن يجرؤ على تسمية أكبر الدول الإرهابية عبر العالم وفي طليعتها أميركا و”إسرائيل” والسعودية، سيما وأن أميركا هي الدولة المضيافة للمقرّ الدائم للأمم المتحدة وبات هذا المقرّ جزءاً من الدوائر الحكومية الأميركية، وإسرائيل في “عهد” بان كي مون تبوأت رئاسة لجنة الشؤون القانونية في الأمم المتحدة، فيما أُسنِدَ مجلس حقوق الإنسان للسيف الوهابي السعودي خلال ولاية “مون” وعهده الميمون.
ولا عجب، أن تتولى أنظمة مُجرِمة رئاسة لجان حقوق الإنسان والقانون الدولي برعاية بان كي مون، طالما هو شخصياً كوزيرٍ سابق للخارجية في كوريا الجنوبية، جاء تعيينه أميناً عاماً للأمم المتحدة في بداية عام 2007 ولمدة عشر سنوات، مطلباً أميركياً، لمقارعة كوريا الشمالية .
وبان كي مون، القَلِق دائماً، والذي لا يُجيد سوى القلق لقاء راتب أربعين ألف دولار شهرياً، ليس الوحيد في تاريخ الأمم المتحدة الذي ارتقى الى كرسي “المتفرِّج القَلِق”، لأن هذه المُنظمة منذ إنشائها عام 1945، تُعَدُّ هيئة تشاورية وتمثيلية للمنظمة الدولية، وهي في الشكل، ساحة لبحث القضايا الدولية التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، لها أدوارها في مكافحة الفقر والجوع والأمراض، والإشراف على خطط التنمية ورعاية الإتفاقات الدولية وكانت آخر إنجازاتها ” التصدي للتغيرات المناخية” ولكن، هذه المنظمة التي تخضع لسلطة وسلطان الدول الخمس الكبرى، لم تتمكن يوماً من ردع عدوان أو التصدِّي لإنتهاك إنساني سوى عبر المقررات الورقية، ومن ضمنها كافة القرارات المرتبطة بفلسطين وسوريا ولبنان والتي تُدِين الإحتلال الإسرائيلي وتُطالب بانسحابه دون أي قدرة على تطبيق قرارٍ واحد.
وإننا إذ اخترنا أميركا و”إسرائيل” والسعودية نماذجاً لدول راعية للإرهاب، فلأن الأمم المتحدة في عهد السيد بان كي مون، أرَّخت صفحات من تاريخ عارها من خلال هذا الصمت المُشين عن ارتكابات هذه الكيانات الثلاثة:
أولاً، إن أميركا التي تنتهي ولاية رئيسها في يناير / كانون الثاني 2017 ، تستعد في نوفمبر / تشرين الثاني المُقبل لإنتخاب رئيسها القادم، والشعب الأميركي أمام خيارين: دونالد ترامب العنصري المتهوِّر ورافع لواء النقمة على المسلمين والعرب والجوار المكسيكي، أم هيلاري كلينتون صاحبة كتاب “خيارات صعبة” التي اعترفت أن أميركا هي التي اخترعت داعش ودعمتها وبتمويلٍ غالبيته سعودي”. ونسأل السيد بان كي مون، ما هو موقف الأمم المتحدة من دولة عُظمى تعترف وزيرة خارجيتها ومرشَّحتها الرئاسية بأنها أنشأت أخطر تنظيم تكفيري في عصرنا الحاضر، وبلغ عدد ضحاياه الملايين بين قتيلٍ وجريحٍ ومشرَّدٍ ولاجىء، وما جواب الأمين العام على صفقات الأسلحة الأميركية غير المسبوقة بمليارات الدولارات للنظام السعودي، وماذا فعلت الأمم المتحدة لمئات آلاف العائلات من الأقليات التي اقتُلِعت من أوطانها كالأيزيديين والمسيحيين والصابئة والتركمان والشوبك وسواهم، أم أن السيد “مون” ومعه دوائر الأمم المتحدة يعتبرون ضحايا الإرهاب في الشرق الأوسط أبناء جارية وأبناء الغرب وأميركا من جماعة الدم المُلوكي الأزرق؟
ثانياً، “إسرائيل” التي غَدَت الرمز الدهري للاحتلال والعنصرية والعدوان، ما هي مواقف السيد “مون” ومنظمات حقوق الإنسان الأممية من عدوانها اليومي على غزة، وحفر أنفاقٍ لخنق هذا القطاع، وما هي مواقفهم من القتل اليومي للشعب الفلسطيني وتعذيب آلاف الأسرى والتمدُّد اللاقانوني واللا شرعي للمستوطنات الصهيونية على حساب أهل الأرض، وما تمهِّد له إسرائيل حالياً من حربٍ على غزَّة وفق ما أوردته صحيفة “فورين بوليسي” الامريكية، وسط الإعلان الأميركي – الإسرائيلي عن صفقات أسلحة على شكل مساعدات بمليارات الدولارات سيتمّ تزويد إسرائيل بها على مدى العشر سنوات المقبلة، في الوقت الذي وقف فيه يوم أمس الخميس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على منبر الأمم المتحدة، وطالب أمام الجمعية العامة بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي عام 2017، وردُّ عليه نتانياهو بأسلوبه المراوغ ودعاه لإلقاء خطابٍ أمام الكنيست الإسرائيلي، في محاولةٍ مكشوفة أمام الرأي العام الدولي أن إسرائيل مع حلّ الدولتين شرط الإعتراف بيهوديتها.
ثالثاً -وهنا بيت القصيد- طالما أن الأمين العام للأمم المتحدة حريصٌ على وقف هدر الدمّ السوري، وعاجزٌ عن مواجهة أميركا والغرب وكل جهة دولية داعمة للإرهاب وتسهيل تمريره وتمويله وتسليحه في الحرب على سوريا، وإذا كانت مملكة آل سعود تُناصر ما يُسمَّى بـ “الثورة السورية”، فما هو دور السعودية من خلال احتلالها الفعلي للبحرين، وفي استيراد المجنَّسين الى هذا البلد وقمع أبنائه الأصليين، وما هو دورها في محافظة الأنبار العراقية حيث مرتع الإرهاب القادم من أراضيها، وأخيراً وليس آخراً، ماذا فعلت هذه المملكة العائلية الحاقدة باليمن؟
اليمن، البلاد الشاسعة الواسعة التي يعيش شعبها أصلاً تحت خطِّ الفقر، دمَّرها العدوان السعودي بالكامل، وهجَّر أبناءها وأحرق أطفالها ونساءها وقضى على بنيتها التحتية المتواضعة، بحيث بات الموت اليومي الخبز اليومي للجياع والمرضى فيها، وارتفعت يوم أمس بالذات صرخات المنظمات الإنسانية الدولية لوقف تمادي العدوان المُجرم إثر غارةٍ للطيران السعودي على سوق الهنود في منطقة الحُديدة وسقوط العشرات من الشهداء بين المدنيين.
أمام أهوال زمن الإبادة لشعوب الشرق الأوسط، على أيدي سلطات شرق أوسطية مجرمة مدعومة دولياً ومُموَّلة خليجياً وسعودياً بشكلٍ خاص، لن يُراهن العالم على بان كي مون الذي يجمع أمتعة المغادرة في ديسمبر / كانون الأول المقبل بعد عقدٍ من التربُّع على عرش شهادة الزور، ولن يراهن العالم على الأمم المتحدة كمنظمة رهينة للدول الكبرى، ويُخشى أن ينفجر هذا العالم بالصراعات الناتجة عن غياب قواعد الضبط، وأن يتفلَّت الأمن العالمي كما تبدو المؤشرات لغاية الآن، سواء عبر التفجيرات الإرهابية المتنقِّلة بين الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا وأميركا، أو عبر التهديدات الجدِّية القادمة من كوريا الشمالية التي تُجري التجارب النووية غير عابئةٍ بأميركا ومن يدور في فلكها، في عالمٍ لن يُرسي السلام فيه ضعف أمثال بان كي مون، بقدر ما أن ميزان القوى بات يعتمد على الأقوياء .