بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي (ره) وفي أجواء ذكرى شهادة النبي الأكرم (ص) اقيمت ندوة علمية بعنوان “سيرة الرسول الأعظم (ص) تدقيقا وتحقیقاً، عند العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي”, وذلك في عيتا الجبل بلدة السيد مرتضى و عبر الفضاء الافتراضي بحضور ثلة كبيرة من العلماء الاجلاء واساتذة الحوزات العلمية في لبنان والعراق وايران وفاعليات سياسية وعلمائية وثقافية واجتماعية وفكرية وبلدية وإختيارية , فضلا عن تلامذة السيد مرتضى ومحبيه وأبنائها مع مراعاة البروتوكولات الصحية في زمن كورونا .
و ُعرض لفيلم وثائقي يؤرخ لمسيرة الراحل الكبير بعنوان “منارة المحققين”, ثم تحدث مدير الندوة فضيلة الشيخ نزار سعيد مدير عام مراكز الامام الخميني الثقافية في لبنان , مشيدا بمزايا الراحل وانجازاته العلمية على صعيد إثراء المكتبة الاسلامية وعلوم أهل البيت عليهم السلام.
بعد ذلك تحدث سعادة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار فقال : شاءت الأقدارُ أن نلتقيَ اليوم بمناسبةِ وفاة الرسول (ص) لنرثيَ محقِّقاً عالِماً جليلاً وباحثاً معاصراً تركَ أثراً كبيراً في تاريخ الإسلام وتركَ مدرسةً من الفكر الديني العلمي، تنتهجُ الأجيالُ نهجَها. اضاف: لقد تمّت ترجمةُ معظم مؤلَّفاتِ السيد جعفر مرتضى إلى اللغة الفارسية بحكم الضرورة وحيث أنّ العلماء أوصوا بترجمة آثاره وفكره إلى الفارسية لاطلاع المسلمين خصوصاً على ما قدّمه هذا العالم الجليل للمكتبة العلمية والتاريخ الإسلامي والحوزات والمدارس التي أسسَها وأسّس لها سواءً في قم أو في جبل عامل.
من جهته عضو مجلس خبراء القيادة وعضو شورى الحوزات الدينية ونائب رئيس جامعة المدرسين في إيران سماحة آية الله السيد هاشم الحسيني البوشهري، أشاد بأهمية الاجتماع بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل عالمٍ عامليٍّ وشخصيةٍ علميةٍ ومحقّقٍ بارزٍ خادمٍ لمدرسة أهل البيت، أسوةٍ في الأخلاق والفضيلة المرحوم آية الله العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي، حيث يصادفُ رحيله مع ذكرى وفاة النبي الأكرم خاتم النبيين (ص) واستشهاد الإمام المجتبى عليه السلام.
اضاف السيد هاشم الحسيني البوشهري بجهود المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، والمستشار العزيز تشكّل هذا اللقاء .وأرى من واجبي أن أتقدم إلى سائر المشاركين والمتابعين والمستمعين الأعزاء بخالص العزاء بمناسبة وفاة الرسول الأكرم واستشهاد الإمام المجتبى عليه السلام. وأتقدم بالشكر والتقدير لكل المساهمين والعاملين والمشاركين.
وتابع السيد هاشم الحسيني البوشهري إن الكلام في مراسم كهذه أمرٌ شاقٌّ وصعب. لأنّ بيان فضائل هذه الشخصية العلمية والتاريخية ومكارمها الأخلاقية يستغرقُ وقتاً أطول وإلماماً ومعرفةً أعمقَ بكافة أبعاد حياة هؤلاء الأفراد الذين أفنوا كل عمرهم في طريق خدمة الدين ومدرسة أهل البيت عليهم السلام مما يصعب الأمرَ على المتحدث.
اضاف: بكل الأحوال لقد فقدنا شخصاً عظيماً. لكن حسبُهُ أنه لبّى نداء الحقّ في يوم رحيل الرسول الأكرم وشهادة الإمام المجتبى لكن أكبر خدمةٍ لرسول الله كانت مؤلّفه الصحيح من سيرة النبي الأعظم ولأهل البيت كتبه التي كانت عن الإمام المجتبى وبقية الأئمة ومعارف أهل البيت.
ايضا كانت كلمة لرئيس المحاكم الجعفرية في لبنان سماحة الشيخ القاضي محمد كنعان، من لبنان حيث اعتبر أن الذكرى تبقى صارخة في اعظم مصاب اصاب الخلائق اجمعين حين عرجت نفس رسول الله ص الى بارئها حيث اصلها ونقطة انبثاقها وبقيت الاحزان والالام تضرب صفحة الوجود كله في هذه الارض التي افتقدت نور ربها ودخلت الامة في الامتحان الاصعب والاقسى والذي ما زالت مفاعيله تترى كل يوم في حياة البشرية. اضاف الشيخ محمد كنعان ثم تصادف ذكرى شهادته ص مع الذكرى الاولى لوفاة سيدنا العلامة اية الله الحجة فرع هذه الشجرة المباركة السيد جعفر مرتضى العاملي وكأن مسيرته في خدمة جده المصطفى مازالت مستمرة من خلال هذا التاريخ المشترك أو لنقل ان جده المصطفى ص لا يزال اخذا بعضد ولده شادا بنفسه الطاهرة نحو ملكوته الاسمى ليحبوه من شفاعته ويحيطه بعنايته كما في دنياه كذلك في برزخه واخرته فرحم الله سيدنا السيد جعفر واسكنه بجوار ابائه الميامين ونفعنا الله بعلمه.
وتحدث مستشار وزير الثقافة والارشاد الاسلامي في ايران والاستاذ في الحوزات العلمية سماحة الشيخ محمد علي مهدوي راد، من إيران فقال : حضرت لدى العلامة جعفر مرتضى عشر سنوات ، العلامة الاديب والمحقق، واستطعت ومن دون مبالغة ان اقرأ جميع مؤلفاته بدقة وامعان ، الموضوع الذي اريد ان اطرحه هو حول اثر الوضع والجعل فيما كتب في التاريخ .
ان موضوع الجعل كان قائما في زمن النبي محمد “ص” ، وكان يستدعي للرسول “ص” ان يتحدث على رؤوس الاشهاد ليبين كذب هؤلاء الوضّاعين.
برأيي اضاف الشيخ محمد علي مهدوي راد أن أعظم عمل قام به العلامة السيد جعفر مرضى هو انه استطاع ان يكشف هؤلاء الكذّابة من خلال مؤلفاته. وفي هذه العجالة سأشير الى مورد واحد منها ان السيد العلامة جعفر مرتضى قد كشف هؤلاء الكذابين وكشف خلفية كذبهم ؛
هناك خمس آيات ترتبط بابي طالب ابو الامام علي “ع” يفسرونها بان ابو طالب عندما توفى لم يكن مؤمنا بالله . منها : ” ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمؤمنين ولوا كانوا ذي قربى”
فسروا هذه الاية بأن ابي طالب عندما توفى كان كافرا ” العياذ بالله.”
في المجلد الثاني ” الصحيح في سيرة النبي الاعظم” وردت هذه الايات؛ كان الهدف منها هو اثبات ان والد الامام علي “ع” كان كافرا وانما قتل لكونه ابن الكافر ليبرروا فعلتهم بقتل امير المؤمنين . وايضا ليثبتوا ان آباء النبي”ص” كانوا ليس بمؤمنين ؛ وذلك من اجل توجيه ضربة الى نفس الرسول “ص” . واذا قرأتم ماكتبه العلامة مابتجاوز الخمسين صفحة تبين كم كان له القدرة في البحث وكشف الاسرار.
عضو المجلس الاعلى الاسلامي في العراق سماحة الشيخ جلال الدين الصغير، تناول في كلمته الميزات التي تميز بها العلامة الفقيد, وقال: لاشك اني لم استطع ان استوعب الحديث عن كل نتاجات الراحل الفقيد، ولذلك سأكتفي بمرور سريع على ابحاثه المسماة بالتاريخية ، وسنجد ان الحديث عن تاريخية عدة ابحاث يحتاج الى اعادة نظر لانه يمكن القول بأنه ابتدع منهجا كان مفقودا في دراسات المعصومين”ع” وفي دراسة تاريخهم، مما تسبب بعطب كبير بالثقافة التي تلّقتها اجيال واجيال ، عن طبيعة سيرة المعصومين “ع” لإ تلك السيرة التي كان المؤرخون يصفونها بعنوانها، سيرة الاشخاص الذين عارضوا النظم السياسية والنظم المذهبية والفكرية التي كانت سائدة في ازمانهم ، وهو ما ادّى الى محاصرة المعلومة المتعلقة بهذه السيرة ووضعها في اطر من شأنها ان لاتُتيح المجال للتعرّف على هذه السيرة بما يناسب مع شخص المعصوم “ع” ، وقد اعانت الظروف الاجتماعية السيئة والصراع السياسي والعنت الطائفي ، اعانت هؤلاء على زيادة حجم المعلومة ومحاصرة المعلومة ، هذا اذا لم ننظر الى حجم التزوير في هذه المعلومة التي اجتهدت سياسات الامويين ومن بعدهم العباسيين ومن لحق بهم من العاملين باثارهم ، اجتهدوا على الكثير من الكذب والتشويه لهذه السيرة، حتى وضّح المقصود.
وكانت كلمة الاستاذ الحوزوي والجامعي سماحة الشيخ علي جابر سأل فيها عن الجديد في كتابات العلامة السيد مرتضى فقال:في الدراسات التاريخية لقد عمل العلامة في هذا الميدان على المزاوجة بين العقل والنص لاجل تأصيل مايكتب.صحيح أننا نراه ملتصقا اكثر بالنص وان دور العقل يتراجع قليلا لصالح النص،لكننا نجد التدقيق في الزمان والمكان والظروف والدلالة فلا يأسره النص بل يخصصه للتحقيق ، وقد وضع امامه الموسوعة التراثية الاسلامية في الحديت والفقه والتاريخ والتفسير من كل المذاهب واستفاد منها في بناء رؤيته للقضايا التي عالجها؛ وهي اعادة تطهير الصورة التاريخية الواقعة بخلفياتها وابعادها وآثارها ، وكشف الزيف الذي احاط بها، وهو في ذلك يحشد مصادر ومراجع من كتب السنة والشيعة والزيدية وغيرهم. مضاغا الى ذلك نجده حاضرا امام كل موضوع يطرح ليرشد الى مصادره ومراجعه، ويقدّم لنا مكتبة بحيثية تلك الظاهرة في عقله الموسوعي . ولذل لا انتقائية في رأيه بل يصدر عن تصورات ومبادئ محدودة بالدليل ، هو لايتشابه في منظومة اراءه مع الاخرين من الباحثين.
اضاف الشيخ علي جابر لقد قدم لنا العلامة السيد رحمه الله موسوعة فريدة تضمنت السيرة النبوية بتحقيق لانظير له في كتابات علماء الاسلام بعنوان ” الصحيح في سيرة الرسول الاعظم(ص) ” ثم حياة امير المؤمنين الامام علي “ع” ثم الامام الحسن “ع” ، ثم حياة الامام الحسين “ع” ، مضافا للحياة السياسية للامام الرضا “ع” والحياة السياسية للامام الجواد”ع”، ودراسة في علامات الظهور التي سأفردها بالتعليق ، وقضايا تاريخية اخرى.
كذلك تحدث مدير حوزة الامام علي بن ابي طالب والتي أسسها العلامة الراحل السيد جعفر مرتضى ,سماحة السيد علي حجازي، فاعتبر إن السيد لم يبرز في الفلسفة أو لم يتعاطاها، لكنه كان فيلسوفاً للتاريخ وفيلسوفاً في الدفاع عن دين الحق. هنا السيد أثرى التاريخ المدوّن. اضاف إن السيد من الذين جسدوا وحققوا المصداق الواضح لأخلاق أهل البيت (ع) في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم والاحساس بهم يعيش همومهم ويسعى كي يفرج عنهم كرباتهم. في تواضعه في رحمته ومحبته وسعة صدره كان لا يشعر جليسه بالفارق لا بالفوقية بل ولا بالمساواة كان يحسس الآخر مهما كان مقامه أنه ذو مقام.البعض يمنّ على الآخرين بالتواضع بينما سماحة السيد يشكر الآخرين على ملاقاته. انها الاخلاق المحمدية العلوية.جاء قلمه بما جاء ولم يفتخر يوماً بتعداد المؤلفات بل كان يرى نفسه أنه قام بواجب عليه وان عليه الكثير.
أما المدير السابق لديوان الوقف الشيعي في العراق السيد علاء الموسوي ,فقال: عرفت العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي في قم المقدسة استاذاً ومحققاً ومدرّساً وكاتباً ، وكانت لنا معه لقاءات عديدة حتى انتقل الى لبنان، وايضا التقيت به في لبنان مرّات عديدة ، كنت بعضها ضيفا عنده لأيام عديدة قي بيروت ، ثم اخذتي الى قريتهم “عيتا الجبل” في الجنوب. من مجموع هذه العلاقة والمعرفة يمكن ان اشير الى بعض النقاط التي لمستها شخصيّاً في شخصية هذا العالم المحقق، أولها: تدبنه وورعه ،إنه كان متدينا وورعاً ، شديد الاحتيلط لنفسه ، مقيّداً جداً في كلامه ، كان لايتجاوز الحدود الشرعية في الكلام، بل اكثر من ذلك كان محتاطاً جداً في كلامه ، وكان يتجنّب حتى المباحثات في الكلام.
بدوره سماحة السيد مرتضى مرتضى، شقيق السيد جعفر مرتضى شكر الدكتور عباس خامه يار لتنظيمه هذا البرنامج وقال :اما بما يخص حديثي عن سماحة العلامة جعفر مرتضى ، استطيع ان اقول أنه كان اوسع من ايران واوسع من لبنان واوسع من كل الامكنة التي نعرفها ، كان له دور في افريقيا من خلال زيارته لمدة شهر واحد ، ترك فيها آثارا” تبقى الى الاجيال والعصور القادمة ، له من المحبين من الشباب المثقف من ابناء افريقيا ، ولايزالون يذكرونه ويتذكرون الانقلاب الثقافي والعقائدي الذي اوجده بينهم وقلب حياتهم رأسا على عقب.
وفي ختام كلمته جدد شكره لجميع الحاضرين والمشاركين لمن شاركهم في عزاء فقد هذا الرجل العظيم. واختتمت الندوة بقراءة الفاتحة على ضريح السيد جعفر مرتضى ومجلس عزاء من وحي المناسبة، للخطيب الحسيني الشيخ علي بلوط.
المصدر: بريد الموقع