أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأحد أن “الأجندات السياسية في العالم ما زالت تتقدم على الأجندات الإنسانية، فبدلاً من رفع الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري وعلى شعوب عدد من الدول الأخرى مع انتشار جائحة “كوفيد 19” شهدنا تجديدا لهذه الإجراءات وفرض المزيد منها تحت ذرائع واهية بما في ذلك ما يسمى “قانون قيصر””.
وفي كلمة سورية أمام الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لفت المعلم إلى أن “قيصر” “يهدف الى الضغط على الشعب السوري في لقمة عيشه وحياته اليومية، ومحاولة خنقه في مشهد غير إنساني يذكرنا بالوحشية ذاتها التي خنق بها جورج فلويد وآخرون في الولايات المتحدة.. وتلك التي تخنق بها “إسرائيل” أبناء الشعب الفلسطيني يوميا فالجوهر واحد وإن اختلفت الطريقة”.
وشدد المعلم عبر “تقنية الفيديو” على أن “الإرهاب ما زال يمثل خطراً مستمراً على الاستقرار والازدهار في العالم ويشكل أحد أهم التهديدات للسلم والأمن الدوليين”، مشيراً إلى “وجود من يستثمر في الإرهاب ويدعمه لتحقيق أجنداته المشبوهة”، مضيفاً أن “النظام التركي يأتي في مقدمتهم بصفته أحد رعاة الإرهابيين الأساسيين في سورية والمنطقة”.
وفي هذا السياق، جدد المعلم إدانته “كل الجرائم التي ارتكبها التحالف الدولي المزعوم منذ تدخله اللاشرعي واللا قانوني في سورية بحق المواطنين السوريين في الجزيرة السورية ومنها سرقة النفط والثروات، ومنع الفلاحين من تسويق القمح لمراكز الدولة السورية.. هذا ناهيك عن الاعتداء على حواجز الجيش العربي السوري والقرى وتدمير المنازل والبنى التحتية.”
هذا ولفت المعلم إلى أن “وجود القوات الأمريكية والتركية غير الشرعي على الأراضي السورية هو احتلال بكل ما يتضمنه ذلك من أبعاد قانونية”، مؤكداً أن سورية “لن تدخر جهداً لإنهاء هذا الاحتلال بالوسائل التي يكفلها القانون الدولي”.
النظام التركي الحالي بات نظاماً خارجاً عن الشرعية الدولية ولا بد من وضع حد لسياساته
وتابع المعلم أنه “عندما نتحدث عن دعم الإرهاب واستثماره، فإن النظام التركي الحالي يفرض نفسه بقوة بصفته أحد رعاة الإرهابيين الأساسيين في سورية والمنطقة”، موضحاً أن هذا النظام “سهّل دخول عشرات آلاف الإرهابيين الأجانب إلى سورية وما زال يقدم كل أشكال الدعم لـ “جبهة النصرة” وأخواتها من التنظيمات الإرهابية التي استباحت دماء السوريين ويمارس سياسة التتريك والتهجير القسري في الأراضي التي يحتلها في سورية، لا بل استخدم العقاب الجماعي بحق مليون مدني في مدينة الحسكة وعشرات القرى المجاورة لها بسبب رفضهم الاحتلال التركي وذلك عبر قطع المياه بشكل متعمد ومتكرر عنهم”، مع كل ما يحمله ذلك من صعوبات وخطر على حياة هؤلاء المدنيين وخاصة في ظل جائحة كورونا”.
هنا لفت المعلم إلى أن ذلك “يشكل في علم القانون جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب.. وهذا السلوك بالمناسبة يحمل الفكر الإجرامي نفسه الذي مارسه الإرهابيون عندما قطعوا المياه عن ملايين المدنيين في دمشق في العام 2017 وطبعاً دون أن يحرك مدعو حقوق الإنسان ساكناً.”
وأضاف المعلم “هذا ناهيك عن عدم التزام النظام التركي بمخرجات اجتماعات أستانا وتفاهمات سوتشي بشأن منطقة إدلب، ونقله الإرهابيين والمرتزقة ممن يطلق عليهم البعض اسم “المعارضة المعتدلة” من سورية إلى ليبيا.. والاعتداء على سيادة العراق.. والمتاجرة بمعاناة اللاجئين لابتزاز الدول الأوروبية.. ومحاولة السطو على موارد الطاقة في البحر المتوسط. لقد بات النظام التركي الحالي نظاما مارقا وخارجا عن الشرعية الدولية.. ولا بد من وضع حد لسياساته وتصرفاته التي تشكل خطراً على الأمن والاستقرار في المنطقة ككل.”
وأضاف المعلم “هنا لن يفوتني إدانة الممارسات التي ترتكبها ما تسمى ميليشيات “قسد” الانفصالية من تآمرٍ على وحدة سورية وشعبها ونهبٍ لثرواتها.. هذا إضافة إلى اعتقال وقتل المدنيين المناهضين لإجراءاتها في شمال شرق سورية.. واغتيال عدد من رموز المنطقة”، متوجهاً لهم بالقول “كونوا مع وطنكم.. وتعلموا من دروس التاريخ قبل فوات الأوان.
وتابع المعلم أنه “للتعبير عن موقفنا من كل ما سبق، أعلن أنه في خضم هذا المخاض العالمي، لا شيء يشوش رؤيتنا أو يجعلنا نخطئ هدفنا، فكما أن محور سياسة أعدائنا هو دعم الإرهاب فمحور سياستنا هو الاستمرار بضرب الإرهاب وتحرير ما تبقى من الأراضي لصيانة وحدة أرضنا وحماية شعبنا”، مؤكداً أن “التوقيت تحدده جاهزية قواتنا المسلحة لخوض المعارك المخططة. وعندما نخوضها لا فرق عندنا بين إرهابي محلي ومستورد ولا بين إرهابي وجندي محتل ولا بين صهيوني وتركي وأمريكي فعلى أرضنا كلهم أعداؤنا”.
وفي هذا الصدد، لفت المعلم إلى أنه “لا بد لنا أن نثمن عالياً تضحيات وبطولات الجيش العربي السوري صاحب الفضل الأول فيما حققناه من إنجازات استثنائية في محاربة الإرهاب، وأن نشكر الحلفاء والأصدقاء على دعمهم ومساعدتهم القيمة في هذه المعركة النبيلة”.
وأكد المعلم في الوقت نفسه، أن “الحكومة السورية لم تتخلف يوماً عن الإنخراط في المسار السياسي.. حيث شاركنا بكل انفتاح في محادثات جنيف ومشاورات موسكو واجتماعات أستانا كما تعاطينا بإيجابية مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي المتمثلة بتشكيل لجنة لمناقشة الدستور.. وانخرطنا في حوار جاد وبناء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية.. ما أفضى إلى تشكيل اللجنة الدستورية وبدء عملها في جنيف”، مضيفاً أنه “نحن إذ نأمل أن تنجح اللجنة في المهمة الموكلة إليها فإننا نؤكد أن هذ النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا بضمان عدم التدخل الخارجي في شؤونها بأي طريقة كانت ومن قبل أي كان.. فاللجنة منذ أن تشكلت وانطلقت أعمالها باتت سيدة نفسها وهي التي تقرر كيفية سير أعمالها والتوصيات التي يمكن أن تخرج بها بحيث تتم كل هذه العملية من ألفها إلى يائها بقيادة وملكية سورية فقط وعلى أساس أن الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده”.
الجولان كان وما زال وسيبقى أرضاً سورية
كما أعلن المعلم أن العدو الاسرائيلي يستمر في انتهاكاته المنهجية لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي في الجولان السوري المحتل منذ العام 1967 بما في ذلك الاستيطان والتمييز العنصري والاعتقال التعسفي والتعذيب وسرقة موارد الجولان الطبيعية، وأضافت إلى ذلك خلال السنوات الماضية تقديم الدعم للإرهابيين والعدوان المتكرر على الأراضي السورية”، مضيفاً أن “اللافت أن كل هذه الانتهاكات تجري في ظل صمت مطبق مما يسمى المجتمع الدولي”.
وفي السياق، شدد المعلم أنه “حالم من يعتقد أن الظروف الصعبة التي تمر بها بلادي سورية ستغير من حقيقة أن الجولان كان وما زال وسيبقى أرضاً سورية نناضل من أجل استعادتها الكاملة حتى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وأن هذا الأمر لا يمكن أن يخضع للمساومة أو الابتزاز أو أن يسقط بالتقادم”.
وأضاف المعلم أن “سورية تؤكد موقفها المبدئي والثابت الداعم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 مع ضمان حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم وذلك وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأي قرارات أو اجراءات أو صفقات لا تتوافق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ولا تحفظ الحقوق الفلسطينية الراسخة مرفوضة شكلاً ومضموناً وهي غير قابلة للحياة أصلاً”.
كما أكد المعلم دعم بلاده “موقف إيران في مواجهة السياسة الأمريكية الرامية إلى تقويض الاتفاق النووي وزعزعة الاستقرار في المنطقة”، وتؤكد أن هذه السياسة “إنما تظهر مدى استهتار الإدارة الأمريكية بالقانون الدولي وعدم احترامها التزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية”، مضيفاً “كما تدين سورية الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على كوبا وفنزويلا”.
واقع اليوم لا ينبئ بالمستقبل الذي نصبو إليه ولا يعكس الأمم المتحدة التي ننشدها
من جهة ثانية، قال المعلم “أنشئت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بناء على توافق عالمي محوره حفظ السلم والأمن الدوليين وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام مبدأ المساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها والامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة”، متسائلاً “أين نحن من كل ذلك؟”.
وأضاف “إذا أردنا ألا نخدع أنفسنا فالجواب واضح وهو أننا نبتعد أكثر فأكثر عن المبادئ والقيم التي قامت عليها الأمم المتحدة واستقرت عليها القوانين والأعراف الدولية، وذلك بسبب قيام بعض الحكومات بفرض أجنداتها الخاصة بطرق غير شرعية على الدول الأخرى وتسخير الأمم المتحدة لتكون مجرد أداة لتحقيق هذه الأجندات لا أكثر”.
وتابع وزير الخارجية السوري “بكل صراحة إن واقع اليوم لا ينبئ بالمستقبل الذي نصبو إليه ولا يعكس الأمم المتحدة التي ننشدها”، موضحاً “نحن نصبو إلى مستقبل آمن ومزدهر دون إرهاب واحتلال وعقوبات لا إنسانية، إننا ننشد أمما متحدة تقف ضد الحروب والنزاعات وداعميها بشكل لا لبس فيه، أمما متحدة تقدم الدعم لأعضائها بعيداً عن التسيس والتدخلات غير الشرعية وعن محاولات تفتيت الدول والمجتمعات”.
وفي السياق، لفت المعلم إلى أن “المهم هنا.. هل هذا الواقع سيدفع البعض إلى أن يضع حساباته الضيقة جانباً وأن يعيد توجيه بوصلته إلى الطريق الصحيح… فالمطلوب اليوم هو أن نواجه معاً هذه الجائحة عبر العمل المشترك متعدد الأطراف.. وبالأفعال لا بالأقوال وصولاً إلى عالم أكثر مساواة وأكثر قدرة على التعامل مع الأزمات”.
المصدر: سانا