نص الخطبة:
أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى عاشوراء وشهر محرم، شهر أبي عبد الله الحسين(ع) وشهر الحزن والبكاء والأسى والتأسي برسول الله(ص) وأهل بيته الكرام(ع) الذين أسسوا لمجالس أبي عبدالله(ع) وأقاموا المآتم لمصابه, وكانوا يظهرون الحزن والأسى والحداد عند هلال كل محرم, ويمتنعون فيه عن اظهار السرور واقامة مناسبات الفرح, وكانوا يأمرون شيعتهم بأحياء هذه الذكرى وإقامة المجالس والعزاء وانشاد الشعر الحسيني واستماعه والبكاء بل التباكي على الحسين(ع) وزيارته.
وقد سار اتباع اهل البيت ومحبوا الحسين على نهج ائمتهم، فكانوا على طول التاريخ ولا يزالون يحرصون على احياء هذه الذكرى ويتفاعلون معها وينظمون المجالس العاشورائية والمواكب الحسينية في طول البلاد وعرضها، ولم تحل حتى أسوء الظروف بينهم وبين احياء هذه الذكرى، واليوم ليس المطلوب في ظل انتشار كورونا عدم احياء هذه الذكرى بل الغاء التجمعات وعدم الحضور المباشر في المجالس حفاظا على سلامة الجميع وتفاديا لاي احتكاك يزيد من انتشار هذا الوباء.
فالذكرى هذا العام تأتي في ظل ظروف صعبة يمر بها لبنان بل والعالم بأسره، جراء انتشار جائحة كورونا، الامر الذي فرض علينا وعلى المرجعيات الدينية التعامل مع هذه المناسبة هذا العام بطريقة مختلفة، واحيائها باسلوب مغاير يختلف عن الاسلوب المعتاد في احياء هذه المناسبة، فان اساليب احياء الذكرى، والتعبير عن الحزن والأسى فيها، واظهار المواساة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار، لا يقتصر على اجتماع الناس في المجالس والحضورالمباشر في المواكب والمسيرات الحسينية، بل هناك اساليب عديدة يمكن اتباعها في احياء الذكرى في ظل الظروف الاستثنائية التي نمر بها جراء انتشار وباء كورونا:
منها: اجتماع العوائل في البيوت والاستماع الى الى المجالس والمحاضرات التي تبث عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والتفاعل معها، فهناك العديد من المحطات التلفزيونية المحلية والفضائية ومواقع الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي سوف تبث المجالس والمحاضرات الحسينية في اوقات متفرقة في الليل والنهار يمكن للأسر والعوائل الاستماع اليها والاستفادة منها في الاوقات التي تناسبها في الليل والنهار.
وهناك الكثير من وسائل الاعلام والمحطات التلفزيونية ومواقع الانترنيت،ومواقع التواصل الاجتماعي والمراكز الثقافية والدينية في لبنان والعالم، تتحضر لتنظيم برامج عاشورائية تتناسب مع الظروف القائمة، وتنسق مع خطباء ومحاضرين جيدين وكذلك مع رواديد مُجيدين لاقامة المآتم وإداراتها عبر هذه الوسائل لايصال رسالة الحسين الى كل عقل وقلب من دون تعريض الناس لمخاطر الاختلاط والاحتكاك الذي قد يزيد من انتشار الوباء.وهذه الوسائل متاحة للجميع ويمكن لكل احد الاستفادة منها والتفاعل معها.
ومنها:عقد المجالس المنزلية التي يقتصر الحضور فيها على افراد الاسرة والمخالطين معهم فقط والاستماع فيها الى خطيب يحضر مباشرة لالقاء المجلس.
ومنها: اظهار الحزن ونشر المظاهر العاشورائية من خلال نشر اللافتات السوداء والاعلام من على شرفات المنازل والسطوح والشوراع والاحياء والساحات العامة وغيرها.
ومنها: اطعام الطعام على حب الحسين واهل بيته، وتكفل ورعاية الفقراء والمساكين والمحتاجين والمتضررين والمتعسرين قدر الامكان، لا سيما في هذه الظروف الصعبة التي الناس في لبنان على المستوى الاجتماعي والمعيشي، ولا بد في الاطعمة التي يتعارف توزيعها بهذه المناسبة من أن تراعى الشروط الصحية اللازمة في إعدادها وتوزيعها، ولو اقتضى ذلك الاقتصار على بعض الاطعمة الجافة وايصالها الى البيوت تفادياً لحصول الازدحام عند توزيعها.
ان احياء ذكرى عاشوراء بهذه الاساليب لا يقلل من قيمة هذه المناسبة ولا من عظمة المضمون الديني والانساني الذي تحمله والذي يراد له ان يتجذر ويتعمق في وعي الناس وفي عقولهم وقلوبهم وسلوكهم وحياتهم .
ولذلك نحن ندعو الجميع لللاستفادة من هذه المناسبة ومن كل القيم الاخلاقية والانسانية التي احتشدت فيها من الصدق الى الوفاء والايثار والصبر والثبات والإباء والبصيرة والشجاعة والجهاد والتضحية والعطاء في سبيل الله بلا حدود، كما ندعو الجميع للالتزام بالإجراءات الوقائية الصحية الخاصة بـ «كورونا» و إدراك خطورة الوضع الصحي الحالي واجتناب التجمعات، ومراعاة التباعد ، والمحافظة على النظافة الشخصية، والاستفادة من الوسائل والاساليب التي ذكرناها في إحياء هذه المناسبة الخالدة..
المصدر: موقع المنار