خرج البعض من لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برؤساء الأحزاب والكتل النيابية، متفائلاً بتحقيق نصرٍ على شريكه في الوطن وجليسه على الطاولة المستديرة، في مبالغة تَنِمُّ عن مراهقة سياسية في قراءة الواقع اللبناني، ولا فرق في تقدير الأمور بين ذلك المواطن الذي طالب ماكرون في الشارع بأن يحذو حذو الجنرال غورو، ويحرر اللبنانيين من دولتهم كما حرر غورو لبنان من الحكم العثماني، وبين سياسيين لديهم حنين لزمن الإنتداب.
تحميل ماكرون وِزر تغيير النظام، دون طرح أفكار واقعية، جعله يُعيد الكرة الى مرمى محاوريه، الذين اختلطت لديهم الأمور بين الدستور والنظام السياسي القائم على الميثاق الرضائي، ومع وعد ماكرون بالعودة في الأول من أيلول بمناسبة الذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير، بدت لنا مشهدية البعض وكأنهم ما زالوا صغاراً على فهم المعادلة اللبنانية القائمة على التفاهم والقبول المتبادل.
وكما في كل مناسبة شعبوية، حاول هذا البعض استغلال الشارع المنكوب بانفجار المرفأ، وكأنه وحده المسؤول عن المواطن اللبناني في مأساته بالأرواح التي خسرناها، وبالجرحى والمفقودين وبآلاف البيوت المُدمَّرة، لكن العبرة ليست فقط بمَن اجتمع مع ماكرون، بل بالقوى الشعبية والبلدية والحزبية التي استنفرت قواها لرفع الردم عن بيروت ومؤاساة المتضررين من الكارثة، بدل الوقوف في الأطلال والبكاء على الدُمن والإستثمار في دماء ودموع وأرزاق الناس.
ليست غريبة رهانات هذا البعض على الخارج، الدولي منه والإقليمي، لأن الشعب اللبناني اعتاد منذ العام 2000 ومروراً بالعام 2006 ووصولاً الى العام 2017 على فرقاء يُمارسون استجلاب القوة على شركائهم في الوطن، رغم أنهم يدركون بأن الجماهير الشعبية المؤمنة بالسيادة والكرامة وإعادة تكوين الدولة، هي التي تحكُم في النهاية أداء أهل السياسة وسلوك الأحزاب مع قواعدها الشعبية.
ما طرحه ماكرون من إصلاحات مطلوبة كشرطٍ لإعادة تفعيل “سيدر” وتسهيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ليس جديداً، لكنه لم يأتِ ليشتغل عن اللبنانيين الذين قاطعوا طاولة قصر بعبدا وفضَّلوا عليها طاولة قصر الصنوبر، ومن السذاجة الإعتقاد أن الظفر الفرنسي قادرٌ على حكّ الجلد اللبناني أكثر من اللبنانيين، وأن يقرأ الرئيس ماكرون “لبناني” أكثر من الذين عيونهم على الخارج أكثر من لبنان.
الى الذين يرون في زيارة الرئيس الفرنسي خطوة جيدة من دولة الى دولة نقول: أحسنتم في المساهمة بإعادة لبنان الى خارطة الدول الفاعلة والمطلوب منكم أكثر مع كل دولة تحترم سيادتنا اللبنانية، والى الذين يستجلبون الرأفة والعطف حتى المهانة من الخارج، أي خارجٍ، للإستقواء على شركاء الداخل بالباطل نقول: نحن في شهر آب، شهر تحقيق نصر تموز، وعقارب الساعة لا تعود الى الوراء، وعليكم ضبط ساعة الزمن على التوقيت اللبناني…
المصدر: خاص