فيما يواصل المواطن اللبناني المتابعة باهتمام لبورصة ارتفاع الدولار أمام الليرة، وبورصة ارتفاع أسعار السِلع والبضائع على انواعها وليس الغذائية فقط ، يلامس الدولار السبعة آلاف في “السوق السوداء”، والمسألة لا تحتاج الى حسابات معقَّدة، لأن السلَّة الإستهلاكية لهذا المواطن قد تراجعت لتصل الى اقل من 25% من أصل تلك التي كان معتاداً عليها في زمن يمكنه تسميته بالنسبة الى هذه الايام زمن العزّ، قبل أن يعود الى البرغل ويهجُر الأرُزّ!
في حسابات الحقل، التاجر شاء الحفاظ على قيمة “رأسمال المخزون”، لأن حساباته يبنيها على سعر صرف الدولار، سواء كانت السلعة لديه مستوردة أو كانت باقة بقدونس من الحديقة الخلفية للبيت، ومع غياب قدرة ما تسمَّى مصلحة حماية المستهلك عن تغطية كل الأسواق من “المولات” الضخمة الى أصغر الدكاكين، تبقى المشكلة قائمة ما دامت الدولة مقصِّرة في إنشاء ألوية مدنية من المتقاعدين يشملهم قانون “إستدعاء الإحتياط”، وتحميلهم أطناناً من الشمع الأحمر لإقفال السوق السوداء التجارية التي صبغ الدولار حياة اللبنانيين بلونها القاتم.
ومع بلوغ الأزمة عتبة الحصول على لقمة الخبز دون سواها، بحيث نشهد إقفالاً للمؤسسات التجارية التي تبيع ما بات يعتبر من الكماليات ( السيارات والكهربائيات والإلكترونيات) فإن مراجعة حسابية حول جدوى الإستثمار باتت مطلوبة من بعض التجار، الذين لم يكتفوا بما رزقهم الله، وباتوا أكثر المُضاربين في سعر صرف الدولار ليس لإستيراد البضائع بل لأن “الأخضر الأميركي” بات السلعة الأهم التي يشترون ويبيعون.
وإننا إذ نُعوِّل على وعي المواطن اللبناني، الذي واجه موجة الغلاء الكافر بتخفيض مستوى معيشته أمام دولار سياسي يسعى لتركيع اللبنانيين على حضيض الفقر، كما فعلت أميركا بالشعب الفنزويلي كي تحقق انتصاراً على لبنان المقاوِم عبر حرب التجويع، لا يجب أن يقتل صفير الأمعاء الخاوية لشعبنا الصابر هدير الكرامة في ضميره ويقتل رجاحة عقله في موازنة الأمور التي تحصل، لأن بعض من أوصلوه الى هذا الواقع المُزري غابوا حتى عن لقاء بعبدا، لكن حسابات الحقل عندهم لن تُطابق حسابات البيدر.
بعض من غابوا، يعتقدون أن مقاطعة العهد وتحميله مسؤولية إرتكاباتهم وشنّ الحرب على سلاح المقاومة، تنفع مستقبلهم السياسي الذي لم يعُد في واشنطن ولا بأيدي أدواتها الخليجية، وبعض مَن غابوا أيضاً ، غيَّبوا أنفسهم لأنهم واهمون، أن مفتاح السراي قد يمتلكه مَن يُهاجم أكثر من سواه الرئيس حسان دياب ويضع العراقيل أمام حكومته حتى لو اختنق لبنان واللبنانيون داخل الحدود، علماً بأن فتح هذه الحدود وإعادة الحركة الإقتصادية للبلد، تبدأ من إعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا ومنها الى العالم العربي والى الشرق البعيد لمواجهة الإجرام الغربي/ الأميركي المُتمثِّل بالحصار الإقتصادي، الذي كان آخره “قيصر ترامب”، ولمزيدٍ من الصمود نحن مدعوون، ولا خيارات أمامنا سوى ذلك، لمحاسبة مَن يزرع بعمالته الحقل اللبناني بالفقراء والمعوزين لأن التواجه بين تُجار الذمم سيحصل على البيادر ولن نكون لهم حنطة رخيصة عند الحصاد..
المصدر: موقع المنار