لا حاجة للدخول في تفاصيل العلاقات اللبنانية – الصينية، لأن أية علاقات دولية قد يبنيها لبنان لن تكون أفضل له على المستوى السيادي من الصين، أولاً، كونها دولة عظمى لها مواقفها المشرِّفة من القضايا العادلة، وثانياً لأنها لا تحشر أنفها في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، وثالثاً لأن طريق الحرير التي يُعاد رسمُها على الخارطة الإقتصادية العالمية، صالحة لأن تكون للبنان خطّ المواجهة الإقتصادية مع ما تُسمِّي أنفسها دول الإقتصاد الرأسمالي الحُر، التي تحكُم أسواق الدول النامية عبر العقوبات الظالمة من كاراكاس الى دمشق.
ليست مشكلتنا في البعد الجغرافي مع الصين، بل لدينا المعوقات السياسية الداخلية التي يضعها فريق ينتمي الى أميركا مباشرة ويأتمر بتعليمات سفارتها في عوكر، وفريق ينتمي إليها عبر بعض الدول الخليجية العميلة التي تصُحّ تسميتها “مستعمرات عرب أميركا” والتي لها تاريخ من الإعتدال الذليل في أزمنة المواجهة.
مشكلتنا الأبرز في لبنان لتفعيل علاقات دولية إقتصادية سيادية تنتشلنا من هاوية الجوع، تتمثَّل في مسألتين:
الأولى مُزمنة من عمر الحكومات الأولى، حيث البيروقراطية بتعقيداتها الروتينية لصيقة الأداء في السلطة التنفيذية، بدليل أن ما من ملف إنمائي معيشي يسأل عنه المواطن اللبناني اليوم، إلَّا ويأتي الجواب أن الحكومة بصدد إنجاز دفتر الشروط تمهيداً لطرح مناقصة شفافة!
المسألة الثانية مُستجِدَّة، وهي تتمثَّل بالأبواب الموصدة عربياً بوجه الرئيس حسان دياب، كجزءٍ من الحرب الأميركية – السعودية على حكومة يروق لأعداء محور المقاومة تسميتها حكومة حزب الله، فقط لمجرَّد أنها ليست نِتاج رضا أميركي وإخراج سعودي، وهذا الحصار الخانق على لبنان – مِمَّن يدَّعون العلاقات الأخوية – أكثر إيلاماً له من قانون “القيصر الأميركي”.
نتجاوز تعقيدات البيروقراطية الحكومية، ونسمح لأنفسنا بالتوجُّه الى الحكومة من منطلق المُواطَنَة الحريصة على نجاحها في تحقيق خططها، خاصة على المستويين المالي والإقتصادي، وندعو للحذر من تداعيات أي تأخير في التوجُّه شرقاً لنسج العلاقات التبادلية التجارية والإستثمارية سواء مع الصين أو روسيا، لأن الخطير في قانون قيصر الأميركي، ليس في الشروط المُذِلَّة التي دفعت أميركا الى وضعه على العُنق السوري، ولا في نوعية العقوبات التي يتضمنها، بل في توقيت وظروف إقرار هذا القانون.
خمسة أشهرٍ تفصلنا عن الإنتخابات الأميركية، وقانون قيصر هو أحد أسلحة ترامب في سياساته الخارجية، التي يحاول من خلالها تعمية بصائر وقلوب الناخبين الأميركيين عن ضعف أداء حكومته في السياسات الداخلية، سواء في العجز الواضح للقطاع الصحي الأميركي بواجهة وباء كورونا، أو في الهيكل الإقتصادي الذي انهار خلال أسابيع على رؤوس العاطلين عن العمل، أو في وضع الأمن الداخلي المُتفلِّت بعد قتل المواطن جورج فلويد، أو في إزدواجية القرارات بين السلطات الفيدرالية وعلى رأسها ساكن البيت الأبيض وصلاحيات حكام الولايات الذين أعلن بعضهم التمرُّد على الحكومة المركزية.
ولبنان، الذي يحاول على المستويات الديبلوماسية والقوَّة الناشئة عن المعادلة الثلاثية التي تحمي سيادته، يحاول التقليل من ارتدادات شظايا “قيصر” عليه ولكن، على الحكومة الإسراع في قطع الطريق على استعراضات أميركا في الشرق الأوسط عبر التمهيد لطريق الحرير الصينية الى لبنان، ضمن مهلة زمنية لعدة أشهر تسبق الإنتخابات الرئاسية، وهذه المهلة تُسمَّى في أميركا “البطَّة العرجاء”، التي يلجأ فيها الرئيس الأميركي المُرشَّح لولاية ثانية، الى ارتكاب كل الحماقات التي تصُبُّ في مصلحة بقائه على كرسي البيت الأبيض.
المصدر: موقع المنار