ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم السبت 23-05-2020 في بيروت على كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي قال فيها إن الكيان “الإسرائيلي” يتعاطى بشكل حذر ويخشى الذهاب الى حرب، كما يحسب ردات فعل المقاومة. وأشار إلى الرهان “الإسرائيلي” على التطورات الداخلية والاقتصادية والعقوبات الأميركية، وعلى انقلاب بيئة المقاومة عليها، كما ركزت الصحف على كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي جاءت بمثابة رسالة، حيث أكد بري أن القضاء المستقل هو الضمانة، واضعاً ذلك كسقف لمكافحة الفساد خارج مخاطر الوقوع في الاستنسابية.
الأخبار:
العام المقبل في القدس!
يتزامن «عيد المقاومة والتحرير» هذا العام مع لحظة مفصليّة في تاريخ المواجهة المصيريّة التي تخوضها شعوبنا ضدّ الكيان الصهيوني، ومن خلفه الاستعمار الغربي المترنّح. إن إنجازات المقاومة تواصلت منذ تحرير أرض الجنوب اللبناني قبل عشرين عاماً، حتى أنهكت العدوّ، وغيّرت موازين القوى، وخلقت توازنات ردع جديدة في المنطقة. في 25 أيار 2000 بدأ تحطّم أسطورة التفوّق الإسرائيلي.
لأوّل مرّة منذ احتلال فلسطين، كان جيش العدوّ ينسحب صاغراً من أرض عربيّة، بلا قيد أو شرط، وبلا مفاوضات ومعاهدات، تلاه انسحاب آخر غير مشروط من غزّة. تلك مقدّمة للنصر التاريخي في تموز 2006. هذا الكيان المتغطرس الذي كان يشنّ الحروب ويستسهل دخول المدن العربية، بات اليوم أعجز من أن يبادر إلى حرب، أو يفرض شروطه، فتراجع إلى خطوط دفاعه الخلفيّة.
يوم تحرير الجنوب هو بداية هذا المسار الشائك المتعرّج، مسار بناء القدرات التي تضاعفت عشرات المرات خلال العقدين الماضيين، ناقلة إيّانا من العبوة الموجّهة إلى الصواريخ الذكيّة، فيما المقاومة ماضية بخطى ثابتة وواثقة في بناء القدرات. ولم يعد أمام «إسرائيل»، كلّما استشعرت نهايتها المحتومة، إلا الهروب إلى مزيد من العنف والشراسة وكسر العظم، وسياسات الضمّ والاستيطان والتهويد. لم يعد أمام الولايات المتحدة الأميركيّة، حامية «إسرائيل»، إلا حرب الإفناء والإبادة الملازمة لتاريخها وطبيعة وجودها، عبر سياسات الحصار والتجويع والعقوبات واستغلال الوباء.
كلّما ازدادت قوى الاستكبار هستيريّةً في محاولة الردّ على الحرب الشعبيّة، فضحت أكثر وهنها وهشاشتها وهزيمتها المبرمجة.
في 25 أيار 2020، بدأ العدّ العكسي لمعركة تحرير فلسطين. «العام المقبل في أورشليم»، يقول الوعد الديني اليهودي الذي كان يحيل مجازيّاً إلى مكان متخيّل في عالم الغيب، قبل أن تحوّره الصهيونيّة ليصبح شعاراً سياسياً يبرّر اغتصاب فلسطين. هذا الشعار استعادته المقاومة، ومن خلفها كلّ الشعوب العربيّة، في يوم التحرير. وها قد بدأ العدّ العكسي، في العيد العشرين للمقاومة والتحرير: العام المقبل في القدس، عاصمة أبديّة لفلسطين.
أوراق من العقل العسكري للمقاومة في مسيرة التحرير
مطلع حزيران عام 1999، أُعلن عن خروج جميع عناصر ميليشيا عملاء إسرائيل من مدينة جزين وقراها شرق صيدا. كان عملاء العدو تلقوا على مدى سنوات ضربات قاسية. ترافقت مع عدم وجود أي نقطة ثابتة لقوات الاحتلال الإسرائيلي. حاول العدو إجراء اختبار ميداني – سياسي من خلال الخطوة. طلب إلى قائد الميليشيا المتعاملة أنطوان لحد الإعلان في مؤتمر صحافي عن قرار الانسحاب من جزين، ثم تولت الإدارة الأميركية التواصل مع الحكومة في بيروت لأجل ضمان تسوية تهدف إلى التثبت من إمكانية فرض إجراءات تحول دون أي توسع لانتشار المقاومة في المنطقة الحدودية.
المؤشرات الميدانية لدى قيادة المقاومة كانت حاسمة في أن العدو لن يصمد لفترة طويلة. لكن الحسابات لم تكن تنحصر في كيفية التعامل الميداني، بل في السعي إلى احتواء أي مضاعفات سياسية للخطوة، من دون تعريض جدول أعمال المقاومة إلى أي تعديل خاص.
جاءت خطوة الانسحاب من جزين، لتتقاطع مع معلومات مجمعة أمنياً عن جهود العدو مع ضباط العملاء، لتضع تقديراً واضحاً لدى قيادة المقاومة، بأن العدو يخطط لانسحاب من المنطقة المحتلة، مع إبقاء عناصر الميليشيات منتشرين في كل الشريط الحدودي، ومدّهم بدعم عسكري وسياسي ومادي خاص، بما يسمح لهم تشكيل «حزام أمني»، يتيح من جهة توفير خدمات الأمن للعدو عند السياج، ويفسح في المجال أمام تحويل المواجهات بين المقاومة وبين قوات العملاء، أمراً لبنانياً داخلياً، لا بل يشكل امتداداً لمظاهر الحرب الأهلية.
كل ذلك، دفع بالمقاومة لأن تشكل هيئة قيادية تنظيمية – ميدانية تولى الشهيد عماد مغنية الإشراف عليها، مهمتها تعطيل مشروع العدو بالإبقاء على ميليشيا لحد، من خلال تحديد هدف واضح هو العمل على تفكيك تلك الميليشيا. الإستراتيجية العامة التي وُضعت للوصول إلى هذا الهدف اختُصرت بعبارة «رعب أكثر ودماء أقل»، وكانت تعني تكثيف الاستثمار النفسي والإعلامي للعمليات الميدانية التي تقرر أن تأخذ منحى تصاعدياً من دون الاضطرار إلى تدفيع العناصر اللحديين العاديين الثمن العقابي الذي يتوجب تحميله لقادتهم. إجرائياً أخذت هذه الإستراتيجية ترجمتها عبر عمليات تصفية نظيفة لكبار العملاء، وأسر عناصرهم بعد القيام بعمليات اقتحام مدوّية لأبرز مواقعه العسكرية. وتم التركيز على عمليات تدمير ضخمة للمواقع من خلال تفجيرها بواسطة شاحنات محمّلة بأطنان من المتفجرات لمنع العملاء من العودة إليها. وتقرر أن يتم تصوير العمليات لتُعرض بالتزامن مع لغة جديدة استخدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطبه العامة، رافعاً سقف التهديد للعملاء بمطاردتهم حتى داخل منازلهم.
العجز باب نحو الهزيمة
في عرف قادة المقاومة العسكريين، لا يمكن الركون إلى اللحظة السياسية لتنفيذ قرار الانسحاب، لأن في ذلك ما يعيد القرار إلى ظروف سياسية خاصة بمن أصدره. في عقل القادة الجهاديين، أن أي محاولة لفهم ما جرى في أيار عام 2000، تتطلب معاينة لسياق عمره ثمانية عشر عاماً على الأقل، وهو سياق يمتد ليتصل حكماً بنتائج ما حصل بعد عام 2000، ليس في لبنان فقط، بل في داخل فلسطين نفسها. وهو ما يقدم جواباً عما جرى في عام 2006، وما جرى لاحقاً في فلسطين أيضاً، وصولاً إلى ما يعتبره قائد جهادي كبير في المقاومة «عنوان العقل العسكري الجديد الذي ترجم تفوّقه في الحرب على الإرهاب في سوريا، وهو العقل العسكري الذي يردع العدو عن القيام بحرب جديدة، وهو العقل الذي يعد العدو بتدمير كامل لجيشه في أي حرب مقبلة».
في عام 1999 تقدم الجميع نحو حسم قرب موعد الانسحاب عند قيادة العدو. بالنسبة إلى المقاومة «فإن المؤشرات لم تعد مجرد ملاحظات، لقد كان كبار القوم يقرون بعجزهم عن الاستمرار في المعركة. الاحتكاك والتماس اليوميان والمباشران اللذان عشناهما مع العدو، حسما عندنا القناعة بقرار العدو الخروج من لبنان».
يعود القائد الجهادي إلى الأيام الأولى للاحتلال ليعرض تطور استراتيجية خاصة لإدارة المعركة ضد قوات الاحتلال والعملاء. «كان الأفق مفتوحاً أمامنا في سياق حرب عصابات تقود إلى انهاك العدو وتعطيل قدرته على حماية جنوده، وبالتالي تدفعه نحو قرار الهروب بعد تعطيل جدوى بقائه هنا. كان المقاتلون يسيرون يومياً إلى الأمام. وحجم التطلّب لديهم في السنوات الأخيرة كان أكبر بكثير من المتوقّع. الوحدات المقاتلة تُشعر قيادة المقاومة بالحاجة إلى تطوير دائم لبرامج العمل».
«الأمر لا يتعلق بحرب بعصابات تقليدية». الفكرة بالنسبة إلى جيل القيادات المؤسسة للعمل العسكري في المقاومة الإسلامية تنطلق من معايير أساسها التعرّف إلى العدو: طبيعته البشرية وخصائصه العسكرية. وإذا كان العمل التقليدي يتطلب العمل على نقاط القوة والضعف، فإن الفكرة الرئيسية عند العقل العسكري للمقاومة كانت في «الابتكار». أي أن المعركة تحتاج إلى ابتكار دائم، لأن التراكم هو الذي سيحدث الفرق.
يقول القائد الجهادي: «نحن أمام مباراة ملاكمة. ليس ممكناً الفوز بالضربة القاضية. بل يجب العمل على استراتيجية إنهاك العدو. وإذا تعرّفت إلى نقاط ضعفه، يمكن تركيز الضربات المتتالية، وبلا توقف، من أجل إصابته بالوهن وإسقاطه». ويضيف: «الفكرة حول تأريخ لحظة الانسحاب يجب أن تكون مرتبطة بالسياق العملياتي الذي رافق عمل المقاومة طوال فترة الاحتلال. كنا مثل عمال يحملون معدات الهدم الثقيلة. كنا نضرب يومياً في النقاط المركزية للجدار الذي يستند عليه العدو. وفي لحظة صادف توقيتها في ربيع عام ألفين، جاءت الضربة التي أسقطت الجدار».
يعود القائد الجهادي إلى آليات العمل اليومية: «الحقيقة هي أن تراكماً لعمل مُضن لكنه مركّز وفعّال، استمر لوقت طويل، نجح في إسقاط كل موجبات استمرار الاحتلال عند قيادة العدو قبل أي أحد آخر. ما حصل فعلياً، أن برامج العمل الخاصة بنا، ركّزت على منع العدو من استيلاد أي وسيلة لحماية جنوده أو حماية العملاء. لم يبق مكان يتحرك فيه العدو إلا وضربناه، مرات ومرات، حتى عندما لجأ العدو إلى خيارات بديلة، وطوّر قدراته في المناورة والتضليل، عملنا على ضرب هذه الإجراءات مباشرة أو من خلال خلق مسارات عمل جديدة لم يكن بمقدور العدو أن يحتويها».
بحسب العقل العسكري للمقاومة، كان يجب العمل من دون توقف على «درس إمكانات المقاومة من جهة، وإمكانات العدو في المقابل. وبالتالي التعامل مع الظروف، والقيام بما يقود إلى اللحظة التي يشعر العدو فيها بالعجز الكامل عن الانتصار في أي معركة، ومن ثم العجز عن البقاء». وبهذا المعنى يقول القائد الجهادي إنه «كان واضحاً لدينا أنه طالما نجحنا في إفقاد العدو أي قدرة على ابتكار ما يحمي قواته ودورياته، وعندما نجعله عاجزاً عن حماية مواقعه، فهذا يقود إلى اقتناع العدو بالعجز التام وليس أمامه سوى الهروب. وهذا ما حصل، وبهذا المعنى كان واضحاً لنا أن قرار الانسحاب اكتمل. لكن توقيت لحظة الخروج المعلنة، سيكون بالتأكيد رهن ظروف مختلفة، بينها ما يخصّ القيادة الاسرائيلية».
دع اليأس ينَلْ منهم
لا تبدو قيادة المقاومة أمام مفاجآت بشأن ارتباط قرار الانسحاب من لبنان باستراتيجية المقاومة الخاصة بتحرير فلسطين. هي كانت تسعى من خلال برنامج العمل العسكري والأمني إلى «تنفيذ العمليات بطريقة تتجانس مع المتطلبات المرتبطة بالاستراتيجية الكبرى الخاصة بالسير قدماً نحو إنهاء إسرائيل»، يقول القائد الجهادي، مضيفاً: «ما عملنا عليه عملياً، هو برنامج استنزاف كامل لقوات العدو في الجنوب المحتل. لكن ذلك كان يتطلّب منّا العمل على وضعه في سياق الخط الاستراتيجي المرتبط بالهدف الأبعد المتصل بتحرير فلسطين. كنا نعمل وفق آلية تجعل حالة المواجهة مع العدو حاضرة بقوة وبصورة يومية لدى كل معنيّ بتلك المواجهة، ليس في لبنان وحسب، بل في فلسطين وفي بقية العالم. كانت العمليات تستهدف إنهاك العدوّ ودحره، لكنها كانت تستهدف أيضاً إشعار الناس بأن الانتصار خيار عملاني قابل للتحقق».
بالنسبة إلى العقل العسكري في المقاومة، فإن المواجهة كما الهزيمة أصابت كل العقل العسكري والأمني لدى العدو، بعدما عمل أفضل قادته ونخبه العسكرية والأمنية في لبنان. وهنا كانت المقاومة تتعرّف يومياً إلى كل قادة العدو الحاضرين اليوم في المشهد. يقول القائد الجهادي «نحن أكثر معرفة بشخصيات مثل إيهودا باراك وبني غانتس وموشي يعلون وغابي أشكينازي وغادي آيزنكوت وآخرين من الذين يتطوعون اليوم لقيادة «الدولة».
خطة «رعب أكثر ودماء أقل» فكّكت جيش العملاء وأبطلت لغم الانسحاب بأثمان
نحن نعرف هؤلاء أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. نحن كنا على تماس معهم في أصعب معارك إسرائيل. وبالتالي نحن نعرفهم مباشرة. وهذه المعرفة الدقيقة بقادة العدو ساعدتنا على تطوير قدراتنا، سواء في مرحلة مواجهة الاحتلال في الجنوب، أو في مواجهته اليوم. نحن نعرف أن الانسحاب الفعلي من لبنان بدأ عملياً لحظة إقرار العدو بالعجز عن حماية مواقعه وجنوده. ربما لا يعلم كثيرون أن العدو عمد مرات كثيرة قبل عام 2000 الى إخلاء مواقع له. وعمد الى تجربة خيارات كثيرة، كان البارز فيها تحوله نحو العمل الهجومي عندما أرسل عميرام ليفين الى الجنوب. كانت تلك تجربة خاصة، تكشف عن خصوصية عقل المقاومة العسكري».
يروي القائد الجهادي: «يوم جاء عميرام ليفين ليقود معركة هجومية خاصة، كانت اللحظة تمثل لنا الفرصة لتوجيه الضربات التي تحسم في عقل العدو أنه لا مجال للقيام بأي عمل يحفظ له مواقعه وجنوده. كان هذا الاختبار أحد العناصر الحاسمة في قرار العدو النهائي بالانسحاب. يومها، كنا قد اختبرنا كل قادة العدو، وكانت استراتيجية المقاومة قد أنهكت عقول كبار ضباطه. من إسحق رابين وموشي أرينز وإيهود باراك… هؤلاء كانوا يمثلون النخبة لدى العدو. هم ضباط مؤسسون للجيش الإسرائيلي الحديث والقوي. كانت صدورهم مزينة بأوسمة كثيرة على عمليات ناجحة قاموا بها ضد المقاومة الفلسطينية. كان باراك يزهو بأنه جاء الى بيروت. لكن الذي فعلناه، هو أن هؤلاء القادة التاريخيين، ومعهم الضباط العملانيون، الذين صاروا اليوم في مواقع متقدمة أجبرتهم المقاومة على اتخاذ قرار الانسحاب، وبالتالي فإن القرار جاء من قبل المستوي العسكري الذي لبس البدلة السياسية لاحقاً».
كان عدد قتلى العدو في المواجهات قابلاً للتحمل لو أن العدو كان يملك أملاً بالنجاح. لكن ما حصل هو أن الفعل النوعي لاستراتيجية المقاومة «زرع اليأس في عقول هؤلاء القادة وقلوبهم قبل الجنود وقبل الجمهور، وهو ما حوّل وجودهم العسكري في لبنان إلى جهد أمني عبثي، وما فعله المستوى السياسي هو ترجمة لهذه الخلاصة الواضحة بأنه لا يمكن هزم هذه المقاومة».
استراتيجية إصابة ضباط وجنود العدو «أينما تحركوا» حسمت قرار العسكريين والأمنيين بالهروب
أدرك القادة العسكريون والأمنيون في جيش العدو أنهم عاجزون فعلياً عن استمرار المواجهة. يروي القائد الجهادي: «عثرنا بعد الانسحاب على وثائق من مخلّفات العدو ثبتت لنا هذه القناعة. لقد قرأنا في ملفاتهم كيف أنهم قاموا بكل ما هو مطلوب، تدربوا جيداً وتجهزوا، وكانت معهم كل الوسائل القتالية المطلوبة، والكثافة النارية التي يحتاجون إليها، ولكن من دون جدوى. قال ضباط من العدو: ببساطة، لقد هزمنا».
ركز العقل العسكري للمقاومة على رسم دائرة من النار تحيط بكل حركة يقوم بها العدو. القرار بأنه لا يمكن تركه من دون ملاحقة أينما وُجِد. يجب ضربه في المواقع وفي الدوريات وفي الدبابات أو السيارات وفي دشمه المحصّنة. يجب أن نزرع في عقلهم أنه يستحيل حماية أنفسهم بأي طريقة. حتى عندما لجأ العدو الى تغيير استراتيجي في حركة قواته، إنما كان يفعل ذلك مضطراً. لكن قادة جيش الاحتلال كانوا يدركون معنى ذلك. معناه أن المقاومة هي التي تفرض عليهم المسارات. وصلت الأمور إلى حد العجز التام عن حماية أكثر المواقع تحصيناً.
يروي القائد الجهادي تجربة العدو قي قلعة الشقيف: «تَدرّب جنود الاحتلال بكثافة على كيفية احتلالها قبل اجتياح عام 1982. كانوا يعرفون أن الوصول الى هذه القلعة يعني الكثير. لكن برنامج عمل المقاومة كان يهدف الى تعطيل قدرة العدو على البقاء في هذه القلعة. وتم ذلك من خلال برنامج تطور من مستوى القصف المستمر الى الضرب المباشر والدقيق للدشم، وصولاً الى زرع العبوات على مداخل القلعة، وضرب الدوريات المتحركة على الطرق المؤدية إليها. مع الوقت، شعر العدو بأنه غير قادر على نقل قواته براً الى القلعة. ومع ذلك، فإن اللجوء الى وسائل أخرى لتأمين النقل والتغطية النارية، لم يكن لينفع في مواجهة قرار المقاومة الوصول الى دشم القلعة وضربها. وهذا ما حصل في الشقيف، كما حصل في موقع الدبشة وعملية زرع العلم الشهيرة».
مرحلة اللاخيار
في المرحلة ما قبل الأخيرة من عمر الاحتلال، انتقل العدو الى محاولة استعادة زمام المبادرة. يومها قرر أن العمل الهجومي هو الأفضل. وتم إرسال وحدات النخبة للقيام بنصب الكمائن عند مشارف القرى، والتسلل الى داخل المناطق المحررة، وزرع العبوات، ونشر قوات بطريقة تقفل كل منافذ الشريط المحتل، مع مستوى استثنائي من عمليات التضليل والمناورة، واللجوء الى وسائل تقنية عالية.
تصرف بعض قادة العدو على أساس أنهم نجحوا في دفع المقاومة الى موقع دفاعي. لكن الواقع كان معاكساً. يقول القائد الجهادي: «هم لم يتعرّفوا إلى عقلنا. لم ينتبه هؤلاء إلا متأخرين الى أننا كنا نطاردهم في كل الأماكن، وصار صعباً علينا العثور عليهم. فجأة، قرروا هم القدوم إلينا. كانت خطتهم مثل هدية لنا. وخلال وقت قصير، حوّلنا كل الإجراءات العملانية الهجومية للعدو، وخصوصاً الكمائن، الى أهداف بحد ذاتها. لم يصمد العدو طويلاً، وصار يتراجع تدريجياً الى الخلف. وكنا نحن نتقدم خطوة بخطوة. ثم أعلن العدو فشل الخطة الهجومية، وعاد للاختفاء بعيداً. بينما تقدمت المقاومة نحو العمق. وانطلقت نحو مرحلة جديدة. قررنا ونفذنا فكرة إقامة نقاط حضور لنا داخل المناطق المحتلة. لم نعد مضطرين إلى أن نرسل المجموعات من الخارج الى الداخل. صارت المجموعات تنتقل من الداخل الى الداخل. تعطلت قدرة العدو على إقفال المنافذ. بينما صار بإمكاننا زرع عشرات العبوات وانتظار الأهداف لتأتي من تلقاء نفسها. وكان على العدو في هذه اللحظات الاختفاء وحسب. مرت أسابيع وشهور، كنا فقط في موقع انتظار مرور هدف. في مرات كثيرة، عمد المقاومون الى إعادة تجهيز العبوات ببطاريات جديدة لتوقف القديمة عن العمل بفعل مرور الوقت. صار لدينا فرق خاصة داخل الشريط المحتل. في الخيام وبنت جبيل، كانت لدينا مجموعات، بعضها استشهادي، تنتظر أهدافها للقيام بالعمليات النوعية، لكن العدو كان قد اختفى».
المواجهة اللصيقة بالعدو حدّدت نقاط ضعفه و«الابتكار» لازم التخطيط وتطوير برامج المقاومة
يشير القيادي إلى واقعة تعكس نمط الاختلاف في موازين القوى بين المقاومة وجيش الاحتلال، ويروي: «في لحظة ما، قرّرنا إرسال دورية لزرع عبوة في نقطة حدودية. كان على الشباب الانتقال على مراحل صوب الهدف. وكان يفترض بهم الاستراحة لبعض الوقت في إحدى النقاط في القطاع الأوسط. في المقابل، نفّذ العدو إجراءات تضليلية فائقة الدقة، ونجح في زرع كمائن كثيرة على الطريق المفترض للمقاومين، وحقيقة أنه لم يكن لدينا أي معلومات عن هذه الكمائن. لم نكن نعرف أنهم ينتشرون في كل الأودية والمسارات. ومع ذلك تقدم الشباب. ما لم يكن يعرفه العدو، هو أننا كنا قد طوّرنا إجراءات تقنية وعسكرية تفادي الكمائن، وهو ما سمح للمجموعة بتجاوزها والوصول إلى نقطة الاستراحة المحدّدة، صحيح أن العدو اكتشف وجود الشباب، لكن الشباب اكتشفوا أيضاً وجود قوات الاحتلال في النقطة نفسها. حصلت مواجهة نادرة. وخلال ساعات امتدّت من الفجر حتى ظهر اليوم التالي، كان ثلاثة مقاومين فقط، يواجهون كتيبة كاملة من جيش الاحتلال، مدعومة بغطاء ناري استثنائي توفره المدفعية والطائرات على أنواعها. واضطر العدو الذي سقط له قتلى في المواجهات أن يدفن قتلاه في الأرض وينسحب قبل أن يعود في اليوم التالي لنبش القبور وسحب الجثث. يومها فقد العدو القدرة على السيطرة. كانت هذه العملية ضربة كبيرة جعلت العدو يحسم أنه عاجز».
«في تلك اللحظات، كان العدو يعرف تماماً أنه مع كل فجر، ستنفذ المقاومة عملية في مكان ما. كانت خططه تركز على سبل تحديد نقطة الاشتباك وتقليص الفارق الزمني بين لحظة الاشتباك الأولى وبين وصول الدعم. كان العدو يعرف ونحن نعرف، أنه يحتاج إلى عشر دقائق لتحديد موقع المواجهة حتى يباشر بالقصف المدفعي، ويحتاج إلى عشرين دقيقة لإرسال قوات النجدة والدعم، وإلى نصف ساعة لإرسال الطائرات إلى المكان. ولذلك، قرّر العدو أن يختصر هذه العملية، وعمد إلى وضع استراتيجية لمباشرة سريعة لعمليات الدعم والإسناد. كان يعتقد أن هذه التجربة ستحاصر خيارات المقاومة. لكن «الابتكار» الذي ظل نشطاً بلا توقف، جعل المقاومة تفتح النار في لحظة واحدة على كل المواقع من البحر غرباً إلى آخر المواقع الشرقية. لم يكن العدو يقدر على تحديد الهدف الفعلي. ذات مرة كان العدو يتصرف أننا نهاجم موقع طيرحرفا. لكن المقاومين كانوا يسحبون دبابة من موقع آخر في المنطقة الغربية. في تلك المرحلة من العمليات الواسعة، حسم العدو بأنه فشل في كل خياراته التكتيكية في مواجهة المقاومة».
يصل القائد الجهادي الكبير في المقاومة إلى ما يراه الخلاصة: «دخل العدو مرحلة اللاخيار في مواجهتنا. عندما خرج في أيار 2000، أصبحنا نحن على السياج. وارتكب العدو أكبر خطأ في تاريخه: الانكشاف، استراتيجياً، بسبب عجز تكتيكي».
اللواء:
مؤشرات الإنفجار تسابق خطط الاستقرار.. وبري: اللهم إني بلغت!
السراي ترحّب بمساهمة المصارف.. والحراك الأرثوكسي متمسك بحصته في التعيينات
بصرف النظر عن حجم الاحداث ودقتها او قوة تأثيرها، وطبيعة المناسبات، والحاجة للتصرف وفقا لما تقتضيه، يمضي اللبنانيون، في البحث عن جنس الاشياء، سواء اكانوا ملائكة او شياطين.. فهذا يرى الخطة اعجازية في الاقتصاد، وفي ادارة المال، والبلاد والعباد، وذا يراها، مجرد ورقة.. الامر الذي دفع الرئيس نبيه بري، في رسالة، ابسط ما يمكن ان يقال فيها، انها تندرج في باب «اللهم بإني بلغت»، الى التأكيد ان «الوقت حان كي تبدأ الحكومة العمل على الارض، بعيدا عن خطط ويرامج مسجلة، على الورق، فالامر يتطلب افعالاً اكثر من الأقوال..
وأبعد من ذلك، ما تضمنته كلمة بري من ان «الوضع لا يمكن ان ينتظر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي».. داعياً الى تحرير النظام السياسي والقضائي والاداري عن سطوة الاحتلال الطائفي والمذهبي، مشددا على انتاج حياة سياسية انطلاقاً من قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، معتبرا انه لا يُعقل ولا يجوز ان يبقى الامن الغذائي والصحي رهينة او ضحية لسياسات مالية ومصرفية خاطئة، او رهينة لشجع كبار التجار وبضع شركات احتكارية، وفساد وغش في كل زاوية.
وحذّر مما وصفه بالاصوات النشاز التي بدأت تعلو في لبنان للاسف منادية بالفدرالية كحل للأزمات التي يئن تحت وطأتها لبنان واللبنانيون، فلا الجوع ولا اي عنوان آخر يمكن ان يجعلنا نستسلم لمشيئة المشاريع الصهيونية الهدامة… وحدتنا قدرنا وسر قوتنا، وبقدر ما نكون مع القدس ومع فلسطين وقضيتها العادلة نكون مع لبنان ومع اوطاننا وبالتالي تقبل اعمالنا في الصوم والفطر».
وجاءت كلمة بري، قبل ان يزوره الرئيس حسان دياب، في عين التينة لمدة ساعة، ولم يدلِ بعد اللقاء بأي موقف. في حين إلتأمت هيئة مكتب المجلس النيابي في مقر الرئاسة الثانية، برئاسة بري وناقشت جدول الأعمال للجلسة العامة المرتقبة يوم الخميس من في الأسبوع المقبل بعد عيد الفطر، وقبل انتهاء العقد العادي للمجلس النيابي، ومن أبرز البنود موضوع العفو العام الذي درسته اللجان المشتركة.
وجاءت زيارة دياب لبري للتنسيق قبيل عقد الجلسة التشريعية وتحديد المواضيع التي تهم الحكومة، لا سيما إقرار مبلغ 1200 مليار للدعم الاجتماعي والقطاعي، اضافة الى القضايا الاقتصادية والمالية وخطط عمل الحكومة خلال المرحلة المقبلة. كما ان الاجتماع جاء بعد جردة الانجازات التيي اعلنها دياب للحكومة خلال المائة يوم الاولى من عمرها.
وبعد اجتماع هيئة مكتب المجلس قال نائب رئيس المجلس إيلي فرزلي: اتخذ قرار بأن يكون نهار الخميس المقبل بعد عيد الفطر، يوم انعقاد الجلسة العامة، التي ستتناول اقتراحات قوانين صُدّقت في اللجان وفي اللجان المشتركة، وستتناول ايضا اقتراحات قوانين لها صفة المعجل المكرر في الجلسة المذكورة. واعتقد ان نهار الخميس سيكون كافيا لدراسة كل مشاريع قوانين او اقتراحات القوانين المتواجدة على جدول الاعمال.
وعن قانون العفو وامكانية اقراره في الجلسة التشريعية المقبلة، قال: ليس لي الحق ان اعطي رأيا ان كان يقطع او لا يقطع، فهذا ملك النواب، ولكن طبعا هو على جدول الاعمال وسيكون موضوع نقاش.
وعلمت «اللواء» ان امام الجلسة جدول اعمال مؤلف من 9 اقتراحات ومشاريع قوانين، و15 اقتراح قانون معجل مكرر، ليس بالضرورة ان تمر كلها اذا سقطت صفة العجلة عنها بالتصويت واحيلت الى اللجان.
اما ابرز الاقتراحات ومشاريع القوانين فهي:
العفو العام بعد دمج خمسة اقتراحات ومشاريع في اقتراح قانون واحد، وحيث يوجد بندان لا زالا موضع تباين بين الكتل هما: الفارين الى الكيان الاسرائيلي، ونسبة العفو عن الجرائم.
مشروع قانون صرف اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة للدعم الاجتماعي ودعم القطاعات المنتجة.
رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام الحاليين والسابقين.
اتفاقية قرض مع الصندوق العربي لتمويل مشروع الاسكان.
الانضمام للاتفاقية الدولية للتجارة.
تعميم المركزي للدعم
الى ذلك، وبعد اللقاء الذي عُقد بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بمشاركة رئيس جمعية المصارف سليم صفير، واتفقوا خلاله على مساهمة المركزي والمصارف في دعم الانتاج المحلي، أصدر مصرف لبنان إعلاما للمصارف رقمه 930، جاء فيه: «أولا: تحاط الى المصارف العاملة في لبنان علما بما يلي:
1- ان مصرف لبنان سيقوم بتأمين العملات الاجنبية النقدية تلبية لحاجات مستوردي ومصنعي المواد الغذائية الاساسية والمواد الاولية التي تدخل في الصناعات الغذائية المحددة في لائحة تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة وذلك عن طريق استعمال العملات الاجنبية النقدية التي يشتريها تطبيقا لاحكام القرار الاساسي رقم 13216 تاريخ 3/4/2020 «والمادة 7 مكرر» من القرار الاساسي رقم 7548 تاريخ 30/3/2020.
2- انه بغية تنفيذ ما ورد في البند (1) اعلاه يتم تحديد سعر صرف العملات الاجنبية وفقا للالية المتبعة لتطبيق احكام «المادة 7 مكرر» من القرار الاساسي رقم 7548 تاريخ 30/3/2000.
ثانيا: يطلب من المصارف العاملة في لبنان في اقرب وقت ممكن، اعلام وحدة التمويل لدى مصرف لبنان عن رغبته بالمشاركة في تمويل عمليات استيراد وتصنيع المواد الغذائية الاساسية وفقا للاحكام الواردة في هذا الاعلام.
ثالثا: يعمل بهذا الاعلام فور صدوره».
البناء:
السيد نصرالله: لا زالت واشنطن وتل أبيب أضعف ولا زلنا الأقوى رغم التطبيع والعقوبات
بري: لا للفدراليّة والمحاصصة ونعم للعلاقة مع سورية وقانون لا طائفي للانتخابات
مخاوف خارجيّة وداخليّة من تعثر ملف الكهرباء عند عقدة سلعاتا… وتداعيات رئاسيّة
الاهتزاز في صورة الإنجاز الحكومي في ملف كورونا، مع تصاعد أرقام الإصابات اليومية لليوم الثاني، تزامن مع علامات استفهام تطال قدرتها على مواصلة التقدم في مسارات منتجة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومجموعة المانحين في مؤتمر سيدر، في ضوء ملامح أزمة حكوميّة برزت مع معلومات عن تعثر خطة الكهرباء عند عقدة تمسك رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ووزير الطاقة بإعادة مناقشة القرار الذي سبق واتخذه مجلس الوزراء باعتماد الخطة، التي تنص على إقامة معمل في سلعاتا، ولكنها تعطي الأولوية لمعملي الزهراني ودير عمار نظراً للجهوزية المالية والإدارية فيهما، حيث لا استملاكات ولا نفقات. ووسط هذا الإصرار من رئيس الجمهورية، الذي يخوله الدستور حق طلب إعادة مناقشة أي قرار اتخذته الحكومة في غيابه، مقابل موقف رئيس الحكومة المتمسك بالقرار المتخذ، وما يقابل ذلك في الداخل من تمسّك لرئيس مجلس النواب بالقرار الحكومي السابق، وقلق دولي وفرنسي بوجه خاص من التمسك بمعمل سلعاتا، في ظل مكانة فرنسا في دفع الموقف الغربي لدعم الموقف اللبناني في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ودعوة واشنطن لفصل مساعي تعافي لبنان عن المواجهة الأميركية مع إيران، وبشكل خاص مع مسؤولية فرنسا المباشرة عن رعاية مؤتمر سيدر، قالت مصادر دبلوماسية إن السفير الفرنسي عبر عن خشية حكومته من تراجع الحماسة التي تعاملت من خلالها مع الحكومة، باعتبارها تدشيناً لمرحلة جديدة في التعامل مع الملفات الشائكة التي يتقدمها ملف الكهرباء في النظرة الدولية لمغادرة الحكومات اللبنانية حسابات حزبية وفئوية وعقلية محاصصة.
على هذه الخلفية جاءت كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري بمثابة رسالة، ترسم ما هو مطلوب، وتحذر من مطبات ما هو مرفوض، حيث أكد بري أن القضاء المستقل هو الضمانة، واضعاً ذلك كسقف لمكافحة الفساد خارج مخاطر الوقوع في الاستنسابية، أو توجيه الاتهامات للسلطات باستخدام شعار مواجهة الفساد بحسابات كيدية، باعتبار القضاء المستقل وحده يحصن مبدئية وقانونية وسلامة الهدف. والإشارة لا تخلو من رسالة تتصل بتأخّر صدور مراسيم التشكيلات القضائية، كما حذر بري من طروحات الفدرالية التي تظهر تحت عناوين من نوع التوزيع الطائفي للمشاريع، ودعوات مبالغ بها لحجم اللامركزية، وترسيم حدود كيانات الطوائف عبرها، ووضع بري سقفاً للعملية الإصلاحية هو قانون انتخابات غير طائفي يعتمد النسبية والدائرة الواحدة، وعلاقة تعاون متينة مع سورية، من دون نسيان التذكير الدائم لبري بقدسية الودائع المصرفية ورفض المساس بها، والحاجة لمواجهة العبث بسعر الصرف والتلاعب بالأسعار، والتذكير الدائم بالخط الأحمر الذي تمثله السيادة اللبنانية على ثروات النفط والغاز من بوابة ترسيم الحدود البحرية.
وكلمة بري التي جاءت بمناسبة يوم القدس وذكرى تحرير الجنوب في 25 أيار عام 2000، تلاقت في منطلقها ومضمون تأكيدها على خيار المقاومة، والتمسك بفلسطين، والتحالف مع سورية وإيران، مع الكلمة الشاملة التي تناول فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مناسبة يوم القدس العالمي، حاسماً خلالها بتراجع خطر الحروب في المنطقة، مؤكدا أن عناصر الضعف هي المسيطرة على الشريكين الأميركي والإسرائيلي رغم مسارات التطبيع وصفقة القرن وضم الأراضي، والعقوبات والحصار، وأنه بالتوازي فإن عناصر القوة هي الأبرز في حال قوى المقاومة، التي حققت انتصارات في كل من سورية والعراق واليمن، وحققت الصمود في فلسطين وحققت التقدّم وتعزيز القدرات في إيران، وبنت المقدرات الرادعة في لبنان حيث تحوّلت المقاومة إلى مصدر قلق دائم على مستقبل كيان الاحتلال، مطمئناً إلى أن مشروع تحرير القدس يتقدّم، وقاعدته حرب استنزاف طويلة قطعت أشواطاً في طريق الوصول نحو الهدف.
وفيما بقيت كلمة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب أمس الأول طاغية على المشهد الداخلي السياسي الى جانب الجهود الدؤوبة التي يقودها الرئيس دياب على أكثر من جبهة ومحور اقتصادي ومالي ونقدي. خطفت المواقف السياسية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الأضواء حيث وصفتها مصادر مطلعة بالهامة جداً فيما برزت مواقف ذات طابع استراتيجي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتي وصفها الخبراء بأنها بوصلة لمحور المقاومة في المرحلة المقبلة.
وشكلت مواقف الرئيس نبيه بري خريطة طريق سياسية لانتشال لبنان من أزماته المتراكمة منذ عقود لا سيما مشكلة الطائفية التي تقف سداً منيعاً أمام خلاص الوطن، ولفت بري في عيد المقاومة والتحرير الى أنه “لا يعقل في وطن امتلك ولا يزال يمتلك شجاعة إلحاق الهزيمة بأعتى قوة عنصرية في المنطقة الا يمتلك الجرأة والشجاعة لاتخاذ القرار الوطني والتاريخي في إعادة إنتاج الحياة السياسية، انطلاقاً من إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي يؤمن الشراكة للجميع على قدم المساواة والارتكاز على قاعدة النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة وإنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه كل الطوائف بعدل ومساواة، إنفاذاً لما نص عليه اتفاق الطائف، تمهيداً لدولة مدنية وتحرير القضاء وإنجاز استقلاليته من اي تبعية سياسية وتحرير قطاع الكهرباء من عقلية المحاصصة المذهبية والطائفية والمناطقية”، لافتاً الى ان “المطلوب من الحكومة ومن الوزراء كافة مغادرة محطة انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات مع صندوق النقد والجهات الدولية المانحة والانطلاق بعمل محسوس يلمسه المواطن القلق على عيشه ومصيره في كل ما يتصل بحياته وحياة الوطن”.
ورأى أنه “آن الآوان للحكومة أن تنطلق بعمل ميداني بعيداً من الخطط والبرامج الورقية”، مؤكداً “ان ودائع اللبنانيين في المصارف هي من الأقداس وسيتم التصدي لأي محاولة ترمي للتصرف بها تحت أي عنوان من العناوين، وهي حق لأصحابها ونقطة على السطر”. وحذر من “الأصوات النشاز التي بدأت تعلو في لبنان منادية بالفيدرالية كحل للأزمات التي يئن تحت وطأتها لبنان واللبنانيين”، مشيراً الى ان “لا الجوع ولا اي عنوان آخر يمكن ان يجعلنا نستسلم لمشيئة المشاريع الصهيونية الهدامة”.
واستكمالاً للجهود التي يبذلها الرئيسان بري ودياب على صعيد إيجاد الحلول للأزمة المالية والنقدية والمفاوضات مع الجهات المانحة، سُجل لقاء بين بري ودياب في عين التينة، لم يدلِ بعده دياب بأي تصريح.
في موازاة ذلك، أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن المعركة الحقيقية كانت وما زالت هي مع الحكومات الأميركية المتعاقبة، والكيان “الإسرائيلي” هو في الجبهة الأماميّة، وشدد على أن “مَن يراهن أنه من خلال الحروب العسكرية أو الاغتيالات أو العقوبات والتجويع أن يغيّر في موقفنا فهو مخطئ ويجب أن ييأس من امكانية حصول ذلك”، وبيّن مواطن الاخفاقات والفشل التي أصابت المحور الأميركي الصهيوني في المنطقة وخصوصاً في وجه إيران.
وفيما أكد سماحته أننا ذاهبون الى وضع دولي وإقليمي جديد وقد تنشأ فيه تهديدات لم تكن موجودة في السابق، لفت إلى أن أركان صفقة القرن أي ترامب ونتنياهو وبن سلمان يعيشون أزمات مختلفة، وطمأن أن الأفق أمام محور المقاومة يدعو الى التفاؤل، وشدّد على أن المطلوب اليوم تعزيز الصمود واستكمال تعاظم القدرات في كل محور المقاومة.
وفي كلمة له بمناسبة يوم القدس العالمي، لفت إلى أن النكبة أسست لقيام هذا الكيان الشيطاني الغاصب والظالم ولكل تداعيات وجود هذا الكيان في المنطقة. وتوقف عند الذكرى العشرين للانتصار التاريخي في 25 أيار الذي كان انتصارًا كبيرًا جدًا على طريق القدس وعلى طريق تحرير فلسطين. ورأى أنه لا يحق لأي أحد أن يهب فلسطين للصهاينة، فهي ملك للشعب الفلسطيني ولا يوجد أحد لديه تفويض لذلك. وتابع: “القدس هي من مسؤولية الأمة، والمقاومة بكل أشكالها وحدها السبيل لتحرير الأرض والمقدّسات، بينما كل الطرق الأخرى مضيعة للوقت ولا تؤدي إلاّ إلى طريق مسدود”. وذكر السيد نصر الله الأسباب التي ستؤدي قطعاً إلى زوال كيان العدو، بدءًا من الاستنزاف الدائم والصراعات الداخلية التي نشهدها في كيان العدو اليوم والتي تتعاظم، وحالات الفساد وصولًا الى قمة الهرم، وتراجع دولة المركز أي “أميركا”. وأوضح أن “الإسرائيليين” يرون بترامب فرصة تاريخية لهم ويسعون للاستفادة من فرصة وجوده في البيت الأبيض. واعتبر أن من جملة الرهانات “الإسرائيلية” الفاشلة هو الرهان على حرب أميركية على إيران، حيث كان نتنياهو يدفع بقوة في هذا الاتجاه وفشل وباءت آماله والقادة الصهاينة بالخيبة. قال السيد نصر الله إنه “رغم التهويل ما زال الاعتقاد السائد أن أميركا وإيران أبعد ما يكونان عن الحرب، نتيجة قوة إيران وخوف أميركا من حرب غير معروفة النتائج”.
وعن الدعم الأميركي لـ “إسرائيل” أوضح السيد نصر الله أن أميركا تسخّر نفوذها وعلاقاتها الدولية وقوتها وكل ما تملك من أجل تفوق “إسرائيل” وتفرض ذلك على الحكومات والدول العربية.
وفي اليمن، أكد الفشل الأميركي – الإسرائيلي والسعودي في العدوان، بل بالعكس تعاظمت القوة اليمنيّة في محور المقاومة بحيث أصبح لديها دفاع جويّ وقوات عسكرية تستطيع من خلالها تحرير مساحات ضخمة بحجم دول. ورأى أن هذا الفشل في اليمن كانت له انعكاساته على صفقة القرن، إذ إن هزيمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هي ضربة أساسية لنجاح صفقة القرن.
وفي لبنان، أكد السيد نصر الله أن الكيان “الإسرائيلي” يتعاطى بشكل حذر ويخشى الذهاب الى حرب، كما يحسب ردات فعل المقاومة. وأشار إلى الرهان “الإسرائيلي” على التطورات الداخلية والاقتصادية والعقوبات الأميركية، وعلى انقلاب بيئة المقاومة عليها.
وتوقفت مصادر مطلعة عند الكلمات المتتالية لكن من رئيسي المجلس النيابي والحكومة والسيد نصرالله في أقل من 48 ساعة إضافة الى لقاء الرئيسين بري ودياب، مشيرة الى أن خطاب السيد نصرالله شكل خريطة طريق لمحور المقاومة في المرحلة المقبلة والخطيرة التي تعيشها المنطقة وأن الصراع مستمر بتوازنات جديدة وبعناوين محددة وهي العقوبات والحرب الاقتصادية والتجويع. اما كلمة الرئيس بري فكانت رسائل مشفّرة باتجاهات عدة، فهو أدرك بأن المواجهة الإعلامية والسجالات السياسية لن تؤدي الى نتيجة والأفضل العودة الى السياسة التي هي باطن الأزمات الحقيقي. فكانت دعوته الى مواجهة الاحتلال الطائفي المذهبي الذي يعشعش في جوهر النظام السياسي وهذه مقاربة متقدّمة من زعيم سياسي خبر الحياة السياسية في لبنان. والرسالة الثانية الى الحكومة بأن عليها البدء بالأفعال وليس البقاء بالأقوال، وشكلت دعوته لتصحيح العلاقات السورية اللبنانية والعودة الى العمق السوري الاستراتيجي بالنسبة للبنان المظلة السياسية للحكومة للتوجّه الى المحيط العربي لا سيما السوري وأهمية ذلك في إنقاذ اقتصاد لبنان وصولاً الى حد التكامل الاقتصادي والوجودي بين دول وشعوب المنطقة ما يمنحها مناعة وقدرة أكبر على الصمود بوجه الضغوط والحصار الخارجي.
ودعا الحزب السوري القومي الاجتماعي الى تحصين إنجاز التحرير، بتأكيد التمسك بعناصر قوة لبنان المرتكزة على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وبرفض الضغوط التي تمارس على لبنان بواسطة العقوبات الاقتصادية للدفع نحو مزيد من إشغال لبنان بالفوضى.
وفي بيان أصدرته عمدة الإعلام في الحزب بمناسبة عيد المقاومة والتحرير لفت الى أن تزامن عيد المقاومة والتحرير هذا العام مع مناسبة يوم القدس العالمي، إنما يعزز ثقافة المقاومة والتحرير، وخيار مقاومة الاحتلال ومواجهة التطبيع، ودعا الشعوب العربية إلى مواجهة الأنظمة التي تذهب صاغرة للتطبيع مع العدو، وإعادة الاعتبار للموقف المناصر للمسألة الفلسطينية، التي تتعرّض لخطر التصفية من جراء صفقة القرن المشؤومة وبتواطؤ من قبل أنظمة عربية معروفة.
ولفت الحزب الى أن “تحصين التحرير يتمّ عن طريق اعتماد اقتصاد الإنتاج، بديلاً عن اقتصاد الرشوة المسمّى اقتصاداً ريعياً. والمطلوب جرأة القرار بالسير على طريق المعالجات الإنقاذية، ونحن لا نرى إنقاذاً للبنان من تداعيات العقوبات الاقتصادية الأميركية، ومن التعسّف في الإجراءات التي تحول دون حصول لبنان على المساعدات دون شروط، إلا بقيام مجلس تعاون مشرقي للتآزر والتعاون والتساند الاقتصادي وعلى كلّ المستويات وأمام لبنان فرصة كي يذهب في هذا الاتجاه الصحيح كخيار إضافي أضمن للإنقاذ”.
في غضون ذلك، واصلت الحكومة أمس، مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. كما تم تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق وتدقيق الأرقام الواردة في خطة الحكومة المالية والاقتصادية.
أما على صعيد إجراءات ضبط التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية، فأوقفت وحدة من الجيش في منطقة الهرمل شخصين، وضبطت شاحنة وبيك آب محملين بمواد غذائية على الحدود اللبنانية – السورية الشمالية. كما تم توقيف شخص آخر أثناء تهريبه سيارة هيونداي إلى الأراضي السورية. كذلك ضبطت بيك آب بداخله سلاحان حربيان نوع كلاشينكوف. من جهة أخرى، تم إقفال 5 معابر غير شرعيّة تستعمل للتهريب، وذلك من خلال وضع بلوكات اسمنتية ورفع سواتر ترابية. وقد أُحيل الموقوفون مع المضبوطات إلى الجهات القضائية المختصة.
وتوقفت مصادر نيابية عند عمليات تهريب المازوت من لبنان الى سورية بكميات كبيرة تقدر بآلاف الأطنان، متسائلة مَن يغطي مثل هذه العمليات الكبيرة التي يقدر ثمنها بملايين الدولارات؟
والتأمت هيئة مكتب المجلس النيابي برئاسة بري وناقشت جدول الأعمال للجلسة العامة المرتقبة في الأسبوع المقبل بعد عيد الفطر وقبل انتهاء العقد العادي للمجلس النيابي، ومن أبرز البنود موضوع العفو العام الذي درسته اللجان المشتركة.
وأشارت مصادر نيابية لـ”البناء” الى ان “المجلس النيابي سيبادر الى تشكيل لجان تحقيق برلمانية على ما أقدمت عليه لجنة الأشغال النيابية، بحيث تدرس كل لجنة الأخبار والاتهامات لعمليات هدر وفساد وترفع النتيجة الى الهيئة العامة للمجلس للفصل في الموضوع واتخاذ التدبير اللازم”.
وبقيت العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله بعد التوتر الذي ساد بينهما خلال الأيام القليلة الماضية محل اهتمام سياسي وسط قراءات متباينة حول تحليل أبعاد كلام رئيس التيار جبران باسيل ونائب التيار زياد اسود وانعكاساته على العلاقة بين الطرفين على المستويين القيادي والشعبي.
ولفتت أوساط مطلعة على صلة بالتيار والحزب الى أن العلاقة التي تجاوزت محطات صعبة تعاني من أزمة صامتة هذه الأيام، لكن العلاقة لن تتجاوز الخطوط الحمر في ظل وجود الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصر الله في سدة القيادة، رغم أن ما قاله أحد النواب خطير وسابقة في مواقف التيار منذ توقيع وثيقة مار مخايل بين عون ونصرالله.
على صعيد قضائي، صادقت الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو وعضوية المستشارين جوزف بو سليمان وبلال بدر على قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا، بتخلية سبيل مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان، بكفالة قدرها 300 مليون ليرة لبنانية، وتخلية سبيل مساعده وسام سويدان بكفالة قدرها 100 مليون ليرة لبنانية. كما قرّرت الهيئة منعهما من السفر لمدة أربعة أشهر.
كما قررت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، التي افيد انها زارت بكركي أمس، بإشارة للمديرية العامة للجمارك، حجز باخرة الفيول ASOPOS الراسية في خليج جونية والتي اظهرت نتائج المختبرات انها غير مطابقة للمواصفات بعكس الفحوصات التي اجريت خارج لبنان. واظهرت التحقيقات القضائية بحسب المعلومات ان ملكية حمولة الباخرة تعود لشركة Bb energy لأصحابها بهاء ووليد البساتنة.
المصدر: صحف