لم يحمل كلام مفتي السعودية عبدالعزيز آل الشيخ بشأن تكفير الإيرانيين أي جديد عما خبره المسلمون عموماً عن عقلية التكفير التي قامت على أساسها المملكة السعودية. لم يكن التكفير إلا سلاحاً وظفته المملكة في معارك تدعيم نظامها السياسي، تستحضره لشيطنة الخصم، وتتجاهله عندما تقتضي مصالحتها.
لم يكن أمام سليل أسرة آل الشيخ الممتدة إلى عميد التكفير في الجزيرة العربية “محمد بن عبدالوهاب” إلا أن يبرر “أفدح كارثة في تاريخ الحج” –وفق تعبير وكالة “فرانس برس”- بالهروب نحو تكفير الإيرانيين. 464 شهيداً إيرانياُ من بين أكثر من 7 آلاف شهيد من أكثر من 30 بلداً إسلامياً، لا ضير في مقتلهم طالما أن الإيرانيين “أعداء المسلمين” وفق تعبير آل الشيخ الذي لا يقل شناعة عن الجريمة.
آل الشيخ قال في تعليق مع صحيفة “مكة” السعودية، إن الطعن في الإجراءات السعودية الخاصة بموسم الحج “أمر غير مستغرب على هؤلاء (الإيرانيين)” على حد تعبيره، مضيفا بقوله: “يجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم وتحديداً مع أهل السنة والجماعة.”
استخدم المفتي سلاح التكفير للرد على كلام الإمام الخامنئي الذي أحرج آل سعود. قال الإمام الخامنئي إنه “على المسلمين أن يفكروا جدياً بحل لادارة الحرمين الشريفين وقضية الحج. وأضاف أنه “بدل أن يعتذر السعوديون تملصوا بمنتهى الوقاحة حتى من تشكيل هيئة تقصي حقائق”، فيما يتعلق بفاجعة منى. كاشفاً أن”السعوديين زجوا جرحى حادثة منى مع الشهداء في مستوعبات مغلقة فقتلوهم عوض معالجتهم”.
قابل عبدالعزيز آل الشيخ وقائع تدين المملكة بارتكاب جريمة، بتكفير الإيرانيين مستعيداً توصيفهم بـ “المجوس”. فات المفتي ربما أن يُراجع آخر تصريحات مسؤولي المملكة بشأن الإيرانيين. كفّرهم، متناسياً كل التمجيد الذي كاله تركي الفيصل للإيرانيين في خطابه الأخير بالعاصمة الفرنسية باريس.
قبل نحو شهرين، وقف الفيصل ممجداً الفرس، ذكّر أنهم كانوا من أوائل الموحدين قبل اعتناقهم الاسلام. وامتدح التراث الفارسي والعلماء المسلمين الذائعي الصيت الذين خرجوا منهم كالغزالي وابن سينا وعمر الخيام.
لن يكون الانفصام السعودي غريباً… ولن يفسر تعارض كلام “الشيخ” و “الأمير” كتباين آراء في مملكة لا تعرف إلا الرأي الأوحد. التفسير الواقعي هو تسييس التكفير، الذي تستحضره الأدبيات السعودية للتأجيج والتحريض على المسلمين، وتتجاهله عندما تقتضي مصالح أمرائها التقارب مع من كفرتهم. يوماً ما وقف سلمان بن عبدالعزيز، وهو ولي أمر عبدالعزيز آل الشيخ، ليرقص ويهلل مستقبلاً “شرطي الخليج” شاه إيران محمد رضا بهلوي. فما كان رأي آل الشيخ بإبن السلالة البهلوية؟
مع ذلك لن يكون مستغرباً أبداً أن يخرج التكفير من لسان حفيد محمد بن عبدالوهاب، المنظر الأول للتكفير في جزيرة المسلمين. لم تُخرِج أفكار محمد بن عبدالوهاب الفرس وحدهم من الإسلام، بل أخرجت عموم المسلمين من هذه الدائرة.
في كتاب “أمراء البلد الحرام” ذكر الشيخ أحمد بن زيني دحلان الحسني، إمام الحرمين ومفتي الشافعية في أواخر عهد السلطنة العثمانية، والذي عاصر سقوط الدولة السعودية الأولى يصف الأخير بالقول: “كان محمد بن عبدالوهاب وجماعته يحكمون على الناس (أي المسلمين) بالكفر واستباحوا دمائهم وأموالهم وانتهكوا حرمة النبي وكانوا يصرّحون بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة وأول من صرّح بذلك محمد بن عبدالوهاب وكان يقول إنّي أتيتكم بدين جديد. وكان يعتقد أن الإسلام منحصر فيه وفي من تبعه وأن الناس سواهم كلهم مشركون”.
كفّرت الوهابية أبناء المسلمين عموماً، وبدأت بأبناء أهل السنة والجماعة قبل غيرهم من أبناء المذاهب الإسلامية، قدم محمد بن عبدالوهاب خدمة تكفير أهالي نجد والحجاز لشرعنة غزوات محمد ابن سعود وأبنائه، التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، يستعيد ابن آل الشيخ سيرة جده ليقدم خدمة تكفير الإيرانيين مشرعناً بذلك جرائم قتلهم واستهدافهم في إطار الصراع الإقليمي الذي تخوضه المملكة وتجند فيه أبناء المسلمين لقتل المسلمين.
“لا تماثل بين إسلام الإيرانيين ومعظم المسلمين من جهة والتطرف والتعصب الذي يدعو له كبير علماء الوهابية وأسياد الإرهاب السعودي”، كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على “تويتر”. كلام ظريف هو ما صادق عليه مؤتمر الشيشان أو مؤتمر غروزني تلميحاً عندما أخرج الوهابية من دائرة أهل السنة والجماعة، قبل أن يتراجع عن ذلك تحت وطأة التهديد والوعيد السعودي… وهو ما وثّقه التاريخ المنقول عن أئمة الحرمين، وعلماء الشافعية.