نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع المركز العربي الدولي ومؤتمر الأحزاب العربية ندوة بعنوان “ثقافة يوم القدس في مواجهة التطبيع”، عبر الفضاء الالكتروني. شارك في الندوة المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، ورئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن معن بشور، والأمين العام لمؤتمر العام للأحزاب العربية قاسم صالح، والكاتب والباحث الفلسطيني تيسير الخطيب.
المستشار الثقافي خامه يار قال : أسس مشروع يوم القدس الذي أعلنه الامام الخميني في السنة الاولى لانتصار ثورته لمشروع نهضوي ثقافي بامتياز، وتعبوي شعبي، لايجاد اليقظة في ضمير الامة، ولعل اختيار يوم الجمعة من آخر رمضان يعني وتسميته بيوم القدس ايضا و”قدس الاقداس” يمثل في حد ذاته ثقافة مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني لاعتبارات متعددة منها:
اولا: صاحب هذا المشروع ومهندسه الابرز الامام الراحل الذي له استراتيجية ورؤية شاملة لهذا الطرح.
حسب هذه الرؤیة، من السذاجة النظر الی “الوجود الاسرائيلي ” على انه شكل من اشكال الاحتلال، بل انه استعمار بامتیاز؛ باعتبار أن مقولة “من النیل الی الفرات” مشروع استعماري متکامل ومتواصل بإمتياز.
وبالتأکید فأن القراءة الاستراتیجیة للامام الخميني لقیام اسرائیل واستمرار هذا “الوجود” يقوم علی هذا الفکر وهذه النظریة، ” وهنا يطيب لي أن أعيد الى الاذهان المفاهیم الایدیولوجیة التي طرحها الامام الخمیني الراحل في هذا الإتجاه علی مدی خمسين عاما من نضاله، والذي اعتبر “اسرائیل غدة سرطانیة في جسد الامة الاسلامية.” فمن المستحيل ان يتعايش الانسان مع غدة سرطانية ، فاذن من المستحيل التعايش والتطبيع مع هذا الكيان الغاصب.
ثانيا: إن القراءة الاستراتيجية للامام الخميني تستشرف بأن للوجود الاسرائیلي استراتیجیات وطموحات ومخططات أعمق بکثیر مما یتصوره البعض.
هذا البعض یرکز علی الواقع الاسرائیلي ویکتفي بالقول بان المشروع الاسرائیلي مشروع احتلالی للاراضي العربیة او لجزء منها، بینما القراءة الخمينية تنظر الی الموضوع من الناحیة الوجودیة، اي بأنه تهدید للوجود الاسلامي ولیس استهدافاً لمنطقة او ارض عربیةً فقط، وبصرف النظر عن شكلها، بل إنه وجود استعماري، استکباري، امبریالي غربي في عمق وقلب العالم الاسلامي والعربي. والفارق بین القراءتين کبیر.
ثالثا: وبمعنی آخر وحسب رؤية الامام فأن استمرار وجود اسرائیل، یعنی استمرار وجود الاستعمار والهیمنة الغربیة علی الانسان والعقل العربی والاسلامی. الامام الخميني منذ انطلاقة ثورته عام 1963م ، اكد على عدم الفصل بين الاستعمار والاستبداد ، وكان ذلك واضحا من خلال خطابه الشهير عام 1963م. في المدرسة الفيضية في قم المقدسة ، حيث اشار 18 مرّة الى اسرائيل و15 مرّة الى الشاه.
إن الثورة الاسلامیة في إيران قامت اصلاً علی مواجهة الاستعمار والتوسع الاستعماري الاسرائیلي وإن أحد اکبر انجازاتها هو الحیلولة دون “تثبیت اسرائیل ” وجودها رسمیا فی فلسطین والمنطقه.
واعتبر انه يجب ملء الخلل الثقافي الكبير لمواجهة التطبيع باشكاله وخاصة الثقافي منه، والذي يعتبر الحجر الاساس للتطبيع في اشكاله الاخرى . واضاف ان التعبئة الثقافية للشعوب لمواجهة الاحتلال والتطبيع هو المنتج الاساس لمقاومته العسكرية ، وهذا ما حدث بين 1982 الى 2003 من خلال تثقيف الشعب اللبناني.
ثم تحدث الشيخ حمود، فأكد أن يوم القدس بالنسبة للإمام الخميني رحمه الله، هو إعلان هوية، كأنه يقول للجميع: هذه هُويتي، هذه هوية الثورة، ثم إن هذه الهوية تأتي من القرآن ومن الإسلام، حيث لا يمكن أن نتخيل إسلاما من دون فلسطين، ومن دون الجهاد الذي هو ذروة سنام الاسلام، المهم أن الإمام الخميني أطلق هذا الكلام عام 1963 في نصوص خاصة عن فلسطين أو القدس، ثم أعلنه عند انطلاقة الثورة وقبل أن يثبت أقدامه في الحكم، ورغم التحديات الداخلية والخارجية، وهذه الهوية هي أبعد من أن تصنف مذهبيا أو قوميا لأنه ليس على سبيل المثال ليس في الفقه الجعفري الإمامي نصوص خاصة عن فلسطين أو عن القدس، وبالتالي التزام إيران بفلسطين والقدس ليس نابعا عن التزام معين بمذهب أهل البيت مثلا، بل هو التزام بالفقه الإسلامي عامة، والذي يشترك فيه السنة والشيعة على قدم سواء.
ثم إن الإمام الخميني أحيى الوظيفة السياسية العالمية للإسلام المنطلقة من دور تاريخي أدته الأمة الإسلامية في وجه الطواغيت الذين كانوا يحكمون العالم… ويستند هذا الدور على القرآن حيث يقول: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا). ومن هنا رأينا الإمام الخميني يجدد هذا الدور الإسلامي التاريخي العالمي، فرفع الصوت في وجه الاستكبار العالمي، الأميركي خاصة، في الوقت الذي يطأطئ الملوك والرؤساء والحكام الرؤوس، بل يركعون عند أقدام الأميركي ومن خلفه الصهيوني…
وقال: إن هويتنا أعلن عنها الإمام الخميني فيما يتجاوز الانتماء المذهبي والقومي والزمني، وهؤلاء المطبعون ركبوا عل رؤوس دولهم ولم يأت بهم الشعب أو يستشر بهم، من هنا ضعف هؤلاء كما أعلن ترامب دون خجل أنهم لا يستطيعون أن يستمروا من دون أمريكا 15 يوما، وفي نهاية هذا الأمر فلنركز على نقاط محددة:
1- الكيان الصهيوني وفق النظرية الصهيونية كيان فاشل، لأنه لم يحقق الأمن حتى هذه اللحظة، الذي هو أولى أولويات الحركة الصهيونية.
2- الصهيونيون أنفسهم يؤمنون بزوال كيانهم أكثر مما نؤمن.
3- خرجت مصر أكبر دولة عربية مثخنة بالجراح من الصراع في تشرين الثاني 1978، وفي شباط 1979، أي بعد حوالي 4 أشهر.
وبدوره قال بشور: اليوم، اذ نشارك عبر هذه الندوة الرقمية في احتفالات يوم القدس العالمي التي تضم العديد من عواصم أمتنا العربية والإسلامية والشعوب الصديقة، فلكي نؤكد على أن القدس هي دعوة لتحرير الأرض، ومقاومة المحتل، ووحدة الامة بكل الوان طيفها الفكري والسياسي ومكوناتها القومية والدينية والعرقية، بل أن القدس هي دعوة لنا جميعاً أن نراجع بتجرد وجرأة تجاربنا فنطور ما فيها من إيجابيات، ونتخلص مما علق بها من سلبيات، لتكون القدس مفتاحنا لولوج باب المصالحات والتفاهمات التاريخية بيننا، بل لتكون القدس الجامعة مدخلنا الى خلافاتنا لنعالجها، والى أولوياتنا ونصححها..
وبدوره تحدث تيسير الخطيب فأكد ان “يوم القدس العالمي” والذي انطلق منذ عقود قليلة ليتجدد فيه المعنى الروحي والحضاري والاستراتيجي لهذه الارض المقدسة قد أصبح ثقافة راسخة في العقول والقلوب والضمائر فلم تتأكد استراتيجية القضية الفلسطينية ومحوريتها وأهميتها كما صار يؤكده هذا اليوم والذي نجتمع فيه في كل عام رفضا للعدوان والاحتلال والهيمنة ومن قبل كل الشعوب التي تعاني من الظلم والعسف والاستكبار والتي أصبحت تدرك ان عذاباتها ومعاناتها، أشد ما تكون ارتباطا بقضية القدس وفلسطين.
أما قاسم صالح فقال: تجمعنا اليوم مدينة بيروت عاصمة المقاومة والتحرير لإحياء يوم القدس العالمي في أجواء تفوح بعبق نصر تموز المظفر الذي سطّر مجاهدوه ملاحم البطولة والعزة فهزموا الكيان الصهيوني وحطموا أسطورة جيشه الذي ظن المستسلمون أنه لا يقهر، وقد تمّ رسم معادلة توازن الرعب وقواعد إشتباك جديدة ما حافظ على سيادة لبنان واستقلاله وأصبحت يد المقاومة هي العليا.
واختتمت الندوة بمداخلات من المشاركين.
المصدر: موقع المنار