كشفت تحليلات جديدة لأحافير أعماق البحار أن التغيرات في دوران المحيط ربما تسببت في تحول ضمن النظم الإيكولوجية للمحيط الأطلسي، لم يشهده منذ 10 آلاف عام.
وهذه هي النتيجة المدهشة لدراسة جديدة قادتها مجموعة بحثية في جامعة College لندن (UCL)، بتمويل من مشروع ATLAS ونشرت في مجلة Geophysical Research Letters.
وعلى مدى 12 ألف سنة، كان المناخ مستقرا تماما منذ نهاية العصر الجليدي الأخير، وهي فترة عرفت باسم الهولوسين. ويُعتقد أن هذا الاستقرار هو ما سمح للحضارة الإنسانية بأن تستمر حقا.
وفي المحيط، يعتقد أيضا أن التيارات الرئيسية كانت مستقرة نسبيا خلال فترة الهولوسين. وتتميز هذه التيارات بدورات طبيعية تؤثر على مكان وجود الكائنات البحرية، بما في ذلك العوالق والأسماك والطيور البحرية والحيتان.
ومع ذلك، أصبح تغير المناخ في المحيط واضحا، حيث تبيّض الشعاب المرجانية الاستوائية، وتصبح المحيطات أكثر حمضية لأنها تمتص الكربون من الغلاف الجوي، وتتحرك أنواع مثل الرنجة والماكريل نحو القطبين.
وبحث الفريق عن أماكن لم تغطي فيها أحافير قاع البحر العصر الصناعي بالتفصيل فحسب، بل امتدت أيضا إلى عدة آلاف من السنين. ووجدوا الرقعة الصحيحة لقاع البحر جنوب أيسلندا مباشرة، حيث يتسبب تيار كبير في أعماق البحار في تراكم الرواسب بكميات ضخمة.
وللحصول على عينات أحفورية، أخذوا نوى من الرواسب، والتي تتضمن إرسال أنابيب بلاستيكية طويلة إلى قاع المحيط ودفعها في الوحل. وعند سحبها مرة أخرى، تبدو مليئة بالرواسب التي يمكن غربلتها للعثور على الحفريات.
ويحتوي أعمق الرواسب على أقدم الحفريات، في حين أن الرواسب السطحية تحتوي على أحافير ترسبت خلال السنوات القليلة الماضية.
ويعد حساب الأنواع المختلفة من العوالق الأحفورية الصغيرة، التي يمكن العثور عليها في مثل هذه الرواسب، أحد أبسط الطرق لمعرفة كيف كان المحيط في الماضي.
وحلل الباحثون نوع يسمى foraminifera، الذي يحتوي على أصداف من كربونات الكالسيوم، من السهل تحديدها باستخدام المجهر وفرشاة الطلاء الصغيرة، التي تُستخدم عند التعامل مع الأحافير.
وأظهرت دراسة عالمية جديدة أن توزيعات foraminifera الحديثة تختلف عن بداية العصر الصناعي. ومن الواضح أن تغير المناخ يؤثر بالفعل على ذلك.
وبالمثل، اعترض بحث أجري في عام 2018 على وجهة النظر القائلة، بأن تيارات المحيطات الحديثة تشبه تلك التي حدثت في الألفي سنة الماضية، حيث أظهر أن دوران “الحزام الناقل” كان في أضعف مستوياته منذ 1500 عام.
ويعتمد العمل الجديد على هذه الصورة، ويقترح أن دوران سطح شمال الأطلسي الحديث، يختلف عن أي حدث شوهد في السنوات الـ 10 آلاف الماضية – تقريبا فترة الهولوسين بأكملها.
وفي جنوب أيسلندا مباشرة، يُظهر انخفاض عدد أنواع العوالق بالمياه الباردة وزيادة أعداد أنواع المياه الدافئة، أن المياه الدافئة قد حلت محل المياه الباردة الغنية بالمغذيات.
ويعتقد الخبراء أن هذه التغييرات أدت أيضا إلى تحرك لأنواع الأسماك الرئيسية مثل الماكريل، شمالا، والتي تسبب بالفعل أزمة سياسية حيث تتنافس دول مختلفة على حقوق الصيد.
وإلى الشمال، تظهر أدلة أحفورية أخرى أن المزيد من الماء الدافئ وصل إلى القطب الشمالي من المحيط الأطلسي، ما يسهم على الأرجح في ذوبان الجليد البحري. وإلى الغرب، يشير التباطؤ في دوران الناقل الأطلسي إلى أن المياه لا ترتفع بقدر ما نتوقع، في حين أن تيار الخليج الدافئ الأبعد غربا بالقرب من الولايات المتحدة وكندا، يبدو أنه يتحول شمالا ما سيكون له عواقب عميقة على مصائد الأسماك الهامة.
وتتمثل إحدى الطرق التي يمكن أن تتأثر بها أنظمة الدوران هذه، في تحوّل شمال الأطلسي ليصبح أقل ملوحة. ويمكن أن يتسبب تغير المناخ في حدوث ذلك عن طريق زيادة هطول الأمطار وزيادة ذوبان الجليد وزيادة كمية المياه الذائبة من المحيط المتجمد الشمالي.
وربما أدى الذوبان بعد ذروة العصر الجليدي الصغير في منتصف القرن الثامن عشر، إلى إدخال المياه العذبة، ما تسبب في بعض أقدم التغييرات التي وجدها الباحثون، مع تغير المناخ الحديث الذي ساعد على دفع هذه التغييرات إلى أبعد من التقلب الطبيعي للهولوسين.
المصدر: ساينس ألرت