عملية تهريب العميل للعدو الاسرائيلي المعروف بجزار معتقل الخيام عامر الفاخوري من لبنان جواً عبر نقله من السفارة الاميركية في عوكر، لا تزال تثير التساؤلات حول معانيها وآثارها ، بعد ان ضربت بعرض الحائط كل ما يتعلق بالسيادة الوطنية اللبنانية والقوانين الدولية والمحلية، من دون ان نسمع حول ذلك التعليق الرسمي الكافي الذي يوازي ما حصل من اعتداء اميركي واضح على لبنان، كما لم نسمع اي تعليق من الذين يتشدقون ليل نهاء بشعارات الحرية والسيادة والاستقلال.
ومع ذلك حاول البعض التصويب على حزب الله بشكل او بآخر وكأنه المذنب في هذه القضية على الرغم من انه “أم الصبي” ولا يمكن المزايدة عليه في مثل هذه القضايا التي تتعلق بكرامة الوطن ومقاومته، حتى تكلم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الجمعة 20-3-2020 ليؤكد المؤكد واضعا النقاط على الحروف بخصوص هذه القضية بالاضافة الى العلاقة والثقة الراسخة بين المقاومة وجمهورها التي لا تهزها مثل هذه القضية وما جرى فيها، حيث ان هناك من يحاول دائما ايقاع الفتنة بينهما وهزّ هذه الثقة الراسخة والمتجذرة. ومن أجمل ما قيل في هذه الامر هو ما جاء على لسان السيد نصر الله ان “أغلى ما تملكه المقاومة هي هذه الثقة المتبادلة مع جمهورها”، وشدد على ان المقاومة لم ولا تدخل في صفقات من هذا النوع، على الرغم ان هناك من فتح معها الموضوع بامكانية ايجاد مخارج في قضية هذا العميل.
ومما طرح في قضية العميل الفاخوري وتهريبه، ان البعض تحدث ان لبنان بات في الفلك الاميركي او ما شابه، وفي هذا الاطار رد السيد نصر الله ان هذا الامر غير صحيح ولو حصل ما حصل، خاصة انه قد يكون هناك من يتواطأ مع الاميركي او ينصاع لضغوطه وللتهويل او للترغيب والترهيب، إلا ان كل ما جرى في ملف العميل الفاخوري منذ وصوله وحتى لحظة تهريبه تضمن الكثير من النقاط التي لا تصب بمصلحة الاميركي او بمعنى اخر يمكن اعتبارها صفعة وجهت من اللبنانيين الى الادارة الاميركية، ولو حاول البعض الايحاء ان كل ما جرى هو انتصار او ربح صاف للاميركي.
وهنا لا بد من الاشارة الى عدة نقاط في هذا الاطار:
-من أرسل العميل الفاخوري الى لبنان وشطب اسمه عن لائحة المطلوبين، وشطب أي إشارة قضائية لتوقيفه، اعتقد انه قادر على إدخال هذا العميل الى لبنان بسهولة وبدون أي عوائق او توقيف من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية بل وربما لتسجيل نقاط على لبنان او بناء لأدوار اخرى للعميل… لكن هذا ما لم يحصل، حيث تم توقيف العميل بعيد دخوله الى لبنان في مطار بيروت الدولي، وهذا ما شكل الصفعة الاولى للاميركي في هذا الملف.
-الصفعة الثانية تمثلت في محاكمة هذا العميل على الرغم من ان الاميركي حاول لفلفة الموضوع بدون مزيد من التفعيل، فقد رفعت عدة دعاوى عليه امام اكثر من محكمة لبنانية من بينها تلك التي كانت قائمة امام المحكمة العسكرية والتي صدر عنها القرار باخلاء سبيله بناء لتدخل اميركي فاضح.
-الصفعة الثالثة هي هذا التدخل الاميركي عالي المستوى لدى مجموعة كبيرة من المسؤولين السياسيين وغير السياسيين لاطلاق سراح عميل اسرائيلي اسمه بات على كل شفة ولا مجال لاثبات براءته بأي وجه من الوجوه من الجرائم التي ارتكبها في معتقل الخيام، فالاميركيون بذلوا الكثير من الجهود من اجل الوصول لمبتغاهم ولم يستطيعوا بسهولة الوصول لاخراج العميل من السجن على الرغم من انه تذرع بوضعه الصحي لتبرير عدم حضوره امام القضاء، فلو ان الاميركي كان باستطاعته لأقدم على اخراجه من السجن منذ الايام الاولى ولم ينتظر كل هذا الوقت للقيام بتهريبه بهذه الطريقة بعد ان صدر حكم من المحكمة العسكرية بوقف التعقبات عنه بحجة مرور الزمن في قرار مستهجن.
-الصفعة الرابعة ان الاميركي لم يستطع التأثير على كثير من القضاة والجهات اللبنانية، والدليل على ذلك ان هناك قرارا بمنع سفر العميل الفاخوري صادر عن قاضي الامور المستعجلة بالنبطية، وايضا هذا العميل ما زال مطلوبا للتحقيق امام قاضي التحقيق في بيروت وهو قد هرب قبل مثوله امام القضاء، وكل ذلك له مفاعيله القانونية، التي تفتح الباب امام امكانية ملاحقة العميل الفاخوري في الخارج.
-الصفعة الخامسة والأهم هي عملية تهريب العميل الفاخوري بهذا الشكل المهين ليس لعميل لا قيمة له في ظل انغماسه بالعمالة منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا وارتكب ما ارتكب من جرائم يندى لها الجبين، وإنما الاهانة للاميركي الذي كان يمنّي النفس، بعد حصوله بالضغط والتهويل على قرار اخلاء السبيل، ان يخرجه “معززا” من مطار بيروت، والقول للبنانيين إنكم أوقفتموه عند إدخاله وأنا أخرجه من نفس المكان ولكن بدون اي قيد و”رغما” عن الجميع، وهذا ما لم يحصل بالطبع، لانه كما قال السيد نصر الله “هناك جهاز امني رفض الانصياع للضغوط كما فعل العديد من القضاة والمسؤولين”.
بكل الأحوال صحيح ان الاميركي هرّب عميله الاسرائيلي نتيجة خضوع البعض في لبنان، إلا ان ذلك لا يعني ان البلد بات في القبضة الاميركية كما يحلم البعض، خاصة ان في لبنان من لديه الارادة والكرامة والثقة بالنفس انه غير تابع ولا يقبل بالرضوخ لسياسات واشنطن التي لا تهدف إلا لتحقيق مصالحها ومصالح العدو الاسرائيلي، وعرقلة المشروع الاميركي الاسرائيلي الذي ارسل من أجله العميل الفاخوري تؤكد ان في لبنان من هو حاضر وعلى أتم الجهوزية لتعطيل كل المخططات الاميركية والاسرائيلية الهادفة للنيل من سيادة هذا الوطن ومقاومته، وهذه أهم الرسائل التي يفترض انها وصلت لمن يعنيهم الامر.
المصدر: موقع المنار