معن بشّور
حين غادرتنا صريع يدّ آثمة غادرة، كانت فلسطين حلماً ما زلنا نراه اقوى من الخيبات، أما اليوم وبعد 29 عاماً فقد باتت مسوّرة بكل أنواع الخيبات…
حين غادرتنا كانت المخيمات موزّعة بين الأوطان، أما اليوم وبعد 29 عاماً فقد باتت الأوطان مطوّقة بالمخيمات، التي باتت تضم إلى الفلسطيني شقيقه السوري والعراقي والليبي واليمني والحبل على الجرار…
حين غادرتنا كان للمبادئ بعض الوهج، وللمبدئيين بعض المكانة، أما اليوم فالمبادئ باتت مطاردة بالقمع والإقصاء، وبالبترودولار، والمبدئيون ملاحقون في كل كلمة يقولونها، وفي كل حراك يقدمون عليه، بل يُؤخذ عليهم قلة “الشطارة والفهلوة”، وضعف “الموهبة” في البيع والشراء حتى وصل بهم أعداؤهم إلى حدود التوحش والاجتثاث…
ومع ذلك، وكي لا يشمت بنا المتشائمون، ما زال حنظلة حيّاً بيننا، تذكرنا به “السفير”، أمّه التي عرفّتنا إليه، وتعيد صياغاته “الميادين” الخارجة من قلب الأنين الذي خرج منه حنظلة… ولا تنساه جريدة “رأي اليوم” التي ما تزال تصدر في العاصمة “الدولية” التي شهدت اغتيالك…
بقاء حنظلة بيننا هو علامة خير على كل حال… بقاؤه منتفضاً مبدعاً بين شباب فلسطين وديار العرب مؤشراً على صحة أفكاره… فهو ينبض في وجدان الناس، يتناقلون أخباره، تتجمّد عيونهم أمام رسومه في الصحافة أو شاشات التلفزة أو مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لو كانت موجودة قبل 29 عاماً “لكسّرت” الأرقام بلغة هذه الأيام…
اطمئن يا ناجي، فمن يترك بيننا وديعة “كحنظلة” تحبو وتنمو وتزهو بسخريتها المستفّزة، لا يمكن أن يموت… وحتماً إن أنين صوته سيخترق الأجيال والأميال ويحطم السدود والحدود، وهدير الحق في كلماته سيزلزل عروش الاحتلال والذلّ والإذلال…
لقد رسمت يا ناجي باستشهادك أجمل لوحاتك، والذين أرادوا أن يحاصروك باغتيالك نثروا أفكارك وتمردك وثورتك أزهاراً للحق والعدل والحرية في كل مكان…
ألا يقولون أن دم الشهداء أخضر يزهر في كل أرض…
وأن دم العملاء أسود يتلاشى كالزبد في لحظات…