التعميم خطأ، كي لا نَقَع في محظور ما نُحذِّر منه، لا سيما وأننا في زمن مواقع الإعلام الإلكتروني الخارجة عن سيطرة المجلس الوطني للإعلام والأجهزة الرقابية، وهي مهما بلغت في نفخ أبواقها، لن تُخرجنا عن الأدبيات التي تفرضها القِيَم الأخلاقية وتعتمدها وسائل الإعلام الراقية، أولاً لأن للإعلام سلطته في البناء أوالتدمير، وثانياً لأن العبور فوق الدُّونيات ليس ضعفاً بل هو أعلى درجات الإباء.
عقدت وسائل الإعلام في لبنان، المكتوبة والمسموعة والمرئية الكثير من الإجتماعات في السنوات الماضية، وأعطت تسمية “الأخلاقية الإعلامية” عنواناً يُلزمها السير ضمن هذا الإطار، لكن المشكلة، أن سوق الإعلام في لبنان والعالم انهار عندما انهار سوق الإعلان، ولجأت بعض الوسائل الإعلامية للأسف الى الإرتهان السياسي للحفاظ على ديمومتها، ولم تتوقف الأزمة عند أفول الصحافة الورقية لصالح الإلكترونية، بل نشأت مواقع إخبارية خاصة خارجة عن شكليات الترخيص، سواء كمواقع الكترونية او داخل مواقع التواصل الاجتماعي، تبث الاشاعات او التضليل او التحريض …. وانتفَت جدوى الرقابة الرسمية، وباتت الضوابط ذاتية بقدر ما تحمل المؤسسة وأقلامها من أخلاقيات.
نعيش في لبنان كما سوانا في العالم، كابوس وباء “كورونا”، لكن الكورونا السياسية أخطر وأكثر فتكاً بالجسم الوطني من تلك التي تحمل إلينا مخاطر صحيَّة، لأن بعض مَن غيَّبتهم مسيرتهم عن الساحة السياسية، يُمارسون فعل “النهش” بحقّ الوطن والشرائح الإجتماعية، عن وجه حقٍّ أو باطل، ربما لأن سياج المزرعة التي أقاموها على مدى العقود الماضية بدأ يتزعزع أمام قيام هيكل الدولة.
لا تتوقَّف مخاطر تُجَّار السياسة عند عمالة بعض الأقطاب في لبنان للخارج، لأن الأخطر هو انسحاب أحقادهم على أتباعهم، ولم تعُد مشكلتنا كمجتمع لبناني مع بضع محطات إعلامية باعت نفسها وباعت الوطن، بل مع جمهور مُستَنفر ومُستَنفِر أمام الشاشات لِبَثّ الأخبار المُركَّبة والمُجتزأة والفاقعة في الكذب أحياناً، مع الكثير من “بهارات” التصعيد والتصعيد المُضاد، وانحدار مُخِيف في مستوى التخاطب، تماماً كما الوباء الذي لا أمل بإيجاد علاجٍ له، ما لم نزرع في النفوس تلك الثقة بالدولة والوطن، خاصة، أن الأجيال الحالية الثائرة على كل شيء والرافضة لكل مبدئية حوار، قد وُلِدَت ونشأت على منطق عدم وجود كيان دولة.
إننا للأسف، إذ نعزل أنفسنا تَرَفُّعاً،عن مقاربة وباء الحقد والكراهية الأخطر علينا من أي وباء صحِّي، يؤسفنا الإعتراف أن الكورونا أو سواه من الأوبئة الصحية تُعتبر موسمية والأمل بإيجاد علاج علمي لها موجود، لكن وباء الحقد والتمترُس في الزواريب الضيقة، لا علاجات له ولا حلول سوى بقيام دولة، تعمل القوى الحزبية التي لها جماهيرها المُلتزمة بالوطن، على وضع الخُطط العلمية والعملية لقيامها بعيداً عن الإعلام المُتفلِّت من الضوابط القانونية والشرعية، وهذا ما يُبقينا ضمن دائرة الأمل، أن هذه الدولة الموعودة تُبنى بالعمل بعيداً عن المعارك الكلامية والبطولات الوهميَّة والإنتصارات الآنيَّة الفارغة…
المصدر: موقع المنار