نص الخطبة
في بداية رجب كانت ولادة الامام محمد بن علي الباقر(ع)، وفي الثاني والثالث من رجب كانت ولادة وشهادة الامام علي الهادي(ع) وهو الإمام العاشر من ائمة اهل البيت(ع).
1-الامام محمد الباقر هو الامام الخامس من أئمة أهل البيت (ع) وهو ابن الامام علي بن الحسين زين العابدين وامه فاطمة ابنة الامام الحسن المجتبى(ع) وبذلك فقد نال شرف الإنتساب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والزهراء (عليهما السلام) من جهتين: من جهة الأب ومن جهة الأم.
كنيته: أبو جعفر, ولقبه: الباقر؛ أي المتبحّر بالعلم والمحيط بمجالاته وفنونه وأسراره, والنافذ الى أعماقه.
وقد لقبه بهذا اللقب جدّه المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري حيث يقول: “قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوشَكُ أنْ تبقى حتى تلقَى ولداً لي منَ الحسينِ (عليه السلام) يقالَ له محمد يبقرُ العلمَ بقراً, فإذا لقيتَهُ فأقرِئْهُ مني السلام”.
ولذلك يقال: إن جابر كان كلما لقي الإمام الباقر(ع) كان يسلم عليه ويقول : السلام عليك يا باقر العلم, إن جدك المصطفى(ص) يقرؤك السلام.
عاش الإمام (عليه السلام) سبعاً وخمسين سنة، وكانت إمامته (عليه السلام) بعد وفاة أبيه تسع عشرة سنة وشهرين.
وقد شهد (عليه السلام) في بداية حياته الشريفة واقعة الطف وكان له من العمر أربع سنين، ورأى بأم عينيه ما جرى في كربلاء، رأى مقتل جدّه الحسين، ورأى الأصحاب والأهل يتساقطون على الثرى، رأى الدماء والويلات، رأى كيف سيق مع من تبقّى من أهله أسرى إلى الكوفة والشام، رأى رأس جدّه يرفع على سنان الرمح. رأى أعياد وأفراح بني أمية بقتل اهل البيت، ورافق الرزايا والمصائب التي توالت على أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام), وبعد وفاة أبيه عاش ما يقرب العشرين سنة بين حكام الجور الأموي, الذين كانوا يضيقون عليه ويحاصرونه, وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك,الى أن قضى شهيداً في زمن هشام بن عبد الملك في السبع من ذي الحجة سنة 114 هجرية.
2-اما الامام علي الهادي فهو الامام العاشر من ائمة اهل البيت(ع) وهو ابن الامام محمد الجواد(ع) وامه سمانة المغربية المعروفة بالسيدة أم الفضل
كنيته: أبو الحسن، ويقال أبو الحسن الثالث. واشتهر بلقب الهادي بالنقيّ .وعرف هو وابنه الحسن بالعسكريّين لانهما كنا يقيمان في منطقة تسمى بالعسكر في سامراء في العراق كان قد بنى المعتصم العباسي فيها معسكرا كبيرا لجيشه. فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكري.
استشهد الامام بسامراء في الثالث من رجب، في سنة 254 في خلافة المعتزّ، عن عمر لا يتجاوز 41 سنة .
ونريد هنا ان نستفيد من بعض كلماتهما المضيئة لا سيما كلماتهما المتعلقة بمفهوم الايمان وحقيقته وصفات المؤمن وعلاماته واسلوبه وسلوكه الذي ينبغي ان يكون عليه.
1-فقد نقل “المسعودي” في “مروج الذهب” عن محمد بن الفرج قال: حدثني أبو دعامه وهو ممن عاصر الامام الهادي(ع) قال: أتيت علي الهادي عائداً له في مرضه الذي توفي منه ، فلما اردت الانصراف، قال لي: يا أبا دعامة، قد وجب عليّ حقُّك، أحدّثك بحديث تُسَرُّ به، قال: فقلت: ما أحوجني إلى ذلك يابن رسول الله، فقال: حدّثني أبي محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب(ع)، قال: قال لي رسول الله: يا علي: أكتب، قال: فقلت ما أكتب؟ فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمانُ ما وَقَرَ في القُلوبِ وَصَدَّقَتْهُ الأعْمالُ، والإسْلامُ ما جَرى على اللِّسانِ وحَلَّتْ بِهِ المُناكَحَةُ» قال أبو دعامة: فقلت يابن رسول الله، والله ما أدري أيهما أحسن، الحديث أم الإسناد، فقال: إنها لصحيفة بخطِّ علي بن أبي طالب(ع) وإملاء رسول الله(ص) نتوارثها صاغراً عن كابر”.
ونقف على هاتين الكلمتين: “الإيمان ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان وحلّت به المناكحة”، فالإسلام اعتقاد قلبي وعمل خارجي اعتقاد داخلي وحركة ظاهرية ، وذلك بأن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وان تعمل في الحياة انطلاقا من ايمانك وبما ينسجم ويتوافق مع هذا الاعتقاد
فالإيمان ليس مجرد اعتقاد قلبي وداخلي ليس مجرد فكرة تنطلق من العقل ، وكلمة ينطق بها اللسان، بل الايمان هو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان وبالتالي لا بد من العمل اي لا بد للانسان المؤمن ان يقدم دليلا على هذا الإيمان، ودليل الإيمان هو العمل بالجوارح وفقا للايمان ، أن تكون عيناك مؤمنتين، فلا تنظران إلاّ لما أحلّ الله، وأن تكون أذناك مؤمنتين لا تسمعان إلا ما أحلّ الله، وأن يكون لسانك مؤمناً فلا ينطق إلاّ بالحق، وأن تكون يداك مؤمنتين فلا تتحركان إلا بما أحلّ الله، وأن تكون رجلاك مؤمنتين فلا تنطلقان إلاّ في الدروب التي يرضاها الله، وأن يكون كلُّ جسدك مؤمناً في ما تأكل بأن يكون حلالاً، وفيما تشرب بأن يكون حلالاً، وفي ما تستلذّ من شهواتك بأن تكون من حلال، وفي ما تلعب وتلهو بأن يكون لهوك حلالاً ولعبك حلالاً. وهكذا بأن تكون مواقفك عندما تؤيّد وعندما ترفض صورة لإيمانك، فلا تقف أيّ موقف تأييد إلاّ إذا كان الإيمان ينسجم مع هذا الموقف، ولا تقف موقف رفض إلاّ إذا كان الإيمان يتطلّب منك ذلك.
أن تكون مؤمن العقل والقلب والإحساس والشعور والحركة، لأنَّ ذلك هو الدليل على إيمانك، وهذا ما تحدّث به الإمام الصادق(ع) في ما رُوي عنه أنهم قالوا له: إنَّ هناك “من يقول إننا نرجو الجنة ونخاف من النار”، قال: “كذبوا، ليسوا براجين، إنّ من رجا شيئاً طلبه ومن خاف من شيء هرب منه”، فالذين يعملون أعمالا ويقومون بتصرفات ومعاصي تدخلهم النار كيف يقولون إننا نخاف النار، والذين يبتعدون عمّا يؤدّي بهم إلى الجنة ولا يقومون بواجباتهم والفرائض التي فرضها الله عليهم ليدخلوا الجنة كيف يقولون إننا نرجو الجنة.
اذن لا بد أن يكون الإيمان يهيمن على كلَّ كيانك وحياتك ، وليس مجرّد خطراتٍ في الفكر ونبضات في القلب وكلمات يطلقها اللسان من دون ان يتجسد في العمل والممارسة والسلوك .
ولذلك يأتي الامام الباقر(ع) في كلمة من كلماته ليعرف لنا الانسان المؤمن والانسان المسلم حيث يعتبر ان المؤمن الحقيقي والمسلم الحقيقي هو اللذي يجسد قيم الايمان والاسلام في شخصيته وفي اعماله وتصرفاته وسلوكه
يقول الإمام الباقر(ع) فيما يرويه عن جده رسول الله(ص)،يقول، قال رسول الله(ص): “ألا أنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم) فمن لم يكن أميناً على أنفس الناس أموالهم، فلا إيمان له، لأن مسألة الأمانة هي الأساس (ألا أنبئكم بالمسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر) ليس هو الذي يقطع المسافات، بل هو( من هجر السيِّئات وترك ما حرَّم الله، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة”[9]، بحيث يعامله بعنف ، لأنَّ الواجب أن يرفق به.
هذه هي هويّة المؤمن والمسلم، فهو الإنسان الّذي يعيش مع الناس، وهو أمينٌ على أموالهم وأنفسهم وكرامتهم وأوضاعهم، فلا يسيء إلى أحد في قولٍ ولا فعلٍ، ولا يخون أحداً في مالٍ أو نفسٍ أو عرض.
وقَالَ(ع) للخليفة عُمَر بْن عَبْدِ اَلْعَزِيز وهو يعظه : (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اِسْتَكْمَلَ اَلْإِيمَانَ بِاللَّهِ فَجَثَى عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِيهِ يَا أَهْلَ بَيْتِ اَلنُّبُوَّةِ فَقَالَ نَعَمْ يَا عُمَرُ، مَنْ إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي اَلْبَاطِلِ) فاذا كانت عواطفك مع من تحبّ من أقربائك وأصدقائك أو الناس الآخرين الذين تنتمي إليهم، إذا أحببتهم أو رضيت عنهم، فليكن رضاك عنهم متوازناً، فلا تنحاز الى قريبك ولو كان على الباطل ولا تقل فيمن تحبّ أكثر مما يستحقّ، ولا تضخّم شخصيَّته، ولا تعطه الصّفات التي لا يملكها، لأنّك عندما تعطيه ذلك، تجعله يعتد بنفسه، وتغشّ الناس به، وتسيء إلى الحقيقة لانك تحدّثت عنه بما ليس فيه ، والله يريد للإنسان أن يعيش الحقّ حتى مع من يحبّ، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}
( وَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنَ اَلْحَقِّ) فإذا غضبت على إنسان، أو عاديت إنساناً، أو اختلفت مع إنسان، فلا تنسب إليه من السّوء ما ليس بحقّ.. تحدّث عمّا يملك من الحقّ من الإيجابيات، ولا تتحدّث عنه من خلال نظرتك السّوداء، كما لو كان شراً كلّه، {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى( وَ مَنْ إِذَا قَدَرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَيْسَ لَهُ) أي إذا كان يملك قوة او سلطة او طاقة يستطيع من خلالها أن يتناول كلّ شيء مما حوله، فعليه أن لا يستغلّ قدرته في أن يتناول ما ليس له بحقّ.
بل يجب ان يوظف قدرته وقوته في خدمة الحق وفي الحفاظ على حقوق الناس ومصالحهم ومعالجة ازماتهم والتخفيف من معاناتهم وتحسين ظروف معيشتهم وحياتهم .
اليوم كل اللبنانيين ينتظرون ان تقوم الحكومة بخطوات سريعة وملموسة على الصعيد المعيشي بعد ان بلغت نسبة الفقر في لبنان بحسب الاتحاد العمالي العام 55% واذا استمر الوضع الاقتصادي والمالي على ما هو عليه من دون معالجات جدية و فورية فنحن نتجه نحو الأسوء وستزداد نسبة الفقر بين اللبنانين الى اكثر من ذلك .
ولذلك المطلوب من كلّ القوى السياسيّة وقف السجالات والاتهامات وتقاذف المسؤوليات فالوقت ليس للمزايدات والمناكفات السياسية، الوقت هو للعمل كفريق واحد لانقاذ البلد ومنع الانهيار خصوصا ان هناك من لا يريد للبنان ان يخرج من ازماته الا بعد ان يقدم اثمانا سياسية على حساب مصالحه الوطنية. واي تأخير او تباطؤ في تقديم المعالجات والحلول للازمات المالية والمعيشية لن يكون في مصلحة البلد على الإطلاق.
نحن نعرف ان الحكومة لا تستطيع ان تجترح المعجزات ولا ان تعالج كل الازمات المتراكمة التي يعاني منها البلد وهي ليست مسؤولة اساسا عن هذه المشاكل فالمشاكل متراكمة منذ ثلاثين سنة والى الان ولا يمكن معالجتها دفعة واحدة ، لكن الحكومة وبتعاون كل القوى السياسية الحريصة على البلد تستطيع ان تضع خطة طوارىء تحدد فيها الاولويات وتبادر الى اتخاذ قرارات واجراءات فورية وجريئة في الملفات التي تمس أوضاع الناس وحياة الناس اليومية كمعالجة ملف المودعين في المصارف والحد من ارتفاع اسعار السلع ومكافحة الاحتكار ووقف التلاعب بسعر الليرة اضافة الى مواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها تفشي مرض الكورونا في العالم.
وعلى صعيد الكورونا فان ما قامت به وزارة الصحة حتى الان لمحاصرة تفشي هذا المرض والسيطرة عليه هو امر جيد ويتلائم مع اجراءات منظمة الصحة العالمية لكن يبقى على اللبنانيين لا سيما القادمين من البلدان التي ينتشر فيها هذا المرض ان يتقيدوا بالارشادات والتوجيهات الصحية الصادرة عن وزارة الصحة والمؤسسات والهيئات الصحية وان يتعاونوا ويساعدوا لمنع انتشار هذا المرض في بلدنا فالتعاون في هذا المجال ولالتزام بالتعليمات الصحية هي مسؤولية شرعية وإنسانية ووطنية لأنها ترتبط بسلامة الناس وصحتهم وحياتهم .
واليوم مع بدء التنقيب عن النفط والشروع بحفر اول بئر للنفط في لبنان يفتح باب أمل امام اللبنانيين للاستفادة من هذه الثروة في معالجة ازماتهم وبناء مستقبل زاهر لبلدهم لكن على اللبنانيين ان يحموا هذه الثروة من اطماع الخارج لا سيما من اسرائيل التي تعمل على سرقة النفط من لبنان كما سرقت المياه من لبنان لكن طالما هناك معادلة جيش وشعب ومقاومة تحمي هذا البلد وثرواته لن تجرء اسرائيل على مدّ يدها الى نفطنا لان اليد التي ستمتد الى نفط لبنان لتسرقه ستقطعها المقاومة ان شاء الله.
المصدر: بريد الموقع