سبق الأتراك خصومهم الأكراد الى مدينة جرابلس في الريف الشمالي الشرقي لمدينة حلب السورية. هذا الدخول التركي المباشر في الميدان السوري، والذي يشكل بداية لمرحلة جديدة في الحرب المستمرة، جاء بمباركة من الولايات المتحدة الأميركية، مما يطرح أسئلة عدة، حول الرسالة التي أرادت واشنطن ايصالها الى حلفائها الأكراد، وحول ما بعد هذا التطور الميداني، خصوصاً أن ساعات قليلة احتاجتها القوات التركية لاخراج “داعش” من المدينة. الأمر الذي يطرح ايضاً علامات استفهام حول الأسباب الكامنة خلف هذا “الاستسلام السريع”، في وقت خاض فيه التنظيم معارك على مدى شهرين متواصلين قبل الخروج من مدينة منبج وسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” عليها.
للمرة الأولى، عقب خمس سنوات من انتهاج سياسة “القتال بالوكالة” قررت تركيا ولوج الميدان السوري. الأهداف مختلفة هذه المرة. فبعد أن شكّل “اسقاط النظام” منطلقاً لتقديم كافة أشكال الدعم العسكري واللوجستي للعديد من الجماعات المسلحة على أكثر من جبهة خصوصاً على الجبهة الحلبية، بات الوقوف بوجه “المد الكردي”، الذي اتخذ منحى تصاعدياً مؤخراً عقب السيطرة على مدينة منبج والسعي الى التمدد باتجاه مدينة جرابلس، الهدف الأساسي لأنقرة.
استدعى الهدف الأخير اعلاناً تركياً ببدء عملية “درع الفرات”. في الظاهر حرصت أنقرة على التأكيد على أن “القضاء على داعش” هو الهدف الأساس خلف التوغل السريع للقوات التركية في جرابلس، خصوصاً عقب اعلان التنظيم مسؤوليته عن تفجير غازي عنتاب الذي راح ضحيته في الأيام الماضية أكثر من خمسين شخصاً. لكن تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان بعد مضي ساعات على بدء العملية كان واضحاً: عمليتنا تستهدف “انهاء المشاكل على الحدود”، ومعركتنا مع “داعش” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي.
إذاً وجه الأتراك، بدعم من “التحالف الدولي” الذي ترأسه الولايات المتحدة الأميركية وبعلم روسي مسبق، حسبما أكد وزير الدفاع التركي فكري إيشيق، صفعة قوية لخصومهم الأكراد، واضعين حداً لـ “الحلم الكردي” المتمثل بكيان يمتد من ريف الحسكة الشرقي الى عفرين، والذي يطلق عليه الأكراد تسمية “روج آفا”. هنا يحضر السؤال التالي: هل تخلّت واشنطن، ولو جزئياً، عن حليفها الميداني، لصالح ارضاء تركيا، بعد التأزم الذي شهدته العلاقات بينهما مؤخراً؟ يُظهر ما جرى أن واشنطن غير مستعدة للتضحية بحليفها الاقليمي العضو في حلف الأطلسي، مقابل ارضاء الأكراد من خلال دعم مشروعهم الفيدرالي، ولو حرصت في خطابها على القول إنها تدعم تركيا لأنها تقوم “بمحاربة الارهاب”. الأمر الذي برز واضحاً في تصريح لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن،خلال مؤتمر صحافي الى جانب رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في أنقرة، إذ أكد أن الأكراد لن يحصلوا على دعم بلاده “إذا لم يحافظوا على التزاماتهم”، في إشارة الى أن واشنطن أبلغت المجموعات الكردية بعدم العبور إلى غرب الفرات، حيث تقع مدينة جرابلس.
بالنسبة لروسيا، فإنها تدرك مدى أهمية الحؤول دون تحقيق هذا المشروع الكردي بالنسبة للحليف السوري، والذي عكسته المعارك الأخيرة بين الجيش السوري و “قوات سورية الديمقراطية” في مدينة الحسكة، وهو الأمر الذي دفع بروسيا الى الطلب من أنقرة “تنسيق جهودها” مع دمشق.
صدق الحدس الكردي باتفاق على حسابهم، جرى التحضير له في “كواليس الكبار”. لكن السؤال يكمن في هذه المرحلة حول حدود هذا التوغل التركي في الأراضي السورية، أي حقيقة أهداف “درع الفرات”. فبالرغم من تأكيد رئيس الوزراء أنه ليس لبلاده “مطامع في الأراضي السورية”، يحمل كلام أردوغان المتمثل بعدم توقف العملية حتى “انهاء المشاكل على الحدود” احتمال عودة جدية لمفهوم “المنطقة الآمنة” الذي لطالما حلمت به تركيا وطالبت به خلال السنوات الأخيرة.
المصدر: موقع المنار