حكومة الدكتور حسان دياب، يصِفها البعض بحكومة التكنوقراط أو حكومة الأخصائيين، بينما ذهب البعض الى اعتبارها تكنو- سياسية بالنظر الى تسمية أعضائها من أطراف حزبية وقوى سياسية.
نحن نفهم السياسة أنها مهمام حُسن إدارة الشأن العام بكفاءة ونزاهة، ولذلك نعتبر هذه الحكومة سياسية بامتياز، والمطلوب منها أن تُحقِّق أقصى الإنجازات لِتُثبت معنى السياسة على حقيقتها، التي اعتدنا للأسف في لبنان أن نفهمها بأنها مماحكات بين القوى والأحزاب، بدل أن تكون ميداناً ديموقراطياً لأحزاب حاكمة وفق برامج وأحزاب مُعارضة تحمل برامجاً أخرى.
والسياسة ليست سوق عرضٍ وطلب عشوائية للأحزاب، سيما وأن لكل حزبٍ طروحاته وأهداف وبرامج عمل يسعى لتطبيقها ضمن لجان عمل وعبر ممثليه في المجلس النيابي أو الحكومة، والقواعد الشعبية – سواء كانت مُلتزِمَة أو مؤيدة لحزبٍ مُعيَّن – هي التي تُقيِّم، سواء عبر صناديق الإقتراع أو عبر التقيُّد بالتوجيهات الحزبية، مدى إيمانها وقناعتها بتوجُّهات الحزب، سيما وأن الأحزاب لا غنى عنها لبوتقة المجتمع ضمن أطُر جامعة، لكن ممارسات بعض الأحزاب في لبنان تكاد تجعل من الإنتماء الحزبي وصمةً لا سمح لها، رغم أن الحزب يُفتَرَض أن يجمع على المبادىء التي يُجمِع عليها أي مكوِّنٍ وطني.
السجالات التي سبقت تشكيل الحكومة، سواء على مستوى السياسيين أو في ساحات الحراك، إو في الإعلام ومواقع التواصل، هذه السجالات التي تؤيد أو ترفض الحكومة السياسية أو التكنو- سياسية، أظهرت وكأن الأحزاب خالية من الكفاءات ومن أهل ىالنزاهة والخبرة، ومع كامل تقديرنا للكفاءات التي تشكَّلت منها حكومة دياب، فإن اللبنانيين مدعوون الى عدم التعميم في الأحكام على جميع مَن سبقوها، من منطلق رمي الحرام على الأوادم عبر مقولة “كلُّن يعني كلُّن”، لأن هناك وزراء حزبيين أو موالين لأحزاب كانوا خير نماذج عن السياسة بمعناها النبيل في خدمة الشأن العام.
ولأن الشارع بات بطريقةٍ أو بأخرى يحكُم الأداء العام لأية حكومة، فإن هذا الشارع يبقى ضمن الضوابط التي يجب أن تُمليها السياسات والقيادات الحزبية أو النقابية، وهنا نبلغ بيت القصيد في دور السياسة كمهام لإدارة الشأن العام، وما على اللبنانيين سوى المُقارنة والتمييز بين الحشود في الشارع، سواء لجهة أخلاقيات التصرُّف في إيصال الرسائل، والتعامل مع القوى الأمنية، والحرص على الممتلكات العامة والخاصة.
هذه الفوضى التي نشهدها في بعض الشوارع والساحات، والتي تُفرِز عُنفاً غير مبرر، تبريرها الوحيد أنها تحركات وجع، لكن مَن يقودها طالما أنها لا تتبع لأية قيادة حزبية؟ ومَن يأمرها بالنزول الى الشارع أو بالإنسحاب منه؟ وهل أننا بخراطيم المياه والتراشق بالحجارة وبالغازات المُسيِّلة للدموع وبالإعتداء على الممتلكات العامة والخاصة نبني لحوارٍ سياسي؟!
ختاماً، إذا كانت بعض المجموعات الحزبية في الشارع، لديها أجندات عدوانية تدميرية مُرتهنة للخارج، فاللبنانيون باتوا يعرفونها، وإذا كان البعض من المتظاهرين يُفاخر بتقليد جماعة السترات الصفراء في فرنسا، فنحن لا نعتبر أن كل ما هو مستورد يدعو الى المفخرة، وإننا إذا نؤيد كل حراك مُنضبط لديه أهداف واضحة لتحقيق مطالب مُحِقة، نأسف لبعض الحِراكات التي لن تصِل ولن توصِل الوطَن الى أية نتيجة، لأن الأزمات لا يتمّ حلُّها فقط في الشارع، بل هناك مؤسسات دستورية تحصل من خلالها التغييرات، وكفانا تراشقاً عبر الإعلام ومواقع التواصل، كي لا ننتهي في الشارع راشقين ومرشوقين بالحجارة بلا طائل…
المصدر: موقع المنار