بدا التغيير الحكومي في روسيا وإعلان رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف استقالة الحكومة مفاجئا للوهلة الأولى ، إلا أن إسراع الرئيس بوتين في تكليف ميخايل ميشوستين لرئاسة حكومة جديدة والتعديلات الدستورية التي قدمها خلال خطابه أمام المجمع الفدرالي الذي يضم كافة أركان الدولة، يؤشر إلى خطة مدروسة بدقة لترتيب هيكلية الإدارة والسياسة الداخلية و الخارجية في المرحلة المقبلة، لا سيما و أن المتبقي لبوتين من ولايته الحالية هو ثلاث سنوات لا يمكنه بحسب الدستور الترشح بعدها لولاية مقبلة مباشرةً.
بوتين أعطى البرلمان- الدوما الروسية- الحق في الموافقة على تشكيل الحكومات بعد أن كانت هذه الموافقة منوطة بقرار الرئيس و هذا لا يعني ان الدوما سوف تخالف أو تعارض رغبة بوتين فهو يملك الأغلبية البرلمانية التي تخول تمرير أي تعديل دستوري و تسمح بالموافقة على الحكومة المقبلة.
الرئيس المكلف ميخايل ميشوستين الذي كان يحتل منصب مدير مصلحة الضرائب وهو شخصية إدارية تكنوقراطية مقرب جداً من نائب رئيس الوزراء السابق وممثل البنك الدولي الحالي اليكسي كودرين، وهو يتولى حالياً منصب رئيس ديوان المحاسبة و يعتبر من الصف الليبيرالي في فريق بوتين الإداري، و خيار ميشوستين هو خيار مرحلي بحسب المراقبين فهو لا يملك مشروعاً سياسياً و لا يشكل خطراً على سباق المنافسة المقبلة على الرئاسة و بقاؤه رئيسا للحكومة من المتوقع أن يدوم لفترة ترتيب الهندسة الإدارية الجديدة، و قد تستمر هذه الفترة لسنتين.
و هناك سوابق لتولي مرشحين مشابهين مثل زوبكوف و فرادكوف قاموا بدورهم لفترة قصيرة و تم إستبدالهم بعد تحقيق التوازن المطلوب و ميشوستين يقوم بدوره خلال هذه المرحلة التي ستشهد التغييرات التي نص عليها بوتين ليعاد ترتيب الأوراق و الملفات الحكومية من جديد.
من ناحيةٍ ثانية استحدث بوتين منصبا جديدا لميدفيديف هو نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي وليس سكرتير مجلس الأمن القومي لشؤون الدفاع و الأمن، فسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي هو نيكولاي باتروشيف من الصف الأمني في إدارة بوتين أما رئيس مجلس الأمن القومي فهو بوتين نفسه و بات ميدفيديف نائباً لبوتين في هذا المجلس، و البعض يعتبر أن هذا المنصب يعطيه رتبة أعلى من باتروشيف، لكن بشكل أو بآخر أزاح بوتين ميدفيديف عن الإدارة المباشرة لأمور الدولة و أبقاه في مكان يمكن تفعيله و بقوة حين تستدعي الحاجة.
من المعروف ان ميدفيديف كذلك يعتبر من الصف الليبيرالي في فريق بوتين، و من المعروف وجود منافسة بين الجناح الليبيرالي في السياسة الروسية و الصف الأمني على تولي إدارة المرحلة القادمة وهذا يندرج ضمن توجه التوازن بين موازين القوى في التركيبة السياسية التي سيبقى بوتين فيها الرجل الأقوى.
و من مؤشرات تعزيز السيادة الوطنية القومية الروسية ما ورد في خطاب بوتين حول تغيير دستوري يتم بموجبه تغليب الدستور و القانون الروسي على القوانين الدولية.
من كل ما تقدم نفهم ان بوتين ينوي فتح مجالات أوسع من التعاون مع البنك الدولي و مؤسسات النقد الدولية و الإقتصاد العالمي في ظل عقوبات تفرضها الولايات المتحدة على روسيا من جهة أي مزيد من الإنفتاح و سياسة استيعاب العقوبات ومن ناحية ثانية يجعل القانون الروسي فوق إعتبارات القوانين الدولية ما يحمي السيادة الروسية من مخاطر هذا الإنفتاح.
لم ينتظر بوتين قرب نهاية ولايته ليقوم بإجراءات نقل السلطة بل بدأ قبل ثلاث سنوات بخطوات عملية هدفها تعزيز الإنجازات التي تمت خلال مرحلة حكمه السابقة، راسماً خارطة توازن جديدة محكمة بين السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية، كما ان التغييرات في مجلس الأمن القومي تأتي أيضاً من جملة الضمانات التي تصب في مصلحة إمساك بوتين بزمام الأمور عند أي متغير مستقبلي في الإنتخابات الرئاسية. كما ان المحكمة الدستورية كذلك من ضمن الضمانات التي قد تطالها الإصلاحات.
الإقتراحات الدستورية كما قال ميدفيديف ستحدث تغييرات كبيرة في موازين القوى الروسية تسمح بحسب مراقبين مطلعين لتفاعل أكبر بين مكونات الدولة، و تعديل الدستور كما قال بوتين يجب أن يخضع للعمل الجاد و دراسة شاملة.
المصدر: موقع المنار