نص الخطبة
قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) : والله، لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون لأخيه مثل الجسد، إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه.
التكافل الاجتماعي يعني ان يقوم المجتمع كافراد وكجهات من تجارواغنياء وميسورين وقوى واحزاب ومؤسسات وجمعيات وبلديات ومكونات اجتماعية واقتصادية وصحية وتربوية مختلفة بكفالة ورعاية أحوال الفقراء والمحتاجين والذين يمرون في ظروف وأوضاع صعبة على المستوى الإقتصادي والمالي، والاهتمام بمعيشتهم وأمورهم من طعام ولباس ومسكن وحاجات لا يستغني عنها أيّ إنسان في حياته. التضامن والتكافل الاجتماعي يعني ان تبادر أفراد وشرائح المجتمع المختلفة المتمكنة من مساعدة الآخرين الى تكفل معيشة الفقراء والمحتاجين معيشة كريمة تليق بكرامة الإنسان وتصونه عن ان يبذلماء وجهه او يقف بشكل مذل ليستعطف الناس ويتسول منهم.
التكافل الاجتماعي بهذا المعنى هو جزء من عقيدة الانسان المسلم والتزامه الديني، وهو قيمة إنسانية وأخلاقية ونظام إنساني وأخلاقي يقوم على الحبّ والإيثار ويقظة الضمير والشعور بالآخرين وتحسس همومهم وحاجاتهم والآمهم ومعاناتهم.
وقد ربى القرآن اتباعه على مثل هذا السلوك الاجتماعي الرفيع عندما دعى المؤمنين الى الانفاق والتصدق على المحتاجين، والشعور بمعاناة الاخرين، وقضاء حوائجهم، والبر بهمّ، والإحسان اليهم، واسداء المعروف لهم وبذل الصدقة للمحتاجين .
قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.
وقال الله عزَّ وجلّ: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾.
كما ان الاسلام ومن اجل محاربة الفقر، وتربية المؤمنين على البذل والعطاء، والإنفاق في سبيل الله أوجب في أموال الميسورين حقا معلوما للسائل والمحروم، من خلال فريضتي الخمس والزكاة اللذين أوجبهما الله على المسلمين في القرآن والسنّة النبوية وحينما طبّق المسلمون في العصور الإسلامية الاولى مبدأ الخمس والزكاة والتزموا بدفعها للمحتاجين ، نجحوا في تحقيق وإقامة التكافل الاجتماعيولم يبقى فقير في عهد امير المؤمنين علي (ع).
يقول الله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) الذاريات آية19
ويقول في آية اخرى: ( والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم ) المعارج 24 ، 25
وقد كان ائمتنا (عليهم السّلام) يحثون أصحابهم وشيعتهم على المواساة فيما بينهم والإحسان إلى بعضهم والتضامن مع المنكوبين والمحتاجين والذين يمرون في ضائقة مالية وفي ظروف قاسية ، على اعتبار ان هذا السلوك يضمن وحدتهم وتماسكهم وامنهم الاجتماعي خصوصا وقت الازمات، فقد ورد عن الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) انه قال: من قضى لأخيه حاجة فبحاجة الله بدأ وقضى الله بها مائة حاجة في إحداهن الجنة، ومن نفس عن أخيه كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة بالغا ما بلغت، ومن أعانه على ظالم له أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الاقدام، ومن سعى له في حاجة حتى قضاها له، فسر بقضائها، فكان كإدخال السرور على رسول الله (صلى الله عليه وآله )، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عرى كساه الله من إستبرق وحرير، ومن كساه من غير عرى لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسي من الثوب سلك، ومن كفاه بما هو يمتهنه ويكف وجهه ويصل به يديه أخدمه الله الولدان المخلدين، ومن حمله من رحله بعثه الله يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة يباهي به الملائكة، ومن كفنه عند موته فكأنما كساه يوم ولدته أمه إلى يوم يموت، ومن زوجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله إليه، ومن عاده عند مرضه حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف، وتقول طبت وطابت لك الجنة، والله لقضاء حاجته أحب إلى الله من صيام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام.
فهذا الحديث يتضمن العديد من الوصايا والتعاليم إلانسانية الرفيعة وهي تدعو المسلمين إلى التعاون والتضامن والتكافل والاهتمام بشؤون الاخرين وقضاء حاجاتهم والوقوف الى جانبهم في حالات الشدة، بما يؤدي الى تمتين أواصر المودة والرحمة والتعاطف بينهم. ويعتبر هذا الحديث وأمثاله من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، فالمسلم أخ المسلم يشعر معه في أفراحه ويساعده في أتراحه ويعمل من أجل سعادته بكل ما يستطيع بالمال أو بالسعي لقضاء حاجاته او بمساعدته بيده او بموقفه او من خلال موقعه او ما شاك لذلك.
وقد ذكر الفقهاء العديد من الفئات التي لها الأولوية في التكافل الاجتماعي المعيشي، منها: الايتام، حيث قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ *فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾.
وقال رسول الله (ص): أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما.
ورعاية اليتيم وكفالته واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والأقرباء، واليوم المؤسسات الاجتماعية المعنية برعاية الأيتام، التي تشرف على تربيتهم والإنفاق عليهم،. تقوم بهذا الدور، ولكن على الجميع ان يتحملوا مسؤولية هذه الرعاية.
ومنها: أصحاب الإعاقات والعاهات التي تقع مسؤوليتهم على عاتق المجتمع في تحقيق التكافل والعيش الأفضل ، حتى يشعروا بالرحمة والتعاون والعطف، وأنّهم محلّ العناية والاهتمام الكامل من قبل الناس والمجتمع.
ومنها: رعاية المنكوبين والمكروبين والمأزومين فقد حث الاسلام على إغاثة المنكوب، والتفريج عن المكروب، والنصوص القرآنية في ذلك كثيرة، والأحاديث النبوية عديدة.
قال الله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : “من نفّس عن مسلم كربةً من كُرَب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته” ولا شك أن المجتمع الاسلامي عندما يتربى على هذه المعاني، فإنّ أفراده ينطلقون في مضمار التعاون الكامل، والتكافل الشامل، والإيثار الكريم، ويأخذون بيد من إصابته مصيبة في ماله ونفسه.
اليوم الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه الناس في لبنان يحتاج إلى تضامن وتكافل الجميع يجب ان يتحمل الجميع مسؤولية اجتماعية، وخاصة اتجاه الطبقات الفقيرة.
الازمة المعيشية تطال كل فئات الناس وكل شرائح المجتمع حتى من يملك مالا لا يستطيع ان يحصل على امواله من البنوك الجميع في ازمة لذلك نحن نحتاج إلى التضامن وإلى التعاون. الى إغاثة الفئات الأشد فقرا والى الرأفة بالناس والتخفيف عنهم ما أمكن ، لا يجوز ترك هؤلاء من قبل المؤسسات والجمعيات المعنية، ولا يجوز استغلال الازمة لرفع الأسعار، ورفع الأرباح، بل على العكس من ذلك المؤسسات والجمعيات الخيرية مدعوة الى تكثيف عملها وتوسيع دائرة المستفيدين منها، والتجار مدعوون في هذا الوضع الصعب الى أن يخفضوا من أرباحهم ولا نقول اخسروا ولكن نقول خفضوا من نسبة الارباح بدل ما تكون 50% فلتكن 20% .
التضامن والتكافل لا يعني ان لا يربح التجار بل يعني ان يشعروا بالناس وان يرحموا الناس في ظل ازمة من النوع الذي يعيشها لبنان ويجب ان تحصل مبادرات على كل المستويات الفردية وعلى مستوى المجتمع بمؤسساته والبلديات والجمعيات الخيرية وغيرها يجب ان يبادر الجميع كل من موقعه وبحسب امكاناته الى المساعدة والمساهمة في التخفيف من حالة الفقر والعوز .
إذا تحملنا بعضنا البعض وتحملت البلديات والجمعيات والاحزاب والمؤسسات، وقمنا بواجبنا تجاه الحالات الاشد فقر وارتدعنا عن الاحتكار واستغلال الازمة لجني المزيد من الارباح وخفضنا من الاسعار والارباح في المواد الغذائية والادوية والمحروقات وسائر المواد الاساسية فاننا بذلك نحافظ على أمننا الاجتماعي ونحافظ على بلدنا ونتساعد حتى نستطيع تجاوز هذه الازمة الكبيرة والخطيرة في البلد.
اليوم هناك من كان يريد الفوضى والفتنة في البلد ونحن لن نكون جزءا منها، ولن نستدرج الى مواجهة من هذا النوع وقد نجح اهلنا الى الان في ان لا يستدرجوا الى الفتة التي يريد العدو ان يسترجهم اليها وهذا نتيجة الوعي والصبر والتحمل والحكمة التي يتلكها جمهورنا وامام الاستفزازات المستمرة وقطع الطرق وبث الإشاعات والاعمال الموتورة نحن ندعو الى المزيد من الصبر، والتحمل، والوعي والبصيرة حتى نتمكن من تجاوز هذه المرحلة الساسة والخطيرة.
اليوم هناك من يريد الفوضى والفتنة في البلد، وحزب الله لن يكون جزءا منها، فحزب الله لن يستدرج الى مواجهة من هذا النوع، ولن يكون شريكا في معركة تدمير البلد بل سيبقى كما كان دائما قوة لحماية البلد والحفاظ على سيادته،واهلنا وجمهور المقاومة نجح الى الان في معركة الصبر ولم يستدرج الى الفتنة والفوضى التي يريد الامريكي ان يستدرجه اليها، بفعل وعيه وبصيرته وحكمته.
وايضا أمام الاستفزازات المستمرة وقطع الطرق وبث الإشاعات والاعمال الموتورة التي نشاهدها في الشارع نحن مدعوون الى المزيد من الصبر، والتحمل، والوعي، والبصيرة، حتى نتمكن من تجاوز هذه المرحلة الحساسة والخطيرة.
اما زيارة مساعد وزير الخارجية الامريكي ديفيد هيل الى لبنان فهي تأتي في سياق التحريض على الفوضى بعدما فشلت إدارته في استغلال اوجاع اللبنانيين لفرض خياراتها السياسية على لبنان لا سيما في الوضع الحكومي، كما انه سيحاول مجددا الضغط على لبنان من اجل الحصول على ترسيم مناسب في الغاز والنفط لمصلحة الكيان الصهيوني ولكن محاولاته ستفشل لانها ستصطدم بوعي الشعب اللبناني وبصلابة الموقف اللبناني الرافض للشروط الامريكية والاسرائيلية في ترسيم الحدود والمتمسك بكامل حقوقه النفطية والغازية.
اليوم بعد انجاز التكليف نأمل ان نكون قد اقتربنا من الحل ومن وضع حد للانهيار في البلد، فتسمية رئيس الحكومة هي خطوة لتجاوز الأزمة القائمة وفرصة لتعاون الجميع على تشكيل حكومة انقاذية تقوم باصلاحات جذرية على قدر امال اللبنانيين وتطلعاتهم. فلبنان دخل في مرحلة جديدة وهو امام فرصة حقيقية لتقديم تجربة حكومية ناجحة بمنهجية جديدة، ولذلك على الجميع ان يتعاونوا وان يحكموا ضمائرهم ويتحملوا مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية في هذه المرحلة لانقاذ بلدهم والحفاظ على أمنه وسلمه الأهلي واستقراره الداخلي وانقاذه من أزماته المتنوعة.
المصدر: موقع المنار