الشيخ دعموش في خطبة الجمعة : الاصلاح قمة العمل الإنساني – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة : الاصلاح قمة العمل الإنساني

الشيخ دعموش

 خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش :

يقول الله تعالى: إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون /الحجرات 10
وقوع الخلافات و النزاعات بين فئات المجتمع أمر طبيعي وحتمي وهو موجود في حياة الناس نظراً لتداخل المصالح واختلاف الأهواء والرغبات وتعدد الاتجاهات ووجود إرادة السوء لدى البعض وكثرة المفسدين والنمامين وسعاة الفتنة.. وبسبب هذا النوع من السلوك يحصل الخلاف بين الرجل و زوجته, وبين القريب وقريبه, وبين الجار وجاره, وبين الشريك وشريكه, وبين العشائر, وبين الاحزاب والقوى السياسية، فتؤدي بعض الخلافات العائلية والأسرية الى الطلاق والانفصال وتدمير الحياة الزوجية, بل بعض الخلافات تؤدي الى سفك الدماء, وبعضها يؤدي الى الاقتتال بين الطرفين المتخاصمين, فتحل العداوة والبغضاء مكان الودّ والصفاء, وتحل القطيعة والهجران مكان القرب والتواصل، وتفسد الروابط والعلاقات الاجتماعية, ويصبح الأصدقاء أعداءً والقريبون بعيدين وهكذا ..
وفي كثير من الأحيان نجد أن الخلاف الذي يحصل بين شخصين أو جهتين لا يبقى منحصراً بالطرفين بل يتمدد الخلاف ويتسع الى محيط هذا ومحيط ذاك , فيصبح خلافاً بين أقرباء هذا وأقرباء ذاك وأصدقاء هذا وأصدقاء ذاك وعشيرة هذا وعشيرة ذاك.. وهكذا يتوتر الجو بين العائلتين أو العشيرتين وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً.
و حيث إن الاسلام لا يريد للخلافات بين الناس أن تتعمق وتتمدد  تتسع, وقد حرص على الوحدة والاخوة، وأكد على الالفة, ونهى عن القطيعة والعداوة، فقد دعى الى الاصلاح بين الناس، والسعي من أجل إنهاء الخصومات والنزاعات والقطيعة بين المتخاصمين.
والاصلاح هو السعي والتوسط بين المتخاصمين بهدف تقريب وجهات النظر بينهما, ورفع الخصومة وتسوية النزاع والخلاف بينهما بشكل ودي قائم على أساس التراضي والتوافق بعيدا عن القضاء والمحاكم والدعاوى المتبادلة.
والاصلاح بين الناس من أرفع وأنبل وأسمى الخصال الانسانية والاخلاقية التي لا تصدر إلا من أشخاص خيرين, ومن قلوب طاهرة نبيلة تحب الخير للناس, وتريد للناس أن يعيشوا بمحبة و سلام ومودة وصفاء, و تريد للعلاقات والروابط  بين الناس ان تبقى قوية ومتينة وقائمة على أساس الأخوة بعيداً عن العداوات و الخصومات.
لذلك نجد بعض المصلحين يبذلون كل جهدهم و يسخّرون كل امكاناتهم بل و يدفعون بعضاً من أموالهم من أجل مساعدة الطرفين على حل خلافاتهما.
أي شيء أكثر أهمية وقيمة من أن يكون الانسان مصلحا؟ يسعى من أجل التقريب بين الناس وحل خلافاتهم  بدل أن يكون عنصر تفريق بين الناس ومن سعاة الافساد والفتنة والوقيعة بينهم.
البعض بدل أن يكون مصلحاً وعنصراًَ خيراً في المجتمع.. يتحول الى انسان شرير ومفسد همه ان يخلف الناس ببعضهم , يخلف الزوج مع زوجته, والأخ مع اخيه, والصديق مع صديقه, و الشريك مع شريكه كالنمام الذي ينقل الى هذا ما ذكره ذاك ضده ويذكر لذاك ما ذكره هذا بحقه, من اجل ان يوقع بينهما ويزرع الخلاف والشقاق في وسطهما ووسط عائلتهما.
هناك علاقات وبيوت وأُسر وتجارات ومصالح دمرت بسبب هذا النوع من النميمة ولذلك اعتبرت النميمة في بعض الأحاديث من أكبر أعمال السحر التي تمزق العلاقات وتعمق الخلافات وتفرق بين الناس.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابّين، ويجلب العدواة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم الدور، ويكشف المستور، والنمام أشر من وطِئَ على الأرض بقدم”
بينما في المقابل الاصلاح بين الناس ونقل الخير والايجابيات لا السلبيات يجعل الناس يداً واحدة, ويشعر الناس بالأمن ويزيل الأحقاد, وينشر العفو والصفح والتسامح بينهم, وينمي روح الأخوة, فتحل الألفة مكان الفرقة والمحبة مكان العداوة بل الإصلاح سبيل للنهوض وطريق للتقدم والإزدهار.
و لذلك فقد أمر الله بالاصلاح بين المؤمنين عندما يختلفون فيما بينهم على أي أمر من أُمور الدنيا, او عندما يقتتلون فيما بينهم, فقال تعالى: انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون/الحجرات 10
و قال تعالى: و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما /الحجرات 9
و دعي الى الاصلاح بين الزوجين عندما يقع النزاع و الشقاق بينهما فقال تعالى: وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله و حكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما/النساء 35
واعتبر الاسلام الاصلاح بين الناس أفضل من الصلاة والصيام: فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته عند وفاته، للحسن والحسين عليهما السلام: “أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّ جدّكما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: صلاح ذات البين، أفضل من عامّة الصلاة والصيام”3.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:  ما عمل رجل عملاً بعد إقامة الفرائض خيراً من إصلاح بين الناس يقول خيراً أو يتمنّى خيراً.
كما اعتبره صدقة يحبّها الله: عن حبيب الأحول قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: “صدقة يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا>
وحث الاسلام على الاصلاح حتى لو اقتضى بذل المال:
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.
وعن أبي حنيفة سايق الحاجّ قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبد الله عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما، وافتدي بها من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله عليه السلام”.
وجوّز الاسلام الكذب لأجل الإصلاح:
فعن الامام الصادق (ع) : الكلام ثلاثة: صدق وكذب، واصلاح بين الناس “، قيل له: ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع في الرجل كلاماً يبلغه فيخبث نفسه، فتلقاه وتقول: قد سمعت من فلان فيك من الخير كذا وكذ، خلاف ما سمعت منه ”
عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “المصلح ليس بكذاب”.
وعن الصادق عليه السلام قال: “الكذب مذموم إلّا في أمرين: دفع شرّ الظلمة، وإصلاح ذات البين”.
اليوم هو اليوم التاسع عشر من آب وهو اليوم العالمي للعمل الإنساني الذي اعلنت عنه الامم المتحدة, والاصلاح بين الناس والسعي لانهاء النزاعات بين البشر قمة العمل الانساني.
من المؤسف ان البعض في هذا العالم فقد انسانيته حتى الامم المتحدة التي اعلنت يوما عالميا للعمل الانساني فقدت ضميرها وانسانيتها وسكتت ولا تزال تسكت عن جرائم ترتكب ضد الانسانية.
أليس ما ارتكبته وترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني جريمة بحق الانسانية؟
أليس ما يرتكبه النظام السعودي بحق الشعب اليمني وفي البحرين جريمة بحق الانسانية؟ أين الامم المتحدة وما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يتباكى على حقوق الانسان والإنسانية من كل هذه الجرائم التي يرتكبها النظام السعودي ضد بلد مسلم مسالم ذنبه الوحيد انه رفض منطق الوصاية والهيمنة السعودية على البلد.
إن لم يكن لكم دين ولا تعترفوا بالاخوة الاسلامية ولا بوجود حرمة للمسلمين, ويبدو أنكم كذلك.. لأن الوهابية تكفر كل من عداها .. أليس لديكم ذرة من ضمير وانسانية تردعكم وتمنعكم من قتل الاطفال و النساء و الشيوخ و تدمير المستشفيات والبيوت والمساجد على رؤوسهم؟!.
نحن كنا نعرف منذ زمن ان وجوهكم قبيحة لكن الآن بسلوككم الوحشي في اليمن وسوريا والعراق والبحرين كشفتم للعالم كله عن وجوهكم القبيحة, وبات العالم يعرف أنكم أساس الارهاب و مصدره, وأنكم من يدعم العصابات المسلحة في هذه المنطقة لتقتل وتدمر كل شيء فيها.. لكن البعض لا يزال يسكت و يجاريكم لانكم اشتريتم ذمته وضميره و انسانيته بأموالكم وبالمصالح المتبادلة.
مهما طال أمد هذا العدوان ليس أمامكم سوى الخيبة والفشل والعجز والهزيمة.
لن تستطيعوا بتدميركم لليمن ووحشيتكم وجرائمكم أن تكسروا إرادة الشعب اليمني, تماماً كما لم تستطع اسرائيل في عدوان تموز بوحشيتها ان تكسر ارادة الشعب اللبناني.
إسألوا حلفائكم الصهاينة عن تجربتهم في لبنان, وكما تعلمتم منهم أساليب القتل والتدمير وارتكاب الجرائم استفيدوا من تجاربهم وأوقفوا العدوان واقتنعوا بفشلكم وعجزكم وهزيمتكم في اليمن كما اقتنع الصهاينة بفشلهم وهزيمتهم في 14/ آب 2006 واوقفوا العدوان على لبنان.

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك