جاء في خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش ” يقول الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الاحزاب، الآية: 56.
هذه الآية هي من الآيات التي تدل على عظمة ومكانة ومقام ومنزلة رسول الله محمد بن عبد الله عند الله سبحانه وتعالى وعند ملائكته المقربين، وهي تكشف عن ان الله سبحانه وملائكته يصلون على النبي(ص) وتدعو المؤمنين ان يصلوا عليه ، اقتداءا بالله وملائكته واتباعا لله وملائكته، وان يسلموا له تسليما.
وهذا يعني ان منزلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد بلغت من العظمة ، بحيث أن الله خالق الوجود ، وكل الملائكة الموكلين بتدبير أمر هذا الوجود بأمر الله سبحانه يصلون عليه ، وإذا كان الأمر كذلك فان على المؤمنين ان يضموا أصواتهم إلى صوت الله وملائكته ويصلوا عليه، فيا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .
وفي هذه الآية العديد من الأمور التي لا بد من الالتفات إليها باختصار :
اولاً: ان صلاة الله على النبي(ص) تعني التلطف عليه بالرحمة، وصلاة الملائكة عليه تعني تزكيته والاستغفار له، وصلاة المؤمنين عليه هي بمعنى الدعاء له بالرحمة. فالله يصلي عليه، يعني يرسل عليه رحماته وألطافه اللامحدودة، والملائكة تصلي عليه يعني تطلب له الرحمة وتستغفر له، والمؤمنونعندما يصلون عليه او يقولون اللهم صلي على محمد وآل محمد إنما يدعون له ولآله بالرحمة.
وهذا ما اكدت عليه الروايات الواردة عن ائمة اهل البيت(ع)
يقول احد اصحاب الامام الصادق (ع): سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ؟ فقال : الصلاة من الله عز وجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء..
وقد تكون الصلاة عليه (ص) بمعنى الثناء عليه وتبجيله وتقديره وتعظيمه لعلو مقامه وسمو درجته ورفيع منزلته وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات فعن الامام الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل : ( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) قال : فقال : اثنوا عليه وسلموا له .
ثانيا: إن التعبير ب ( يصلون ) وهو فعل مضارع يدل على الاستمرار ، يعني أن الله وملائكته يصلون عليه دائما وباستمرار صلاة دائمة خالدة غير منقطعة.
ثالثا: ان التسليم له هو بمعنى التسليم لأوامره ونواهيه وقراراته وأحكامه ، كما في قوله تعالى في الآية ( 65 ) من سورة النساء: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن أبا بصير سأله فقال : قد عرفت صلاتنا على النبي ، فكيف التسليم ؟ قال : ” هو التسليم له في الأمور ” .
رابعا: ان الصلاة على النبي(ص) ينبغي ان تكون تامة لا بتراء، فلا يكتفي الانسان بالصلاة عليه وحده بل يصلي عليه وعلى أهل بيته الاطهار المعصومين الذين شرفهم الله وأعلى مقامهم واختارهم أوصياء لرسول الله وإئمة للمسلمين.
فقد روي عن النبي قوله : لا تصلوا علي الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون : اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد . .
وفي حديث للامام الرضا عليه السلام في مناظرة مع علماء بني العباس بمحضر الخليفة العباسي المأمون قال(ع) لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : تقولون اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فسأله المأمون: هل عندك في الآل شئ أوضح من هذا في القرآن ؟ فقال الامام ( عليه السلام ) : نعم ، أخبروني عن قول الله عز وجل : ( يس والقرآن الحكيم – إنك لمن المرسلين – على صراط المستقيم ) ، فمن عنى بقوله : ( يس ) ؟ فقال العلماء : ( يس ) محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، لم يشك فيه أحد . فقال الامام ( عليه السلام ) : فإن الله أعطى محمدا ( صلى الله عليه وآله ) وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله ، وذلك أن الله لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء ( صلوات الله عليهم ) ، فقال تبارك وتعالى : ( سلام على نوح في العلمين ) ، وقال : ( سلام على إبراهيم ) وقال : ( سلام على موسى وهارون ) ، ولم يقل : سلام على آل نوح ، ولم يقل : سلام على آل موسى، ولا على آل إبراهيم ، ولكنه قال : ( سلام على آل ياسين ) ، يعني على آل محمد (صلوات الله عليهم) .
وقد ورد عن ابن عباس في قوله تعالى ” سلام على آل ياسين: ان المقصود بذلك سلام على آل محمد . .
خامسا: ان مما يدل على اهمية الصلاة على النبي وآله هو انها أصبحت جزءاً من التشهّد في الصلاة، وتبطل الصلاة فيما لو تُركت عمداً، وهذا ما أشار له الشافعيّ وهو أحد الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة في شعره بمدح أهل البيت عليهم السلام قائلاً:
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
كما ان معظم الأدعية والمناجاة والزيارات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، تبدأ بالصلاة على محمّد وآل محمّد أو تختم بها، ويتكرّر أيضا ذكرها خلال الأدعية بكثرة احيانا، كما في كثير من أدعية الصحيفة السجّاديّة الواردة عن الإمام زين العابدين عليه السلام.
سادسا: يجب ان نلتفت الى ان الدعاء بالصلاة على النبيّ (ص) وأهل بيته الأطهار(ع) يعود بالنفع على الإنسان الداعي، لأنّ الداعي عندما يصلي على النبي فهو يطلب الرحمة للنبيّ (ص) وأهل بيته (ع) وبما ان وجودهم المقدّس مليء بالرحمة الإلهيّة ولا يحتاجون الى أيّ رحمة إضافية ، لذلك فإنّ هذه الرحمة التي تدعو لهم بها عندما تُفاض عليهم سوف تفيض منهم (ع) إلى من يرتبط بهم ويتبعهم ويواليهم فمن يدعو ويصلّي على النبيّ (ص) وأهل بيته تعود فائدة هذه الصلوات إليه، لأنّ وجودهم مليء بالرحمة فتفيض منهم عليهم السلام على الشخص الداعي، ولذلك ورد في الدعاء: “اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد صلاة تغفر بها ذنوبنا، وتصلح بها عيوبنا…”
هذا بالإضافة إلى أنّنا عندما نطلب الرحمة لهم للنبي وآله (عليهم السلام) ، فان ذلك يُعتبر بمثابة الهديّة لهم (عليهم السلام) وهذه الهدية الّتي يُقدّمها المؤمن لهم يقابلونها بالهدية وبالدعاء له ويستفيد أكثر من دعائهم له لأنه من المؤكّد أنّ دعاءهم مستجاب إن شاء الله تعالى، فنحن لو قمنا بالدعاء لأنفسنا فلا نعلم أنّه مستجاب أم لا، ولكن لو قام النبيّ وأهل بيته الأطهار بالدعاء لنا، فإنّ دعاءهم مستجاب بإذن الله تعالى.
سابعا: هناك العديد من الآثار والنتائج التي يحصل عليها المؤمن من الصلاة على النبي وآله اهمها:
1- انها تمحي الذنوب، فعن الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع) قال: “الصلاة علىالنبيّ (ص) أمحق للخطايا من الماء للنار.
وعن الإمام الرضا (ع): “من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمّد وآل محمد فإنّها تهدم الذنوب هدماً”
عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه الباقر(ع) قال: قال رسول الله (ص) : “من صلّى عليّ إيماناً واحتساباً استأنف العمل”.
2- تكسب الانسان محبّة الله: فعن الامام الهادي (ع): “إنّما اتّخذ الله عزّ وجلّ إبراهيم خليلاً لكثرة صلاته على محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم”.
3- تعديل الميزان: فعن الإمام الصادق عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أنا عند الميزان يوم القيامة, فمن ثقلت سيّئاته على حسناته جئت بالصلاة عليّ حتّى أثقل بها حسناته”.
وعن الإمام الصادق (ع)قال: “ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد, وإنّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيُخرج (ص) الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فترجح”.
4- زيادة الحسنات: فعن الإمام الصاد(ع) قال: “وجدت في بعض الكتب: من صلّى على محمّد وآل محمّد كتب الله له مائة حسنة, ومن قال:صلّى الله على محمّد وأهل بيته, كتب الله له ألف حسنة”.
5- تذهب بالنفاق: فعن رسول الله (ص): “الصلاة عليّ وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق”.
وعن الصادق ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : قال رسول الله (ص) : ارفعوا أصواتكم بالصلاة علي فإنها تذهب بالنفاق .
ومن وحي الصلاة على النبي وتعظيمه والتسليم له الأخذ بتعاليمه وارشاداته، ومن تعاليمه الشريفة غرس الأشجار في الفضاءات والساحات والأماكن العامة لتنقية البيئة من جهة ولإضفاء جمال على الطبيعة
فعن رسول الله (ص):” مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَة “.
ويتأكد غرس الأشجار والتشجير في الأماكن التي تكثر فيها المباني وتقل فيها المساحات الفارغة فمثل الضاحية وعموم مدينة بيروت لذلك لا بد من الاهتمام بالتشجير في مثل هذه المناطق وان لا ندع مساحة فارغة حتى لو كانت صغيرة الا ونملؤها بالشجر وهذا ما قام ويقوم به اتحاد بلديات الضاحية مشكورا في اطار حملة ضاحية ومن اجل انجاح هذا المشروع واستمراره واستكماله لا بد ان يتعاون الجميع مع البلديات من اجل ضاحية اجمل ان شاء الله وفي هذا الإطار ستبادر بلدية حارة حريك واتحاد بلديات الضاحية بتشجير محيط مجمع السيدة زينب (ع) لذلك ندعوكم جميعا بعد الصلاة لاطلاق هذا العمل والمشاركة بغرس شجرة في باحة المجمع .
أما في الموضوع السياسي: فاننا نأمل ان تؤدي الجهود والمساعي الجارية لتشكيل الحكومة إلى خيارات حكومية تكون على قدر التحديات التي يواجهها لبنان، وتلبي إرادة اللبنانيين وطموحاتهم وليس إرادة اميركا ورغباتها.
امريكا وادواتها في الداخل استغلوا الحراك وأقحموا شعارات ومطالب سياسية مشبوهة في الاعتصامات والتظاهرات، وهم يعملون على تحريض وتأجيج الشارع وقطع الطرقات وشل البلد وتعطيل حياة الناس، من أجل الضغط لتحقيق شروط وأهداف سياسية تتعلق بالحكومة المقبلة وأولوياتها السياسية .
نحن في حزب الله نرفض رفضا قاطعا التدخل الامريكي في الشؤون اللبنانية، ولن نسمح باستغلال أوجاع الناس ومطالبهم المحقة والصادقة وتوظيفها لتغيير المعادلات او لفرض شروط واجندات سياسية لا تخدم لبنان ولا مصلحة الشعب اللبناني .
نحن نعتبر ان سياسات الولايات المتحدة الامريكية وعقوباتها واجراءاتها ضد المصارف والبنوك اللبنانية، والضغوط التي تمارسها على لبنان لمنعه من الاستفادة من ثرواته وتصدير منتجاته الى سوريا والمشاركة في إعادة الإعمار وغير ذلك من سياسات هي التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه من أزمة مالية واقتصادية ومعيشية .
وعلى الجميع ان يدرك ان معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية في البلد وحماية السيادة والاستقرار والسلم الأهلي يتوقف على تعاون جميع اللبنانين ومواجهتهم للسياسات الأميركية التخريبية ورفضهم للإملاءات الامريكية وعدم السماح للإدارة الامريكية بفرض شروطها وخياراتها على الشعب اللبناني.
المصدر: بريد الموقع