ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الخميس 14 تشرين الثاني 2019 على مداولات “الحريري – باسيل”، وخروج الدخان الأبيض من مدخنة أهل السلطة حول ما يشاع بتأليف حكومة لا يكونان فيها … على أن يكون مجلس الوزراء «مختلطاً» بين التكنوقراط والسياسيين.
* الاخبار
اتفاق الحريري ـ باسيل: البحث عن رئيس لحكومة «تكنو ــ سياسية»
للمرة الأولى، يخرج الدخان الأبيض من مدخنة أهل السلطة. أمس، انتشرت معلومات عن اتفاق بين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل على تأليف حكومة لا يكونان فيها. باسيل سبق أن أبلغ حلفاءه وخصومه / شركاءه بأنه لن يشارك في الحكومة المقبلة، وأنه يوافق على حكومة تكنوقراط. وأمام تمسّك حلفائه بالتمثيل السياسي، وافق على أن يكون في الحكومة «سياسيون غير مستفزين». في المقابل، كان الحريري يصرّ على ترؤس «حكومة أؤلفها كما أريد، أو اختاروا غيري رئيساً لمجلس الوزراء». الجديد هو أن الحريري وافق على المشاركة في تسمية رئيس حكومة، على أن يكون مجلس الوزراء «مختلطاً» بين التكنوقراط والسياسيين. وبحسب المعلومات، اتفق الحريري وباسيل أول من أمس على لائحة أولية تضم ستة أسماء، سيعرضها رئيس التيار الوطني الحر على حلفائه لاختيار واحد منها لتسميته رئيساً للحكومة. حتى ليل أمس، كان عدد من شركاء الائتلاف الحكومي السابق لا يزالون متشكّكين في إمكان وصول هذه المبادرة إلى نتائج ملموسة. إذ لا يزال بعضهم يعتقد أن الحريري «سيغيّر رأيه»، ليعود مطالباً برئاسة الحكومة لنفسه. وقالت مصادر في فريق 8 آذار لـ«الأخبار» إنّ «لا مجال للانتظار أكثر قبل انطلاق المشاورات النيابية الملزمة، والمفترض أن يُحسم الموعد في الساعات المقبلة. صار موقف الحريري واضحاً ولا مجال للانتظار أكثر».
في الموازاة استمر مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية، كريستوف فارنو، بلقاءاته مع عدد من ممثلي القوى السياسية، ساعياً إلى مقابلة ممثلين عن الحراك. في المعلومات، لم يحمِل الزائِر الفرنسي أي طرح، بل أتى بحسب مصادر سياسية «لاستطلاع آراء من التقاهم عن مدى إمكانية تشكيل حكومة مقبولة من الجميع». ولمّح الزائر الفرنسي أمام من التقاهم إلى «أن لا خوف على سيدر وأمواله والمشاريع المرتبطة به، فهي ستكون مؤمّنة لأي حكومة مقبولة وتناسِب الأزمة اللبنانية»، من دون أي إشارة الى تمسّك فرنسا بأن يكون الحريري رئيساً للحكومة.
كلام الفرنسيين يُوحي بأنهم لا
يكترثون لشكل الحكومة:
تكنوقراط أم سياسية
أم تكنو-سياسية
«لا يطرح الفرنسيون مبادرة»، بحسب مصادر سياسية وصفت جولة فارنو «بالدعم والاستطلاع، يومان من الاجتماعات المُكثفة من أجل التوصّل في النهاية إلى التمكن من توصيف الوضع وتحديد الخطوات التي من الممكن القيام بها». وسيرفع الموفد الفرنسي تقريراً إلى الرئاسة الفرنسية، يتضمن خلاصة جولته. وتقول المصادر إن الموفد الفرنسي عبّر عن «تمنيات» لما يمكن أن يكون عليه الوضع. وتُختصر هذه «التمنيات» بـ«تأليف حكومة، بأسرع وقت، حتى تتمكن من القيام بالإصلاحات الضرورية ويتمكن البلد من الاستفادة من قروض سيدر». وبحسب المصادر، «لا يهم الفرنسيين شكلُ الحكومة أكانت تكنوقراط أم سياسية أم تكنو -سياسية»، لكن الموفد الفرنسي «تمنى أن يبقى الجو السلمي مُسيطراً، ناقلاً تحيات الرئيس إيمانويل ماكرون واتكاله على حكمة الرئيس ميشال عون».
فارنو الذي التقى أمس الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية وقائد الجيش العماد جوزف عون ومسؤول العلاقات الدولية في حزب الله النائب السابق عمار الموسوي، كان من المفترض أن يجتمِع برئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، لكن قطع الطرقات حالَ دون ذلك، فاقتصر الأمر على اتصال هاتفي بينهما.
لماذا ينقسم النظام بين مؤيّد ومعارض للمتظاهرين؟
للحراك الشعبي هوية مفترضة يقول الناشطون إنها تتعلق باستعادة الدولة الحقيقية. المشترك الوحيد الفعلي بين كل من يصرخون في الساحات اليوم هو المطالبة بإسقاط رموز السلطات الحاكمة في لبنان جميعاً. ويجتهد الحقيقيون منهم، وحتى المزوّرون، بالتأكيد أن لا وجود لأجندات أخرى غير المطالبة بتغيير حقيقي في بنى السلطة أو حتى النظام. ولكن، لدى التدقيق، يمكن التمييز بين مطالب ذات طابع فئوي، وأخرى لمجموعات تطالب بإنتاج آليات جديدة لقيام سلطة تمنع القهر بكل أشكاله السياسية والاجتماعية والإنسانية. أما ما يصرخ به الجمهور لجهة عدم الحاجة إلى قيادة أو ناطقين أو ممثلين يفاوضون باسمهم، فلا يعبّر بدقة عمّن يمكن تسميتهم بـ«الوجوه المعبّرة» عن تطلعات قسم كبير من المشاركين في الاحتجاجات. وهؤلاء يسردون وقائع كثيرة تراكمت حتى لامست حدّ الانفجار الكبير، قبل أن يصمتوا عندما يُسألون: كيف يتم التغيير السلمي؟ وعبر مَن؟ وبواسطة مَن؟
لنعد إلى البداية.
لا يحتاج عاقل في لبنان إلى معرفة طبيعة الانقسام القائم حول آلية إدارة الدولة. وهو انقسام له خلفية طائفية ومذهبية ومصلحية. وقد أدت التسويات بين أركان القوى النافذة إلى تعميق الخلل على صعيد البنية الإجمالية للنظام، ما جعله مُنهَكاً حتى وصلنا إلى مرحلة الموت. وهذه الحقيقة التي يعاند أركان الصيغة في رفضها. وبما أن الانهيار حاصل حتماً، فإن الغضب الشعبي الذي كان يقوم مرات بصورة قطاعية، تجمع هذه المرة على شكل احتجاج عام، شارك فيه قسم كبير من اللبنانيين، سواء من نزلوا إلى الشوارع أو الساحات أم من لازموا منازلهم. لكن الحقيقة الأكيدة أن اللبنانيين أعلنوا، هذه المرة، أن الصيغة القائمة سقطت. إلا أن أحداً لم يتحدث عن بديل جاذب لغالبية لبنانية جديدة تُتيح بناء الجديد.
لكن، ماذا عن التدخلات في الحراك القائم، قبل اندلاعه وبعده؟ وهل صرنا في وقت مسموح فيه السؤال عن بعض الأمور وعرض بعض التفاصيل التي تفيد في الإجابة عن أسئلة كثيرة حول هوية المستفيدين والمستغلّين؟ وكذلك حول قدرة أهل الحراك على حمايته من الخطف أو الأخذ صوب مواجهات تخدم أركان الصيغة الساقطة أو رعاتهم الخارجيّين؟ وطالما يصعب توقع تفاهمات وطنية كبيرة على صيغة جديدة قريباً، فإن البلاد أمام خيارين: إما ترميم الحكم الحالي في انتظار لحظة تغيير جذرية تحتاج إلى عناصر جديدة؛ وإما الاستمرار في حال الفراغ القائمة على صعيد الحكم، مع ما يصاحبها من مخاطر الفوضى وما هو أكثر (بالمناسبة، هل كنا نحن خلف الفوضى القائمة عندما حذّرنا منها باكراً؟.
عند هذه النقطة، يبدأ الانقسام الكبير في المقاربات مع من يعتقدون، واهمين، أن المسألة محلية مئة في المئة، ويتماهون مع شعراء الكبة النية والتبولة وفخر الصناعة اللبنانية والوحدة الوطنية وبقية الزجل السخيف!
لا بأس، هنا، من الحديث بصراحة عن التدخلات. داخلياً، هناك قوى وجهات مختلفة صاحبة مصلحة في استخدام الاحتجاج لإحداث تغييرات تصبّ في مصلحتها، أبرزها قوى 14 آذار التي خسرت الكثير منذ عام 2005. وهي لم تخسر محلياً فقط، بل خسرت كل عناصر الدعم النوعي في الإقليم والعالم، وتشعر بوهن كبير نتيجة التراجع الذي أصاب المحور الإقليمي – الدولي الذي تنتمي إليه. هذه القوى تريد نسف التسوية الرئاسية التي قامت في الأعوام القليلة الماضية، لكنها لا تريد نسف النظام لأنها، تاريخياً، من المستفيدين منه. وهذه حال وليد جنبلاط وسمير جعجع وفريقهما، كما هي حال قوى وشخصيات «خرجت من المولد بلا حمص» رغم انخراطها في الصراع الداخلي. ويضاف إلى هؤلاء خليط من الشخصيات التي يمكن أن تُطلق عليها تسميات كـ«التكنوقراط» و«الاختصاصيين» ممن ينتشرون في كل مفاصل لبنان تحت عناوين المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني وتوابعهما. وهؤلاء، باتوا اليوم في صلب الحركة السياسية الطامحة إلى امتلاك مواقع في السلطة. وهم يقولون، صراحة، إن عجزهم عن إنتاج أحزاب سياسية يجعلهم أكثر حرية في العمل ضمن أطر ذات بُعد مهني أو قطاعي أو مدني.
اليوم، يمكن أيّ مواطن الانتباه إلى أن كل من مرّ على قوى 14 آذار لا يشعر بالذعر جراء ما يحصل في الشارع، وإلى أن يتصرف على أنه جزء من الحراك الشعبي. وحتى من يتجنبون الظهور مباشرة في الساحات، ولو بغير رضى، لا يتصرفون كما لو أن ما يجري يستهدفهم. بل يتصرفون من موقع الداعم. وفي كل مرة يُتاح لهم التحدث، يعلنون «تبني مطالب الناس». وهو لسان حال كل من في هذا الفريق. كما تجدر ملاحظة أن كل من له علاقات جيدة مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وأميركا وفرنسا وبريطانيا، يتصرف براحة وفرح إزاء ما يحصل في الشارع. وهؤلاء ليسوا سياسيين فقط، بل بينهم أيضاً اقتصاديون وإعلاميون وناشطون وناشطات وخبراء!
في المقابل، يمكن أيّ مواطن الانتباه إلى أن كل خصوم 14 آذار، من حزب الله إلى حركة أمل والتيار الوطني الحر وكل من هو في موقع الحليف للمقاومة، يتصرفون بقلق كبير إزاء الحراك. ويمكن من دون جهد كبير ملاحظة أن الشعارات والهتافات التي سيطرت على المشهد الإعلامي الخارج من الساحات، ركّزت – ولا تزال – على هذا الفريق ورموزه، كما يمكن بسهولة ملاحظة حال القلق، بل وحتى الذعر، التي تسود لدى جمهور هذه القوى في الشارع. ويمكن، أيضاً، ملاحظة أن الناس العاديين الذين يقفون إلى جانب المقاومة، والذين بكّروا في النزول إلى الساحات للمشاركة في الاحتجاجات، خرجوا منها تباعاً بمجرد أن سمعوا ملاحظات مقلقة من السيد حسن نصرالله حيال ما يجري وما يُخطَّط له.
كذلك يمكن، من دون جهد استثنائي، ملاحظة أن وسائل الإعلام والإعلاميين الذين بنوا امبراطورياتهم وشركاتهم الموازية عبر الاستفادة من هذا النظام ومن كل من تعاقب على الحكم فيه، ومعهم جيش من رجال الأعمال العاملين في لبنان وخارجه، يقفون إلى جانب الحراك، بل يتغنون به بلا تردّد. ويفاخرون بحروبهم ضد الفساد، وهم الذين استغلوا كل أنواع التسهيلات المصرفية والإعلانية والقانونية للحصول على مكتسبات لا يمكنهم الحصول عليها في ظروف طبيعية.
اجتماعات لغالبية الجمعيات غير الحكومية
في مكاتب للاتحاد الأوروبي
والأمم المتحدة والوكالة
الأميركية
خارجياً، لم تبق جهة تعادي المقاومة إلا ورحبت بما يجري، من دون أي استثناء. من عواصم سياسية ومؤسسات اقتصادية أو إعلامية أو خلافها. ويذهب كثيرون في المحور السعودي – الأميركي إلى اعتبار ما يجري على أنه مرحلة الانتفاضة ضد النفوذ الإيراني في لبنان (اقرأ حزب الله وسلاح المقاومة). بينما كانت روسيا، ومعها الصين وإيران، تبدي خشية سابقة (نشرت «الأخبار» مقابلة مع السفير الروسي في بيروت قبل اندلاع الحراك حذّر فيها من فوضى تعد لها أميركا في لبنان).
ببساطة، يمكن قراءة ما يعتقده الأطراف من نتائج لهذا الحراك. وهذا ما يجعلهم يرحبون به أو يحذرون منه، من دون أن يعني ذلك أن النتائج ستصيب في نهاية المطاف ما يريده كل منهم. وهذا رهن أداء الأكثر حضوراً ونفوذاً في الساحات، ومدى قدرتهم على تنظيف صفوفهم من اللصوص.
هل من خطة غربية؟
إلى جانب كل ما سبق، وبرغم الحساسية المُبالغ فيها عند مشاركين أو ناشطين في الحراك إزاء الحديث عن استغلال لهم أو وجود مؤامرة، صار من الواجب ذكر العديد من العناصر التي لا يرغب كثيرون في سماعها، ومنها:
أولاً، ما إن انطلق الحراك حتى انطلقت ماكينة عمل فريق الخبراء والناشطين والاختصاصيين المرشحين لتولي مناصب حكومية بديلة. وبعد مرور نحو شهر على الحراك، خرجت الأحاديث إلى العلن، عن اجتماعات عقدت في مكاتب هؤلاء، بحضور ممثلين عن «الجمعية الدولية للمدراء الماليين اللبنانيين -LIFE»، وناشطين ممن كانوا منضوين في مجموعة «بيروت مدينتي» التي خاضت الانتخابات البلدية الأخيرة في العاصمة، إضافة إلى ممثلين عن حزب الكتلة الوطنية بقيادته الجديدة وناشطين عادوا وانضووا في تجمعات مثل «وطني» الذي تتصرّف النائبة بولا يعقوبيان كما لو أنها قائدته، وممثلة عن جمعية «كلنا إرادة» التي تعرّف عن نفسها بأنها مجموعة من الشخصيات اللبنانية العاملة في القطاع الخاص خارج لبنان، وتهتم بأن تشكل «مجموعة ضغط» من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي في لبنان.
قوى 14 آذار تريد نسف التسوية
الرئاسية لا النظام لأنها تاريخياً
من المستفيدين منه
ولم يكن قد مرّ وقت طويل على انطلاق التجمعات الكبيرة في الساحات، حتى انعقدت الاجتماعات بصورة مختلفة، وأكثر كثافة، بمشاركة غالبية الجمعيات والمنظمات غير الحكومية أو التي يحب روّادها تسمية أنفسهم بالحراك المدني. وكان بعض الاجتماعات يُعقد في مكاتب تخص ممثليات للاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي الجهات التي تموّل غالبية هذه الجمعيات. ويحضر اللقاءات إلى جانب ممثلي هذه الجمعيات، موظفون من المؤسسات الغربية والدولية، وفي بعض الاجتماعات حضر دبلوماسيون من رتب متدنية.
خارج لبنان، كانت الحركة تدبّ في ثلاث عواصم رئيسية. في واشنطن، دعت مراكز دراسات أميركية إلى عقد ندوات حول الأزمة اللبنانية، وإرسال رسائل إلى الإدارة الأميركية والكونغرس، إضافة إلى لقاءات عقدها ناشطون من قوى سياسية، بينهم فريق التقى صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير الذي وعد بنقل الصورة إلى الرئيس دونالد ترامب. وقد تم جمع الوفد اللبناني الذي التقاه من عدة ولايات أميركية. أما في باريس، فإلى جانب التحركات الشعبية التي قامت دعماً للحراك في لبنان، عُقدت سلسلة اجتماعات مع مسؤولين في وزارة الخارجية، وأخرى مع المعنيين بملف لبنان والشرق الأوسط في جهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية الذي يديره السفير الفرنسي الأسبق في لبنان برنارد إيمييه. أما المدينة العربية التي تحسّست حكومتها من النشاط العلني، فكانت إمارة دبي التي رفضت إعطاء الإذن لمجموعة لبنانية بالتظاهر تضامناً مع الحراك الشعبي، ثم نبّهت الحكومة هناك «المتبرعين» من تحويل أي أموال عبر المصارف العاملة في الإمارة إلى لبنان، مع إبراز خشية أن تكون الأموال ذاهبة عن طريق الخطأ إلى جهات معادية.
اللافت للأمر أن مجموعة «life» كانت حاضرة في غالبية هذه الاجتماعات والتحركات. لكن الأهم، هنا، هو أن ممثلي هذه المجموعة سارعوا، منذ اليوم الأول، إلى الحديث عن الحكم البديل. في بيروت أثارت مندوبة «كلنا إرادة»، وآخرون من «بيروت مدينتي»، إمكان الشروع فوراً في خطة لتنظيم إطار تنسيقي، والإعداد لورقة عمل تحت عنوان «حكومة الإنقاذ البديلة». وفشلت مساعي هذه المجموعة في جذب شخصيات وقوى وجماعات مشاركة في الحراك. بينما تعمّدت إبعاد مجموعات أخرى، لا سيما من هم أقرب إلى الحزب الشيوعي. والحجة الدائمة، هي نفسها التي استُخدمت مع الفرنسيين أثناء التحضير لزيارة الموفد الفرنسي، بأن الشيوعيين ليسوا أصحاب نفوذ قوي، وأنه يمكن الاستعانة بشخصيات مدنية واقتصادية تمثلهم، ويكون هؤلاء من أصحاب وجهات النظر الأقل تطرفاً تجاه التغيير الجذري في النظام الاقتصادي.
وليد جنبلاط «بدّه السترة»
القلق يعصف بالنائب السابق وليد جنبلاط، فقرّر أن لا يواجه حزب الله وأن يتّخذ حياداً «سلبياً» من لعبة الشارع في الجبل. أقصى ما يريده جنبلاط اليوم «السترة» كي تمرّ الموجة بأقلّ الخسائر الممكنة
هي أكثر المرّات التي يتعثّر فيها النائب السابق وليد جنبلاط برقص الحبال. «اللعبة» جديدة في البلد لا تُقارن بتلك القواعد القديمة والقديمة المعدّلة، التي أدارت لبنان منذ تأسيسه. حتى العلاقات التقليدية المتينة لغالبية السياسيين اللبنانيين مع القناصل، لم تعد حكراً عليهم. بوجود أبناء المنظمات غير الحكومية المدعومة من الغرب ومراكز الدراسات الغربية، ومحازبين سابقين وناشطين من مختلف الطوائف، وفي الطائفة الدرزية على علاقة مع سفراء الدول، تغيّرت كثيراً قواعد إدارة جبل لبنان الجنوبي. وبصرف النظر عن القناصل، لم يعتد جنبلاط على من يقول «لا» في بعقلين وعاليه وقرى الجبل الأخرى، على من يصرخ ضد الإقطاع، وهو عاجزٌ عن إسكاته بالقوّة وإلباس التمرّد صبغة سياسية، كما حاول وسعى مع القوميين ومعارضيه الآخرين. لم يواجه جنبلاط من قبل، تسرّباً من جمهوره وكوادره كما يواجهه الآن، في لحظة استفاقة من ماضٍ كلاسيكي إلى مستقبل متحوّل لم تتّضح ملامحه بعد.
فهو لمس بالتجربة، أن ليس باستطاعته السيطرة على الاحتجاجات الشعبية في الجبل، فرسم لها خطوطاً حمراء كما في حادثة تمثال الشهداء في بيت الدين، وليس باستطاعته كبح جماح المحتجّين من جمهوره في حديقته الخلفية، فتوقّف عن المقاومة، وبدأ بخطة الاحتواء. حتى إنه يلحظ «النَّفَسَ» الذي باتت تتحلّى به مجموعة من كوادره الشابة، وانتقادها لفاسدين حول رئيس الحزب، من وزراء ومستشارين ومستشاري وزراء.
وفي ذات الوقت، بات جنبلاط على يقين، على الأقل أمام حلقاته اللصيقة والمحيطة، بأن الأميركيين يستثمرون في التطوّرات الداخلية لمواجهة حزب الله وإضعافه، في وسائل وأساليب متعدّدة، تصل إلى حدّ الأمن والدم.
على هذا الأساس، يحتار جنبلاط كيف يقارب الأزمة للنجاة، ثم الخروج بأقل الخسائر الممكنة. وهذه الاستراتيجية المفقودة، أدواتها من الماضي، لكنها شفّافة. قبل نحو أسبوعين، أبلغ جنبلاط مجموعة من كوادره أن «المشروع كبير»، وأنه «لا أقدر أن أكون ضد حزب الله ولا أحتمل 7 أيار جديداً»، وهي الرسالة نفسها التي حملها وفد اشتراكي برئاسة النائب تيمور جنبلاط في جولة له على أبرز مشايخ الشوف وعاليه، ولو أن الوفد حمّل حزب الله ما أسماه «مسؤولية حماية العهد». وهذا التوجّه، بدا واضحاً أخيراً في قرى الجبل، التي اعتاد فيها الاشتراكيون على العراضات الأمنية وخطط الانتشار كلّما كانت الأجواء في البلاد متوتّرة، بحيث لم تعكس إشارات الأسبوعين الأخيرين أي نشاط أمني أو عسكري لافت لحزبيين أو مناصرين جنبلاطيين.
وتكرّس الخوف الجنبلاطي أول من أمس، في محاولات الاحتواء السريعة لحادثة مقتل الشاب علاء أبو فخر في الشويفات على يد سائق رئيس مكتب مخابرات الجيش في خلدة المقدم نضال ضو، المحسوب على الاشتراكي، وسبق أن اعترضت قوى 8 آذار مراراً لدى قيادة الجيش ومديرية المخابرات على انحيازه الواضح ضد هؤلاء في المرحلة الأخيرة في أكثر من حادثة على خطّ الساحل الجنوبي. مع العلم، بأن أبو فخر كان أحد أبرز وجوه الحزب الاشتراكي في الشويفات، وأخيراً بات مقرّباً من مجموعات من المحتجين ويساهم بقطع الطرقات خصوصاً في خلدة متمرّداً بذلك على القرار الاشتراكي الرسمي. وحسبما يردّده اشتراكيون بارزون، فإن جنبلاط ازداد اقتناعاً بخطورة المرحلة المقبلة واحتمالاتها المفتوحة نحو فوضى شاملة، لا سيّما لجهة اعتباره «الثورة من دون قيادة واضحة ولا يمكن مشاركتها على الأرض»، ويصبّ اهتمامه أخيراً على السعي لتأمين تموين غذائي وكميات من المحروقات ومستلزمات المستشفيات في الجبل.
حرس جنبلاط نقل مقتنيات ثمينة
ولوحات من منزل كليمنصو
إلى المختارة
ويضاف إلى ذلك، ما يرد من معلومات عن حركة غير عادية في كليمنصو ومركز الحزب الاشتراكي في وطى المصيطبة هذه الأيام. وفي معلومات «الأخبار»، أن جهاز الحماية لرئيس الاشتراكي نقل مجموعة من التحف واللوحات الثمينة من منزله في كليمنصو إلى المختارة، فيما جرى إخراج ملفّات وأجهزة كومبيوتر وخوادم من مركز الحزب في بيروت ونقلها إلى مراكز أخرى في الجبل. والأمر الأخير يعتبره الاشتراكيون طبيعيّاً، إذ أن «قطع الطرقات عرقل العمل الإداري للحزب الذي يتخذ من المصيطبة مركزاً رئيساً له، لذلك جرى نقل بعض الأجهزة»، فيما يراه آخرون تطبيقاً لسياسة «حماية مناطقنا» التي يرميها جنبلاط بين الحين والآخر، وقلقه من حدوث انفلات أمني واسع في بيروت.
أمّا في مسألة تشكيل الحكومة، فيحاذر جنبلاط الظهور في موقع المعرقل أمام حزب الله، مع استمراره بالهجوم والتحريض على العهد، واقفاً خلف خيارات الرئيس سعد الحريري، حتى الآن.
* اللواء
حماية مُفرِطة لقصر بعبدا… ومأزق التكليف يهدِّد بسقوط الدولة!
فارنو يُحذِّر الرؤساء وحزب الله من تأخير الحكومة.. ورصاص باسيلي على متظاهرين في جلّ الديب
عشية اكتمال هلال ثورة الشعب اللبناني ضد طبقته السياسية الفاسدة، بدا عضد الجماهير التي زحفت إلى الشوارع والساحات قوياً، وكأن الحركة الاحتجاجية في بدايتها، تحت وطأة اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية وترنح الوضع الاقتصادي، وارتفاع الأسعار وشح النقود من العملة الوطنية إلى الدولار، في الاتفاق الضمني داخل جمعية المصارف وموظفي المصارف على استمرار اقفال البنوك، الأمر الذي يُفاقم أزمة السيولة النقدية، وشل الأعمال، ويهدد العاملين والموظفين والأجراء في رواتبهم ومعاشاتهم.
كل ذلك، وسط عقم الحراك الحكومي، ومراوحة الاقتراحات داخل خيارين: حكومة اخصائيين بلا أحزاب وسياسيين، كما يطالب الرئيس سعد الحريري، وحكومة تكنو-سياسية يتفق على دعمها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر ويتمسك بها الرئيس ميشال عون.
وكشفت مصادر واسعة الاطلاع ان مساعي تشكيل الحكومة الجديدة الجارية وراء الكواليس وقبل اجراء استشارات نيابية ملزمة، حسب الدستور تدور في حلقة مفرغة لتاريخه.
واستندت المصادر إلى ان العقدة المركزية تتعلق بعدم استعداد أطراف الأزمة لا سيما التيار الوطني الحر للتنازل عن مواقعهم في أية تركيبة وزارية جديدة..
ولاحظت المصادر ان لا إمكانية لابتزاز الرئيس الحريري، وبالتالي فإن الضغوط عليه لتسميةمرشح آخر لتأليف الحكومة لا تأثير لها على قراره.
وكشفت ان فريق بعبدا وحزب الله ما يزالان متمسكين بتوزير الوزير جبران باسيل مجدداً.
وروجت مصادر في ثنائي حزب الله، التيار الوطني الحر لكلام منسوب إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف اعتبر فيه ان «فكرة تشكيل حكومة تكنوقرط في لبنان هي أمر غير واقعي».
وشدد لافروف خلال منتدى السلام في باريس، على ان «روسيا تدعم محاولات رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تشكيل الحكومة، وحسبما أفهم، فإن فكرة تتمحور في تشكيل حكومة تكنوقراط، أعتقد أن هذا أمر غير واقعي في لبنان».
وكانت الاتصالات والمشاروات بين قصر بعبدا وعين التينة وبيت الوسط استمرت، وسط تسريبات تبين انها غير صحيحة، عن ان الرئيس سعد الحريري ابلغ الوزير علي حسن خليل والحاج حسين خليل باعتذاره عن تشكيل الحكومة، حيث ذكرت مصادر بيت الوسط أن الحريري أبلغ «الخليلين» تمسّكه بحكومة اختصاصيين فقط وهو لم يُكلَّف بعد رسميا ليعتذراو يقبل التكليف.
اضافت المصادر ان الحريري لم يتلق حتى هذه الساعة جوابا ايجابيا حول ما يطرحه من تشكيل حكومة اختصاصيين، فيما ذكرت مصادر اخرى ان حكومة التكنوقراط لازالت مرفوضة من قبل ثنائي امل وحزب الله والتيار الحر وقوى سياسية اخرى، ما يُرجح فرضية اعتذار الحريري ولكن على ان يقترح هواسماً يتم التوافق عليه، واذا تم اختيار شخصية من دون التشاور معه لن يكون ملزماً بتغطيته.
وافادت معلومات المتابعين للاتصالات ان المعنيين يقومون بغربلة عدد من الاسماء المرشحة لتولي التكليف، ومنها اسم مستشار الحريري للشؤون الاقتصادية وليد علم الدين ام ممثل الحراك الشعبي ابراهيم منيمنة الذي سبق وترشح للانتخابات النيابية عن المجتمع المدني في دائرة بيروت الثانية.وذكرت المعلومات ان الساعات المقبلة ستكون حاسمة على صعيداتخاذ القرار بحيث يقبل الحريري او يعتذر ما يدفع الرئيس عون في الحالتين الى تحديد موعد للاستشارت النيابية الملزمة.
وكشف مصدر معني أن هناك أكثر من فكرة يتم تداولها وعندما تصل إلى نتيجة يتم تحديد موعد الاستشارات.
مهمة فارنو
وفي السياق، كشفت مصادر دبلوماسية تواكب زيارة الموفد الفرنسي كريستوف فارنو الى لبنان لـ«اللواء» أن مهمته تتركز على ابلاغ قلق فرنسا من تدهور الأوضاع السائدة في لبنان ونقل رغبة الرئيس ماكرون بضرورة اتفاق الساسة اللبنانيين على الاسراع بتشكيل حكومة جديدة تلبي تطلعات الشعب اللبناني والمطالب المحقة للمتظاهرين السلميين، مؤكدا دعم فرنسا لاستقرار وسيادة واستقلال لبنان واستمرارها في مد يد المساعدة اللازمة لاسيما على الصعيد الإقتصادي، من خلال مؤتمر سيدر وغيره لكي يتمكن لبنان من التعافي الاقتصادي وتجاوز ما يمر به من صعوبات. ولفت الموفد الفرنسي الى اتصالات تجريها فرنسا مع العديد من حلفائها وأصدقائها في العالم ومن ضمنهم الذين يتمتعون بنفوذ في لبنان لتسهيل عملية تشكيل الحكومة الجديدة.
واشارت مصادر مطلعة الى ان فارنو استوضح بعض النقاط حول موضوع الحراك وان رئيس الجمهورية اكد له انه عرض على المتظاهرين الحوار ولم يلق اي تجاوب.
وكشفت انه ابلغ رئيس الجمهورية تمنيات بلاده ان تسفر الاتصالات الجارية عن تأليف حكومة فاعلة تعيد الأستقرار وتكون قادرة على تنفيذ الأصلاحات والخطة الاقتصادية ولفتت الى ان المسؤول الفرنسي الذي لم يدخل في تفاصيل الحكومة وشكلها أعلن ان فرنسا ترحب بأي صيغة يتفق عليها اللبنانيون مبديا جهوزية بلاده في الألتزام بمؤتمر سيدر ومساعدة الحكومة الجديدة في هذا السياق.
ولفتت الى ان الرئيس عون اشار أمام ضيفه الى ان الأوضاع الاقتصادية تشكل اولوية وان الخطة الاصلاحية ستلتزم الحكومة الجديدة في تطبيقها وان المهم ان تكون النيات طيبة وتحدث عن بدء تنفيذ التنقيب عن النفط في لبنان ومشاركة شركة توتال فيه ما يساعد على تعزيز الأقتصاد اللبناني.
وتوقف الموفد الفرنسي عند اهمية منع التدهور في لبنان املا ان تؤدي جهود الرئيس عون الى نتيجة وان فرنسا ستدعم كل جهد يقوم به معلنا ان دور الرئيس عون هو المفتاح واعرب عن امله في ان يحصل تطور إيجابي في الأيام القليلة المقبلة.
وخلال اللقاء بين الموفد الفرنسي والرئيس نبيه بري، عرض بري مع فارنو البدء بالتنقيب عن النفط في «البلوك الرقم4» قبل نهاية السنة وضرورة البدء بـ «البلوك رقم 9» قبل نهاية العام 2020. ووعد فارنو بنقل هذه الرغبة الى ادارة شركة «توتال».
كما زار المسؤول الفرنسي بيت الوسط، حيث التقى الرئيس الحريري في حضور الوزير السابق غطاس خوري.
كذلك زار فارنو قصر بسترس، حيث التقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الذي شكر لفرنسا ورئيسها «اهتمامهما بلبنان وعلى الجهود المبذولة للحفاظ على استقراره ومنع انزلاقه الى الفوضى او الى الإنهيار المالي».
وحالت الظروف الأمنية دون لقاء فارنو مع النائب السابق سليمان فرنجية واستعيض عنه باتصال هاتفي.
وليلاً التقى مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» عمار الموسوي، وجرى عرض الجهود التي تبذل لتسمية شخصية تتمكن من تأليف حكومة ذات ثقة، وذلك بناء على طلب الموفد الفرنسي.
وكان فارتو التقى قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون.
على الأرض
ميدانياً، وفي يوميات الحراك الشعبي، تراجع المحتجون ليلاً عن بناء جدار اسمنتي على اوتوستراد نهر الكلب، وآخر على اوتوستراد الناعمة بهدف قطع الطريق نهائياً ما يؤشر إلى احتمال حصول ردود فعل سلبية من قبل العابرين لا سيما على طريق الجنوب. فيما استمرت حالة من الكر والفر بين المتظاهرين وعناصر مكافحة الشغب على طريق القصر الجمهوري بعد الاعتصام الذي تمّ تنفيذه ظهرا امام مفرق القصر عند اوتوستراد الحازمية- الصياد، ودفع وحدات الحرس الجمهوري إلى اقفال الطرقات المؤدية إلى القصر بالاسلاك الشائكة من منتصف الجسر لجهة الضاحية الجنوبية وصولا إلى المدرسة الحربية.
ولاحقا، أعلن الحزب التقدمي الاشتراكي ان لا علاقة له بقطع طريق الناعمة، كذلك فعلت «القوات اللبنانية» في ما يتعلق بوضع اسمنت عند اوتوستراد نهر الكلب.
وفي وقت لاحق، هدم المتظاهرون في نفق نهر الكلب الجدار الاسمنتي الذي بنوه داخل النفق مساء أمس.
وكان المعتصمون استقدموا كمية من حجارة الخفان والاسمنت، وبنوا جدارا داخل النفق منعا لمرور السيّارات.
وسجل انقطاع التيار الكهربائي عند نفق نهر الكلب ومحيطه، وعمد المحتجون إلى وضع مصابيح كهربائية فوق مدخله، تحسبا لوقوع أي حادث.
وكانت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا ردّدت ان هناك معلومات مؤكدة تُشير إلى انه تمّ التحضير لاجواء سلبية مهما كان سيقوله رئيس الجمهورية وعزز ذلك اولا رسائل الواتساب التي حول التحضير للتحرك في مناطق فور انتهاء كلمة رئيس الجمهورية بصرف النظر عمّا كان سيقوله.
وقالت المصادر ان المؤسف هو انه ما بعد التوضيحات واذاعة النص في هذا المجال عن كلام الرئيس عون في المقابلة التلفزيونية بقي التركيز للنيل من رئيس الجمهورية ووضع الحراك في وجهه.
وكان الرئيس عون قد طلب من المعتصمين امام محيط القصرالجمهوري تشكيل وفد منهم يضم 10 أشخاص للقاء به الا انهم رفضوا ذلك.
وليلا، سحب الناشط خلدون جابر من بين المتظاهرين في محيط قصر بعبدا.
ولاحظ شهود عيان انه جرى توسيع المنطقة الأمنية المحيطة بالقصر الجمهوري في بعبدا إلى مساحات إضافية لافتة وواسعة جدا وصلت إلى حدود منطقة الحدث من جهة وإلى منطقة الحازمية كاجراء احتياطي لمواجهة تظاهرات الحراك الشعبي المرتقبة.
تشييع شهيد الثورة
وليلاً، طاف رفاق الشهيد أبو فخر بنعشه في ساحة رياض الصلح إحدى ساحات الحركة الاحتجاجية المتنامية.
وكان رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط تلقى سلسلة اتصالات تعزية من الرؤساء الثلاثة عون، برّي والحريري وشخصيات سياسية ووزارية.
وكان آلاف اللبنانيين خرجوا إلى الشوارع أمس الأربعاء، وقطعوا الطريق الرئيسية في مختلف المناطق اللبنانية، بينما تجمع المئات على الطريق المؤدية إلى قصر بعبدا وقطع المتظاهرون طرقاً حيوية عبر أجسادهم أو بالسيارات والعوائق والحجارة منذ الصباح في وسط بيروت وعلى مداخلها، وفي نقاط عدة على الطريق المؤدي من بيروت إلى شمال لبنان، وفي طرابلس وعكار شمالاً والبقاع الغربي شرقاً وصيدا جنوباً، وغيرها من المناطق، قبل أن يتم فتح عدد منها ليلاً. وكان المتظاهرون عمدوا منذ أيام الى فتح الطرق، ونظموا تجمعات أمام المرافق العامة والمصارف لمنع موظفيها من الالتحاق بمراكز عملهم. لكن الغضب دفعهم إلى العودة إلى قطع الطرق. ووصل مئات المتظاهرين تباعاً سيراً على الأقدام الى تخوم بعبدا، حيث القصر الرئاسي، منذ ساعات الظهر رافعين الأعلام اللبنانية وسط انتشار كثيف لوحدات الحرس الجمهوري ومكافحة الشغب. وطالبوا برحيل رئيس الجمهورية ثم نصبوا مساء عدداً من الخيم وسط الطريق. واستبق الجيش وصولهم بإقفال كل الطرق المؤدية إلى منطقة بعبدا بالعوائق الحديدية والسياج الشائك، وحصل تدافع محدود إثر محاولة متظاهرين تخطي العوائق. وقالت المهندسة أنجي (47 عاماً)، وهي تحمل العلم اللبناني، لوكالة فرانس برس «وجدنا في كلام الرئيس عون استخفافاً كبيراً بنا» مضيفة «أملنا كبير بلبنان… لكننا لسنا من أولئك الذين يودون الهجرة». وشكل كلام عون خيبة أمل للمتظاهرين.
وأصيب أربعة أشخاص بجروح في جل الديب، شرق بيروت، وفق ما أفاد الصليب الأحمر اللبناني، بعد اطلاق مسلح عند نقطة تجمع لمتظاهرين قطعوا الطريق، الرصاص من سلاح حربي بحوزته، وتمكن المتظاهرون من انتزاع السلاح من يده، وتسليمه إلى القوى الأمنية.
وصدر عن اللجنة المركزية للاعلام في التيار الوطني الحر ان التيار يرفض الممارسات المخلة بالأمن، ويستنكر حادثة جل الديب، مشيرا إلى ان الشبان المنتسبين إليه كانوا محاصرين داخل المبنى في المنطقة، وان الشخص الذي أطلق النار موقوف لدى الأجهزة الأمنية.
* البناء
الحريري يتمسك بشروطه لحكومة لا تلتزم نتائج الانتخابات… ولا وساطة فرنسية
الحراك يتحوّل نسخة منقحة من 14 آذار: مواجهة عون ودعم الحريري
مخاوف الانزلاق نحو سطوة الميليشيات تتسلّل مع قطع الطرقات وبناء الجدران
كتب المحرّر السياسي
سيطر مشهد بناء الجدران الإسمنتية داخل نفق نهر الكلب وعلى طريق الناعمة على ما عداه من مشاهد سياسية، رغم إزالة الجدران في ساعات متأخرة من الليل بعد اتصالات أجرتها قيادة الجيش وإدارة المخابرات وأجراها قادة الأجهزة الأمنية بجهات حزبية معلوم أنها كانت تقف وراء إقامة هذه الجدران. وقد أعاد المشهد إلى الذاكرة اللبنانية ذكريات الحرب الأهلية وتقطيع أوصال المناطق اللبنانية، وليس من باب الصدفة أن نقاط إقامة الجدران جاء مطابقاً لنقاط إقامة حواجز الخطف على الهوية، أو لخطوط تماس بين كانتونات افتراضية تقبع في عقول قادة الميليشيات.
في ظل الخوف من الانزلاق نحو الأسوأ جاءت تعبيرات الحراك الشعبي يوم أمس، لتزيد منسوب القلق مع ظهور المزيد من المؤشرات على نجاح الفريق الممسك بتنظيم أنشطة الحراك ورفع شعاراته، بتحويله نسخة منقحة عن حركة 14 آذار، حيث سقط شعار كلن يعني كلن مع تحوّل الحراك إلى أداة ضغط علنية، بألسنة المتحدثين على هواء الشاشات المكرّسة لمواكبة الحراك، لتحسين الوضع التفاوضي لرئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، عبر اعتبار قضية الحراك تحديد موعد عاجل للاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة، من دون أي تفاهمات تسبق التسمية بين الكتل النيابية المعنية بالتسمية، وكتلة الرئيس الحريري، لا بد أن تطال شكل الحكومة وبرنامجها.
لم يكن كافياً لتقديم الصورة المنقحة لـ 14 آذار بلباس الحراك جعل الأولوية للاستشارات النيابية وتسمية الرئيس الحريري، بل تحوّل الحراك إلى استعادة مشهد 2005 وحملة فل التي نظمتها قوى 14 آذار واستهدفت رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود، فتعالت هتافات الساحات، بالدعوة لرحيل رئيس الجمهورية وانتقل بعضها إلى مدخل القصر الجمهوري، وخلافاً لكل معايير التوازن في المسؤولية عن الفساد، نال الحريري استثناء وأنزلت برئيس الجمهورية أشد العقوبات، ولم يبق ناقصاً ليكتمل المشهد سوى ظهور قادة 14 آذار بستعيدون خطبهم النارية في ساحة الشهداء.
في المشهد السياسي بقيت المراوحة في الاتصالات رغم الأخبار المتناقضة عن التقدّم والتراجع والتفاؤل والتشاؤم، حيث كلام وزير الخارجية جبران باسيل عن قرب تشكيل الحكومة جاء بعكس الأنباء المنقولة عن بيت الوسط حول تمسّك الرئيس الحريري بشروطه، فيما أكدت مصادر متابعة أن الوضع لم يعُد يحتمل المزيد من الوقت، وتوقعت أن تتبلور الصورة مع رحيل الموفد الفرنسي كريستوف فارنو وإنهاء مهمته الاستكشافية التي لم تتحول إلى وساطة، وقالت المصادر إن نهاية الأسبوع ستكون نهاية المهل للتفاهمات قبل تبلور الخيارات الأخرى.
لا يزال المشهد الحكومي ضبابياً إن لجهة استعداد الرئيس سعد الحريري لتكليفه تأليف الحكومة الجديدة وإن لجهة تحديد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موعد الاستشارات النيابية، وإذ لم تتوصل المشاورات القائمة على كافة الخطوط الرئاسية والسياسية الى نتائج واضحة حتى الآن يصر الحريري على حكومة تكنوقراط صرف تتولى معالجة الشؤون الاقتصادية والمالية والاجتماعية ولا تتلهى بالمناكفات السياسية التي كانت تعرقل عمل الحكومة المستقيلة.
وأكدت مصادر قناة المنار أن الحريري يتجه الى الاعتكاف ورفض تأليف حكومة جديدة، وبحسب معلومات «البناء» فإن الحريري «يرفض فرض شروط عليه قبل بدء الاستشارات التي هي تحدد من شخصية الرئيس المكلف، وهو بالتالي يفضل إعلان الاستشارات من ثم تحدد الكتل النيابية موقفها وعلى أساسها يقبل التكليف أم لا»، وأكدت اوساط بيت الوسط أنّ «ما يشاع عن أن الحريري ابلغ الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل باعتذاره عن تشكيل الحكومة غير صحيح، إنما الدقيق أن الحريري أبلغ «الخليلين» بتمسّكه بحكومة اختصاصيين فقط وهو لم يُكلَّف بعد ليعتذر عن اي شيء، وفي حال التمسك برفض حكومة الاختصاصيين فإن الحريري مستعد لاختيار شخصية سنيّة لرئاسة الحكومة». كما نفت المصادر المعلومات عن اجتماع سيعقد اليوم بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.
وكان باسيل غرّد على تويتر قائلاً: واثق ان الناس الطيبين يريدون الاستقرار والإصلاح معاً في حمى الدولة والحرية، حرية التظاهر والتنقل معاً. كل نقطة دم تسقط تدمينا وتنبّهنا بأن لا يجرّنا أحد الى الفوضى والفتنة. اللحظة الآن لتشكيل حكومة تستجيب للناس وتكسب ثقة البرلمان، والاتصالات تبلورت ايجابياً. لا يجب ان تضيع الفرصة! .
ونقل النائب علي بزي عن رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته الى الحفاظ على الانتظام العام وتجديده المطالبة بالإسراع بتأليف حكومة حديدة وبتحمل الجميع مسؤولياتهم.
ونقل بزي عن بري قوله بعد لقاء الاربعاء: رغم أحقية معظم مطالب الحراك الحقيقي طالب بري بضرورة الحفاظ على الانتظام العام للمؤسسات التربوية والصحية ودعا الجميع الى صيانة السلم الاهلي والوحدة الداخلية . واعتبر بري أن المرحلة الراهنة تستدعي تحمل المسؤولية للجميع لانتشال الوطن من قعر هوية إن حصلت فلن يسلم من تداعياتها احد على الاطلاق .
وجدد مطالبته بتشكيل حكومة جامعة وقادرة على تحقيق أمنيات اللبنانيين بمكافحة الفساد والالتزام بالاصلاحات الاقتصادية وتطوير الحياة السياسية وجدد حذره من الوقوع في الفراغ السياسي.
في غضون ذلك، دخلت فرنسا على خط الأزمة اللبنانية، وجال مدير دائرة شمال أفريقيا والشرق الاوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو على المسؤولين، فزار برفقة السفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه، في قصر بعبدا، حيث التقى الرئيس عون الذي أبلغه أن الحكومة العتيدة ستلتزم تنفيذ الورقة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة السابقة إضافة الى عدد من القوانين التي يفترض ان يقرها مجلس النواب في سياق مكافحة الفساد وملاحقة سارقي المال العام بعد رفع الحصانة عنهم. وأشار الى ان التحركات الشعبية القائمة حالياً رفعت شعارات إصلاحية هي نفسها التي التزم رئيس الجمهورية تحقيقها، ولكن الحوار مع معنيين في هذا الحراك الشعبي لا يزال متعذراً على رغم الدعوات المتكررة التي وجهها رئيس الجمهورية اليهم.
وشدد على انه سيواصل اتصالاته لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، معرباً عن أمله ان يتحقق ذلك في وقت قريب ومكرراً خياره بان تكون الحكومة الجديدة مؤلفة من سياسيين وتكنوقراط لتأمين التغطية السياسية اللازمة كي تتمكن من نيل ثقة الكتل النيابية اضافة الى ثقة الشعب. وإذ أكد ان الاوضاع الاقتصادية تزداد تردياً نتيجة ما تمر به البلاد حالياً من تظاهرات وإضرابات، فضلاً عن التداعيات السلبية التي تركها نزوح اكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري الى لبنان. اعتبر ان بدء التنقيب عن النفط والغاز خلال الشهرين المقبلين سوف يساعد على تحسن الوضع الاقتصادي تدريجياً.
وأبدى فارنو للرئيس عون اهتمام بلاده بالوضع في لبنان وحرصها على سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه ووحدة شعبه. كما اشار الى استعداد بلاده لمساعدة لبنان للخروج من محنته الراهنة.
وشدّد فارنو من عين التينة على ضرورة إيجاد الحل السريع، مع الإشارة الى ان فرنسا متمسكة بمساعدة لبنان ومؤازرته في شتى الميادين ومن بينها سيدر1 . وعرض بري مع الموفد الفرنسي البدء بالتنقيب عن النفط في «البلوك الرقم 4» قبل نهاية السنة وضرورة البدء بـ «البلوك رقم 9» قبل نهاية العام 2020. ووعد فارنو بنقل هذه الرغبة الى ادارة شركة «توتال».
وفي وزارة الخارجية أبلغ باسيل الموفد الفرنسي وجوب عدم دخول أي طرف خارجي على خط الأزمة اللبنانية واستغلالها ، مؤكداً أن مسألة تشكيل الحكومة هي داخلية، ووصلت الى مراحل متقدمة وإيجابية ، مشيراً الى ان لبنان ملتزم بمسار مؤتمر سيدر أياً تكن الحكومة المقبلة، وان التحدي هو بالإسراع في تنفيذه وتطبيق الإصلاحات المنشودة، وهو ما يشكل استجابة لمطالب الناس .
الى ذلك، واصلت سندات لبنان الدولارية تراجعها مع اندلاع احتجاجات جديدة وقطع الطرقات في لبنان، وأظهرت بيانات من تريدويب أن إصدار سندات يُستحق في 2037 انخفض 1.4 سنت، ليسجل تراجعاً بنحو تسعة في المئة منذ بداية الأسبوع الحالي.
المصدر: صحف