قال نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة انه “قبل يومين مرت علينا ذكرى شهادة الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت(ع)، وهو الإمام الحسن بن عليّ العسكري(ع) الذي ولد بالمدينة المنورة يوم الجمعة في الثامن من شهر ربيع الثاني، سنة 231 أو 232 للهجرة. وتوفي بسرّ من رأى يوم الجمعة في الثامن من ربيع الأول، سنة 260 هجرية، وبذلك يكون الامام قد توفي وعمره 29 أو 28 سنة، أقام منها مع أبيه 23 سنة وأشهراً، وأقام بعد أبيه خمس سنين وشهوراً، وهي مدة إمامته وخلافته، ودفن في داره بسامرّاء إلى جنب قبر أبيه الامام علي الهادي (ع) ومقامهما المعروف بمقام العسكريين في سامراء مشهور يقصده الزوار من كل انحاء العالم”.
واضاف “ولا شك ان الامام (ع) كبقية الائمة كان لديه حضور قوي ومؤثر في مجتمعه، وعندما نلقي نظرة على حياة هذا الإمام، فإنّنا نجد أنَّ أعداءه وأصدقاءه أجمعوا على احترامه وتعظيمه وتقديره وإكباره، وهناك الكثير من الشهادات التي اطلقها خصومه بحقه، وهي تكشف عن فضله وعلمه وروحانيته ومكانته ومدى تأثير شخصيّته على مجتمعه، بحيث حتى الطبقة السياسية الرسميّة الحاكمة التي كان تقف بشدّة ضدّ خطّ أهل البيت(ع)، وتعمل على محاصرتهم والتضيّيق عليهم كانت تسلم بمكانتهم الرفيعة وموقعهم المميز في وسط الأمة”.
واردف”فنحن نقرأ فيما ينقله مؤرّخو سيرته، عن شخص كان ممّن يضمر العداوة له ولكلّ أهل البيت(ع)، وهو (أحمد بن عبد الله بن خاقان)، حيث يقول: “ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلويّة مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هدوئه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافّةً، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعوام الناس”.
واضاف “وكان عبد الله بن خاقان من كبار رجالات الدولة العباسية وكان يعظم الامام ويقدّمه في الاهتمام والاحترام حتى على وليّ العهد وقد رى ذات ابنه هذا الاهتمام من ابيه بالامام ، وسأله عن سبب اهتمامه ، فقال له: “يا بنيّ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العبّاس، ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره، فإنّه يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ثم يقول احمد: “فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس، إلاّ وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرّفيع والقول الجميل، والتّقديم له على جميع أهل بيته ومشائخه، فعظم قدره عندي، ولم أرَ له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يحسن القول فيه والثّناء عليه”.
واكمل “وذكر المؤرخون : أنّ الخليفة العباسي حبس الإمام العسكريّ (ع)، ونحن نعرف أنّ الأئمّة (ع) كانوا يُسجنون في عهد بني العبّاس، حيث كان هؤلاء يعرفون أنّ الأئمة من أهل البيت (ع) يملكون تأثيرا كبيرا في الواقع الاسلامي آنذاك لمكانتهم الذاتية ولإمامتهم للمسلمين ، فكان خلفاء بني العباس يخشون من تأثير الائمة على الناس وتأليب الرأي العام ضد السلطة، ولذلك كانوا يوكّلون عناصر مخابراتهم لرصد حركة كلّ إمام، بغية محاصرته، والتضييق عليه، وتخويف النّاس من اللّقاء به، وربّما كانوا بين وقت وآخر يعملون على إيذاء هذا الإمام أو ذاك، بزجّه في السّجن.وهنا، ينقل التّاريخ لنا شهادة من أحد سجّانيه وهو صالح بن وصيف، فقد أُوكل إليه أمر سجنه، وأُمر بأن يضيّق على الامام بشدة ويتعامل معه بقسوة، حتى لو أدى ذلك إلى إنهاء حياته، فقال لهم: “وما أصنع وقد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصَّلاة والصّيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النّهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل، وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا، ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا”فالامام استطاع أن يؤثّر فيهما بقوّة شخصيّته الروحية، وبهذا الجوّ الرّوحاني الذي لم يجدا مثله. فالإنسان ـــ في العادة ـــ يعيش في السّجن حالة نفسية صعبة، ولكنّهما وجداه في أعلى درجات التوجه الى الله، وفي أعمق مواقع الإخلاص له سبحانه وتعالى.وفي رّواية اخرى عن عليّ بن محمد عن محمد بن إسماعيل العلوي، قال: “حبس أبو محمد عند علي بن نارمش، وهو أنصب الناس وأشدّهم على آل أبي طالب، وقيل له: افعل به وافعل، فما أقام عنده إلا يوماً، حتى وضع خدّيه له ـ كناية عن الخضوع والتذلّل ـ وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً، فخرج من عنده وهو أحسن النّاس بصيرةً، وأحسنهم فيه قولاً”.
وقال الشيخ دعموش “فالإمام العسكريّ (ع) استطاع فيها أن يقلب تفكيرهذا الرجل ووجدانه ، وان يحوَّله من عدوٍّ لدود إلى صديق حميم، بل تحوَّل إلى داعية إلى الإمام (ع).هذه هي الصّورة التي نستطيع أن نأخذها ممّا ذكره المؤرّخون في حياة الامام العسكري(ع)، وهي تختصر في دلالاتها وفي خلفياتها الكثير من ملامح شخصيته العظيمة.وقال لشيعته وهو يوصيهم، بما ينبغي ان يتقيدوا به على المستوى الشخصي وعلى المستوى الاجتماعي : “أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله ـ في معرفته وطاعته وعبادته ـ وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر، وطول السّجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد (ص).صلّوا في عشائرهم ـ يعني هؤلاء الّذين يجاورونكم وتختلفون معهم في المذهب ـ واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنَّ الرّجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدَّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع النّاس، قيل هذا شيعي، فيسرّني ذلك ـ لأنّه سائر على الحقّ والاستقامة في خطِّ الإسلام ـ اتّقوا الله وكونوا زيناً ـ نتزيَّن به ـ ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلَّ مودّة ـ اجعلوا النّاس يحبّوننا، فلا تتحدَّثوا مع النّاس بالحقد والبغضاء والسّباب وما إلى ذلك ـ وادفعوا عنّا كلّ قبيح، فإنّه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوءٍ فما نحن كذلك، لنا حقّ في كتاب الله، وقرابة من رسول الله، وتطهير من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلا كذّاب”.
واكمل “هذا السلوك الذي دعانا اليه اهل البيت يجب الالتزام به من اجل تقريب الناس بأخلاقنا وسلوكنا وقيمنا من الدين والاسلام ومن خط ونهج أهل البيت(ع).مع مرور الاسبوع الثالث على التظاهرات والاعتصامات أصبح واضحاً أن الحراك الشعبي المطلبي العفوي الصادق المعبّر عن معاناة الناس اجتماعياً وإقتصادياً ومعيشياً تم إختطافه ويتم توظيفه من قبل قوى وجهات محلية وإقليمية ودولية لخدمة أهداف سياسية وفرض أجندات معينة.فأمريكا وحلفاؤها يريدون قلب الموازين السياسية في البلد، وتغيير المعادلة الداخلية، وإعادة تشكيل السلطة في لبنان لمصلحتهم, ولذلك دفعوا نحو استقالة الحكومة واستغلوا الحراك الشعبي وقاموا بقطع الطرق وشل البلد خلال الايام الماضية لفرض شروطهم السياسية لتشكيل الحكومة وفرض حكومة تكنوقراط من خلال الشارع, حيث إن المطلوب أمريكياً الإتيان بحكومة يسيطر عليها الأمريكي ويتحكم بعناوينها وأولوياتها السياسية وتنفذ أجندة سياسية أمريكية, ابتداءاً من ترسيم الحدود وفق الرؤية الإسرائيلية واطلاق عملية استخراج النفط والغاز لمصلحة الشركات الامريكية مروراً بفرض التوطين وإستهداف المقاومة وحلفائها وصولاً إلى مسألة الصواريخ وقدرات المقاومة.نحن نرفض تغيير المعادلة السياسية في لبنان ولا نقبل بتغيير وجه لبنان السياسي ونريد حكومة نزيهة ومستقلة تحصل على ثقة كل اللبنانيين وتستجيب لمطالبهم المحقة وتنفّذ إصلاحات اقتصادية جذرية وتضع حلولاً جدية وملائمة للأزمات المعيشية التي يعاني منها المواطنون”.
المصدر: المنار