ألم تتساءل يوما ما عما يحدث في دماغ الكذاب عندما يعزو لنفسه مثلا نتائجك وجهدك دون أن يضع لوجودك اعتبارا؟
أثناء عملية الكذب يشترك عدد كبير من مناطق المخ التي تساهم في التفكير المنطقي، وبالخصوص تقوم قشرة الفص الجبهي المعروفة بمشاركتها في العمليات المعرفية المعقدة بالمهمة الأساسية.
وفي صفحتها العلمية، خصصت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا سلطت فيه الباحثة سيلفي شكرون الضوء على الكذب باعتباره نشاطا فكريا عالي المستوى، لأن الكاذب عليه أولا اتخاذ قرار بإخفاء أو تزوير معلومات صادقة، ثم اختلاق نسخة خاطئة من الواقع سيدافع عنها ويروج لها، كما أن عليه بعد ذلك التأكد من أن الجميع يصدقون قصته، وأنه يحفظ نسخته بكل يقظة حتى لا يتعارض مع نفسه.
وأشارت الباحثة إلى أن هذه العمليات تستهلك الكثير من الطاقة والحضور الذهني، إلا بالنسبة للكذابين المحترفين الذين أصبحت هذه العمليات آليا لديهم، منبهة إلى أن قشرة الفص الجبهي المعروفة بمسؤوليتها عن العمليات المعرفية المعقدة، هي التي تعمل على تنفيذ هذه الأنشطة.
وكما أظهر مكسيم كيريف وزملاؤه في جامعة سانت بطرسبرغ عام 2017، أصبح من الممكن الآن تتبع كيفية تنشيط مناطق المخ والتواصل بينها وفقا للسياق النفسي.
وقد استخدم هؤلاء الباحثون هذه الطريقة الجديدة لتحليل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لدراسة كيفية تغير اتصال الدماغ عندما يكذب شخص ما أو يحاول التلاعب أثناء قول الحقيقة، بحسب الباحثة في المعهد السويسري للبحث العلمي.
ويبدو أن اقترانا يحدث داخل نصف الدماغ الأيسر بين اللفيف (gyrus ) الجبهي الأوسط واللفيف الجبهي السفلي أثناء الكذب، وقد يعكس الاتصال بين منطقتي الدماغ هاتين -بحسب الباحثة- التنازع على اختيار خطاب خادع أو نزيه.
أما بالنسبة لسلوك التلاعب، فإنه يولد زيادة في الاتصال بين اللفيف الأمامي الأيسر الأوسط والتقاطع الصدغي الأيمن الذي يسمح للشخص بوضع نفسه مكان الآخرين، مما يعني أنه عندما يتلاعب بنا يتقمص رؤيتنا بشكل أكثر فعالية.
وقالت الباحثة إن الكذاب غالبا ما ينتهي لتصديق كذبه ويقتنع به وربما يقنع غيره بأنه يقول الحقيقة، ولكن يمكن أن يؤدي التصوير العصبي الوظيفي إلى رفع الحجاب عن هذه الكذبة المزدوجة للآخرين وللشخص نفسه.
المصدر: لوموند