معادلات عديدة رسمتها المقاومة في حرب تموز 2006 بوجه العدو الاسرائيلي، عبر مفاجآت تنوعت من البر الى البحر وصولا القوة الصاروخية التي طالت العمق الاسرائيلي وبشكل كمي ونوعي متوازن طوال فترة الحرب، بما أرهق الكيان الغاصب وأظهر النفس الطويل للمقاومة وجهوزيتها للذهاب أبعد مما تخيل الصديق قبل العدو.
كل ذلك ساهم برسم المشهد للسنوات التي تلت الحرب بما جعل الاسرائيلي حقيقة يحسب الحسابات الدقيقة لكل فعل او تصرف يقوم به سواء على الاقليم اللبناني أو خارجه، وهذا ما ظهر عدة مرات في كل اعتداء قام به العدو الصهيوني على الاقليم السوري، وكيفية استنفار الصهاينة كل طاقاتهم تحسبا لردود المقاومة.
والعدو اليوم يتابع بدقة طريقة عمل المقاومة وتطور قدراتها العسكرية على صعيد الكفاءات البشرية والتسليحية وارتقاء اسلوب العمل بما يساهم برفع الخبرة القتالية الميدانية للمقاومة، باعتبار ان المقاومين يراكمون اليوم خبرات عديدة في قتالهم الى جانب جيوش منظمة في ظل عمل أسلحة الجو وبتنسيق مع وحدات متعددة على مساحات شاسعة من الاراضي، بالاضافة الى امتلاك المقاومة خبرة القتال في مجموعات غير نظامية وحرب الشوارع التي طالما استخدمت ضد الصهاينة منذ العام 1982 وتمرست بها المقاومة بل طورت اساليبها الى درجة باتت مدرسة في صناعة هذه الاساليب القتالية.
المقاومة.. مراكمة القوة وحماية لبنان
وما تقوم به المقاومة من مراكمة لقوة الردع في مشاركتها في سوريا يؤكد الرابط والصلة بين مواجهة الجماعات الارهابية ومواجهة العدو ويظهر الترابط بينهما، وانهما يشكلان وجهان لعملة واحدة هي استهداف الامة ولبنان، وإن افترضنا جدلا ان لا ترابط عضوياً بين “اسرائيل” والتنظيمات الارهابية إلا ان نفس الهدف يجمعهما وهما يواجهان نفس الخصم الذي تشكل المقاومة رأس حربة فيه، كما ان المقاومة التي آلت على نفسها حماية لبنان هي تفعل ذلك امام كل خطر يتهدده سواء كان اسرائيليا ام تكفيريا وسواء حصل التكامل بينهما والتوافق ام لم يحصل.
ويكفي ملاحظة المواقف الاسرائيلية لمعرفة مدى قيمة حزب الله في المعادلة الحامية للبنان، فكثير من القادة الصهاينة يعتقدون ان “حزب الله يشكل الخطر الاول اليوم على اسرائيل”، بالاضافة الى ان الصهاينة يعترفون بالقدرة الصاروخية الكبيرة للحزب والتي ستحد من قدرات الجيش الاسرائيلي في اي حرب مفترضة.
وبالتأكيد على الاسرائيلي ان يهاب المقاومة في لبنان وقدرتها في العام 2016، فهذا العدو أثبتت التجربة انه بات يعجز عن مواجهة المقاومة الفلسطينية المتواجدة ضمن مساحة جغرافية محدودة ومحاصرة في قطاع غزة، ومع ذلك هذه الفصائل المقاومة وبالاخص التابعة لحركتي “حماس والجهاد الاسلامي” استطاعت تلقين العدو دروسا قاسية خلال اعوام 2008 و2012 و2014، ففي آخر عدوان شنه الصهاينة على غزة في 2014 ردت المقاومة بقصف مدينة تل ابيب.
قلق العدو والتهديد الشامل..
فكيف سيكون الحال في الكيان الغاصب لو واجه الجيش الاسرائيلي مقاومة موجودة في ظروف أفضل من الناحية العملانية والتسليحية واللوجستية وتلقى الدعم الشعبي اللبناني ويساندها الجيش الوطني، ناهيك ان التهديد بضرب تل ابيب هو تهديد قديم عمره 10 سنوات اي خلال حرب تموز 2006 عندما هدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الصهاينة أنهم اذا ضربوا مدينة بيروت فالمقاومة ستضرب مدينة تل ابيب، واليوم تهديد المقاومة بات أشمل واكبر ولم يعد يقتصر على حيفا وما بعدها ولا على تل ابيب بل بات يشمل كل الكيان الغاصب بما فيه من مفاعل نووي وخزانات لمواد خطرة وسامة في حيفا وغيرها، وهذا ما سبق ان أعلنه السيد نصر الله قبل فترة.
ولكن هذا فقط ما هو معلن، فالمقاومة طالما فاجأت العدو خلال السنوات الماضية كما حصل في حرب تموز 2006، ومن يضمن للعدو ان لا تنتظره المفاجآت في اي حرب مقبلة مع المقاومة وهل يمكن لهذا العدو توقع الضربات التي تحضر له وشكلها وأسلوبها؟ كلها أسئلة يجب على العدو القاتل للاطفال والمنتهك للمقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين وللاراضي العربية طوال عشرات السنوات، ان يفتش عن اجوبة لها علّه يسلم من العقاب الرادع الذي ينتظره اذا ما فكر في الاعتداء على لبنان.
بالتأكيد ان هذا الغموض الحاد في اساليب المقاومة هو جزء لا يتجزأ من توازن الرعب والردع الموجود مع العدو، وبالتالي يجب المحافظة عليه بل دعمه والمراكمة عليه يوما بعد يوم، وعلى اللبنانيين المساهمة في تحصين وحماية عناصر القوة التي تعتبر المقاومة أحد اهم أركانها، وعلى اللبنانيين حماية ظهر المقاومة والجيش اللبناني والافتخار ان الردع الحاصل كله صناعة لبنانية والاستثمار فيه للحفاظ على ثروات لبنان المتعددة وسيادته من اي حماقة اسرائيلية.
غرافيكس: وسيم صادر
المصدر: موقع المنار