من أعماق الخلايا إلى أعظم الوظائف الفسيولوجية، هناك قوة هائلة قد أسيء فهمها كثيرا، وهي لا تتوقف عن تنبيهنا، ألا وهي القلق الذي وصفه عالم الغدد الصماء النمساوي هانز سيلي بأنه استجابة الجسم بصورة غير محددة لطلب مقدم إليه.
وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في قسمها العلمي إن هذا التعريف الذي وصف القلق منذ عام 1925 بأنه “متلازمة عامة للتكيف”، يستجيب الجسم عن طريقها بشكل متشابه بغض النظر عن المحفزات التي تسببه؛ قد جعل القلق ينظر إليه خطأ باعتباره أسوأ عدو لنا.
وقال الباحث لوران شاتري -بالمعهد الفرنسي للبحث العلمي والمسؤول عن التصوير المختبري والإستراتيجيات العلاجية لأمراض الدماغ والأورام- إن القلق سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون إيجابيا أو سلبيا، وقد يكون حادا ومزمنا سواء كان جسديا ناتجا عن إصابة، أو عصبيا بسبب تلف الجهاز العصبي، أو نفسيا عائدا إلى عوامل نفسية.
جزيئات القلق
وأوضح الباحث أنه من المعروف في البيولوجيا العصبية أن الدماغ إذا كان يفسر المعلومات باعتبارها خطرا، فإن الجسم ينتج هرمونات مثل الأدرينالين والنورادرينالين والكورتيزول، الذي يقوم بإعداد الدماغ والعضلات والكبد والبنكرياس وضغط الدم ونشاط القلب والجهاز المناعي “للهروب” أو “القتال”.
ولكن ما هو أبعد من ذلك، هو أن القلق يتجسد في داخل خلايانا في جزيئات يوجه لها كثيرا من اللوم، ولكنها مفيدة للغاية لعملية الأكسدة، كالجذور الحرة أو المؤكسدات، أو أنواع الأكسجين التفاعلية، وقد أشير إلى هذه الجزيئات في جميع الأمراض تقريبا. فهل هي سبب أم نتيجة؟
غير أن الأسهل -كما يقول الباحث- هو اعتبارها سببا، وبالتالي أصبحت كبش فداء لمعظم الأمراض، مما جعل الطب يعتقد أنه وجد سلاحه الأقوى لمواجهة القلق، وذلك بمضادات الأكسدة، إلى درجة أن الأمر أصبح سوء فهم رهيبا.
وبما أن الخلايا السرطانية تمتلئ بالأكسجين التفاعلي، فإن الفكرة –حسب الباحث- كانت تتمثل في استخدام مضادات الأكسدة كأدوية مضادة للسرطان، إلا أنه في عام 2011 تبين أن مكملات البيتاكاروتين المضاد للأكسدة قاتلة إذا استعملت بجرعات كبيرة، كما تبين أن مضادات الأكسدة تسهم في إحداث سرطان الرئة وسرطان الجلد.
إعادة تقييم القلق
وقال الباحث إن هذه الاكتشافات كانت بداية لإعادة تقييم كبيرة للقلق ومضادات الأكسدة، حتى تم طرح مفهوم جديد عام 2017، يوضح أن الجزيئات المرتبطة بالإجهاد مجموعة من أربع عائلات من الجزيئات في تفاعل تام.
وقال إن جزيئات القلق هذه لها وظائف مفيدة للغاية، وتؤثر على صحتنا، لأنها تحمينا يوميا، ومن الأمور التي تقوم بها مساعدة جهاز المناعة في مكافحة البكتيريا والشيخوخة، والمشاركة في توسع الأوعية الدموية، وفي الحفاظ على الاستقلاب، ومكافحة السرطان والسكتات الدماغية والنوبات القلبية، والعمل ضد الأمراض والانتكاسات العصبية.
المصدر: لوفيغارو