تلا وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، نص الورقة التي وزعت على المشاركين في الاجتماع الاقتصادي المالي في قصر بعبدا، وفيها:
مقترحات إجراءات إصلاحية أولية لمواجهة الأزمة:
في خضم الواقع الاقتصادي الصعب والدقيق الذي يمر به الوطن ويزداد فيه قلق اللبنانيين، ونظرا للفسحة الضيقة من الوقت قبل تفاقم الأوضاع، نرى أن إمكانيات التغيير ما زالت ممكنة، وهي بمتناول أيدي أصحاب القرار متى توافقوا على السير بإصلاحات بنيوية وجذرية، تواجه الازمة المالية وتضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام وثعمم منافعه على شرائح المجتمع كافة، وتعزز إنتاجية القطاع العام، وتحفز الاستثمار الخاص على حساب الريع، وتؤمن الحماية الاجتماعية وفرص العمل والابتكار.
نرفع هذه الورقة المتضمنة توصيفا لبعض الوقائع، واقتراحات أولية عاجلة لمعالجة الأزمة.
نواجه اليوم الوقائع التالية:
– عجز في المالية العامة وصلت قيمته إلى 6,25 مليار دولار عام 2018 (11,1% من إجمالي الناتج المحلي)، ويؤمل تخفيضه وفق موازنة عام 2019 إلى حوالي 4,5 مليار دولار (7,6% من إجمالي الناتج المحلي)، على صعوبة ذلك.
– عجز في الميزان التجاري وصل إلى 16,65 مليار دولار عام 2018 مقابل 15,87 مليار دولار عام 2017.
– زيادة في عجز الحساب الجاري الخارجي من 8,54 مليار دولار عام 2015 إلى 12,44 مليار دولار لعام 2018.
وقد ترافق هذان العجزان التوأمان (Deficits Twin) في المالية العامة وفي الحساب الجاري الخارجي مع:
– تراجع في حجم التدفقات المالية من الخارج، وزيادة صعوبة تمويل الدولة بالعملات الاجنبية.
– إستمرار الضمور في حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة (FDIs).
– إرتفاع مطرد في حجم الدين العام الذي تجاوزت نسبته 150% من إجمالي الناتج المحلي.
– إرتفاع أسعار الفائدة وانعكاسه السلبي على خدمة الدين العام وعلى الاقتصاد والاستثمار.
– معدل نمو حقيقي ضعيف، وقد يكون سلبيا في العام 2019 حسب بعض التقديرات.
أدى ذلك إلى تناقص تراكمي في صافي الموجودات الخارجية (عجز متواصل في ميزان المدفوعات منذ العام 2011) وهذا مصدر قلق كبير من النموذج الحالي للاقتصاد اللبناني الذي يعتمد بدرجة كبيرة في تمويله، على التدفقات الآتية من الخارج والذي يتسم بنسبة استهلاك أعلى، من إجمالي الناتج المحلي، في ظل مساهمة متدنية ومتراجعة لقطاعات الانتاج، في تكوين الناتج المحلي وتزايد في الهجرة والبطالة، لا سيما لدى الشباب والمتعلمين، وتفاوت في توزيع الثروة والدخل، وغياب نظام ضريبي محفز للنمو.
تفرض هذه الوقائع مقاربة الأزمة الراهنة من منظور بنيوي شامل وغير تقليدي تهدف الى اجراءات تحقق التالي:
– تصحيح المالية العامة وضبط الدين العام.
– معالجة الخلل في الحساب الجاري الخارجي.
– بناء اقتصاد منتج تنافسي واحتوائي، يحقق نموا مستداما بمعدلات مرتفعة.
وهذا يحتاج إلى قرار سياسي موحد، وخطة وطنية صارمة وعاجلة لمكافحة الفساد والهدر وإصلاح الادارة العامة، وحوكمة رشيدة، وتضامن قوى الإنتاج حول مشروع انقاذي يفتح أفاقا جديدة على الصعد المالية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهة الأزمة، كل ذلك برعاية فخامة رئيس الجمهورية، الذي دعا في بداية عهده إلى “حماية الليرة بالإنتاج لا بالدين”.
في هذا السياق، نقترح خطوطا عريضة متكاملة ومتزامنة لبرنامج عمل أولي يمتد على ثلاث سنوات (2020 – 2022)، ويتضمن إجراءات تطبيقية كالتالي:
أولا: في السياسة المالية:
– البت بحسابات الدولة النهائية ضمن المهلة المحددة في القانون، مع الإصرار على ديوان المحاسبة، لإنجاز قطوع الحسابات غير المنجزة.
– إعداد مشروع موازنة عام 2020 وإقرارها ضمن المهل الدستورية والقانونية، على أن تكون موازنة شاملة تتضمن إطارا ماليا واقتصاديا متوسط الأمد، إضافة الى كل نفقات الدولة وإيراداتها، بما فيها كل إنفاق من خارجها.
– تخفيض العجز المالي المحقق الى نسبة 6,5%، من إجمالي الناتج المحلي، كحد أقصى عام 2020، على أن يستكمل خلال الأعوام اللاحقة لخفضه تدريجيا، حتى يصل إلى نسبة 4%، على الأكثر بحلول العام 2022.
ويكون ذلك من خلال خفض الإنفاق الجاري، لا سيما العجز الناتج عن الكهرباء، والمساهمات والمساعدات خارج القطاع العام، والمواد والخدمات الاستهلاكية في الموازنة وخدمة الدين العام، ويتحقق أيضا عبر زيادة الايرادات من خلال تحسين الجباية ومكافحة التهرب الضرببي، وخصوصا من المكتومين، ومكافحة التهريب الجمركي والإثراء غير المشروع، وإصلاح النظام الضريبي، وتحصيل المتأخرات المتراكمة على المكلفين.
– اعتماد سياسة الموازنة المتوازنة بين الايرادات العامة العادية والنفقات العامة، باستثناء النفقات الاستثمارية، وذلك بصورة تدريجية وصولا الى التوازن التام في العام 2022.
– الالتزام بسقف لتحويلات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان، لا يتجاوز 1500 مليار ليرة لبنانية، في العام 2020، كما التأكيد على ننفيذ وزارة الطاقة والمياه لخطتها، مع التشدد في تحصيل المتأخرات خلال مدة ستة أشهر ومن خلال خفض الهدر التقني والفني وزيادة الطاقة الإنتاجية.
– إجراء مناقصات عمومية عالمية لشراء المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان، ضمن دفتر شروط متكامل، يعتمد أعلى معايير الشفافية.
– رفع حصة المشاريع الاستثمارية الممولة، من خلال قروض خارجية ميسرة بعد دراسة جدواها المالية، أو بالاشتراك مع القطاع الخاص، وذلك من مجمل النفقات الاستثمارية العامة.
– تجميد زيادة الرواتب والأجور، لمدة ثلاث سنوات، مع الإحتفاظ بحقوق الموظفين في القطاع العام وبدرجاتهم، التي يستوفونها لاحقا.
– تشكيل لجنة لإصلاح النظام التقاعدي ونهاية الخدمة في القطاع العام، خلال فترة سنة.
– زيادة الحسومات التقاعدية من 6% الى 7% للعاملين في القطاع العام.
– زيادة الرسوم على السجائر بمعدل 500 ليرة لبنانية، لعلبة السجائر من الإنتاج الوطني، و 1000 ليرة لبنانية، لعلبة الدخان المستورد.
– ملء الشواغر في ديوان المحاسبة، بدءا من رؤساء الغرف، وتفعيل دوره في الرقابة اللاحقة ضمن المهل القانونية.
– اعتماد ثلاثة معدلات للضريبة على القيمة المضافة VAT كما يلي:
– صفر بالمئة على السلع المعفاة حاليا.
– 11% على السلع غير المعفاة والمعتبرة من غير الكماليات.
– 15% على السلع المعتبرة من الكماليات على أن تحدد هذه السلع الكمالية لاحقا، مع إمكانية زيادة النسبة بعد ثلاث سنوات.
– وضع حد أدنى وحد أقصى لأسعار البنزين، بما يضمن حقوق الدولة وحماية المستهلك.
– زيادة الضريبة على دخل الفوائد من 10% ال 11%، وجعلها دائمه.
– إعادة النظر بالنظام الضرببي عموما ليصبح أكثر كفاءة ومساواة، بدءا من إقرار الضريبة الموحدة التصاعدية على الدخل.
– فرض ضرائب أرباح مرتفعة على الامتيازات والأنشطة المضرة بالبيئة وعلى الاحتكارات، ومراجعة كل الإعفاءات الضريبية وإعادة ربطها بأهداف دعم الإنتاج والعمل والابتكار والمساواة وحماية البيئة والصحة العامة وغيرها.
– استكمال العمل على لجم التهرب الضريبي ومواصلة خطة مكافحة التهريب، وتوحيد قواعد المعلومات والبيانات، بين وزارة المالية والضمان الاجتماعي، وامكانية الولوج المتبادلة بينهما.
– إعادة النظر بتخمين الأملاك العمومية البحرية، واتخاذ الاجراءات القانونية لتحصيل أموالها، إضافة الى إخضاع هذه الأملاك للضريبة على الأملاك المبنية.
– القيام بإصلاح جذري وفوري للمؤسسات والمجالس والهيئات العامة، وتشديد الرقابة عليها، بما في ذلك عمليات التلزيم والتوظيف.
– تشديد الرقابة على كل مؤسسة تستفيد من المال العام، بما في ذلك الهيئات التي لا تتوخى الربح، وتلك التي تستفيد من عطاءات خاصة.
– العمل على تقليص حجم الدين العام، من خلال اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) ضمن مناقصات تتسم بالشفافية، ودفاتر شروط تضمن حقوق الدولة والمنافسة المشروعة ومصلحة المواطنين، وتشركة مؤسسات عامة ذات طابع تجاري، وهيئات غير استراتيجية، تمهيدا لطرح نسبة من أسهمها للجمهور، لا تقل عن 35%، مع تحديد سقف 1%، من هذه الاسهم لكل مكتتب.
– التعاون بين وزارة المال ومصرف لبنان، من أجل تحسين إدارة السيولة والدين العام ومن أجل تخفيض تدريجي لمعدلات الفوائد، كما التفاهم بين وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف التجارية، لخفض خدمة الدين العام بالتوازي مع الإصلاحات المالية
والاقتصادية، على أن يكون هذا الخفض ملموسا وجديا، ومساهما مع الاجراءات الأخرى في الحد من الاتجاه التصاعدي للدين العام.
– التنسيق بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، لما فيه مصلحة الاقتصاد بشكل عام ودعم الانتاج بشكل خاص.
– اعتماد المكننة (e-government) في إدارات الدولة وتطويرها.
ثانيا: في السياسة الاقتصادية:
تحفيز زيادة الإنتاج (سلعا وخدمات) من خلال سلسلة إجراءات تقود إلى نموذج اقتصادي مؤنسن يرتكز على ما يلي:
– تطوير إنتاج السلع والخدمات ذات القيمة المضافة العالية مع الحرص على حماية البيئة وتكريس احترامها.
– اعتماد التكنولوجيا بشكل مكثف ومطرد في مختلف المجالات.
– تحفيز مشاركة النساء بفاعلية في النشاط الاقتصادي.
– خلق فرص عمل جديدة للبنانيين عموما والشباب بشكل خاص.
وفي هذا اإطار يجب العمل على تنفيذ الخطوات التالية:
– الإسراع في مناقشة دراسة “ماكينزي” بما يخدم تعزيز قطاعات الإنتاج، وإقرار الأولويات الواجب المباشرة باعتمادها في الزراعة والصناعة والسياحة واقتصاد المعرفة والقطاع المالي.
– إصلاح نظام الدعم، لا سيما القروض المدعومة التي يجب إعادة النظر فيها حفاظا على المال العام، وذلك وفق معايير محددة، تربط الدعم بالقيمة المضافة المنتجة وعدد الوظائف ومستوى الأجور، لا سيما العمالة الماهرة.
– المباشرة بتنفيذ المشاريع الضرورية من برنامج الاستثمارات العامة (سيدر)، ضمن الأولويات والمعايير التي سيتفق عليها، ومع الأخذ بعين الاعتبار جدواها المالية والاقتصادية والاجتماعية، وانجاز خطة الكهرباء ومشاريع الصرف الصحي، لما لهذا الإنفاق الاستثماري من تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل.
– إقرار خطة مستدامة لإدارة النفايات الصلبة.
– إقرار نظام نقل عام متطور وواسع الاستخدام، يخفف أزمات السير والتلوث والفاتورة الصحية وفاتورة استيراد المحروقات، وعدد آليات النقل، عبر شبكة طرق محدثة وقطارات وباصات وترامواي، وعبر النقل البحري والنقل الجوي.
– وضع الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية موضع التنفيذ وجعلها، بعد تحديثها، إلزامية وليس فقط إرشادية (مرسوم رقم 2366 تاريخ 20/6/2009).
– تفعيل مؤسسة إيدال IDAL بما يحقق أهداف لبنان الاستثمارية.
– إقرار قانون حديث ومتطور للصفقات العمومية بأسرع وقت، ووضعه فورا موضع التنفيذ.
– إنجاز الشباك الموحد (Shop Stop one) في الاستيراد والتصدير بأسرع وقت، إنفاذا لما تم إقراره.
– اتخاد الإجراءات الرامية إلى تطوير الأسواق المالية.
– العمل على تطوير قطاع التامين ليأخذ دوره في الاقتصاد اللبناني أسوة بقطاع المصارف.
– إنجاز مشروع قانون الشركات المتناهية الصغر، الصغيرة والمتوسطة، تمهيدا لإحالته الى المجلس النيابي لإقراره.
– إقرار مشاريع القوانين المحالة إلى مجلس النواب، لا سيما:
. مشروع قانون المنافسة لتفكيك الاحتكارات المقنعة والواضحة.
. مشروع قانون حماية المؤشرات الجغرافية (زراعة، صناعات غذائية)
. مشروع قانون إنشاء وكالة تنمية الصادرات اللبنانية، المحال عام 2017 من الحكومة إلى مجلس النواب.
. مشاريع قوانين عائدة لحماية الملكية الأدبية والفنية.
. مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة.
ثالثا: معالجة الخلل في الحساب الجاري الخارجي، وبالتالي في ميزان المدفوعات:
كما ذكرنا سابقا، فإن العجز في الحساب الجاري الخارجي يبلغ حوالي 12,44 مليار دولار، ما يوازي 21% من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة عالية، يفترض العمل على تخفيضها تدريجيا، لتصل إلى ما دون 15% في العام 2022.
إن هذا التخفيض يستدعي تحقيق كل ما ذكر آنفا، لا سيما:
– التركيز فورا على تصدير الخدمات التي يتمتع بها لبنان بمزايا تنافسية، ولا سيما التعليم والصحة والسياحة والتكنولوجيا (خاصة البرامج والتطبيقات).
– تشجيع الصادرات من خلال آليات دعم وحماية واضحة ومحددة وهادفة.
– تأمين الجو السياسي الملائم والمستقر، الذي يحد من التحويلات إلى الخارج، ويشجع الاستثمارات الخار جية المباشرة، ويحفز على جذب الرساميل الأجنبية.
– تسريع عمليات التشركة في مشاريع البنى التحتية لاستقطاب الأموال.
– متابعة تطبيق المواد الواردة في اتفاقيات التجارة التي انضم إليها لبنان، ولا سيما، اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي واتفاقية التيسير العربية، التي تسمح بمكافحة الإغراق وبالمعاملة بالمثل وحماية الانتاج المحلي، ومعالجة الاختلال الحاد في ميزان المدفوعات.
رابعا: في السياسة الاجتماعية:
– توفير الحماية لشرائح المجتمع كافة عبر:
– إقرار نظام تقاعد وحماية اجتماعية لجميع اللبنانيين العاملين في لبنان، وذلك في غضون ستة أشهر الى سنة، مع تأمين الإيرادات اللازمة لتغطية كلفته.
– إقرار نظام التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانبين المقيمين في لبنان بدءا من البطاقة الصحية الموحدة، وتأمين تمويله من الموازنة، بدلا من الاشتراكات، مما يحفز الاستثمار وخلق فرص العمل النظامية ويخفف الكلفة من خلال معالجة تشتت أنظمة الضمان، وذلك قبل نهاية عام 2020.
– إستكمال مكننة جميع عمليات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتحديث أنظمته وتفعيل أجهزة الرقابة المعنية.
– وضع سياسة إسكانية، تقوم على مبدأ الحق بالسكن، ولا تقتصر على تشجيع التملك.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام