في يوم الثامن عشر من ذي الحجة الذي هو يوم عيد الغدير نتقّدم من إمام العصر والزمان (عج) ومن ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامئني ومن جميع القراء الكرام بأحر التهاني والتبريكات بهذا العيد المبارك.
لكن ما هو عيد الغدير؟ ولماذا هو عيد الله الاكبر ؟ وما هي اهميته؟
– غديرخم
بعد ان أتمّ النبي محمد (ص) مناسك الحج (حجة الوداع) رجع إلى المدينة وكان معه عدد كبير من المسلمين، فوصل في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة إلى منطقة تدعى “غدير- خم” ، وتقع في مفترق طرق، وقبل تفرّق الحجاج إلى بلدانهم نزلت عليه آية التبليغ المتمثّلة بتعيين الإمام والخليفة من بعده، فأمر الناس بتجهيز مقدّمات ذلك الأمر مثل الإعلان بتريّث الحجّاج وتوقّفهم في ذلك المكان، وأمر بإرجاع الّذين سبقوا الآخرين بالذهاب وإيقاف القادمين، حتى تجمّع عدد غفير من الحجاج.
فأمر النبيّ (ص) الحجاج أن يصنعوا له منبراً من أحداج الإبل حتى يراه الحاضرون جميعاً، ويسمعون كلامه، فارتقى النبيّ ذاك المنبر وخطب الناس خطبة غرّاء وقال فيما قاله: أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ – ثلاثا- وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف، ثم رفع يد علي (ع) وقال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله… ثم قال: فليبلّغ الحاضر الغائب.
وبعد هذا البلاغ والإعلان، نزلت الآية المباركة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾
فطفق القوم يهنئون أمير المؤمنين (ع) ، كلٌ يقول: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
ثم جلس (ص) في خيمته وأمر علياً (ع) أن يجلس في خيمة له بإزائه، وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنئوه بالمقام، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم.
– عيد الغدير في الأحاديث
ورد في بعض مصادر العامة: من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له “صيام ستين شهرا” وهو يوم غدير خم.
وعن رسول الله (ص) أنّه قال: يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب (ع)عَلماً لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً
وعن الإمام الصادق (ع) انّه قال: أَعظم الاعياد وأَشرفها يومُ الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة وهو اليوم الَّذي أَقام فيه رسول اللَّه (ص) أَميرَ المؤمنين (ع) ونصبهُ للنَّاس علماً.
وعن الامام الرضا (ع) في بيان قيمة ذلك اليوم: إِنَّ يومَ الغدير في السَّماءِ أَشهرُ منهُ في الأَرضِ… واللَّه لو عرف النَّاسُ فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهمُ الملائكةُ في كلِّ يوم عشر مرَّات.
– عظمة يوم الغدير
لقد اكتسب يوم الغدير عظمةً من الحدث العظيم الذي وقع فيه، واتّخذ طابعاً دينيّاً؛ لِمَا لذلك الحدث من ارتباط وثيق بالدين، وقد أكمل الله تعالى دينه فيه، وأتمَّ نعمته على المؤمنين.
لا شكّ في أنّ الشريعة قد اكتملت وتمّ تبليغها من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّ حفظ الرسالة واستيعاب تفاصيلها كلّها على مرّ العصور والأزمان، أمرٌ عسيرٌ جدّاً بالنسبة إلى عوامّ الناس، فكان لا بدّ من اعتماد أفراد مخصوصين؛ كي يرجع إليهم الناس في كلّ عصر، وهؤلاء هم الأئمّة الهُداة عليهم السلام، موازين الحقّ والعدل، ومعادن الحكمة والعلم.
ولا شكّ في أنّه لا يمكن أن يُترك أمر اختيار هؤلاء الأئمّة وتعيينهم إلى الناس أو إلى الظروف؛ لأنّ الإمام سيكون ميزان الحقّ، وميزان الحقّ يفترض به أن يكون من الدقّة بحيث لا يمكن أن يفارق الحقّ، ولا أنْ يحيد عنه. وهذا يعني أنّه لا بدّ من أن يكون معصوماً؛ من أجل ذلك، حرص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إعداد الإمام عليه السلام من بعده منذ اللحظات الأولى لنزول الوحي، وتحمّله أمانة النبوّة ومهمّة تبليغ الرسالة. وقد ظهر هذا الاهتمام جليّاً في أوّل اجتماع عقده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله تعالى لدعوة عشيرته الأقربين، حيث سألهم السؤال المشهور: “فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم”، فلم يلبِّ نداءه غير عليّ عليه السلام الذي فاز بالشرف العظيم منذ تلك اللحظات.
– تعيين الإمام بالتنصيب الإلهيّ
ونظراً إلى أهمّيّة الوصاية وخطورة الإمامة، جعل الله تعالى النصّ على عليّ عليه السلام بالإمامة والخلافة ركناً أساسيّاً في تبليغ الرسالة، بحيث يكون الإخلال به إخلالاً بتبليغ الرسالة، فقد روي -مستفيضاً- نزول آية التبليغ في هذا الشأن. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 67). وهذه الآية قد نزلت في آخر سنة من حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حين كان في حجّة الوداع، وذلك بعد أن كان قد بلّغ الناس كلّ ما نزل عليه من القرآن الكريم ومن الأحكام الشرعيّة، فجاءه الأمر الإلهيّ بوجوب تبليغ أمر مهمّ يعادل تبليغُه الرسالةَ بتمامها، وتركه تبليغه يعادل ترك تبليغها بتمامها، ولم يكن ذلك الأمر سوى الولاية التي أعلنها يوم الغدير في طريق العودة من حجّة الوداع؛ إذ جمع الناس الذين كانوا يُعدّون بعشرات الآلاف، وأمر بإرجاع المتقدّم منهم وانتظار المتأخّر، وقام فيهم خطيباً، فنعى نفسه إليهم، ورفع عليّاً عليه السلام ليراه جميع الناس وأخذ بيده، وقال: “فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه كيفما دار”. بعد هذا البلاغ والإعلان، نزلت الآية المباركة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (المائدة: 3).
المصدر: موقع المنار