أمين أبوراشد
ليست الأحزاب السياسية بِدعَةً أو ترفاً، بل هي “كودرة” للمجموعات المؤمنة بقضية وطنية ضمن هيكلٍ سياسي، سواء كان حزباً أو تياراً أو منتدى، والقول بتفجير الطوائف من الداخل لتنبثق منها أحزاب، ليس سوى ترجمة للقِيَم الدينية والإنسانية في التطبيق، تماماً كما هي القوانين الوضعية المدنية التي تُترجِم هذه القِيَم الى ما هو عملي وواقعي، ويتواءم مع تفاصيل متطلبات أي مجتمع.
لكننا في لبنان ومع وجود تعدُّدية حزبية ناتجة عن حُرِّية الخيارات، نجِد للأسف تحرراً لدى البعض من الضوابط، لأن من بديهيات الإلتزام الحزبي أن تكون التوجيهات صادرة عن القيادة الواحدة التي تستلهِم نبض الناس والمصلحة الوطنية العُليا في إدارة الشأن الحزبي، وأن نرفع الوطن لناحية الاداء السياسي والتخاطبي عن قارعة الطريق ومِن على أرصفة الشوارع، ونرتقي الى الأدبيات في التخاطب، لأن ما يحصل حالياً ليس ممارسة حزبية ولا تفاعلاً لِجمعِ الناس في ساحة الوطن بدلاً من متاريس الزواريب.
مشكلتنا الوطنية، أننا ليس بالضرورة أن نكون في الشارع لِنتخاطب بلٌغة الشارع، لأن بعض الإعلام يحمِل الشارع الى بيوتنا، ومواقع التواصل، بدل أن تكون للتواصل، باتت مساحات للعنتريات والإنتصارات الوهمية، وبات البعض ينتظر تغريدة “زعيم” وتغريدة مُضادة من “زعيم” آخر، لتشتعل جبهة السجالات التي تتتخطى المقبول والمعقول، ولا تهدأ سوى بتغريدات جديدة من “الزعماء” تدعو الى التهدئة، ويسعى كل جمهورٍ الى لملمة “اسلحة المعركة” ولملمة الخيبة.
لسنا نعتقد أن هناك مناسبة أكثر وهجاً من شمس تموز، لِنواجه الشمس ولِنعترف، أننا بعد مضي ثلاثة عشر عاماً على كسر رأس العدوان الصهيوني وتحقيق النصر العظيم، لم يسعَ البعض منا الى قطف ثمار ما حققناه بدماء شهدائنا لنستحق وطناً استثنائياً في محيطه والعالم، ونحن لا ننتشي من هذا النصر، لأن الحفاظ على مكتسباته أهم بكثير من تحقيقه.
وبناء عليه، ومع احترامنا للتنوُّع القائم عليه الكيان الوطني اللبناني، سواء كان طائفياً أو سياسياً، وكي نجعل من الحياة الحزبية ساحة حوارٍ تحكمها الأدبيات الإنسانية البديهية، فعلى بعض الأحزاب أن تتنبَّه الى الورطة التي هي فيها، من خلال تعدُّد المتحدِّثين بإسمها، و”الفاتِحِين على حسابهم” بِمُعزلٍ عن القيادة الحزبية أو بإيعازٍ منها، لأن كثرة الأبواق هي كما الجعجعة بلا طحين، وحوار طرشان في زواريب ضيقة لا تليق بـ “وطن تموز”.
لا تُقاس الأحزاب فقط بحجمها الشعبي، بل بالمدرسة الثقافية التوجيهية أولاً، وبالتمحوُر حول القضية الأساسية ثانياً، وبالعمل من أجل التفاعُل والتكامُل مع الشريك في الوطن ثالثاً، وهذا ما لا يُمكن أن يتحقق سوى بالإنضباط لدى كل حزب تحت راية قيادته، وبدل أن نُحمِّل وسائل الإعلام كل تبَعات تسميم الأجواء الوطنية، علينا أن نعترف، بأننا في عصر حُرِّية تأسيس محطة إعلامية في عقلِ كل مواطن، وأن كل صفحة تواصل إجتماعي يٌمكن لها أن تكون جريدةً وإذاعةً وشاشةً للبث، وما على كل لبناني يمتلك الضمير، سوى أن يلتزم أدبيات قيادته الحزبية إذا كان حزبياً مُلتزِماً، أو بديهيات المُخاطبة الإنسانية مع الآخر إذا كان مستقلاً عن الإنتماء الحزبي، ولأن التعويل هو على الأحزاب السياسية لبناء الهيكل الوطني، فما على قيادات الأحزاب سوى المراجعة المُستدامة للأداء العام، لنَرفع الوطن من على الأرصفة وقارعة الطريق…
المصدر: موقع المنار