آخر جلسات الحوار الوطني اللبناني في عين التينة، أنتجت إتفاقاً على تأليف لجنة مصغَّرة تمثِّل جميع أطراف الحوار، ويُعلن عنها في الجلسة المقبلة، وتكون مهمتها البحث في خريطة طريق لتشكيل مجلس الشيوخ والبحث في قانون الانتخاب، في محاولةٍ لترميم الطائف وإصلاح بنيانه المتداعي، ربما لأن بناء “طائف” جديد هو من الممنوعات، ويستلزم ما اتُّفِقَ على تسميته بالمؤتمر التأسيسي.
ولأن أيّ طائفٍ جديد للبنان يلزمه مؤتمر تأسيسي، تبدأ العُقدة في الشكليات: من سيحضَر هذا المؤتمر، وأية قاعدة تمثيل في هذا المؤتمر سوف تُعتمد؟
وقد تكون المعايير الأكثر عدالة هي نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة، على أن يكون الفرقاء الأكثر تمثيلاً للشعب اللبناني “بلدياً” هم على رأس طاولة المؤتمر التأسيسي، وفي آخر الطاولة يجب أن يجلِس الخاسرون، خاسرون ولكنهم شركاء، شركاء ولكنهم لا يمثِّلون ربما أكثر من أنفسهم، ومن فشِل في تحقيق إنجازات بلدية مع ما للإنتخابات البلدية من تماسٍ مع آراء الناس، فهو غير قادرٍ على المبالغة في الإدعاء بأنه شريك أكبر من حجمه.
طائفٌ جديد هو ممنوع، وأي بحثٍ في استيلاده، كما الجبل الذي يتمخَّض ليلِد فأراً، والمشكلة في لبنان باتت في صحَّة التمثيل، وليس من العدل أن تتساوى الآراء على الطاولة بين من يمثِّل جماهيرية واسعة على امتداد وطن وبين من فشِل في بلدية ويدَّعي أنه يمثِّل جمهوراً عريضاً، وما الجدوى من إقرار مجلس للشيوخ لإرضاء طائفة كريمة وإرضاء خاطر “الطائف” الحالي، طالما أن كل المجالس في لبنان مشلولة، وطالما أن الفريق المهزوم شعبياً وسياسياً وحزبياً لا يعترف بحجمه الجديد، وحيثيته الوحيدة حالياً أن في جيبه نواباً مُصادرين يُحارب بهم وسيُحارب حتى العام 2017، وحتى آخر نائب!
لا طائل من حوار مع طواويس، قبل أن تعود الطواويس الى واقع الأرض التي انطلقت منها، لتقرأ مدى أحقيتها في تمثيل تطلعات جماهيرها في أي “طائف” جديد، قبل أن تُجالس الشركاء وتطرح مَطَالباً، وها هو الوزير المستقيل أشرف ريفي قد أعلن بعد نتائج بلدية طرابلس، أن بعض الفرقاء لم يعودوا يمثلون طرابلس على طاولة الحوار فكيف بالحري في مؤتمر تأسيسي.
وكما أن أي “طائف” جديد هو حُكماً ضمن الممنوعات في الوقت الحاضر، ولا مؤتمر تأسيسي بلا نواب تُنتجهم انتخابات جديدة وينالون تفويض الشعب، فإن “دوحة” تُنتج رئيس جمهورية هي مستحيلة، لأن “دوحة” الماضي كانت مبنية على أرضية توازن لبناني برعاية خارجية ومعطياتها اليوم غير موجودة، فلا الأرض اليوم هي كما كانت في السابق ولا لبنان الشعبي يقبل برعاية خارجية أمعنت نحراً بأمنه وأمن سوريا الى حدود تهديد المصير.
ليست “الدوحة” الجديدة مطلوبة فقط لإنتخاب رئيس، بل هي سلة كاملة وغير منقوصة، تطرح كل الأمور العالقة وأهمهما “مرافق الرئيس” الذي سوف يسكن السراي، ولا يبدو أن التفاهمات قد نضُجت، طالما أن البعض لم يؤمن بعد أن المقاومة واجبة الوجود لبقاء الوطن اللبناني عزيزاً كريماً مُصاناً، من أخطار العنصري القابع على الحدود مع الجنوب، أو التكفيري الذي يهدِّد كل يوم مصير لبنان، كل لبنان.
في نتائج البلديات كانت كلمة الشعب، منها يجب أن ينطلق أي طائف أو أي مؤتمر تأسيسي أو أية دوحة، وعلى المُكابرين قبل أن يجلسوا الى طاولة الحوار أن يعترفوا بالحجم الجديد لتمثيلهم وإلا، فلينتظروا العام 2017، ولتقل الإنتخابات النيابية كلمتها، ومن سيخسر أكثر في النيابة كما خسر في البلدية فليترك الكلمة لممثلي الشعب الحقيقيين وليكُن طائف يريده الشعب لوطنٍ نهائي، ولتكُن دوحة تُنتج رئيساً ورئيس حكومة والسلام ….
المصدر: موقع المنار