ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم السبت 15 حزيران 2019 على الاستحقاقات الداخلية التي يواجهها لبنان، والتي تبدو موزّعة على أزمتين كبيرتين: الاولى كيفية مقاربة ملف التعيينات في المراكز الأولى في الدولة، خصوصاً في المناصب الأمنية والقضائية… و الثانية يواجهها مجلس النواب مع تقدّم لجنة المال والموازنة في مناقشاتها لبنود الواردات والإنفاق في مشروع الموازنة، وكيفية مقاربتها بشكل لا يتسبب بزيادة نسبة العجز .
* الاخبار
معادلات ما بعد «خليج عُمان»: خيارات واشنطن ضيّقة في «الردّ» على طهران
حتى ليل أمس، بدت مواقف واشنطن، وهي تعكف على تحضير ردّها، أقل من توقّعات الرؤوس الحامية في المنطقة ومحكومة بضيق الخيارات. ولئن ينذر تبنّي الإدارة الأميركية إن حصل للمعلومات حول محاولة إيرانية لقصف طائرة أميركية قبيل هجوم خليج عُمان، بتصعيد أبعد في خطورته من ضرب ناقلتَي نفط، فإن عودة الهدوء إلى الإقليم ما بعد هجوم خليج عمان تبدو مهمّة مستحيلة.
خمدت الحرائق في «فرنت ألتير»، فيما عمليات تبريدها «مستمرّة والناقلة مستقرّة» وفق ما أفادت به شركة «فرنتلاين» النرويجية. لكن الحال في الإقليم بعد عملية خليج عمان ليست مشابهةً البتّة لمصير إحدى ناقلتي النفط العملاقتين المستهدفتين. عملية لم تكن الأولى وربما لن تكون الأخيرة، منذ استعار الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران، لكن لا شك في أنها كانت الأخطر بين المحطات الأمنية الممزوجة برسائل سياسية والمفتوحة على غابة من الاحتمالات والتأويلات. أياً يكن مدبّر عملية خليج عمان، فإنه نجح في إحالة المشهد الإقليمي إلى لعبة أشد خطورة لم يعد ممكناً الإمساك بقواعد مضبوطة لها بكل بساطة. تحرص طهران على نفي الاتهامات المرفقة أميركياً هذه المرة بأدلّة شكّك فيها كثيرون، على رغم أن الإيرانيين لا يتناهون عن الاستفادة من واقع الاهتزاز الأمني للضغط باتجاه تراجع الأميركيين الذين تحمّلهم طهران مسؤولية تفجير الأوضاع من خلال «الحرب الاقتصادية»، وصوب التهدئة إقليمياً عبر فصل المسارين الخليجي والأميركي من بوابة مبادرة توقيع معاهدة «عدم اعتداء» بين ضفتَي الخليج، يبدو واضحاً أن الرياض ليست في صدد الاستجابة لها. النأي الإيراني الرسمي عن المسؤولية وراء سلسلة العمليات الأمنية لا يقنع خصوم طهران، وكذلك بعض أصدقائها، مِمَن يرى المبرّر لردّ الفعل الإيراني الناجع، في وقت لا يتوقّع فيه أحد تبني أنشطة مماثلة بطبيعة الحال، رغم كثرة القائلين، سواء في طهران أو واشنطن، بالانعكاس السلبي لهذه الأعمال على مصالح إيران في مفاوضاتها مع الأوروبيين، وفرضية علاقة المتحمّسين (تل أبيب والرياض وصقور الإدارة بقيادة جون بولتون) لخوض الولايات المتحدة مواجهة عسكرية لا ترغب فيها إدارتها في الوقت الحالي.
لكن، وفي حال ضلوع طهران في الهجمات، فإن الأخيرة تكون قد حقّقت جملة أهداف، ليس بينها إعطاء الذرائع للحرب وإشعال فتيلها كما يروّج البعض، إنما على العكس تماماً، إفهام الجميع أن الحرب ستكون مكلفة وصعبة، ابتداء من الأثمان الاقتصادية لها، وصولاً إلى النتائج العسكرية والأمنية والسياسية. وبالعوائد المباشرة في سياق ما أطلق عليه المرشد علي خامنئي مرحلة «حرب الإرادات»، فإن العمليات في الخليج ترسّخ ضريبة مقابلة لآثار العقوبات، بدأت تتّضح من خلال رفع أسعار النفط، التي يتوقّع البعض أن تستمرّ في الصعود رغم إعلان الرياض أمس أنها ملتزمة رفع إنتاجها استجابة للطلب الأميركي بتعويض إمدادات الطاقة الإيرانية حتى لا ترتفع الأسعار. وعدم ارتفاع الأسعار كان أمراً متوقّعاً قبل الاضطراب الأمني نتيجة قدرة السعودية على زيادة الإنتاج، في وقت لا ترضى فيه إيران بأن يكون حصارها بلا ثمن. ورغم عدم تلمّس الأسواق ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، ثمة مؤشرات أولية على تأثيرات محتملة قادمة، كإعلان شركات التأمين البحري أمس رفع تكاليفها على السفن التي تمرّ عبر المنطقة (يعبر منها 30 % من الخام المنقول بحراً) بنسبة 10 % على الأقل قابلة للارتفاع في ظلّ الاضطرابات التي لم يشعر بها هذا القطاع منذ عام 2003.
«سي أن أن»:
طائرة أميركية
تعرّضت قبيل
الهجوم لقصف
إيراني بصاروخ
أرض جو
وأمس، انقسمت ردات الفعل تجاه ضرب الناقلتين العملاقتين، بين مواكب لواشنطن في اتهامها لطهران، كالسعودية وبريطانيا، وآخر متريّث، كالكويت وألمانيا، لكن يبقى الأهم رد الفعل الأميركي في مقبل الأيام.
لم تؤكد الولايات المتحدة أو تنفي بعد ما نقلته شبكة «سي أن أن» عن مصدر أميركي «رسمي» من أن طائرة أميركية بلا طيار تعرّضت قبيل هجوم خليج عمان لقصف إيراني بصاروخ أرض جو أخطأها، بعدما لاحظت الطائرة الزوارق العسكرية الإيرانية تقترب من الناقلتين. ولئن أوحى نشر الجيش الأميركي سريعاً فيديو التقطته طائرة تابعة له لما قال إنه عملية نزع لغم لم ينفجر عن إحدى السفينتين من قِبَل قارب إيراني، بأن الأميركيين عازمون على التصعيد هذه المرة، فإن مواقف الرئيس دونالد ترامب لم تشِ بتوجّه مماثل. تصريحات الأخير بدت متمهّلة، ولم تشر إلى خيار واضح، مع قول ترامب رداً على سؤال حول كيفية التعامل مع إيران ومنع تكرار مثل تلك الحوادث: «سنرى ما سيحدث»، رغم اتهامه طهران بالهجوم وقوله: «إيران فعلتها… أعتقد أنهم لم يريدوا الدليل الذي تركوه خلفهم»، في إشارة إلى فيديو الجيش الأميركي. وحول احتمال إغلاق الإيرانيين مضيق هرمز، علّق الرئيس الأميركي بالقول: «لن يغلقوه. لن يتم إغلاقه. لن يتم إغلاقه لفترة طويلة». كما أن ترامب، وبعدما استبعد في تغريدة رداً على موقف المرشد الإيراني من الوساطة اليابانية، إمكانية عقد «صفقة» جديدة مع إيران، قال أمس لشبكة «فوكس نيوز»: «نريد أن نعيدهم إلى طاولة التفاوض… أنا مستعد عندما يكونون مستعدين… لست في عجلة».
ما يفسّر ضبابية مواقف ترامب هو انتظاره للتقييم الذي يجريه أركان إدارته، ومداولاتهم لتقديم خيارات الرد. في هذا الإطار، برزت مواقف وزير الدفاع بالوكالة، باتريك شاناهان، الذي قال إن «الوضع في الخليج مسؤولية دولية، ونعوّل على الدبلوماسية كوسيلة لخفض التوتر». وبلهجة تنطوي على عدم الالتزام برد فعل واسع، أوضح أن «ما نركّز عليه أنا و(مستشار الأمن القومي) السفير جون بولتون و(وزير الخارجية) مايك بومبيو هو بناء إجماع دولي بشأن هذه المشكلة الدولية». بموازاة رد الفعل الدبلوماسي الذي تنتظره طهران بعد عملية التحشيد التي يعدّها الأميركيون، ثمة معلومات عن تداول آليات عمل جديدة في المنطقة، تهدف إلى الحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث. ونقلت «رويترز»، أمس، عن مسؤولين أميركيين أن مثل هذه الإجراءات يجري تداولها مع «الحلفاء»، وقد يكون بينها «نظام مرافقة» يقوم على تسيير حراسات للسفن التجارية تتولاها سفن حربية.
«جسم طائر» أصاب إحدى الناقلتين!
لم تتضح بعد كيفية استهداف ناقلتَي النفط العملاقتين في خليج عُمان أول من أمس. وفيما سرت في البداية رواية عن هجوم بطوربيد، ومن ثم قالت مصادر البنتاغون إن الهجوم تم بألغام لاصقة، زادت رواية جديدة للشركة المالكة لإحدى السفن من تضارب المعلومات. وأفادت شركة «كوكوكا سانجيو» اليابانية، مشغلة الناقلة «كوكوكا كاريدغس»، بأن جسمين طائرين ألحقا أضراراً بالناقلة. وأوضح رئيس الشركة، يوتاكا كاتادا، أن «الطاقم أبلغنا أن جسماً طائراً اقترب من السفينة وأنهم وجدوا ثقباً… شاهد بعض أفراد الطاقم الضربة الثانية». وتطرّق إلى هوية ناقلة النفط التابعة للشركة، مشيراً إلى أنه لا يعتقد أن الناقلة استهدفت لأنها مملوكة لشركة يابانية، وقال: «ما لم يكن هناك فحص مدقق للغاية، يصعب معرفة أن الناقلة يشغلها أو يملكها يابانيون».
وأمس، عرض التلفزيون الإيراني لقطات ظهر فيها طاقم «فرنت ألتير» (23 شخصاً) في إيران. في غضون ذلك، أعلنت السلطات الإيرانية أنها كلفت خبراء بتقييم ما إذا كان أفراد الطاقم الذين تم إنقاذهم يمكن أن يعودوا إلى الناقلة التي يعملون عليها.
«العمالة الأجنبيّة» الوزارة تحبّ المكافحة… لا التنظيم!
خطة لا تؤدي سوى إلى تغذية العداء للنازحين
بدلاً من «تنظيم العمالة الأجنبيّة»، اختارت وزارة العمل تعبير «المكافحة» لعنونة خطتها «مكافحة العمالة الأجنبيّة غير الشرعيّة على الأراضي اللبنانية». الخطة تربط معضلة سوق العمل في لبنان بالعمال السوريين بالدرجة الأولى، ومن بعدهم باقي العمال الأجانب، وتظهرهم جميعاً كمنافسين للعمّال اللبنانيين، على رغم اقرارها بان العمال الاجانب يقبلون بظروف عمل لا يقبل بها اللبنانيون، حيث الاجور متدنية وساعات العمل اليومي طويلة.
خطة وزارة العمل لـ«مكافحة العمالة الأجنبيّة غير الشرعيّة على الأراضي اللبنانية»، التي أطلقها وزير العمل كميل أبو سليمان الأسبوع الماضي، «رُفعت بكتاب رسمي إلى مجلس الوزراء، وحصلت على موافقات مبدئيّة، وقد توافق عليها الحكومة في الجلسة المقبلة»، كما يوضح لـ«الأخبار» المدير العام للوزارة جورج أيدا. علماً أن سريان الخطّة بدأ في 10 الجاري، اذ مُنح العمال وأصحاب العمل مهلة شهر لتسوية أوضاعهم، «قبل إقرار الموازنة ومضاعفة الرسوم على تسجيل العمال الأجانب والبدء بتحرير محاضر ضبط للمخالفين». وفق أيدا «الوزارة تتصرف وكأن الخطة والموازنة أقرّتا ومهلة الشهر تنتهي في 10 تموز المقبل»، مؤكداً انها «لا تستهدف جنسية معيّنة»، وأن الأمر «ليس خطوة استعراضية. فأصحاب الفنادق عرضوا على موقع إلكتروني مستحدث ألف وظيفة جديدة تقدّم إليها 17 ألف طالب عمل من اللبنانيين… ما ينفي أن اللبناني لا يحب العمل».
يُعتبر «تنظيم» العمالة الاجنبية مطلباً مزمناً، وهو يتصل بمطلب أشمل يطال «تنظيم» العمالة عموماً، اي التصدّي لمشكلة تفشي ما يسمى «العمالة اللانظامية» التي يقدّر حجمها بأكثر من نصف القوى العاملة في لبنان، فيما يقدّر حجم «الاقتصاد اللانظامي» بأكثر من ثلث مجمل الناتج المحلي. بمعنى آخر، ليست العمالة الاجنبية سبباً لمشكلة سوق العمل، بل واحداً من عوارضها. تراجع الاقتصاد الحقيقي، ولا سيما الصناعة والزراعة، وتقويض القدرة التنافسية للمؤسسات اللبنانية، وهجرة العمالة الماهرة، وزيادة تركّز النشاط الاقتصادي في الخدمات ذات الانتاجية المتدنية، فضلا عن تدهور البنى التحتية والخدمات الاساسية وتراجع دور الدولة الرقابي وفقدان السيطرة على الحدود… كلها عوامل ساهمت في تشجيع اصحاب المشاريع والمؤسسات على احلال العمال الوافدين من بلدان افقر محل العمّال اللبنانيين، بغية استغلال موقعهم الضعيف والهش وتحقيق الارباح على حساب اجورهم الضئيلة وساعات عملهم الطويلة وحرمانهم من اي حماية اجتماعية او قانونية… في ظل هذه الاوضاع، يُفترض بأي خطّة مطروحة ان تنطلق من اهداف سياسية واجتماعية واقتصادية، لخلق اقتصاد حقيقي محلي قادر على استيعاب آلاف المتخرجين من الجامعات في وظائف تتناسب مع اختصاصاتهم ومعارفهم ومهاراتهم وطموحاتهم، وهي وظائف غير متاحة في ظل النموذج الاقتصادي القائم، ولا توجد فيها منافسة من العمالة الاجنبية.
الخطة المطروحة باختيارها عنوان «المكافحة» بدلا من «التنظيم» المقرون بالاصلاح البنيوي للسياسات والمؤسسات، لا تفعل شيئا سوى تغذية الموجة العدائية ضد النازحين السوريين، وتحميلهم وزر الازمات التي يعاني منها المجتمع اللبناني منذ سنوات طويلة قبل اندلاع الصراع في سوريا، والتي تفاقمت مع تدفق النازحين بأعداد كبيرة… بهذا المعنى، تساهم خطة وزارة العمل في صنع «المتطفل الخارجي» او «الغريب»، الذي لولاه لكانت اوضاعنا على ما يرام. فهل هذا صحيح؟ وكيف ستجري «مكافحة» هذا «المتطفل» الذي تصوّره الخطة المطروحة كما لو انه مرض خبيث.
تطلب الخطة، في إطار التعاون مع القطاع الخاص، من جميع أصحاب العمل وجمعية الصناعيين واتحاد غرف الصناعة والتجارة والزراعة ونقابات أصحاب العمل ولجان التجار والاقتصاديين، «التقيّد بعدم تشغيل عمال أجانب في الأعمال والمهن والحرف والوظائف المحصورة باللبنانيين والتي تخضع حالياً للقرار 1/29 (صادر في 2018)، وضرورة الاستحصال على إجازات عمل للعمّال الأجانب في المهن التي يحق لهم العمل بها، إضافة إلى تشغيل اللبنانيين مكان الأجانب في المهن المحصورة باللبنانيين فقط».
الأسباب الموجبة للخطة تبدأ من العمالة السوريّة والنزوح السوري الذي بنتيجته «أصبح مئات الآلاف من العمال السوريين أصحاب الكفاءة والمهارة ينافسون اللبنانيين»، ووجودهم «لم يعد يقتصر على الأعمال الزراعية والبناء كما كان قبل الحرب السورية، فأصبحت بذلك العمالة السورية متواجدة في الفنادق والمطاعم وخدمات الاستقبال والإدارة والمستشفيات والصيدليات والمهن الخاصة بالكهرباء والتجارة والخياطة وغيرها». تعداد الخطة للمهن التي «تغزوها» العمالة الأجنبيّة، يفترض دقّة أكبر، ولا سيما ان الخطة تعترف في اكثر من موضع بأنها لا تملك معلومات واحصاءات ما عدا انطباعات غير موثقة وليست صحيحة بالضرورة. كما انها لا تقدّم اي فهم او تشخيص للنقص الذي يعانيه لبنان في بعض المهن، مثل التمريض، بما يوجب على المخطّطين التفكير بزيادة عدد الخريجين في هذا المجال وتحسين شروطه، أو القبول بالعمالة الأجنبية في المستشفيات، نظرا للحاجة الملحة اليها. والأمر نفسه ينطبق على وظائف عدّة.
على الوزارة
تحسين شروط
العمل للجميع
وليس حث
اللبنانيين على
القبول بالشروط
التي يرضاها
الأجانب
تردّ الخطة الإشكالية «الكبيرة» إلى أن اللبنانيين «لا يعملون بشروط العمل نفسها التي يقبل بها السوريون من ناحية دوام العمل والأجر»، وهذا ما يفرض على الوزارة العمل على تحسين شروط العمل للجميع، وليس حث اللبنانيين على القبول بالشروط التي يرضاها النازحون. وبدلاً من أن تبدأ الخطة بالسبب الأساسي لمنافسة اليد العاملة الأجنبيّة، وهو «استرخاص» أصحاب العمل توظيفها وجنيهم الأرباح من عدم تسجيلها في الضمان الاجتماعي ومنحها حقوقها من إجازات اسبوعية وسنوية ومرضية ودوامات محدّدة وأجوراً عادلة تفوق الحدّ الأدنى للأجور… تمرّ عرضاً على أنه «فضلاً عن رغبة أصحاب العمل بعدم تحمّل أعباء اشتراكات الضمان الاجتماعي، وغياب شبه تام لإدارات الدولة في التنسيق بينها، مما خلق الفوضى القائمة في سوق العمل وعدم الالتزام بقانون العمل والفلتان في عمليات التوظيف في القطاعات كافة». فالمعالجة يجب أن تبدأ من تسوية أوضاع المؤسسات غير النظاميّة، وليس فقط تسوية أوضاع العمال لدى المؤسسات النظامية، قبل التهويل بـ«عدم شرعيّة» العمالة الأجنبيّة. إذ تشير التقديرات إلى أن نسبة النشاط الاقتصادي غير النظامي في لبنان تبلغ 35% من مجمل الناتج المحلي، إضافة إلى أنه في عام 2010 – قبل النزوح السوري – قدّر البنك الدولي مجموع العاملين غير النظاميين في لبنان بنحو 56% من مجموع القوى العاملة. ما يعني أن العمالة اللبنانية أيضاً غير منظّمة ويجري استغلالها في ظروف عمل قاسية شأن العمالة الأجنبية. وتنظيم الأخيرة الذي تقترحه الوزارة سينعكس، والحال هذه، ازديادا في حجم العمالة اللبنانية غير النظامية، إلاّ إذا استطاعت الخطة فرض الرقابة على جميع القطاعات، وهذا مشكوك فيه.
يظهر جدول تتضمنه الخطة عدد إجازات العمل الصالحة حالياً التي حصل عليها سوريون، وهو 1733 فقط. وتعلل بأنه «رقم بعيد كل البعد عن الواقع، ولا يقارن بالعدد الفعلي لهم الذي يعدّ بمئات الآلاف»، بما يشير إلى أن العمال السوريين «لا يتقدمون للاستحصال على إجازات عمل من الوزارة العمل لانهم لا يخافون من الترحيل بسبب السياسة المتبعة من الدولة رغم التسهيلات العديدة». وتشمل التسهيلات للعامل السوري «إعفاءه من 75% من قيمة رسم إجازة العمل، إعفاء صاحب العمل من كفالة مصرفية قيمتها مليون و500 ألف ليرة كما هو مطلوب من سائر العمال الأجانب، إعفاء العامل السوري من طلب الموافقة المبدئية والمسبقة كما هو مفروض على سائر العمال الأجانب». باستثناء هذه البنود «يخضع العامل السوري لتعديلات المرسوم 17561/1964 المعدّل بالمرسوم 14268/2005 الذي ينظّم العمالة الأجنبيّة بشكل عام، ويفرض على العمال المرتبطين بصاحب عمل معين بموجب عقد عمل الحصول على إجازة عمل من الوزارة». عملياً العامل السوري «يحصل على إقامة مؤقتة لستة أشهر ويجري اعتبارها أنها تسمح له بالعمل، غير أن المطلوب هو حصوله على إقامة خاصة للعمل تتضمن الحصول على بطاقة عمل من الوزارة تكون صالحة لسنة واحدة» وفق أيدا، خصوصاً أنه «يدفع ربع الرسم الذي يدفعه أي عامل أجنبي آخر للحصول على إجازة عمل، بموجب الاتفاقية المشتركة بين لبنان وسوريا».
في المقابل، تبقى فئة العمال غير المرتبطين بصاحب عمل معيّن ومنهم الموسميّون والمؤقتون كالعمال الزراعيين والمياومين وعمال الورش، وتقترح الخطة تنظيم عملهم بـ«أن يتقدم صاحب العمل من دائرة العمل المختصة بطلب استخدام عمال سوريين مؤقتين أو موسميين، وأن تدرس الوزارة الطلب وتتأكد من صحة مضمون المستندات وتمنح العامل بطاقة عمل مؤقتة بمهلة أقصاها 6 أشهر» كما يرد في الخطة. فيما يؤكد أيدا أن بطاقة العمل ستكون «لسنة كاملة».
لا توضح الخطة كيف ستؤدي الاجراءات التي تقترحها الى تسجيل جميع العمال السوريين، ومصدر الشكوك في جدواها انها تنظر الى العمالة الاجنبية اللانظامية كما لو انها خيارات فردية للعمال السوريين، في حين ان الوقائع التي تستعرضها الخطة نفسها تبين ان تسهيل حصول السوريين على اجازات العمل وتخفيض كلفة الرسوم والاعفاء من العديد من المعاملات الادارية المفروضة على العمال الاجانب من جنسيات مختلفة… لم يساهم بزيادة معدلات الامتثال، ما يعني ان اصحاب العمل هم الذين يتحمّلون المسؤولية بالدرجة الاولى لا العمّال المضطرين للرضوخ الى شروط قاسية مفروضة عليهم.
تشير الخطة إلى أنه «إضافة إلى عبء العمالة السورية، تأتي أزمة العمالة الأجنبية الأخرى التي يعود سببها إلى تدفّق العمال الأجانب إلى لبنان وتهرّب قسم منهم من الالتزام بقوانين العمل وكسر إقاماتهم لسنوات وجني الأموال من دون دفع الرسوم المتوجّبة عليهم لصالح الدولة، ما يؤثّر على الوضع الاقتصادي وتفاقم حالة البطالة نتيجة منافسة اليد العاملة الأجنبيّة». فوفقاً للخطة «عشرات آلاف العمال الأجانب والعرب غير السوريين يعملون أيضاً في لبنان، جزء كبير منهم لا يمتلك إجازات عمل وهم في غالبيّتهم يستخدمون في لبنان تحت اسم «عمال التنظيفات»، بينما في الواقع يعملون في مجالات أخرى على سبيل المثال لا الحصر: محطات الوقود، الخدمة في المنازل، في مجال المهن اليدوية كالبناء ومتفرعاته، في القطاع الصناعي، في قطاع الخدمات السياحية كالفنادق والمطاعم». وقد بلغ عدد العمال «من الفئة الثالثة (ذكور/ تنظيفات) في 2018 الذين استحصلوا على إجازات عمل 71138 عاملاً، فضلاً عن عدد كبير وغير محدد يعملون بدون إجازات عمل».
المخالفات التي تشير إليها الخطة، تعني غياب الرقابة وقبول العمال الأجانب بأعمال «لا يرتضيها» اللبنانيون وفق ما تردد الخطة نفسها. الا انها تقفز مباشرة الى خلاصة تقول إن «العمالة غير الشرعيّة تترك تداعيات سلبيّة كثيرة على الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطن اللبناني تتمثل بأحداث جنائيّة وجنحيّة»! كما تتسبّب بـ«إخراج أموال خارج لبنان إضافة إلى بطالة حادة في صفوف الشباب اللبناني». غير أن الاقتصاد اللبناني يقوم أساساً على تدفق أموال المغتربين الذين يخرجون أموال غير بلدان إليه، اذ ان هناك اكثر من 700 الف لبناني يعملون في الخارج ويحوّلون نحو 8 مليارات دولار الى اسرهم المقيمة في لبنان، وفي المقابل هناك عمال اجانب في لبنان يحولون اموالا الى اسرهم المقيمة في بلدانهم، وهذه ليست ظاهرة جديدة في لبنان بل هي سمة اساسية من سمات نموذجه الاقتصادي تاريخيا، ولا سيّما وأن الدستور اللبناني يتبنّى الاقتصاد الحرّ ويعتمد سياسات الحدود المفتوحة لتدفق الرساميل والسلع والخدمات… وهو ما ينسحب على تدفق اليد العاملة. لذلك، تعمد وزارة العمل في خطّة «المكافحة» الى التأكيد على «حرصها على الحدّ من الضرر بمصالح المؤسسات والشركات اللبنانية»… علماً أن المخالفين بالدرجة الأولى هم المؤسسات والشركات وأصحاب العمل.
مراقبة تنفيذ الخطة ترتكز على 35 مفتشاً فقط في الوزارة، وتطالب بدعم جهاز تفتيشها من خلال «السماح بالنقل من فائض الموظفين في الوزارات الأخرى ليتمكّن هذا الجهاز من القيام بمهامه كاملة من خلال تفتيش يومي ودوري أكثر فعاليّة للقطاعات والشركات والمؤسسات والإنشاءات والمحلات». علماً أن فائض الموظفين في غير وزارات ليس بالضرورة من أهل الاختصاص والخبرة بالتفتيش الذي تسعى وزارة العمل إلى تطبيقه لمراقبة عشرات آلاف المؤسسات والمشاريع والعمال الذين تذكرهم في خطّتها. وعليه يردّ المدير العام للوزارة: «ما تعتلوا همنا، فريق المؤسسة الوطنية للاستخدام سيساعد كون الخطة تهدف إلى خلق فرص عمل للبنانيين، وكذلك مختلف الأجهزة الأمنيّة، والوزارات التي تملك أجهزة تفتيش… فوزارة الاقتصاد مثلاً بادرت إلى إقفال عدد من المؤسسات في الفترة الأخيرة. ومفتشو الضمان أيضاً شركاء في الخطة، ويتوجّب على كل صاحب عمل تسجيل عماله بالضمان كوثيقة أساسية لمنح إجازة العمل». تأمين تمويل من خلال نقل اعتمادات من باب الاحتياط في الموازنة العامة إلى موازنة وزارة العمل من أجل دعم جهاز التفتيش و«إطلاق حملة إعلاميّة وإعلانيّة لمدة شهر واحد بكلفة إجماليّة قدرها 300 مليون ليرة»، والحملة تهدف إلى «التفاعل مع المواطنين لتوضيح أهدافها وغاياتها والإضاءة على حقوق وواجبات أصحاب العمل والعمال الأجانب».
تفعيل العمل الإداري وجهاز التفتيش في الوزارة، يهدف أيضاً إلى «إقفال المؤسسات المملوكة أو المستأجرة من أجانب لا يحملون إجازة عمل وفقاً للقوانين والأنظمة»، علماً أن الإقفال إذا تمّ خلال مهلة الشهر الممنوحة في الخطة فإن الخسارة من الجانب اللبناني ستكون أكبر كون المؤسسات المملوكة من أجانب يفترض بها توظيف 75 بالمئة من عمالها من اللبنانيين. بحسب الخطة «يحق للأجانب التقدم بطلب لفتح مؤسسات تجارية اذا كانت مساهمتهم لا تقل عن 100 مليون ليرة، ويلزمون بأن يكون 75% من العمّال لبنانيين ( اي مقابل كل عامل اجنبي يجب ان يكون هناك 3 عمال لبنانيين)». مما يشير إلى إقفال المؤسسات «الأجنبيّة» الصغيرة. أما التذرّع بعدم تطبيق المؤسسات المملوكة من أجانب هذا الشرط في التوظيف فيفترض أن تساءل عنه الوزارات المعنيّة لعدم تطبيقه.
الغرامات ستتضاعف
بعد شهر ستتراوح الغرامات على المؤسسات المخالفة بحسب مدير عام وزارة العمل جورج أيدا، «بين مليونين و5 ملايين ليرة عن كل عامل أجنبي لديها لا يملك إجازة عمل، أما المخالفة الثانية فتقضي بإقفال المؤسسة». وبشأن الانذار فهو «بدأ إعلامياً وسيصبح لدى الجميع علم بالتدبير». بعد إقرار الموازنة، سترتفع الرسوم على إجازات العمل «من 480 ألف ليرة للفئة الثالثة إلى مليون ليرة، ومن 960 ألفاً للفئة الثانية إلى مليوني ليرة، ومن مليون و800 ألف للفئة الأولى إلى 3 ملايين». وهو ما يحذر منه أيدا بعد إقرار الموازنة لأن الكلفة سترتفع على صاحب العمل «كونه سيضطر إلى تسجيل العامل الأجنبي لديه في الضمان الاجتماعي بالإضافة إلى تأمينه في مؤسسة للتأمين (لأنه لا يستفيد من الضمان)… توفير صاحب العمل لهذا كلها سيدفعه إلى توظيف لبناني وتشغيل عائلة».
وزارة المال لم تنشر النتائج المالية لعام 2018: عجز الخزينة 6.3 مليارات دولار!
في نهاية 2018، سجّل عجز الخزينة ارتفاعاً بقيمة 2.5 مليار دولار ليبلغ 6.3 مليارات دولار. السبب يعود إلى تراجع في الإيرادات بقيمة 80 مليون دولار وازدياد في النفقات بقيمة 2.4 مليار دولار
رغم مرور ستة أشهر من عام 2019، لم تنشر وزارة المال النتائج النهائية لعام 2018. ما بات واضحاً، أن الوزارة تسعى الى تضليل الرأي العام من خلال تأخير نشر نتائج الإيرادات والنفقات لعام 2018 للتعمية على النقاش الدائر بشأن أرقام مشروع موازنة 2019 الذي يناقش اليوم في لجنة المال والموازنة. فهناك فروقات كبيرة بين الأرقام التقديرية في مشروع موازنة العام الماضي، والأرقام الفعلية المحققة، وهناك فروقات أيضاً بين نتائج 2017 و2018، ما يعني أنه ليس هناك التزام بتنفيذ الموازنات، بل هناك تجاوز فاضح لها.
بحسب مصادر مطلعة، تبيّن أن النفقات الفعلية المحققة في نهاية عام 2018 بلغت 26800 مليار ليرة، وأن الإيرادات الفعلية المحققة بلغت 17400 مليار ليرة، وبلغ العجز 9400 مليار ليرة (6.2 مليارات دولار).
في المقابل، يدّعي مشروع موازنة 2019 أنه سيخفض العجز بقيمة 5100 مليار ليرة من خلال خفض النفقات بقيمة 3500 مليار ليرة وزيادة الإيرادات بقيمة 1600 مليار ليرة، إذ ورد في مشروع قانون موازنة 2019 الذي أقرّه مجلس الوزراء أن النفقات ستبلغ 23339 مليار ليرة، والإيرادات ستبلغ 19015 مليار ليرة والعجز سينخفض إلى 4322 مليار ليرة (2.86 مليار دولار).
وفي مقابل هذه الفجوة الهائلة بين تقديرات الموازنة للسنة الجارية، والنتائج الفعلية للسنة الماضية، هناك فجوة مماثلة بين نتائج 2017 ونتائج 2018. فقد تبيّن أن النفقات ازدادت في عام 2018 مقارنة مع 2017، بقيمة 3600 مليار ليرة (2.4 مليار دولار)، والإيرادات سجّلت تراجعاً طفيفاً بقيمة 115 مليار ليرة، علماً بأنه كان ينبغي لها أن تزداد بالاستناد إلى تقديرات وزارة المال أثناء مناقشة قانون سلسلة الرتب والرواتب والضرائب التي أقرَّت بهدف تمويلها.
تأتي هذه النتائج المالية في ظل أوضاع مالية متدهورة، إذ سجّل ميزان المدفوعات عجزاً في أول أربعة أشهر من السنة الجارية بقيمة 3.3 مليارات دولار (مقارنة مع عجز 4.6 مليارات دولار خلال السنة الماضية بكاملها)، ويتردّد بين المطلعين أن العجز ارتفع في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية بقيمة 5 مليارات دولار. كذلك، تبيّن أن الودائع تقلصت بمعدل 1% في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019.
ميزان المدفوعات
سجّل عجزاً
في 4 أشهر
بقيمة 3.3
مليارات
دولار
كذلك، تأتي هذه الأرقام لتسلّط الضوء على مناقشات مشروع موازنة 2019 الذي تعتبره الحكومة مدخلاً لتحرير أموال «سيدر» التي قد تؤمّن شراء المزيد من الوقت وضخّ الأوكسيجين في عروق النموذج الاقتصادي الذي يعاني، في انتظار حلّ ما ينتشله من غرفة الإنعاش. قد يكون الحلّ الذي تراهن عليه الحكومة بما تمثّله من القوى السياسية، هو بدء استخراج النفط وبيعه. بمعنى آخر، تفرض هذه القوى على لبنان أن يدفع فاتورة هائلة لشراء الوقت في انتظار النفط الذي سيتيح لها العودة إلى نمط التبذير والهدر السابقين.
طبعاً، لا تقرّ القوى السياسية بأن أزمة اقتصاد لبنان هي أزمة عجز ميزان مدفوعات، أي أن الأموال بالعملات الأجنبية التي تخرج من لبنان، أكثر بكثير من تلك التي تدخل إليه. وهي في هذا الإطار تكرّس سلوكها المتهوّر في زيادة الضرائب على الاستهلاك، وإعفاء كبار المكلفين من تهرّبهم من تسديد الضرائب، وتزيد الأعباء على الأجور والرواتب وعلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، وسط توقعات بأن ينكمش الاقتصاد بمعدل 1%، ما يثير الكثير من الشكوك حول إمكان تحصيل الضرائب التي ستقرّ في مشروع موازنة 2019.
والأسوأ من كل ذلك، أن هذه القوى السياسية ترى الوضع خطراً، لكنها لا تدرك مكامن الخطر. واحد من أهم مؤشرات هذا الخطر، هو التضخّم الذي بلغ في السنة الماضية 6%، فيما النمو الاقتصادي يتباطأ مسجّلاً 0.25%. بتعريف عدد من الخبراء الاقتصاديين، إن تزامن هذين العاملين يعني أن اقتصاد لبنان يمرّ بمرحلة ركود تضخّمي وهي من أسوأ المراحل التي يمرّ بها أي اقتصاد في العالم.
على أي حال، يسجّل في عام 2018، تراجع إيرادات ضريبة الأرباح بنسبة 35%، وإيرادات رسوم التسجيل العقاري، وتحويلات وزارة الاتصالات بنسبة 16%. وفي المقابل تضاعفت إيرادات ضريبة الفوائد بعد زيادتها من 5% إلى 7% وبعد ارتفاع معدلات الفوائد في السوق المالية المحلية، وازدادت إيرادات ضريبة القيمة المضافة بنسبة 10% بعد زيادتها لتصبح 11%.
وعلى صعيد النفقات، ازدادت كلفة الأجور والرواتب وملحقاتها بنحو مليار دولار، فيما ازدادت التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان بنحو 430 مليون دولار، وازدادت كلفة خدمة الدين العام بنحو 420 مليون دولار.
وبنتيجة هذه التطورات على النفقات والإيرادات، تضاعف العجز في 2018 من 3.7 مليارات دولار في نهاية 2017، إلى 6.3 مليارات دولار في نهاية 2018.
* اللواء
التعيينات تقتحم نقاشات الموازنة: الخلافات تظهر في الساحة المسيحية
البنك الدولي يستعجل مجلس النواب.. والانقسام الجامعي يهدّد المطالب والمكاسب!
من الثابت، وفقاً للمعلومات والمعطيات ان احداث الخليج الساخنة من بحر عمان ومضيق هرمز إلى عواصم القرار تستأثر بالاهتمام اللبناني، في وقت يجري سباق مع الوقت لإنجاز موازنة العام 2019، على الرغم من أن لجنة المال والموازنة ذهبت إلى استراحة مع نهاية عطلة الأسبوع، مع تأكيد رئيس اللجنة إبراهيم كنعان ان التدقيق في الأرقام من زاوية الرقابة ليس مسرحية، داعياً إلى إصلاح الاقتصاد وليس تخفيض الأرقام.
وسط هذا المناخ، تحددت جلسة لمجلس الوزراء الثلاثاء، كما اشارت «اللواء» وعلى جدول الأعمال 100 بند، ليس بينها التعيينات نظراً لعدم الاتفاق عليها، وارتفاع الأصوات في الساحة المسيحية احتجاجاً على تفرد الوزير جبران باسيل بالحصة المسيحية في وظائف الفئة الأولى، على وجه الحصر.
التعيينات متأخرة
وبدا واضحاً من خلال جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد قبل ظهر الثلاثاء المقبل في السراي الكبير، ان ملف التعيينات لم ينضج بعد كي يدرج في الجدول الذي وزّع أمس على الوزراء، وعلى ما يبدو فإن طريقه لن يكون سهلاً قبل ترتيب الأمور والتفاهم على بعض تفاصيله حيث عادة ما تكمن الشياطين.
وبحسب مصادر وزارية، فإن ملف التعيينات حتى ولو كان أولوية حكومية، الا ان استئخاره لبعض الوقت هو أفضل خطوة من أجل نجاح تمريره، خاصة وان هذا الملف لم يكن في أي وقت الا سبباً لتباين بين مكونات الحكومة، حتى ولو كان مصيره الإقرار، غير ان من اعترض سابقاً ولم يتمكن من إيصال اعتراضه إلى وقف التعيين لن يستكين، وقد يعرض الحكومة إلى اهتزاز هي بغنى عنه، وسط هذا الجو المتشنج الذي يسود العلاقات بين مكوناتها منذ بدء مناقشات مشروع الموازنة، لذلك، فإن الموضوع، في نظر المصادر الوزارية يحتاج إلى تهيئة مناخ سياسي سليم غير متوافر حالياً بانتظار التوافق.
وأعادت المصادر إلى الأذهان، ما كانت اشارت إليه «اللواء» أمس، من ان الحكومة يتجاذبها تياران أو رأيان بالنسبة لملف التعيينات، الأوّل يتحدث عن إنجاز التعيينات دفعة واحدة أو سلّة متكاملة على غرار التعيينات التي تمت في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي من خلال حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث تمّ تعيين 126 مديراً عاماً، معتبراً انه من حسنات هذا الخيار انه يسمح بقيام صدمة إيجابية في الإدارة، لكن محاذيره تكمن في الوقت الذي تستغرقه عملية التواصل وتأمين السير الذاتية.
اما الخيار الثاني، وهو اعتماد التعيينات الأكثر عجلة أو الحاحاً والتدرج به للوصول إلى الأقل إلحاحاً، فمن حسناته تصنيف التعيينات ودرسها بدقة، بحيث يُمكن القول انه كلما جهزت المراكز الأساسية يُمكن الانتقال إلى المراكز الاخرى، وهي لحظت في هذا المجال الأولوية لوزارة العدل وفي مجلس الإنماء والاعمار ومجالس إدارة عدد من المؤسسات والمجلس الوطني للاعلام وتلفزيون لبنان، إلى جانب تعيين الحكومة لحصتها في المجلس الدستوري، على انه لا يمكنها ذلك قبل انتخاب مجلس النواب لأعضاء المجلس ضمن حصته تفادياً لأي خلل طائفي.
وقالت ان الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري سيناقشان في وقت لاحق وضع خطة توزيع التعيينات واعتماد أي من الخيارين، مع العلم ان هناك من يدعم هذين الخيارين في التعيينات، لافتة إلى انه يجب عدم اغفال مواقف المكونات الأخرى في الحكومة وتحركها للحصول على ما يعرف بحصتها من التعيينات، وان كان المعوّل أولاً وأخيراً هو التفاهم سواء بين هذه المكونات السياسية أو بين الرئيسين عون والحريري واحترامهما لبعضهما البعض وادراكهما لصلاحياتهما الدستورية.
تقاسم أم محاصصة
وفي هذا السياق، نقلت محطة O.T.V الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر» عن مصادر مطلعة، نفيها وجود نية لدى الرئيس الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الاستئثار بالمراكز التي تخصمها واقصاء الآخرين، مؤكدة لا اقصاء ولا اختزال لأحد، لكن المطلوب تعيين الأفضل، مشيرة إلى ان ما حكي عن استئثار هو في إطار المعارك الافتراضية ولا أساس لها وتهدف إلى محاولة التطويق لا أكثر، مضيفة ان ما «يؤخر التعيينات هو عدم الاتفاق على المرتكزات وآلية التعيين».
ونقلت المحطة المذكورة عن مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي رداً على ما يتم تداوله عن إعطاء حصة في التعيينات لرئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، قولها: «اننا لا نقبل ان يكون هناك ناس بسمنة وناس بزيت»، وشددت على ان القانون الذي سيطبق على باقي الطوائف والمذاهب يطبق علينا أيضاً، بمعنى انه إذا شاركت كل التلاوين السياسية في التعيينات فنحن نقبل بالمشاركة مع الآخرين، وإذا لم يحدث ذلك سنعين بأنفسنا في المراكز التي تخصنا».
إلا ان مصادر تيّار «المستقبل» لفتت من جهتها إلى ان لا بحث حالياً مع أحد بملفات التعيينات، في حين أكدت مصادر «القوات اللبنانية» في اتصال مع OTV ان «القوات» تتمسك بوضع آلية للتعيين للابتعاد عن المحاصصة، مشيرة إلى ان «المعادلة واضحة».
ونفت مصادر «القوات» لقناة MTV ان تكون زيارة الوزير السابق ملحم رياشي للرئيس الحريري أمس الأوّل للبحث بملف التعيينات، بل كانت لبحث العلاقات بين تيّار «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، مؤكدة ان «القوات» متمسكة بطروحاتها بشأن ملف التعيينات وبالآلية التي طرحتها سابقاً والتي تعتمد على الكفاءة.
وكان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع اتهم الوزير باسيل بأنه «يتحكم باللعبة السياسية وليس من يردعه»، لافتاً «الى ان النقاش في الجلسة الرئاسية في بعبدا بين الرئيسين عون والحريري سيستكمل وفق معلومات جعجع بين الحريري وباسيل.
واعتبر جعجع، في مجال آخر، ان اقتراح الرئيس نبيه برّي بخصوص تعديل قانون الانتخاب ولد ميتاً لمجرد انه يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو أمر مرفوض من القوى السياسية كافة.
وأوضح لوكالة الأنباء «المركزية» انها تكاد المرة الأولى التي لا تنعكس أجواء الود الموجودة بيننا وبين الرئيس برّي في قانونه الانتخابي المقترح.
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر لم تحددها قناة «الجديد» ان رئاسة مجلس الوزراء ستسعى إلى طرح ملف التعيينات في وزارة العدل ثم وزارة الداخلية، على إعتبار أنها المعني الأول بتطهير الجسم القضائي في حملة مكافحة الفساد، مشيرة الى أن «التعيينات ستجري على الشكل التالي، أولا تعيين رئيس للمجلس الدستوري، ثم مجلس شورى الدولة يليه تعيين مدير عام لوزارة العدل ثم مدع عام تمييزي».
ولفتت المصادر الى أن «هذه التعيينات وصلت الى رئيس مجلس القضاء الأعلى وتطال رئيسها الحالي القاضي جان فهد»، مبينة أن «مركز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، مناط بالتفتيش القضائي».
وعما إذا هناك أجواء لإقالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، أوضحت المصادر أن «إقالة جرمانوس ليست بحاجة الى قرار من الحكومة بل لقرار من التفتيش»، حيث خضع جرمانوس الى جلستين امامه يومي الاربعاء والاثنين الماضيين.
وكشفت المصادر أن «قرار تمرير التعيينات في الحكومة سيجري لدى تدخل الرئيس ميشال عون على قاعدة أن التسوية الرئاسية أولى من التعيينات»، مشيرة الى أن «الهدوء على الساحة السياسية بعد عودة الرئيس الحريري، ليس إلا بتعليمات من الرئيس عون لفريقه السياسي قبل الحلفاء».
جدول الأعمال
اما جدول أعمال جلسة الثلاثاء والذي يتضمن مائة بند، فقد خلا من أية إشارة إلى موضوع التعيينات، لكنه لحظ تعيينات من ضمن الملاك، ومنها طلب وزارة الخارجية استبقاء فؤاد خزاقة في الإدارة المركزية، (البند 47) وإعادة ترشيح السفير جوزف عقل لمنصب قاض في المحكمة الدولية لقانون البحار ITLOS للفترة بين 2017-2026، (البند 48) وطلب تعيين سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي فريد الخازن سفيراً غير مقيم مطلق الصلاحية لدى كل من جمهورية البرتغال ومنظمة فرسان مالطا (البند 49)، فضلاً عن مشاريع تحديد عقود اتفاق المتعاقدين لدى وزارة الاشغال العامة والنقل – المديرية العامة للتنظيم المدني، وطلب وزارة التربية والتعليم العالي إلحاق عدد من المهندسين الاختصاصيين في المعلوماتية الفائض في وزارة الاتصالات (اوجيرو) بوزارة التربية بصفة متعاقدين، وطلب وزارة الداخلية التعاقد مع اخصائية في علوم الصحة الحيوية لصالح المديرية العامة لقوى الأمن، وطلب وزارة الطاقة التعاقد مع العاملين في امتياز كهرباء بحمدون المسترد.
وتضمن الجدول تحت عنوان شؤون مالية نحو 38 بنداً عبارة عن نقل اعتمادات على أساس القاعدة الاثني عشرية، إضافة إلى بنود تتعلق بتجديد عقود التنفيذ والاشراف العائدين لتشغيل مكب النفايات في طرابلس (البند 6)، وطلب وزارة الاقتصاد حسم موضوع مشاركة لبنان في معرض دبي 2020، وطلب وزارة الاشغال العامة والنقل تنفيذ الأعمال الإضافية بالمتطلبات الضرورية اللازمة لحماية حدود وسور المطار في حرم مطار رفيق الحريري الدولي وتأمين الاعتماد اللازم لذلك، وطلب وزارة آلشؤون الاجتماعية إبرام عقود الرعاية الاجتماعية ورعاية المعوقين وعقود حماية الأحداث المعرضين للخطر والحماية من الانحراف للعام 2019 على أساس اعتمادات الموازنة العامة للعام 2018 لحين تصديق الموازنة العامة للعام 2019، إلى جانب مجموعة مشاريع مراسيم برفع الحد الأدنى للرواتب والأجور في المنشآت الرياضية والشبابية والكشفية والعاملين في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وفي مراكز الخدمات الإنمائية وفروعها وفي المشاريع الاجتماعية المنبثقة عن وزارة الشؤون، وهيئة إدارة السير وفي معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس. (راجع صفحة 2)
البنك الدولي
على صعيد آخر، وفيما تعاود لجنة المال والموازنة اجتماعاتها يوم الاثنين لمتابعة درس مشروع موازنة العام 2019، كان لافتاً للانتباه تجديد البنك الدولي تمسكه بما تعهد به من تمويل لعدد من المشاريع والقطاعات في لبنان في إطار مؤتمر «سيدر»، وذلك في خلال اللقاء الدوري بين المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه ووزير المال علي حسن خليل، حيث جرى عرض شامل للمشاريع التي يجري تمويلها بالتعاون مع البنك الدولي وتلك التي يتم التعاون في شأنها مع البنك المذكور لا سيما تلك المتعلقة بالصحة والتربية والكهرباء مع التشديد على إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان وإنشاء الهيئة الناظمة لهذا القطاع. وأثنى كومار على ما تضمّنته موازنة العام 2019 من إصلاحات تعتبر مشجعة للمجتمع الدولي وتدخل في إطار ما هو مطلوب في المرحلة الراهنة، متمنياً أن ينتهي المجلس النيابي من مناقشتها وإقرارها في أسرع وقت ممكن.
مؤتمر البحرين
إلى ذلك، تسلم الرئيس عون أمس، رسالة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقلها إليه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والمشرف العام على الساحة اللبنانية الوزير عزام الأحمد، الذي جال أيضاً مع الوفد المرافق، على الرئيس الحريري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب بهية الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون، تناولت الموقف الفلسطيني من التطورات الأخيرة المتصلة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الخطة الأميركية «المسماة» «صفقة القرن» ومؤتمر البحرين الذي يهدف إلى مقايضة الازدهار بالسلام، على حدّ تعبير الأحمد، الذي شدّد على ضرورة مقاطعة هذا المؤتمر.
وكان الرئيس نبيه برّي، اعتبر في تصريح لوكالة «الأناضول» ان مؤتمر البحرين المرتقب هذا الشهر محاولة لرشوتنا من جيوبنا لتمرير «صفقة القرن» والقرارات الأميركية، وفي مقدمها اعتبار القدس عاصمة إسرائيل الأبدية وتهويدها وأسرلة الجولان السوري وتشريع الاستيطان.
وشدّد على الالتزام بالموقف الفلسطيني في «ألا تخطئ في المكان والزمان، ونقف بقوة ضد تصعيد واشعال المزيد من التوترات في الشرق الأوسط والخليج».
الجامعة اللبنانية
في غضون ذلك، تفاعل ملف إضراب الأساتذة في الجامعة اللبنانية، ولقى إعلان الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة باستمرار الإضراب ردود فعل متفاوتة بين مرحب ورافض، الا ان الأساتذة بمختلف مكوناتهم، إضافة إلى عدد كبير من الطلاب رحب بالقرار رغم الضغوط السياسية التي تتعرض لها الرابطة، ودعا الطلاب إلى اعتصام مفتوح ابتداء من الاثنين في رياض الصلح.
واستدعي هذا الموقف من الأساتذة رداً من وزير التربية اكرم شهيب الذي وصف اجتماع المالية ليل أمس الأوّل، والذي خصص لحلحلة الإضراب، بأنه كان ايجابياً جداً واتّسمت النقاشات بالانفتاح والموضوعية حيث تم التوافق على عدد كبير من المطالب التي يرفعها أساتذة الجامعة المضربون». واشار في بيان الى «ان وزير المالية كلّف فريق عمله درس موازنة الجامعة اللبنانية وشدد على انه على استعداد لإعطاء الحقوق المترتبة على مفاعيل القانون 46/2017 إما بزيادة موازنة الجامعة او إعطاء هذه المتوجبات إلى الجامعة من خلال احتياطي الموازنة العامة». اما في ما يتعلق بمطلب إضافة خمس سنوات عند احتساب معاش التقاعد للاستاذ الجامعي، لفت شهيب الى «ان النائبة بهية الحريري تعهّدت بالسعي مع وزير التربية ووزير المالية لعرض مشروع القانون على مجلس النواب لاقراره في اسرع وقت».
ولاحقاً غرد جنبلاط متضامناً مع شهيب، وداعياً إلى إصلاح شامل في الجامعة، معتبرا ان استمرار الإضراب على حساب عشرات الآلاف من الطلاب ليس بالحل».
* البناء
قمة شنغهاي تتحول منصة تعاون إيراني روسي صيني هندي لمواجهة السياسات الأميركية
سباق ما قبل قمة العشرين بين عوامل التصعيد ومشاريع التسويات في الخليج
الحكومة في مواجهة أزمة التعيينات… والمجلس النيابي أمام مأزق الموازنة
كتب المحرر السياسي
خلال أسبوعين ستكون صورة المنطقة ومعها العالم وأسواق النفط قد توضّحت بين خياري التسويات والتصعيد المفتوح، ففي نهاية الشهر الحالي ستنعقد قمة العشرين في اليابان وتحضرها دول معنية بالوضع المتصاعد في الخليج وفي أسواق النفط، وتثبت على هامشها انعقاد قمة روسية أميركية ستكون المحطة الفاصلة لظهور بارقة أمل بتفادي خيار التصعيد، ومثلها ستكون قمة أميركية صينية، وستكون السعودية حاضرة وتركيا والدول الأوروبية واليابان، والتشاور الثنائي والمتعدّد الأطراف سيشكّل السمة الغالبة على أعمال القمة، فإما أن يخرج دخان أبيض بمبادرة روسية تتبناها الأطراف المشاركة وخصوصاً أوروبا واليابان والصين، ويقبلها الجانبان الأميركي والإيراني، تتناسب مع عدم قبول إيران بالتفاوض من خارج الإطار الذي رسمه الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن وتدعو لتفاوض من خارجه، وتتناسب مع عدم إمكانية مطالبة واشنطن بالعودة للاتفاق، والمبادرة المأمولة يمكن أن تقتصر على هدنة تضمن لإيران قدراً من تفادي العقوبات يتيح بيع نسبة معقولة من نفطها كما كان الحال قبل الأول من ايار الماضي، مقابل تخلي إيران عن الذهاب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي والبدء بالتخصيب المرتفع لليورانيوم، ويمكن للهدنة أن تكون لستة شهور وتتجدّد وصولاً للانتخابات الرئاسية الأميركية، على أن تجري في ظلالها مساعٍ لتسويات للملفات الإقليمية، خصوصاً في اليمن التي تشكل مصدر القلق السعودي والأميركي في آن واحد.
فشل قمة العشرين في توفير مناخ مناسب للتهدئة ووقف التصعيد سيعني أنّ شهر تمّوز سيكون بداية صيف شديد الحرارة في المنطقة والعالم، حيث ستندلع حرب نفطية بدأت معالمها بالظهور، وستعود إيران للتخصيب المرتفع لليورانيوم وتخزين ما تقوم بتخصيبه وصولاً لامتلاكها ما يكفي لإنتاج قنبلة لا تريد أن تنتجها، لكن امتلاك ما يكفي لإنتاجها سيغيّر معادلتها النووية جذرياً، وهو ما تعلن واشنطن أنها تعتبره خطاً أحمر كان في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أحد أهمّ أسباب القبول بالتفاهم النووي. وفيما بدأ الرئيس دونالد ترامب يوجّه الاتهامات لإيران بتفجير ناقلتي النفط في خليج عُمان لم يبدُ أنه يملك خارطة طريق لمواجهة التصعيد مكتفياً بالقول سوف نرى.
الرهان الأميركي الذي تحدث عنه وزير الدفاع الأميركي والبعثة الأميركية في نيويورك، لتشكيل إجماع دولي بوجه إيران تكفلت قمة شنغهاي بتبديده بعدما تحوّلت إلى منصة لتفاهمات إيرانية روسية صينية هندية على مواجهة السياسات الأميركية، وإعلان تبني دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران، واعتبار الانسحاب الأميركي من التفاهم واللجوء إلى العقوبات الاقتصادية الأحادية مواصلة لنهج مرفوض في السياسة الدولية.
في مناخ الترقب الدولي والإقليمي للأيام المتبقية من هذا الشهر، والمفتوحة على مفاجآت تشبه تفجير الناقلتين في خليج عُمان والصواريخ اليمنية على العمق السعودي، يواجه لبنان استحقاقاته الداخلية، والتي تبدو موزّعة على أزمتين كبيرتين، واحدة تواجهها الحكومة قبل البدء بورشة التعيينات على خلفية التصادم الذي وقع بين طرفي التسوية الرئاسية، التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في كيفية مقاربة ملف التعيينات في المراكز الأولى في الدولة، خصوصاً في المناصب الأمنية والقضائية، التي كانت موضوعاً بارزاً في السجال بين الفريقين، ليمتدّ الخلاف إلى توزيع الحصص السياسية ضمن الطوائف وتحديد كيفية تمثيل الأطراف الأقوى في طوائفها، وفقاً لقاعدة النسبة المئوية التي يقترحها تيار المستقبل على التيار الوطني الحر أم لقاعدة الحصرية التي يريدها المستقبل لنفسه في طائفته؟
الأزمة الثانية يواجهها مجلس النواب مع تقدّم لجنة المال والموازنة في مناقشاتها لبنود الواردات والإنفاق في مشروع الموازنة، وتبلور نسبة عالية من التأييد للتراجع عن رسم الـ 2 على المستوردات، وعن فرض ضريبة الدخل على الرواتب التقاعدية، والأزمة تتمثل أولاً في كيفية قيام الأطراف الممثلة في الحكومة بالتصرف مع نسبة التأييد التي ينالها دعاة التراجع عن هذين البندين والتي تخترق الكتل النيابية جميعها، والوجه الآخر للأزمة هو في كيفية تعويض ما سيترتب من نتائج على إلغاء هذين البندين، تحقيقاً للمبدأ الذي يفترض أن يقارب النواب من خلاله الموازنة، وهو عدم التسبّب بزيادة نسبة العجز .
تعاود لجنة المال والموازنة اجتماعاتها الاثنين المقبل لدرس مشروع موازنة 2019، على ان تواصل اجتماعاتها طيلة الاسبوع المقبل صباحاً ومساء في ظل توقع نيابي أن ينتهي اعضاء لجنة المال والموازنة من دراسة المشروع في 27 حزيران.
وشدّدت مصادر نيابية لـ»البناء» على ان باب الإصلاح في الموازنة يخلص الى ضرورة تخفيض العجز، مشددة على أن التباينات والآراء المختلفة داخل اللجنة لا تفسد في الود قضية، صحيح أن هناك اجتماعات مكثفة بهدف الانتهاء من دراسة الموازنة، لكن الأكيد أيضاً ان السرعة لا تعني التسرع، معتبرة ان ما تقوم به يصبّ في خانة تحقيق الإصلاحات المطلوبة للحصول على أموال سيدر بعيداً عن المس بالطبقتين المتوسطة والفقيرة وذوي الدخل المحدود.
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «أننا سنعمل لإفشال فكرة فرض ضرائب جديدة على الناس، ولكن نريد أن نقول أمراً هاماً، فالحكومة اللبنانية تتحمل من اليوم مسؤولية أن تناقش السياسة الاقتصادية في لبنان، وبالتالي ما هو موقف الحكومة اللبنانية من السياسة الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والتعليمية والخدمية، فهذه عناوين ستة تحتاج إلى أن تهتم بها الحكومة اللبنانية لترسم سياساتها على هذا الأساس، فتوفر فرص عمل، وتحمي الإنتاج اللبناني، وتنهض بالاقتصاد، وإلاً إذا استمرت المناقشات على قاعدة الموازنة، فإنها ستحقق تخديراً مؤقتاً، ولا تحقق نقلة نوعية، التي تكون بدراسة السياسات الاقتصادية التي تتحمل مسؤوليتها الحكومة».
وجدّد البنك الدولي تمسّكه بما تعهّد به من تمويل لعدد من القطاعات في لبنان في إطار مؤتمر «سيدر»، وذلك خلال اللقاء الدوري بين المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه ووزير المال علي حسن خليل، حيث جرى عرض شامل للمشاريع التي يجري تمويلها بالتعاون مع البنك الدولي وتلك التي يتمّ التعاون في شأنها مع البنك المذكور لا سيما تلك المتعلقة بالصحة والتربية والكهرباء مع التشديد على إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان وإنشاء الهيئة الناظمة لهذا القطاع. وأثنى كومار على ما تضمّنته موازنة العام 2019 من إصلاحات تعتبر مشجّعة للمجتمع الدولي وتدخل في إطار ما هو مطلوب في المرحلة الراهنة، متمنياً أن ينتهي المجلس النيابي من مناقشتها وإقرارها في أسرع وقت ممكن.
إلى ذلك ينعقد مجلس الوزراء في السراي الحكومية يوم الثلاثاء في جلسة حدد جدول أعمالها بنحو 100 بند، وبحسب المعلومات فإن الجلسة لن تطرح ملف التعيينات الادارية.
وفي هذا السياق، تتجه الانظار في هذا الملف الى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في ظل اعتبار مصادر القوات لـ»البناء» أن الوزير جبران باسيل يتعاطى في ما خصّ الحصة المسيحية، على قاعدة ان هذه الحصة له دون غيره، مشددة على أن «باسيل يريد افتعال المشاكل مع الجميع ويبتغي من سياسته الزعم انه الزعيم المسيحي الوحيد وان الكلمة الفصل له في كل تعيين يتصل بالمسيحيين»، معتبرة أن «الاحزاب المسيحية لن تسمح بذلك فضلاً عن المكونات السياسية الأخرى سترفض هذه السياسات الباسيلية، وعلى رأسها الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري»، ولفتت في هذا السياق إلى أن موفد الدكتور سمير جعجع الوزير ملحم رياشي بحث اول أمس والرئيس الحريري في ملف التعيينات واكد له ان القوات لن تتهاون في هذا الأمر، خاصة ان الرئيس الحريري لن يقبل بأي إخلال بالتوازن وهو على اقتناع بأحقية المطالب القواتية، معتبراً انه كان من الأجدر بالذي ينادي بالإصلاح ومحاربة الفساد ان يلجأ الى التعاطي مع ملف التعيينات على قاعدة اعتماد الآلية بعيداً عن المحسوبيات.
وتشدّد مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» على أن الرئيس سعد الحريري لن يتعاطى مع ملف التعيينات الا من باب احترام الكفاءة والشخص المناسب في المكان المناسب وإحقاق التوازن الوطني والسياسي بعيداً عن محاصصة من هنا ومسايرة لبعض الأطراف السياسية من جهة أخرى، لافتة الى أن كلام الرئيس الحريري في المؤتمر الصحافي كان أكثر من واضح أنه لن يسمح لبعض المكوّنات بالاستئثار بالحصص على حساب أحد. فالتعيينات سوف توضع على طاولة مجلس الوزراء قريباً على أمل أن لا يلجأ بعض الوزراء الى التعطيل وكهربة الأجواء، معتبرة ان الرئيس الحريري سوف يؤكد الثلاثاء في بداية الجلسة على ضرورة العمل وعقد جلسات متواصلة لإنجاز الكثير من الملفات كما أنه سيتناول ملف الإضرابات الحاصلة في البلد وسيتطرّق الى ملف مشروع الموازنة الذي أقرّه مجلس الوزراء وأحاله الى لجنة المال.
وفي السياق، نفت مصادر تكتل لبنان القوي لـ»البناء» ما يُشار عن نية الوزير جبران باسيل إقصاء المردة والقوات عن التعيينات الإدارية، مشددة على انه يتعاطى مع هذه التعيينات وفق قاعدة تقوم على ان حصة التيار الوطني الحر المسيحية يجب أن تكون وفق حجمه النيابي والوزاري، بعيداً عن أي تأويل من هنا وهناك عن نية رئيس التيار الوطني الحر تحجيم القوات والمردة، لافتاً الى ان المكونات المسيحية الأخرى من المفترض ان تحصل على حقها بالتعيينات وفق حجمها النيابي ودائماً على قاعدة اختيار الأكفأ والأكثر جدارة. واشارت المصادر الى انه من المرجح ان يتواصل الرئيس الحريري والوزير باسيل في الايام المقبلة للبحث في هذا الملف الذي لم يناقش بعد مع أحد.
من ناحية اخرى بحث رئيس الحكومة سعد الحريري مع المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش في المستجدات وعمل الأمم المتحدة. كما بحث كوبيش ووزير الدفاع الوطني الياس بو صعب في ترسيم الحدود البرية والبحرية وملف النازحين وتم الاتفاق على وضع تصور مشترك لمساعدة لبنان في ضبط حدوده ومنـع التهريب غير الشرعي، خلال لقائهما اليوم في اليرزة.
على صعيد آخر، تسلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسالة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقلها إليه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمشرف العام على الساحة اللبنانية الوزير عزام الأحمد، تناولت الموقف الفلسطيني من التطورات الأخيرة المتصلة بالقضية الفلسطينية «والتي تهدّد مستقبل النظام الدولي القائم على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية». وأشار عباس في رسالته إلى استمرار «إسرائيل» في التوسّع وبناء المستوطنات غير القانونية وجدران الفصل في الأراضي المحتلة، ومحاولة تهويد القدس والتهجير القسري لسكانها. وتطرّق عباس في رسالته الى الموقف الأميركي حيال التطورات في فلسطين لا سيما الخطة المسماة «صفقة القرن».
المصدر: صحف