وصف الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان ذات مرة لدغات الأفاعي بانها “أكبر أزمة صحية تواجه العالم بصمت”. عشرات آلاف البشر يقضون بسبب لدغات الثعابين، وبالذات في الدول الفقيرة. فلماذا لا يتم القضاء على هذه المشكلة؟
قرأ الملايين عن مخاطر انتشار فيروس الإيبولا في عام 2014 في غينيا ومنها إلى بقية غرب إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، ما أسفر عن مقتل حوالي أحد عشر الف شخص. كما اجتذب تفشي المرض الذي دام ثلاث سنوات تغطية إخبارية دولية واسعة النطاق أدت إلى انتشار التوعية ولكن أيضاً الذعر في جميع أنحاء العالم الغربي. و لكن كان هناك قاتل آخر أكثر فتكاً في إفريقيا وجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وهو الثعابين السامة. وقد أودت لدغات الثعابين بحياة نحو أربعمائة ألف شخص ين عامي 2014 و 2016، ما يجعل لدغات الأفاعي أكثر فتكًا بنحو 40 مرة من فيروس الإيبولا.
وعلى الرغم من وجود علاج طبي عالمي للدغات الأفاعي يسمى “مضاد السم” ، إلا أن عضات الثعابين تسببت في ما يقرب من مائة وثلاثين ألف حالة وفاة ونحو ثلاثمائة ألف إصابة بالشلل أو بالبتر في العام الماضي فقط، ولذا أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) خطة عمل للحد من آثار لدغات الثعابين على صحة البشر. وتسعى المنظمة للتقليل من عدد الوفيات الناجمة عن لدغات الأفاعي إلى النصف بحلول عام 2030 من خلال ضخ 136.76 مليون دولار لتثقيف المجتمعات المعرضة للمشكلة حول كيفية الوقاية من لدغات الأفاعي وتوفير الأدوية المضادة للسم على نطاق واسع للمجتمعات الفقيرة التي لم تكن قادرة تاريخياً على تلقي الرعاية المناسبة في الوقت المناسب.
لدغات الأفاعي في البلدان النامية
وصف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لدغات الأفاعي بأنها “أكبر أزمة صحية عامة لم تسمع بها من قبل”. و في الدول الغربية، غالباً ما يُعتبر الخوف من الثعابين قلقًا غير عقلاني يشبه الخوف من حوادث تحطم الطائرات والعناكب والارتفاعات.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تقتل الأفاعي السامة حوالي خمسة أشخاص سنويًا. وفي أوروبا تقل عن أربع وفيات سنويًا. أما الأوضاع في البلدان النامية فهي مختلفة تماماً
وفقاً للباحثين فإن منظمة الصحة العالمية قدرت المتوسط العالمي للوفيات التي تسببت فيها لدغات الأفاعي ما بين واحد وثمانين ألف شخص إلى مائة وثمانية وثلاثين ألفاً. ومن المحتمل أن يكون الرقم أعلى من ذلك التقدير. وتحدث معظم الوفيات في القرى الريفية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. لأن العديد من القرى تبعد ساعات عن المستشفيات المحلية، ما يضطر نحو 80 في المئة من الضحايا إلى استخدام علاجات منزلية أو المعالجين المحليين. وهو ما يزيد احتمالات وفاة المصابين .
أزمة الوصول إلى ترياق السم
يصعب على الحكومات أن تتعرف على عدد الأشخاص الذين يموتون بالفعل بسبب اللدغات، بدون إحصائيات دقيقة من المستشفيات. فعلى سبيل المثال ، قدرت دراسة أجريت على مستوى المجتمع المحلي لوفيات تسببت فيها لدغات الأفاعي في الهند قرابة 46 الف حالة وفاة في عام 2005، وهو ما يزيد بمقدار 30 مرة عن الرقم الرسمي لحكومة الهند، وفقًا لمسؤولي البحث. وهذا يجعل من الصعب على حكومات مثل الهند طلب كميات مناسبة من الأدوية المضادة للسم لمستشفياتها. كما أن قلو من البلدان المعرضة بشدة لتلك الأزمة، لديها البنية التحتية اللازمة لإنتاج مثل هذه الأدوية، وذلك فهي مجبرة على شراء الأدوية المضادة للسم باهظة الثمن، من شركات الأدوية الغربية.
ونظرًا لأن الأدوية محدودة للغاية والمستشفيات ترسل تقديرات أقل من الذي تحتاجه، لذلك غالبًا يكون لدى شركات إنتاج الأدوية عدد قليل جدًا من الزبائن ولذلك تقرر إيقاف إنتاج الدواء المضاد للسم. وقد حدث هذا في عام 2014 ، عندما توقف إنتاج FAV-Afrique وهو دواء هام لمكافحة السم ويستخدم في علاج لدغات نحو عشرة أنواع مختلفة من الثعابين في أفريقيا. وانتهت الدفعة الأخيرة منه في عام 2016 ، وفقًا لتقرير منظمة أطباء بلا حدود.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود أنها حلقة مفرغة، حيث لا تشتري البلدان مضادات السموم لمستشفياتها لأنها باهظة الثمن، وشركات الأدوية لا تصنعها بسبب قلة عدد المشترين. والنتيجة هي أن الأدوية تظل بعيدة عن متناول الأشخاص الذين يحتاجون إليها.
والآن، يستخدم الأطباء نوعين من الأدوية المضادة للسم، لكنهم يقولون إن الأدوية باهظة الثمن بالنسبة للمستشفيات المحلية. ففي الهند، قد تصل التكلفة الأولية للعلاج إلى 5150 دولارًا ، ما يجبر العديد من الضحايا على استنفاد مدخراتهم أو بيع الأراضي أو إخراج أطفالهم من المدرسة للمساعدة في دفع ثمن علاج لدغات الأفاعي.
و تخطط منظمة الصحة العالمية لجمع عينات بيانات أكثر دقة حتى تستطيع المستشفيات تقدير كميات الأدوية المضادة للسم التي ستحتاجها. كما تخطط المنظمة لتوفير طرق تمكن الضحايا الذين يعيشون في قرى نائية من الوصول إلى العلاج المضاد للسم قبل فوات الأوان، من خلال توفير الخدمات الإسعافية.
المصدر: DW