في اليوم الأول لإطلاق العداون على اليمن، أطل المتحدث باسم تحالف العدوان “أحمد عسيري” مبشراً: تم تدمير إمكانات الجيش اليمني في ربع الساعة الأولى. عام مضى على الحرب، وساعة الحرب عند عسيري لما تنته بعد ليُعلن وقف العدوان. لم تُخرج السعودية أنصار الله من صنعاء، ولا هي أعادت الرئيس الفار إلى العاصمة… فماذا حققت المملكة؟
يطوي اليمنيون اليوم ذكرى عامهم الأول مع العدوان الذي أعلنته الجارة الشقيقة. حروب الإلغاء الباردة لم تتوقف يوماً على اليمن، لم يكن أولها عدوان “عاصفة الحزم”… ولن يكون آخرها فيما لو استمر قرار الحرب والسلم مصادراً في المملكة من قبل أمراء آل سعود. يحفظ أمراء المملكة عن والدهم المؤسس تحذيره من يمن موحد ونُصحه لهم بأن رخاؤهم مرهون ببؤس اليمن. الاستعداء السعودي لليمن لم تنتجه المستجدات على الساحة اليمنية ما بعد العام 2011. الخلافات الحدودية منذ سيطرة عبدالعزيز على السلطة، ومصادرة حقول نفط، أو إفشال مشاريع استثمارية لشركات أجنبية في اليمن، وإيقاف المساعدات إضافة إلى طرد نحو مليون عامل يمني إبان حرب الخليج الثانية… جملة من الشواهد من شأنها أن توضح نظرة آل سعود إلى الجارة اليمن. وهي نظرة من شأنها أن تقدم تفسيراً للاندفاعة السعودية لشن العدوان على اليمن.
كيف بدا المشهد قبل 26 آذار/مارس 2015؟
“كان الحوثيون قد وافقوا على انسحاب مسلحيهم من صنعاء، لتحل محلها قوة أمنية وطنية برعاية خبراء الأمم المتحدة. على أن يحصل الحوثيون في المقابل على حصة حكومية بنسبة 20٪. ولكن هادي رفض هذه الشروط كما فعل السعوديون وبينما كانت المفاوضات لا تزال جارية… بدأ السعوديون الحرب”، هذا ما كتبه الكاتب الأميركي والأستاذ المحاضر في الدراسات الدولية “روبرت برينس” في مقال نشر على “فورين بوليسي إن فوكس”.
أفشلت السعودية الحوار، وفي 18 آذار/مارس 2015، اغتيل “عبد الكريم الخيواني” ممثل حركة “أنصار الله” في مؤتمر الحوار، ليشكل هذا الحدث رصاصة تفجير الداخل اليمني. ضرب الإرهاب مساجد صنعاء موقعاً مجزرة دموية راح ضحيتها مصلو الجمعة، وعلى رأسهم العلامة الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري. قال اليمنيون يومها إن المملكة حرّكت الورقة التي تحسن توظيفها في كل صراع تتبناه في المنطقة، “ورقة الإرهاب”! وهو ما استدعى دعوات النفير العام ضد الإرهاب.
لم يكن بمقدور المملكة الشقيقة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام اندحار الإرهاب وانكفائه في المدن اليمنية، قررت السعودية أن تعتلي حلبة الصراع بشكل مباشر، فجاء الإعلان عن “عاصفة الحزم”.
لماذا أتت الحرب؟ يقول المساعد الأسبق لوزارة الخزانة الاميركية “باول رابرتز” إن الحرب أتت لجر إيران للحرب وبالتالي منع الاتفاق النووي، إلا أن الكاتب الأميركي والأستاذ المحاضر في الدراسات الدولية “روبرت برينس” رأى أن السبب يكمن في أن المملكة لا يمكنها أن تتسامح مع وجود حكومة في صنعاء لا تخضغ لسيطرتها.
في الساعات الأولى من يوم 26 آذار/سبتمبر 2015، خرج عادل الجبير الذي كان سفير مملكة آل سعود في واشنطن، معلناً عن بدء الحرب. وتحت عنوان “إعادة الشرعية” أعلن أن حرب بلاده تهدف إلى إعادة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى صنعاء، والقضاء على أنصار الله.
عام مضى على رفع هذه الأهداف، وعلى مدار العام كانت الصحف السعودية تقابل روايات الإعلام اليمني الموثقة عن الضربات التي يتلقاها الجيش السعودي، بشتم “الحوثيين” وتمجيد “ملك الحزم والعزم” سلمان بن عبد العزيز، فأي حزم وعزم حصده السعوديون خلال هذا العام؟
“فيتنام السعودية”
تعاطت الكتابات الأمريكية بمعظمها مع العدوان على أنه فيتنام السعودية، مجلة “فورين بوليسي” وصحيفة “واشنطن بوست” وموقع “غلوبال ريسيرتش” إضافة إلى موقع “ترو نيوز”… الرؤية كانت تقريباً واحدة: اليمن تحول إلى فيتنام المملكة.
أيام معدودة بعد الحرب، نشر موقع “غلوبال ريسيرتش”، متسائلاً: هل تحولت اليمن إلى فيتنام للسعودية؟ ونقل عن الباحث الجيوسياسي “المهدي داريوس ناظم روايا” أن “السعوديين سيكونون أغبياء جداً في حال شرعوا في العمليات البرية. سيكون ذلك بمثابة فيتنام في الشرق الأوسط، في شبه الجزيرة العربية”.
“ستكون كارثة بالنسبة للمملكة السعودية. عندما غزت السعودية اليمن في عامي 2009 و 2010 لمحاربة الحوثيين، خسرت. وتمكن الحوثيون من الاستيلاء على أجزاء من المملكة العربية السعودية. القرى السعودية في الجنوب سيطر عليها الحوثيون. وإذا كانت السعودية تريد أن تكرر سياسة الفشل فلتذهب إلى إرسال قوات على الأرض في اليمن”، أضاف “ناظم روايا”.
استنزفت العدوان على اليمن السعوديين عسكرياً وسياسياً وحتى استراتيجياً، تحول الميدان اليمني إلى مأزق ورط السعوديين وكبّل أيديهم، لم يكن بمقدورهم تحقيق أي تقدم، وبدا التراجع هزيمة مدوية أمام دعايات وروايات الإعلام السعودي. وجدت السعودية نفسها مكبلة في الصراع مدمّر طال أمده، كان من شانه أن يعمق الصاعات الداخلية بين الأمراء وأن يضعف من هيبة ونفوذ المملكة إقليمياً.
عسكر المملكة: نمر من ورق
تشكل موازنة تسليح الجيش السعودي ثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وبحسب رواية “سي أن أن” الأميركية فإن القوات السعودية تعتبر الأفضل تسليحاً بين القوات الخليجية، ومع ذلك فقد عرّى الميدان اليمني قدرات المملكة العسكرية، رغم ما تلقته من مساعدات لوجستية واستخباراتية أميركية.
ألحق القصف السعودي الكثير من الأضرار بالسكان المدنيين في البلاد لكن لم يُضعف المقاتلين اليمنيين على الأرض، ولم يوجه أي ضربة موجعة للجهاز العسكري اليمني الذي أثبت عن قدراته القتالية العالية. بالمقابل تلقى “التحالف” السعودي ضربات موجعة طالت السفن السعودية الراسية في البحر الأحمر، كما تلقت القوات نفسها ضربات قاصمة في مأرب ولحج، عدا عن المواقع العسكرية الحدودية التي تهاوت أمام التقدم اليمني.
وقد بلغت “خسائر السعودية في اليمن.. حوالي 3500 قتيل و6500 جريح و430 مفقوداً”، وفق ما كشف عنه المغرد السعودي الشهير “مجتهد”، وهي معلومات تقاطعت مع ما كشفت عنه صحيفة “رأي اليوم” الالكترونية من أن عدد القتلى السعوديين بلغ 3560 قتيلا بين جندي وضابط.
ولتجنب سقوط المزيد من القتلى وما قد يستدعيه ذلك من رد فعل سلبي على صعيد الداخل، لجأت المملكة السعودية إلى التعاقد مع قرابة 800 مرتزق كولومبي من المتدربين على القتال في المناطق الجبلية الوعرة، كما استقدمت مقاتلين من استراليا والأرجنتين والمكسيك، وبعض هؤلاء تم تجنيدهم من قبل شركة خاصة يديرها “إريك برنس”، مؤسس شركة بلاك ووتر الأمنية السابقة، إلا أن إخفاق هذه القوات مرده إلى أن جبال كولومبيا ليست مشابهة لتلك الموجودة في اليمن، وفق تفسير “فورين بوليسي”.
لعنة اليمن: عجز اقتصادي قياسي لمملكة تعوم على النفط
أواخر العام 2015، سجل الاقتصاد السعودي عجزاً قياسياً في الميزانية بلغ حوالي 87 مليار$ ، وُصف بأنه الأعلى منذ حرب الخليج الثانية. العجز الاقتصادي أرجعه خبراء إلى كلفة الحرب في اليمن الباهظة، ما استدعى من مغردين سعوديين على “تويتر” لأن يصفوا أوضاع المملكة بأنها “لعنة” أحدثتها حرب اليمن.
قاد العجز الاقتصادي إلى سلسلة سياسات اقتصادية جديدة: تم رفع أسعار الغاز والديزل، وقطع الدعم عن الوقود، كما تم فرض ضريبة القيمة المضافة على المؤسسات.
الخبيرة الاقتصادية في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، “آمال ناصر” أرجعت السياسات الاقتصادية الجديدة لقُصر عائدات النفط عن تغطية كلفة الحرب، وجزمت أن “الحرب السعودية على اليمن رسمت بداية الانكماش الاقتصادي، الذي سوف يرتد بالتأكيد على نظامها السياسي على المدى الطويل”.
صراع الأمراء
تصاعد الصراع الداخلي بين أمراء آل سعود كان أحد ارتدادات الفشل في حرب اليمن. فالملك المقبل للسعودية سيرسم بمجرد وصوله آليات انتقال السلطة، وهو ما يفسر الحديث عن صراع داخلي بين أبناء الجيل الثاني، وتحديداً بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان على الوصول إلى العرش.
ما علاقة الحرب بالصراع على السلطة؟ يحيلنا السؤال إلى كلام للراحل الكبير محمد حسنين هيكل الذي صرّح مع بداية الحرب إلى أن قرار السعودية شن العدوان على اليمن يعود لأمور تتعلق بانتقال السلطة في المملكة، والجيل الشاب الجديد وليس بالوضع في اليمن.
قاد محمد بن سلمان حرب اليمن، ليثبّت نفسه كملك مقبل أمام منافسه محمد بن نايف. الصراع بين الأميرين كُتب عنه الكثير، ما استدعى من صحيفة “سبق” السعودية (المحسوبة على وزارة الداخلية السعودية) إلى عَد قبلات طبعها بن سلمان على يد بن نايف لتقول: “8 قُبلات من “محمد بن سلمان” على يد ولي العهد ترد افتراءات المرجفين”.
لا تتوقف ارتدادات الحرب على صراع الأمراء هنا، ففي أيلول/سبتمبر الماضي، سُربت رسالة صاغها أمراء العائلة الحاكمة تحت عنوان “نذير عاجل لكل آل سعود”، وطالبت الرسالة ” بعزل الثلاثة:
– الملك العاجز سلمان بن العزيز
– المُفَرّطْ المستعجل المغرور ولي العهد الأمير محمد بن نايف
– السارق الفاسد المُدَمّر للوطن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”
وتساءلت رسالة الأمراء: “كيف رضينا بسياسة خارجية تضعف ثقة شعبنا فينا وتؤلب علينا الشعوب الأخرى؟ وكيف رضينا الدخول في مخاطرات عسكرية غير محسوبة مثل الحلف العسكري لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن؟”
تمدد الإرهاب جنوباً… والارتدادات على الداخل
قاد العدوان إلى تقسيم فعلي في اليمن، بين شمال يُصارع العدوان بإمكانات قتالية عالية وإرادة صمود قاهرة، وبين جنوب منفلت أمنياً بات تتحرك فيه الجماعات الإرهابية متجاوزة الخطوط الحمراء الأميركية. المشهد الذي يقلق الأميركيين، يشكل هاجساً للسعودية نظراً للحدود الشاسعة والمفتوحة التي تجمعها بمحافظة حضرموت الجنوبية التي باتت مرتعاً للتنظيمات الإرهابية.
موقع “فورين بوليسي إن فوكس” قال إن الحرب عزّزت وجود تنظيم القاعدة في المناطق الجنوبية للبلاد. ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن أحد سكان عدن وصفه لأوضاع المدينة الجنوبية: “لاشيء فيها إلا الفوضى، أما قوات التحالف فإننا لا نفهم ما هو دورهم هنا”.
عام على العدوان، والثابت إلى اليوم أن لا شيء تحقق إلا العجز. 26 آذار/مارس 2016 لاتزال مفاتيح صنعاء بيد أنصارالله، فيما تسرح المجموعات المقاتلة للقاعدة وداعش في مناطق نفوذ تحالف العدوان في الجنوب. لن تجرؤ السعودية على الإقرار بالفشل، هكذا هي طبيعة العقلية البدوية. إلا أن مؤشرات وتصريحات المسؤولين السعوديين تفيد بذلك.
أن يخرج المتحدث باسم الحرب “أحمد عسيري” للقول إن بلاده تفرق “بين الحوثيين كمكوّن سياسي يمني وبينهم كميليشيات مسلحة”… كافٍ ليُبنى عليه أن المملكة أقرت بالعجز!