في 30 نيسان/ إبريل الفائت، وصل تصعيد زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو الى الذروة، بإعلانه الإنقلاب على الرئيس نيكولاس مادورو من أمام قاعدة عسكرية جوية في كاراكاس، معتمداً في محاولته على “مجموعة جنود شجعان” كما أسماهم في فيديو تمَّ تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي، ليتبيَّن لاحقاً، أن نحو 5 آليات تحمل بضعة عناصر أربكوا أمن القاعدة العسكرية، وكانت الحصيلة تحرير المعارِض ليوبولدو لوبيز الذي راهن عليه غوايدو لتجييش الشارع في اليوم التالي بمناسبة عيد العمال في الأول من أيار/ مايو، لكن لوبيز لم يصمد لأكثر من 24 ساعة وهرب الى تشيلي، ومَن لم يتسنَّ له من المُقرَّبين منه الهروب خارج البلاد، دخل سفارات أجنبية طالباً اللجوء السياسي.
هذه المحاولة الإنقلابية تبيَّن أنها ضعيفة، ولا ترتكز لا على أرضية جماهيرية ولا عسكرية، وقال وزير الإتصال خورخي رودريغز: ” نواجه ونقوم بتحييد مجموعة من الخونة تمركزوا على جسر ألتاميرا للقيام بإنقلاب عسكري”.
وبالفعل، وخلال ساعات انتهى كل شيء يتَّصل بهذه المحاولة، وأعلن الرئيس مادورو فشل الإنقلاب، وجاءت التظاهرات العمالية عادية جداً، مما دفع بالمُعارِض غوايدو الى الدعوة لوجوب التناوب في الإضراب وصولاً الى الإضراب العام، وظهور وزير الدفاع فلاديمير بادرينو الى جانب الرئيس مادورو خلال الإعلان عن وأد المحاولة، كان له صداه في الشارع، وأكَّد أن الجيش الفنزويلي مُتماسِك خلف الرئيس، وبَدَت المشهدية واضحة، أن هذه المحاولة الخائبة التي اعترفت أميركا بدعمها، هي آخر محاولة أميركية لكنها لن تكون الأخيرة في مسلسل العدوان الأميركي، لزعزعة استقرار دولة ترفض مع مجموعة دول أخرى في أميركا اللاتينية العودة الى حُكم “جمهوريات الموز الأميركية”، ضمن منطق “خذوا شتول الموز ونشتري إنتاجكم”، هذا المنطق الإستعلائي الأميركي، هو الذي أشعل الثورة البوليفارية التي لا تزال مُتَّقِدة على ما يبدو في صدور الجماهير، والذي عبَّر عنه رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا بقوله: “الولايات المتحدة هي وراء الانتفاضة في فنزويلا”، وتساءل في احتفال رسمي: “لماذا تكنّ الولايات المتحدة هذا القدر من الغضب والكراهية ضد الثورة البوليفارية؟
وبعفويَّته المُتهوِّرة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تقف الى جانب الشعب الفنزويلي، فيما دعا مستشاره جون بولتون كبار مسؤولي النظام في فنزويلا، ومنهم وزير الدفاع، الى الإلتحاق بـ خوان غوايدو، وتوجَّه الى الرئيس مادورو بالقول عبر تغريدة: “لقد دقَّت ساعتك، هذه هي فرصتك الأخيرة”، مُشيراً – في تغطية على المحاولة الفاشلة- الى أن الأحداث الجارية ليست إنقلاباً وأن كل الخيارات مطروحة للنقاش.
المُلفِت في صمود فنزويلا بوجه الولايات المتحدة حتى اليوم يعود لثلاثة عوامل:
أولاً، تضامن دول أميركا اللاتينية الثورية معها، من منطلق “المصير البوليفاري الواحد”، وباستثناء كولومبيا طبعاً، أعلنت هذه الدول ما يُشبه حرباً ديبلوماسية على “أميركا ترامب”، التي دمَّرت حتى العلاقة التي أحياها أوباما مع كوبا بعد عداءٍ استمر نصف قرن، وهذا ما فَضَح بنظرهم هشاشة الإستمرارية المؤسساتية في الولايات المتحدة.
ثانياً، موقف روسيا والصين الداعم للخيار الديموقراطي في فنزويلا، والمُناهض للموقف الأميركي العدواني، بحيث أن لقاءً قد تقرر بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة الأسبوع المقبل، لبحث المسألة الفنزويلية بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة، خاصة أن روسيا لم تتردَّد يوماً بإتهام أميركا في الضلوع بزعزعة استقرار فنزويلا وسائر الدول الإشتراكية في أميركا اللاتينية.
ثالثاً وأخيراً، ليست ردود الفعل الدولية المُندِّدة بالعنف، وأبرزها من أمين عام الأمم المتحدة ومسؤولة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، ولا من الدول التي تُعارض التدخل الأميركي في السياسات الداخلية، مثل إيران وتركيا، هي وحدها التي تحمي نظام حكم الرئيس مادورو، بل العقيدة الوطنية للشعب الفنزويلي، الرافضة لإستعمال العنف المُفرِط الذي يُسيل الدماء المجانية، وهنا تكمُن قدرة فنزويلا غلى المواجهة: عدم انتظام المعارضة ضمن أحزاب فاعلة، لأن الشعب الفنزويلي مهما بلغت الخلافات السياسية بين أطيافه لا يستطيع التبرؤ بسرعة من عقيدة الثورة البوليفارية التي حرَّرته من أميركا ومن حُكم “جمهوريات الموز”…
المصدر: موقع المنار