الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: الأصل عندنا في اعتماد الحلول للأزمة المالية هو عدم المس بالطبقة الفقيرة.
نص الخطبة
يقول الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ).
ويقول تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
نبارك لكم وللأمة الاسلامية ولكل المستضعفين ذكرى ولادة بقية الله الأعظم الامام الحجة المنتظر محمد بن الحسن المهدي(ع) الذي كانت ولادته في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255 هجرية.
من المؤكد ان الامام المهدي (ع) يعمل بعد ظهوره الشريف على بناء المجتمع الذي ادخره الله سبحانه لتشييد معالمه في تلك المرحلة الزمنية المستقبلية، وهو ما يعرف بالمجتمع المهدوي .
والمجتمع المهدويّ هو المجتمع الاسلامي المثالي الّذي يكوّنه الإمام المهدي(ع) في عصر الظهور ويعمل على إرساء معالمه وخصائصه وبنيانه فور خروجه ، وهو المجتمع نفسه الّذي بُعث من أجل بناءه الأنبياء والرسل، فقد جاء الأنبياء ، ومنذ بداية تاريخ البشرية، الواحد بعد الآخر، ليقرّبوا البشريّة خطوةً خطوة نحو ذلك المجتمع المثاليّ وذلك الهدف النهائيّ الّذي سيتحقّق ويكتمل على يدي الامام المهديّ الموعود(ع).
وقد نجح الأنبياء جميعا في هذا المسار وعلى طريق بناء هذا المجتمع، وتقدّم كلّ واحدٍ منهم خطوةً نحو الهدف النهائيّ، وسعوا بكلّ جهدهم من أجل تحقيق هذا الهدف، إلا أنهم لم يصلوا الى تحقيقه بالكامل، وعندما يظهر الامام المهدي وباعتباره وارث الأنبياء والرسل وقد ادخره الله كل هذه القرون ليحقق آمال الأنبياء وأهدافهم النهائية، يقوم بالخطوة الأخيرة على طريق بناء وتكوين هذا المجتمع الاسلامي الرباني، ويحقق هذا الهدف بشكل كامل ونهائي.
وعندما نعود إلى الروايات التي تتحدث عن المستقبل سنجد أن من خصائص ذلك المجتمع:
اولا: أنه المجتمع الذي يعم فيه العدل، فلا مكان فيه للظلم والطغيان والعدوان والاحتلال؛ فالامام(ع) يعمل على اقتلاع جذور الظلم والطغيان، ويعمل على ارساء وتحقيق العدالة في جميع جوانب الحياة، ليس في هذه المنطقة وفي العالم الاسلامي فقط، بل في كلّ أنحاء العالم، فلا وجود لأي شكل من أشكال الظلم في المجتمع الانساني في تلك المرحلة، لا ظلما اقتصاديّا ولا سياسيّا ولا اجتماعيا ولا أيّ نوعٍ من انواع الظلم والعدوان، ولا وجود لاي نوع من أنواع التمييز وعدم المساواة والتسلّط والهيمنة، بل العدل والعدل فقط الذي هو من أبرز معالم المجتمع المهدوي، وهو ما اكدته الكثير من الاحاديث المتواترة التي تتحدث عن أنه(ع): يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
ثانيا: انتشار العلم والثقافة في المجتمع، فالمجتمع المهدوي هو الّذي تصل فيه المعرفة الدينيّة والمعرفة العلميّة للبشر إلى حدّها الأعلى؛ فإنّ من خصائص المجتمع المثاليّ الّذي يصنعه الإمام (صلوات الله عليه) هو الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ، سواء على مستوى العلوم الانسانية أو المعارف الإسلاميّة اوالعلوم والمعارف الأخرى. ففي مجتمع الامام تعم الثقافة وتنتشرالمعرفة ويتمكن الناس من فهم الدين فهما صحيحا، ولن نجد في تلك المرحلة في كلّ العالم، أيّ أثرٍ للجهل والأميّة والبؤس الفكري والثقافيّ، بل إن الوعي البشري والعقول تتكامل ، ويبرز على أثر تكامل العقول وانتشار العلوم التقدم الصناعي والتكنولوجي والعلمي في مختلف المجالات.
فعن الإمام الباقر(عليه السلام): “إذا قام قائمنا (عليه السلام) وضع يده على رؤوس العباد فجمع به عقولهم، وكملت به أحلامهم”
وعنه (عليه السلام) في حديث آخر: (وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وهذا يعني أنّ المعرفة الدينيّة ترتقي إلى درجة أنّ كلّ أبناء المجتمع، والنساء اللواتي لا يشاركن في الحياة الاجتماعية، ويبقين في بيوتهنّ، فإنّهنّ يتمكّن من أن يصبحن فقيهات وعارفات في الدين، حتى ليقضين في بيوتهن بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله .
ثالثا: الرخاء والإزدهار الاقتصادي والمعيشي في المجتمع، ففي ذلك المجتمع تظهر وتبرز الخيرات والثروات والبركات والنعم وتكون في متناول الناس جميعا، كل الموارد الطبيعية وكلّ الطاقات والامكانات التي تختزنها الارض تظهر وتبرز، فلا يبقى شيءٍ في باطن الأرض الا ويتم استخراجه، وكل الإمكانات الطبيعيّة المعطّلة، والأراضي غير المستثمرة، والطاقات والموارد الّتي لم تُكتشف بعد، يتم اكتشافها واستثمارها ويستفيد الناس منها.
هناك طاقات وامكانات وموارد بقيت قرونا في باطن الارض ولم يتم اكتشافها الا مؤخرا، مثل الطاقة النووية والنفط والغاز وبعض المعادن وغيرها مما كان موجودا في باطن الارض والطبيعة ولم يتم التعرف عليها من قبل البشر لقرون طويلة، ثمّ بعد ذلك قاموا باستخراجها بالتدريج، لكن في عصر الامام كلّ الطاقات والإمكانات والكنوز اللامحدودة التي تختزنها الارض والطبيعة مما لم يتم اكتشافه حتى الان، سوف تُستخرج ببركة وجود الإمام وسينعم بها المجتمع الانساني.
ففي حديث عن المهدي: وحكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) وحكم محمد (صلى الله عليه وآله).. فحينئذ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا بره، لشمول الغنى جميع المؤمنين.
وفي روايةٍ أخرى: “القائم منّا منصورٌ بالرّعب مؤيّدٌ بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ”
وفي بعض الروايات نقرأ: “فلا يبقى خرابٌ إلا قد عمر” أي أنّ سلطة الامام سوف تُنفق أموالها وامكاناتها في عمارة الأرض، لا في السيطرة على ثروات البشر وفي استضعافهم، بحيث لن يبقى خراب في العالم إلا وسيُعمّر؛ سواءٌ كان الخراب ناجما عن الحروب او عن سوء تدبير البشر وجهلهم.
ونقرأ في بعض الروايات أيضاً: “إذا قام قائمنا اضمحلّت القطائع، فلا قطائع” أي ان الهبات والمنح الّتي تمنحها الأنظمة المستكبرة لحلفائها من جيوب الشعوب وثرواتهم ستتوقّف تماماً في العالم. ففي الماضي كان الخليفة أو السلطان يمنح أرضاً أو قريةً أو مدينةً أو حتّى ولايةً لشخصٍ ما، فيقتطع له ذلك ليفعل ما يحلو له فيها، وليأخذ السلطان نصيبه، واليوم تمنح بعض الإنظمة التي تعيش التبعية لاميركا والدول الكبرى مئات مليارات الدولارات والكثير من الامتيازات النفطية والتجارية والمالية وغيرها من ثروات الشعوب ، مقابل حماية هذه الانظمة وعروش الملوك والأمراء .. وكلّ هذه الهبات التي تدفع من جيوب الناس والتي أفقرت الشعوب سوف تُطوى وتتوقف وسوف توضع هذه الخيرات والثروات في متناول جميع الناس ليستفيدوا هم منها وليقضوا من خلالها على كل أسباب الفقر، فلا يبقى فقير في ذلك المجتمع، بل يمتاز الجميع بالغنى والثراء على أثر ظهور الخيرات والنعم والتقدم الإقتصادي ، وتوزيع الثروات بشكل عادل.
ففي روايةٍ تتحدث عن الوضع الاقتصاديّ في زمن الامام : “ويسوّي بين الناس حتّى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة” ما يعني أنّه لن يبقى هناك أيّ فقير يحتاج إلى أخذ الزكاة او الحقوق الشرعية، بحيث يصبح مصرف الزكاة منحصرا في الأمور العامّة وليس للفقراء، لأنّه لن يبقى هناك أي فقير او محتاج.
وفي رواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ذكر المهدي (عجّل الله فرجه)، قال: “ويقسّم المال قسمةً صحاحًا، ويغنم الناس حتى لا يحتاج أحدٌ أحدًا.
رابعا: انتشار القيم والفضيلة والأخلاق، فمجتمع الامام هو المجتمع الّذي تكون فيه التقوى والفضيلة والأخلاق والإيثار والأخوّة والعطف والانسجام أصلاً ومحوراً، حيث تنتشر الفضائل والقيم الاخلاقية والانسانية قيم المحبة والخير والتسامح والعدل .
فعن الإمام الباقر(عليه السلام) في رواية: “حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة وأتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته فلا يمنعه”، وهي إشارة إلى خلق الإيثار والكرم والجود الذي يتعامل به الناس في ذلك المجتمع. فلا مكان للبخل والحرص الّذي هو من أكبر اسباب الشقاء.
خامسا: عموم الأمن: ففي بعض الروايات : وأمنت به السبل ، وفي حديث آخر: وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها أحد.
سادسا: تطبيق الحدود والقوانين الالهية، ففي هذا المجتمع تُطبّق الحدود الإلهيّة وتُراعى كلّ التشريعات الّتي أنزلها الله سبحانه وجاء بها الإسلام. نقراء في دعاء الندبة “أين المُعدّ لإقامة الحدود”.
كل هذه الخصائص والمعالم ستتحق في الواقع الذي يصنعه الامام ، وهذه ليست مجرد أمنيات وتخيلات، والحديث عنها ليس من قبيل الحديث عن المدن الفاضلة الّتي صنعها البعض في مخيلاتهم وأوهامهم، أبدا، إنّ كلّ تلك الخصائص التي أخبرت بها الروايات الصحيحة قابلة للتحقق والتطبيق، لأنّ هناك قلبا وفكرا وإرادة وقدرة متّصلة بالوحي الإلهي والتأييد الإلهيّ وهناك انسان معصومٌ يمكنه يقيناً أن يحقّق هذه الأمور في المجتمع وفي العالم بتأييد وتوفيق وتسديد من الله سبحانه، وما ذلك على الله ببعيد.
لكن ما هي مسؤوليتنا في عصر غيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف؟ وماذا نفعل نحن لنساهم في صنع ذلك المجتمع ؟
تكليفنا واضح :
أوّلاً: يجب أن نتحل مسؤولياتناعلى صعيد الهداية والتربية الصحيحة لنصنع مجتمعنا المصغر على شاكلة مجتمع الامام بان نربيه على قيم الاسلام ونبدأ بالأسرة والأزواج والاولاد ونتمدد الى غيرهم الى جيراننا وأبناء مجتمعنا كي نقرّب مجتمعنا وزماننا خطوةً بخطوة نحو ظهور الامام وتكوين مجتمعه الانساني الكبير .
وثانيا: علينا أن نبعد أنفسنا عن الظلم ونتحرّك بحزمٍ ضدّه، أيّ ظلمٍ كان ومن أيّ شخص، وان نطبق احكام الاسلام ما امكن في مجتمعنا، وان نواجه الأفكار والشبهات الضالة والتحديات الاخلاقية والسلوكية وأن ننشر الفكر والقيم الإسلاميّة الاصيلة في الآفاق وفي العالم وهذا سيساعد ويقرّب من مرحلة ظهور الامام ويعجل في فرجه.
فنحن نقرأ في دعاء النّدبة أنّ إمام الزمان يقاتل الفسوق والعدوان والطغيان والنّفاق ويزيل كلّ ذلك ويقضي عليه. وعلينا اليوم أن نتحرّك في مجتمعنا بهذا الاتّجاه ونتقدّم. هذا هو الشيء الّذي يقرّبنا إلى إمام الزمان صلوات الله عليه من الناحية المعنوية، ويقرّب مجتمعنا نحو مجتمع الامام صلوات الله وسلامه عليه، ذلك المجتمع المهدويّ التوحيديّ الذي تحكمه القيم والقوانين الالهية.
في هذه الأيام نعيش ذكرى عدوان نيسان الذى نفذه العدو الاسرائيلي ضد لبنان سنة 1996 والذي سمّاه العدو بعناقيد العضب ، هذا العدوان بدأ في 11 نيسان وإستمر 16 يوماً، وكانت نهايته في 27 نيسان.
بدأ العدوان بقصف مقر القيادة العسكرية لحزب الله في حارة حريك والذي كان يقيم فيه آنذاك القائد العسكري للمقاومة في ذلك الوقت القائد الشهيد السيد مصطفى بدر الدين.
لجأ العدو نتيجة فشله في الميدان وعجزه عن تحقيق اهدافه الى قصف المدنيين وارتكاب المجازر بحقهم كان افظعها مجزرة قانا التي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من الرجال والنساء والاطفال الذين كانوا قد لجأوا الى مقر القوات الدولية في بلدة قانا ليحتموا من القصف الصهيوني، لكن بالرغم من بشاعة العدوان والمجازر التي لجأ اليها العدو لم يتمكن من النيل من صمود اللبنانيين أو كسر ارادتهم وارادة المقاومة التي وسعت من عملية استهدافها للمستعمرات ومستوطنات المحتلين الصهاينة في شمال فلسطين المحتلة، فأًجبرت العدو على وقف العدوان بعد تدخل دولي ومفاوضات دولية وحصل يومها ما عرف “بتفاهم نيسان”.
لقد كان تفاهم نيسان انجازاً كبيراً للمقاومة وللبنان لأنه إستطاع أن يكرّس معادلة تحيّيد المدنيين والمنشآت المدنية اللبنانية مقابل تحييد المستوطنات الصهيونية، وفتح مجالاً واسعاً أمام المقاومة للانطلاق بعملياتها العسكرية بقوة ضد الاحتلال دون تعريض المدنيين اللبنانيين للقصف الاسرائيلي ، لأن العدو عندما كانت المقاومة تقوم بالعمليات بالجنوب أو بالبقاع الغربي، كان الاسرائيلي يسارع إلى قصف القرى والبلدات والمدارس والحقول والمدنيين والناس للضغط على المقاومة، لأنه لم يكن لديه شيء إلا الرد على المدنيين. فجاء تفاهم نيسان وحيّد المدنيين، وفي ذلك الوقت قال رئيس أركان جيش العدو: لقد حوّلنا تفاهم نيسان إلى كيس ملاكمة بين قبضات المقاتلين في جنوب لبنان.
لقد حقق لبنان في نيسان 1996 بفضل تكامل الشعب والجيش والمقاومة انتصارا مدويا على العدو الاسرائيلي مهَّد وأسس للانتصار الكبير في أيار العام 2000.
وما بين نيسان 96 وبين نيسان 2019 تطورت المقاومة كما ونوعا، وازدادت ارادة وعزما وقوة، وهي مصممة على مواصلة الطريق لحماية لبنان والدفاع عنه بوجه التهديدات الصهيونية أكثر من أي وقت مضى، ولن يثنيها عن ذلك لا العقوبات ولا كل المحاولات الامريكية لتشويه صورة حزب الله وتأليب الرأي العام ضده.
حزب الله مصمم على تحمل مسؤولياته الداخلية أيضا، وهو يعمل بالتعاون مع كل الاطراف السياسية لمعالجة الأزمة الإقتصادية والمالية لمنع الانهيار في البلد.
البلد أمام مخاطر جدية على المستوى الاقتصادي، وهناك مشكلة مالية حادة نتيجة الأداء السياسي الخاطىء طيلة السنوات والعقود الماضية، وهي بحاجة الى تعاون الجميع بحكمة ومسؤولية بعيدا عن المزيدات والمناكفات السياسية غير المجدية.
نحن ندرس كيفية الخروج من المأزق المالي الكبير، ولدينا لجان متخصصة تبحث الحلول والأفكار بعقل منفتح وبشكل علمي، ونتعاون مع الجميع لإنقاذ البلد، لكن الأصل عندنا في اعتماد الحلول هو عدم المس بالطبقة الفقيرة، ولذلك سنعمل في الحكومة وفي المجلس النيابي على حماية هذه الطبقة من أي إجراءات تقشفية في الموازنة.
المصدر: موقع المنار