شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة على أنه من غير المعلوم ما اذا كانت الحكومة الجديدة ستعمل بجد وصدق على معالجة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها المواطنون، أم انها ستكون كالحكومات السابقة التي لم تنجز سوى المزيد من تراكم الديون والأعباء على البلد آملاً ان تكون هذه الحكومة كما سمت نفسها حكومة العمل، وحكومة تحقيق الإنجازات.
نص الخطبة:
لا نزال في أجواء ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) التي كانت خير بنت لأبيها وخير زوجة لزوجها علي(ع) وخير أُم لأولادها.
ما يميز الحياة العائلية والأسرية للسيدة الزهراء(ع) أنها كانت حياة مترابطة ومتماسكة ومستقرة تضج بالحب والمودة والثقة والإحترام والرضا .. وهي جديرة بالاقتداء والاتباع، لأنها تمثل النموذج الكامل للحياة العائلية المتماسكة.
الترابط والتماسك في الحياة العائلية هو أساس للحفاظ على تماسك المجتمع وعدم تفكك المجتمع لأن العائلة هي قلب المجتمع.
اليوم أحد أهم المسائل والعناوين الإجتماعية التي يجب التركيز عليها هو عنوان العمل على تكوين العائلة والأسرة وعنوان الحفاظ عليها وعلى تماسكها وبقائها وعدم المساهمة في تفكيكها.
فالعنوان الأول: وهو العمل على تكوين العائلة وتشكيل العائلة يكون من خلال الزواج والتشجيع على الزواج الصحيح والسليم، ومواجهة ثقافة عدم الزواج، فهناك أشخاص وجمعيات تنظّر ضد الزواج وخصوصا الزواج المبكر ويقولون أن الزواج المبكّر خطأ، وان له سلبيات، وكأنهم يعرفون أكثر من الله خالق الانسان أن الزواج المبكّر لمصلحة الانسان أو لا.
النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يؤكّد على الشباب الزواج المبكر – سواء الشابّات أم الشباب – وطبعاً برغبتهم واختيارهم لا أن يُقرِّر لهم الآخرون. ونحن لا بُدَّ أن نعمل على ترويج ذلك في مجتمعنا.
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله! عصم منّي ثلثي دينه. فليتّق الله العبد في الثلث الباقي”.
فالزواج المبكر للشابّ وللفتاة، يعصم ثلثي الدين، لأنمعظم المعاصي هي بسبب الشهوات وعدم ضبط الغرائز الجنسية فتبكير الشباب في الزواج يعصم أخلاقهم من الانحراف.
ونقصد بالزواج المبكر الزواج في أوانه وعند الإحساس بالحاجة إليه والمقدرة عليه، وهذا من مختصّات الإسلام، حيث إنه يدعو الى الإسراع في الزواج في الوقت الذي يشعر فيه الشاب او البنت بالحاجة إلى الزواج. لأنه يخلق لديهما الحصانة الأخلاقية والسلوكية ويجنبهما الإنحراف.
ولذلك ورد عن النبي(ص) أنه قال: ((يا مَعشَرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءة(اي الجماع) فليتزوَّج فإنَّه أغضُّ للبصر وأحصَنُ للفرج، ومَن لم يستَطِع فعليه بالصوم فإنَّه له وجاء)).أي إن الصوم يحصن الإنسان من الوقوع في الزنا والحرام.
من يرفض الزواج المبكر قد يستند في النقاش إلى بعض حالات الطلاق التي حصلت بعد زواج مبكّر، ولكن هذا ليس دليلا. بالعكس؛ الذين يروّجون ثقافة مواجهة الزواج المبكّر في
مجتمعنا هم يخدمون الشيطان من حيث لا يعلمون ويخدمون عدوّنا ويخدمون تخريب مجتمعنا أخلاقياً.
هناك ضرورة للتشجيع على الزواج وضرورة أيضا لتسهيل الزواج وعدم وضع شروط قاسية وصعبة على طالبي الزواج خصوصا من قبل الأهل.
لأن مواجهة ثقافة عدم الزواج، تكون بتسهيل الزواج سواء أكان مبكّرا أم غير مبكّر. وطبعا الترويج للزواج الشرعي الصحيح لا الزواج المدني الذي ينادي به البعض ويريد شرعنته في لبنان، لأن الزواج المدني بالصيغة المطروحة والموجود في الغرب فيه تجاوز لكل الضوابط والأحكام الدينية الملزمة ، ولايمكن ان نقبل به لانه لا يراعي شروط الزواج الصحيح.
اليوم المطلوب تسهيل الزواج الصحيح الشرعي، وتسهيل الزواج يكون بتخفيف المهر واعباء الزفاف والرضى بالقليل على المستوى المعيشي وعدم الاستغراق في طلب الكماليات فالمهر الغالي ليس ضمانة ، كم من الفتيات تطلقن وكانت مهورهن عالية ولم يشفع المهر العالي لهن فالمهور العالية ليست ضمانة للابنة من الطلاق.
الأهل وبعض العائلات يضعون أحيانا شروطا صعبة، فيقولون لطالب الزواج: لا نزوجك إلا إذا كان لديك شقّة ملك، أو لا نزوّجك إلا إذا “جبت عفش” بكذا وكذا وكذا… هؤلاء يدمّرون بناتهم، ويدمرون أبنائهم، ويدمرون مجتمعهم.
هذه الشروط الصعبة بمثل الظروف والأوضاع التي نعيشها في هذا الزمن قد يكون فيها إشكال شرعي وشبهة حرام..
الأمهات يستطيعون لعب دور عظيم في تسهيل الزواج وشروط الزواج. هناك ّكثير من الأخوات عندما تزوّجوا أزواجهم لم يكن لديهم شقق ولا بيوت ملك ولا بيوت معمّرة وكان منزلهم غرفتين ومطبخ وحمام وتزوّجوا. ما قبلوه لأنفسهم فليقبلوه لبناتهم. فلنمتنع عن وضع شروط صعبة لأن ذلك يزيد العنوسة في مجتمعنا ويزيد العزوبية في مجتمعنا ويفتح الباب للشياطين والأبالسة ليدمّرونا معنويا وأخلاقيا.
بالمقابل، هناك عائلات يتصرفون مع بناتهم بطريقة إفراط وتفريط يعني واحد يضع شروط صعبة جداً والآخر يتساهل الى حد التفريط على طريقة: “حمّل وشيل” كيف هذا؟ هذه ابنتك، وهذه عرضك، وهي جزء منك، وأنت مسؤول عنها في الدنيا وفي الآخرة. ماذا يعني “حمّل وشيل”؟ كلا، على الأب والأم أن يدققا وأن لا يتسرعا، بأن يوافقا مباشرة بمجرد قدوم أي عريس.
انظروا إلى مَن تزوجون، أهمّ شيء الدين والأخلاق. فالنبي يقول: إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب فزوّجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”. المال لا يصنع سعادة. والبيت والشقة لا تصنع سعادة.
السعادة الزوجية تأتي من الاحترام المتبادل، تأتي من المحبة، من الأنس، من التواضع، من الصبر، من الثقة المتبادلة، تأتي من تحمّل البعض للبعض الآخر. اذهبوا وفتّشوا عن الأخلاق وزوّجوا، فهذا ما ينجح الزواج.
إذاً، العنوان الأول: الذي يجب العمل عليه هوتشكيل العائلة، وتكوين العائلة من خلال التشجيع على الزواج وتسهيل الزواج، فالنبي (صلى الله عليه وآله) يقول: الزواج سنتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. هذه سنة محمد فمن رغب عن سنة محمد فهو ليس من محمد، إلى هذه الدرجة، الموضوع مهمّ وحساس ودقيق.
والعنوان الثاني: الي يجب العمل عليه هو أنه بعد تكوين العائلة واجبنا هو الحفاظ على العائلة الحفاظ على بقائها واستمرارها وترابطها وتماسكها واستقرارها، وهي مسؤولية كبيرة جداً.
والحفاظ على العائلة يكون:
اولا: بعدم المسارعة إلى الطلاق لدى أدنى مشكلة، فهناك من يتزوّج وعند أوّل مشكلة يريد الرجل أن يطلّق، فهل بنات الناس ألعوبة؟! أو عند أول مشكلة الفتاة تطلب الطلاق ولم تعد تستطيع التحمّل! وتذهب إلى أهلها وتبكي وتشتكي ثم تكون النتيجة الذهاب إلى الطلاق وتخريب البيت الزوجي وهذا أخطر شيء
أهلنا كانوا يعيشون في ظلّ حياة صعبة وكانوا يتحمّلون ويصبرون. ولا يذهبون الى الطلاق بسهولة.
اليوم نسب الطلاق في لبنان مرتفعة، وسنة بعد سنة بدل أن تتراجع النسب المئوية فهي تزداد.
الزوج والزوجة مدعوان للتحلي بالصبر لحدود بعيدة من أجل الحفاظ على العائلة، أخواتنا وأمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا عليهم مسؤولية عظيمة في حماية العائلة من التفكك وعدم المسارعة إلى الطلاق.
الزوج عليه أن يصبر والزوجة عليها أن تصبر، وإذا فقدت البنت الصبر فإن على الأم أن تساعدها وعلى الأب أن يساعدها على الإستمرار لا على الإنفصال والطلاق.
يجب ثني الشاب والبنت عن الطلاق، والتشدّد بموضوع الطلاق، فليس بمجرد أن ترفع البنت الصوت تسارع الأم لتساعدها على ذلك، لا؛ فمنذ القدم كانوا قاسين ولم يكونوا يفعلوا ذلك. لذلك بقيت البيوت. نحن لا ندعو الى القسوة وعدم الطلاق في جميع الحالات، لكن يجب أن نكون منطقيين وموضوعيين. الأب والأم للشاب كما هما للبنت: فإذا اختلف الشاب والبنت فالأم تقف إلى جانب ابنها، هذا خطر كبير وسيء ويدمّر بيوتكم ومجتمعكم ودنياهم وآخرتهم.
وظيفة الجميع العلماء والمحاكم والآباء والأمهات وظيفتهم الدينية والأخلاقية والشرعية والإنسانية أن لا يسارعوا الى إجراء الطلاق، بل يعطوا فرص ويفتّشوا عن حلول، فهؤلاء ليس وظيفتهم أن يطلقوا بل واجبهم أن يُصلحوا.. وبعد ذلك، إذا لم تحلّ المشكلة وأصبح بقاء العلاقة بينهما أفسد النتائج يذهب إلى الطلاق. إذا اولا مواجهة ظاهرة الطلاق
ثانيا: الإصرار على حفظ العائلة من خلال التعامل باحترام والممارسة الحسنة بين الزوجين والتواضع في المعيشة والتحمّل والصبر، أن نحمل بعضنا بعضاً، فالحياة صعبة.
أن نتشبه بقدوتنا الزهراء (عليها السلام) في تعاملها مع زوجها وتعامل زوجها معها فعلي يقول عن علاقته بالزهراء: فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
أن نتشبه بالزهراء في قناعتها في أسلوب معيشتنا، فالزوجة عندما تطلب من الزوج البيت الفلاني والأثاث الفلاني والسيارة الفلانيةفهذا يعقد الحياة مع عدم القدرة انظروا الى بيت فاطمة كيف كان؟ ماذا كان أثاث منزلها؟ ما هو أكلها وشربها؟ ما هو معاشها؟ .
كانت تمر على بيت الزهراء أيام ليس لديهم شيء ليفطروا عليه إلا قرص شعير وماء. وهو ما أشار اليه قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) هؤلاء هم أهل بيت النبي حاكم المدينة وحاكم الأمة في ذلك الوقت. هذه القدوة التي نحتاجها.
اليوم نحن نحتاج إلى ثقافة القناعة، السيدة فاطمة هي في قمة القناعة وفي أعلى درجات القناعة، القناعة في العيش. دائما نريد أن نتوسّع ـفإذا كان الله أعطاه المال لا مشكلةـ لكن لا نفرض ذلك على حالنا وعلى أزواجنا. وأحيانا قد أن ندفعهم إلى الحرام: ربما إلى السرقة، إلى العمالة، أو الخيانة، ليحصّلوا المال؛ ليلبّوا رغبات زوجاتهم مثلاً. القناعة أساس في الحياة؛ في الحفاظ على العائلة، الصبر، التحمّل، حسن الخلق، الزوجة تداري زوجها، الزوج يداري زوجته، والزوج كذلك، هذا جهاد بل هذا هو الجهاد الحقيقي.
اليوم عوائل الشهداء زوجات الشهداء والجرحى نموذج فاطمي في الصبر والتحمل.
وكذلك أيضا زوجات المجاهدين الذين يغيبون خارج البيت أسبوع أو أسبوعين، شهر وشهرين. تراهن صابرات محتسبات مؤمنات واثقات بالله سبحانه وتعالى. هذا هو النموذج الفاطمي. هذا هو النموذج الزينبي. هؤلاء هنّ النسوة التي يفخر بهن محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول هؤلاء نساء أمتي: هؤلاء الشريفات العفيفات المجاهدات الصابرات المحتسبات. هكذا نحفظ عائلاتنا.
اليوم الصبروالتحمل يصبح مطلوبا اكثر في ظل الأوضاع المعيشية والإقتصادية في لبنان، وليس معلوما ما اذا كانت هذه الحكومة ستعمل بجد وصدق على معلجة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها المواطنون، أم انها ستكون كسابقاتها من الحكومات التي لم تنجز سوى المزيد من تراكم الديون والأعباء على البلد .
لكن نحن دائما نأخذ جانب التفاؤل، ونأمل ان تكون هذه الحكومة كما سمت نفسها حكومة العمل وحكومة تحقيق الإنجازات.
اللبنانيون يترقبون من الحكومة الجديدة الأفعال والأعمال والمبادرات ومعالجة المشاكل والأزمات الضاغطة على حياتهم اليومية، ويأملون ان تكون وتيرة المتابعة من قبل الوزارات والمؤسسات المختلفة سريعة ودؤوبة.
اذا ارادت الحكومة أن تكون فاعلة ومنتجة وخطواتها محكمة، فإن كثرة المشاكل والأزمات التي يعاني منها المواطنون والبلد تستدعي ان يكون لديها أولويات، أولويات اجتماعية واقتصادية وصحية وأن تكون لدى كل وزارة أولوياتها التي تعمل عليها سريعاً. وأن تحذوا حذوا وزراة الصحة التي بادرت سريعا الى العمل من أجل توفير خدمة افضل للناس والتخفيف من معاناتهم.
نحن في حزب الله سنتحمل مسؤولياتنا بشكل كامل، ومنفتحون على الجميع وسنتعاون مع الجميع داخل الحكومة من أجل تحقيق انجاز المشاريع الملحة، وتأمين الحاجات والخدمات الضرورية ذات الأولوية.
ونحن كشركاء معنيون أن نكون جادين وحريصين أيضا على تقديم الأفضل والأوْلى والاكثر نفعاً للبنان واللبنانيين، وحزب الله كما قدم تجربة جادة وصادقة في المقاومة، سيسعى لتقديم تجربة جادة وصادقة على المستوى الداخلي لخدمة أهلنا وكل الشعب اللبناني.
المصدر: موقع قناة المنار