منذ نحو شهرين، وخلال عرضه لمواضيع البحث التي سوف تتناولها القمَّة العربية في تونس نهاية مارس/ آذار المقبل، قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية عبد اللطيف عبيد، في حوارٍ مع “وكالة تونس افريقيا للأنباء”، أن “فكرة التضامن العربي هي الهاجس الرئيسي لكل مواطن عربي في الوقت الراهن”، واستبعد يومذاك دعوة سوريا الى القمة الإقتصادية التي عُقِدَت في بيروت في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، واستبعد أيضاً دعوتها الى قِمَّة تونس، ولم يتطرَّق الى مشاركة بعض الدول العربية الى جانب “إسرائيل” في مؤتمر وارسو الذي عُقِدَ في 14 فبراير/ شباط، وما هو دور الجامعة العربية في ضبط إيقاع الدول الأعضاء في استنساب ما يوائم مصالحهم وارتهاناتهم، وأي تضامن عربي يُهلوس به عبيد بإسم الأمانة العامة لجامعة ماتت سريرياً منذ بداية ما يُسمَّى الربيع العربي، والتي كانت آخر انجازاتها أن عشر دول عربية- أشبه بـ “عشرة عبيد زغار”- تقاسمت الخبز في وارسو مع نتانياهو في ما اعتبره وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إنجازاً تاريخياً.
مرَّت الدول العربية بسياسات محاوِر، وانضوت تحت مُسمَّيات مختلفة: “دُوَل الطوق”، و “دُوَل المُمانعة” و “دُوَل الإعتدال”، لكنها المرَّة الأولى منذ تأسيس الجامعة العربية، تنقسم هذه الدول الى محاور دولية وإقليمية مُعلنة، وفق المصلحة الخاصة لكل دولة، وباتت فلسطين التي كانت قِبلَة العروبة على قاب قوسين من مشرحة صفقة القرن، والمهزلة في الأمر أن القضية الفلسطينية مطروحة على قِمَّة تونس المقبلة، وثلث الدول الأعضاء في هذه الجامعة كانوا شركاء في الإعداد لصفقة القرن بمؤتمر وارسو !
وإذا كان مصير عودة سوريا الى مقعدها في الجامعة، وفق ما ذكر عبيد، سوف يُبحث على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية قبل قِمَّة تونس، وأن إتخاذ قرار عودتها سيُتَّخذ على مستوى القادة خلال القِمَّة، فأي إجماعٍ متوقَّع من هكذا قادة يؤتمر ثلثُهم أميركياً ويٌبارَكُون من نتانياهو؟ في وقتٍ تستنسب دولة عربية من هنا إعادة فتح سفارتها في دمشق وتتريَّث أخرى من هناك، وتتسلَّل ثالثة من هنالك تحت جنح الظلام الى دمشق للتقارب مع القيادة السورية، وأين دورٍ لهكذا جامعة عربية من هذه السخافة التي إسمها الإجماع العربي؟ عن موضوع إدراج القضية الفلسطينية ضمن عناوين قِمَّة تونس.
قال عبيد: “القِمَّة السابقة التي عُقِدت في مدينة الظهران السعودية، سُمِّيَت بقِمَّة القدس، وندَّدت بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده الى القدس، لكن رغم التنديد العربي والنداءات الدولية، فإن ترامب مضى في قراره وتمّ نقل السفارة في مايو/أيار الماضي، لكن الأمة العربية لا تزال متمسِّكة بالحقوق الفلسطينية ومُدافعة عنها في المحافل الدولية”، فما رأي عبيد وجامعته العربية بما يُمكِن أن تُحققه قِمَّة تونس لفلسطين، ونصف أعضاء الجامعة ينحرون فلسطين سواء من خلال تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في السرّ أو العَلَن، أو عبر الطائرات العربية التي بات مطار بن غوريون يستقبلها بحمولة عملاء؟!ّ
على أية حال، نحن أمام واقع عربي جديد، ننعي من خلاله ما تُسمَّى الجامعة العربية، التي باتت تُهيمِن على مقدَّرات بعض شعوبها الجائعة أموال ممالك وإمارات النفط، وعندما ترتهن العروش العائلية لأميركا ضماناً لبقاء العرش، ويرتهن الشعب العربي في بعض الدول الفقيرة للقمة خُبزٍ ملوَّثة بالنفط، فالمسألة دخلت مقاييس الكرامة التي تَتَّصِف بها الشعوب في كل بلدٍ عربي وفق تاريخه، وإذا كان الجائع والمريض وصاحب الإعاقة في اليمن يتظاهر مع فلسطين والقذائف والصواريخ السعودية تتساقط عليه، وعندما يدفع الشعب السوري كل الأثمان للحفاظ على أرضه وسيادته، وعندما يرسم اللبناني بدماء شهدائه خارطة وطن، فلا تجمَعوا العرب بعد اليوم ضمن جامعةٍ واحدة، وكفى قِمَم عربية تفوح منها رائحة العمالة القاتلة كما سموم القِمامة والسلام..
المصدر: موقع المنار